المقام الاَوّل في الكلام علي سنده












المقام الاَوّل في الکلام علي سنده



فنقول، وبالله تعالي التوفيق:

قال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير:[1] .

إسناده ضعيف، وکذا قال العزيزي في السراج المنير وکأنّهما قلّدا في ذلک الحافظ جلال الدين السيوطي في الجامع الصغير[2] حيث رمز لضعف الحديث.وقال السندروسي في الکشف الاِلهيّ:[3] سنده واهٍ؛ وأخذه الاَلباني وزاد عليه قوله: جدّاً.[4] .

قلت:لم يتّهموا من رجال الاِسناد في ما وقفت عليه من کلامهم إلاّ الحسن بن صابر، وأعلّوا الحديث به، وجعلوا الآفة فيه منه، ومعوَّلهم في ذلک کلام ابن حبّان فيه، فلنذکره ولنبيّن زيفه بحول الله وقوّته.

قال في کتاب المجروحين:[5] .

الحسن بن صابر الکسائي من أهل الکوفة، يروي عن وکيع بن الجرّاح وأهل بلده، روي عنه العراقيّون، منکَر

[صفحه 4]

الرواية جدّاً عن الاَثبات، ممّن يأتي بالمتون الواهية عن الثقات بأسانيد متّصلة. انتهي.

ثمّ ساق له حديثاً مرفوعاً عن وکيع، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة.وقال الذهبي بترجمته في ميزان الاعتدال:[6] الحسن بن صابر الکسائي عن وکيع، قال ابن حبان: منکَر الحديث. انتهي.

ولم يتکلَّم فيه أحد من أئمّة الجرح والتعديل سوي ابن حبّان، ولم يُترجَم في غير کتابه، وأمّا الذهبي فإنّه مقلّد له في ذلک، فلا اعتداد بکلامه.

ومع ذلک فإنّ جرح ابن حبّان للکسائي مردود من وجوه:

الاَوّل: أنّ ابن حبّان هو نفسه متَّهم مجروح، بل رُمي بالعظائم، ومن قلّة حيائه وعدم تعظيمه لحرمة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تکلّمه في عليّ بن موسي الرضا عليه الصلاة والسلام، وقوله: إنّه يروي عن أبيه العجائب کأنّه کان يَهِم ويخطيَ کما حکاه أبوسعد السمعاني في الاَنساب.[7] .

وعلي من لا يحترم العترة الطاهرة من الله ما يستحقّه.[8] .

وحکي الذهبي بترجمته في (الميزان) و (التذکرة)[9] عن أبي عمرو ابن الصلاح في طبقات الشافعيّة أنّه قال: غلط الغلط الفاحش في تصرّفاته.

قال الذهبي: صدق أبوعمرو، له أوهام يتبع بعضها بعضاً. انتهي.

قلت:

وسيأتي بعد هذا إن شاء الله ذکر جملة من أوهامه في نقد الرجال.

[صفحه 5]

ومَن کان هذا حاله کيف يعوِّل اللبيب علي کلامٍ انفرد به، ولا متابع له عليه إلاّ من اغترّ به؟!

فتنبّه يرحمک الله الثاني: أنّ الجهابذة النقّاد، وأئمّة الرجال والاِسناد قد تکلَّموا في جرح ابن حبّان للرواة، وبيّنوا غلطه في کثير من أحکامه، فلنسرد هنا نتفاً من ذلک، لينجلي لک وَهْيُ کلامه، وينکشف خطؤه في حکمه وإبرامه، ولتذعن بصدق ما ادّعيْناه، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

فمنها: قوله في أفلح بن سعيد أبي محمّد المدني: يروي عن الثقات الموضوعات، لا يحلّ الاحتجاج به، ولا الرواية عنه بحال. انتهي.وأفلح هذا احتجّ به مسلم والنسائي، ووثّقه ابن معين وابن سعد.

وتنزّل الذهبي في ميزان الاعتدال[10] للردّ عليه، فقال: ربما قصّب[11] الثقة حتّي کأنّه لا يدري ما يخرج من رأسه. انتهي.

ومنها: قوله في سويد بن عمرو الکلبي: کان يقلب الاَسانيد، ويضع علي الاَسانيد الصحاح المتون الواهية. انتهي.

وردّه الذهبي في (الميزان)[12] فقال: أسرف واجترأ.وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب:[13] أفحش ابن حبّان القول فيه، ولم يأتِ بدليل.وقد احتجّ به مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة، ووثّقه ابن معين والنسائي والعجلي.

[صفحه 6]

ومنها: طعنه في عثمان بن عبدالرحمن الطرائفي، وقد احتجّ به أبوداود والنسائي وابن ماجة، ووثّقه ابن معين وابن شاهين.

قال الذهبي في ميزان الاعتدال:[14] وأمّا ابن حبّان فإنّه يقعقع کعادته، فقال فيه: يروي عن قوم ضعفاء أشياء يدلِّسها عن الثقات، حتّي إذا سمعها المستمع لم يشکّ في وضعها، فلمّا کثر ذلک في أخباره أُلزقت به تلک الموضوعات، وحمل الناس عليه في الجرح، فلا يجوز عندي الاحتجاج بروايته کلّها بحال. انتهي.

وتعقّبه الذهبي بأنّه لم يروِ في ترجمته شيئاً، ولو کان عنده له شي ء موضوع لاَسرع بإحضاره.

قال: وما علمتُ أنّ أحداً قال في عثمان بن عبدالرحمن هذا: إنّه يدلِّس عن الهلکي، إنّما قالوا: يأتي عنهم بمناکير، والکلام في الرجال لا يجوز إلاّ لتامّ المعرفة تامّ الورع. انتهي.

قلت:أمعِن نظر الاِنصاف والتحقيق في هذا الحرف الاَخير من کلامه، وليته بادر للردّ علي ابن حبّان في ترجمة ابن صابر بمثل هذا، بل بأقلّ منه، مع أنّ القدح فيه أخفّ وأيسر من جرح الطرائفي، لکن هيهات أن تطاوعه نفسه علي ذلک، بل أقرّ ابن حبّان علي جرحه المجروح لکون الرجل روي حديث الباب، وتلک (شنشنة أعرفها من أخزم).

بل ظنّي أنّ الکسائي لو کان يسلم من طعن ابن حبّان لَما کان يسلم

[صفحه 7]

من لسان ذلک الشامي الخبيث، الذي يغيظ ويستشيط ويأخذه الزَمَع إذا مرّ علي منقبة من مناقب الاِمام عليّ أميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام، وأهل البيت الطيّبين الطاهرين الکرام (قل موتوا بغيظکم إنّ الله عليمٌ بذات الصدور).[15] .

ومن سرح نظره في تراجم رواة الفضائل من (الطبقات) و(الميزان) لشاهد بالعيان کيف يُجنّ الذهبي ويأخذ في وصم الرجل وطعنه وسبّه من غير ذنبٍ، عدا روايته الفضائل والمناقب، نسأل الله السلامة من مخازي النواصب.

ومنها: قوله في محمّد بن الفضل السدوسي المعروف بعارِم شيخ البخاري، وقد احتجّ به الستّة ووثّقه أبوحاتم والنسائي والدارقطني والذهلي والعجلي، وروي عنه البخاري أکثر من مائة حديث، کما حکاه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب[16] عن (الزهرة): اختلط في آخر عمره وتغيَّر حتّي کان لا يدري ما يحدّث به، فوقع في حديثه المناکير الکثيرة، فيجب التنکّب عن حديثه في ما رواه المتأخّرون، فإن لم يعلم هذا من هذا تُرک الکُلّ، ولا يحتجّ بشي ء منها. انتهي.

وتعقّبه الذهبي فقال: لم يقدر ابن حبّان أن يسوق له حديثاً منکَراً، فأين ما زعم؟!

وقال أيضاً بعد ذکر توثيقه عن الدارقطني: فهذا قول حافظ العصر الذي لم يأتِ بعد النسائي مثله، فأين هذا القول من قول ابن حبّان الخسّاف المتهوّر؟!

[صفحه 8]

قلت:

فعُلم من هذا أنّ ابن حبّان قد يطلق القول في الراوي من دون مستند، فکيف يقبل جرحه للرواة؟!

وإذا تأمّلت ما سُقناه لک هنا لا أراک تتوقّف في ردّ کلامه في الحسن ابن صابر، لا سيّما وأنّه متّهم في مثل هذا الکوفيّ، لاَنّه روي حديثاً في فضل ذِکر أميرالمؤمنين الاِمام عليٍّ عليه الصلاة والسلام، وابن حبّان وأضرابه ممّن لا يطيبون نفساً بسماع ذلک، ولا يطيقون السکوت عليه کما ستعرف إن شاء الله تعالي.

الثالث: أنّ ابن حبّان له أوهام کثيرة يتبع بعضها بعضاً کما قال الذهبيّ، فيذکر الرجل في المجروحين ثمّ يذکره في الثقات، وهذا تناقض بيِّن، وتسامح غير هيِّن، فلذا أوجبت کثرة أوهامه سقوط کلامه!

فمن ذلک: ذکره دهثم بن قُرّان في الکتابين،[17] قال الذهبيّ في (الميزان)[18] فذکره في الثقات فأساء، وقد ذکره أيضاً في الضعفاء فأجاد.

ومن ذلک: ذکره زياد بن عبدالله النميريّ في المجروحين والثقات،[19] قال الذهبي:[20] فهذا تناقض.

ومن ذلک: ذکره عبدالرحمن بن ثابت بن الصامت في کتابيه،[21] .

[صفحه 9]

قال الذهبي:[22] قال ابن حبّان: فحش خلافه للاَثبات فاستحقّ الترک، وذکره أيضاً في الثقات، فتساقط قولاه.

ومن غرائب أوهامه ما ذکره في ترجمة بشر بن شعيب بن أبي حمزة الحمصي، قال الحافظ ابن حجر: قال ابن حبّان في کتاب الثقات: «کان متقناً» ثمّ غفل غفلة شديدة فذکره في الضعفاء، وروي عن البخاري أنّه قال: ترکناه.

قال ابن حجر: وهذا خطأ من ابن حبّان: نشأ عن حذفٍ؛ وذلک أنّ البخاريّ إنّما قال في تاريخه: «ترکناه حيّاً سنة اثنتي عشرة» فسقط من نسخة ابن حبّان لفظة «حيّاً» فتغيَّر المعني. انتهي.[23] .

الرابع: أنّ ابن حبّان من المتعنّتين المشّدّدين الّذين يجرحون الراوي بأدني جرح، ويطلقون عليه ما لا ينبغي إطلاقه عند أُولي الاَلباب، کأبي حاتم والنسائي وابن معين وابن القطّان ويحيي القطّان وغيرهم، فإنّهم معروفون بالاِسراف في الجرح والتعنّت فيه.

ومن کان من الجارحين هذا ديدنه فإنّ توثيقه معتبر، وجرحه مردود، إلاّ إذا وافقه غيره ممّن يُنْصف ويُعتبَر کما قال أبوالحسنات عبد الحيّ اللکنوي في الرفع والتکميل.[24] .

قلت:

ولم يوافق ابن حبّان علي جرحه الحسن بن صابر أحدٌ ولله الحمد ممّن يُنْصف ويُعتبَر.

[صفحه 10]

وقال أيضاً:[25] لا يحلّ لک أن تأخذ بقول کلّ جارحٍ في أيّ راوٍ کان، وإن کان ذلک الجارح من الاَئمّة، أو من مشهوري علماء الاَُمّة، فکثيراً ما يوجد أمر يکون مانعاً من قبول جرحه، وحينئذٍ يحکم بردّ جرحه. انتهي.

وقال في الاَجوبة الفاضلة:[26] ابن حبّان له مبالغة في الجرح في بعض المواضع.

قلت:

حسبک شهادة هذا الخرّيت المتضلّع والناقد المضطلع دليلاً علي ردّ جرح ابن حبّان وأمثاله من المتعنّتين المشّدّدين، کيف لا (وشهد شاهدٌ من أهلها).[27] .

الخامس: أن يقال: إنّ وصف ابن صابر بکونه «منکَر الحديث» ماذا أراد به؟

فإن عني أنّه روي حديثاً واحداً، فهذا غلط فاحش، لاَنّ ابن حبّان نفسه روي له في کتاب المجروحين حديثاً آخر غير حديث الترجمة کما مرّ بل ظاهر قوله: «إنّه يروي عن أهل بلده» يعني الکوفة، يقتضي تعدّد أحاديثه، فتدبّر.

وإنْ قصد بقوله: «منکَر الحديث» أنّه لا تحلّ الرواية عنه کما حکي عن البخاري فإنّ ذلک جرح مبهم، يُردّ عليه، إذ لا يعرف للحسن بن

[صفحه 11]

صابر ما يوجب ردّ حديثه جملةً، بل لو صرّح ابن حبّان بذلک لم يؤخذ به، فقد رُدّ عليه مثله کما مرّ آنفاً.

وإنْ أراد بذلک الفردَ الذي لا متابع له کما أطلقه أحمد بن حنبل فإنّه منقوض بمتابعة غيره له کما سيأتي إن شاء الله تعالي.

علي أنّه لا يلزم من روايته المناکير لو سُلّم أن يکون ممّن لا يُحتجّ به، کما قال الذهبي بترجمة أحمد بن عتاب المروزي من (الميزان):[28] ما کلّ من روي المناکير يضعّف.وقال شيخ الاِسلام الحافظ ابن حجر في لسان الميزان:[29] لو کان من روي شيئاً منکَراً استحقّ أن يُذکر في الضعفاء لَما سلم من المحدّثين أحد، لا سيّما المکثر منهم. انتهي.

وقال ابن دقيق العيد:[30] قولهم: «روي مناکير» لا يقتضي بمجرّده ترک روايته، حتّي تکثر المناکير في روايته. انتهي.

قلت:

وأنّي لابن حبّان إثبات ذلک في حقّ الکسائي، ومنه تعرف أنّ رميه الرجل بنکارة الحديث فيه تساهل، بل هو منکَر من القول وزور، فلا ينبغي أن يعرّج عليه، ولا يرکن إليه، والله المستعان.

السادس: هبْ أنّ ابن حبّان صادق في قوله، لکنّ رمي الراوي بنکارة الحديث لا يوجب بإطلاقه ردّ حديثه، والحکم عليه بالوضع کما

[صفحه 12]

توهّم الخصوم لاَنّه لم يُتّهم بالکذب، ولا بوضع الحديث.

قال الشيخ الاِمام تقيّ الدين السُبْکي: إنّ ممّا يجب أن يُتنبَّه له أنّ حُکم المحدّثين بالاِنکار والاستغراب قد يکون بحسب تلک الطريق، فلا يلزم من ذلک ردّ متن الحديث. انتهي.[31] .

قلت:

وکم من راوٍ قيل فيه «منکَر الحديث» أو ما في معناه، ومع ذلک احتجّ به الشيخان في الصحيحين، وغيرهما من أرباب السنن من دون تريّث ولا مبالاة بما وُصم به، وهاک منهم علي سبيل الاِجمال:

1- أحمد بن شعيب بن سعيد الحبطي، روي له البخاري والنسائي وأبوداود.

قال أبوالفتح الاَزدي: منکَر الحديث، غير مرضيّ.

2- وأسيد بن زيد الجمّال، روي عنه البخاري في الرقاق.

قال ابن حبّان: يروي عن الثقات المناکير، ويسرق الحديث، بل قال ابن معين: حدّث بأحاديث کذب.

3- وتوبة بن أبي الاَسد العنبري، روي له الشيخان وأبوداود والنسائي.قال الاَزدي: منکَر الحديث.

4- وحسّان بن حسّان وهو حسّان بن أبي عبّاد البصري روي عنه البخاري.قال أبوحاتم: منکَر الحديث.

[صفحه 13]

5- وحميد بن الاَسود البصري، روي له البخاري وأصحاب السُنن.

قال أحمد بن حنبل: ما أنکر ما يجي ء به!

6- وخيثم بن عراک بن مالک الغفاري، روي له البخاري ومسلم والنسائي.

قال الاَزدي: منکَر الحديث.

7- وعبدالرحمن بن شريح بن عبدالله بن محمود المعافري، احتجّ به الجماعة.قال ابن سعد: منکَر الحديث.

8- والمفضّل بن فضالة القتباني المصري، اتّفق الجماعة علي الاحتجاج به.قال ابن سعد: منکَر الحديث.

9- وموسي بن نافع الحنّاط، روي له الشيخان والنسائي وأبوداود.

قال أحمد بن حنبل: منکَر الحديث.

فلو کان قولهم: «منکَر الحديث» موجِباً لطرح حديث الراوي لَلَزم إبطال جملة وافرة من أحاديث الکتب الستّة وغيرها، ولا يلتزم به منهم أحد.

ولمّا أعلّ ابن الجوزي حديث أنس عند الترمذي: «اللّهمّ أحيني مسکيناً، وأمتني مسکيناً، واحشرني في زمرة المساکين»، بقوله: لا يصحّ، لاَنّ فيه الحارث بن النعمان، منکَر الحديث؛ تُعُقِّب بأنّ ذلک لا يقتضي الوضع کما في تنزيه الشريعة المرفوعة[32] لابن عرّاق.

[صفحه 14]

فلو سلَّمنا قول ابن حبّان في الحسن بن صابر وصدّقناه، فإنّ حديثه هذا ليس منکَراً، لوجود المتابع، فلا وجه لردّ حديثه جملةً.

ولعلّ في إيراد ابن حبّان حديثاً آخر في ترجمته شاهداً علي مقالته دون حديث الباب إشعاراً بما ذکرنا، والله أعلم.

وبالجملة:

فقوله في الرجل «منکَر الحديث» لا يدلّ علي أنّ کلّ ما رواه منکَر حتّي هذا الحديث کما مرّ عن الذهبي بل جاز أن يراد به أن له مناکير وقعت في أحاديثه، کما قالوا ذلک في جماعة، کإبراهيم بن المنذر الحزامي، والحکم بن عبدالله البصري، والفضل بن موسي السيناني، ومحمّد بن إبراهيم بن الحارث التيميّ الذي إليه المرجع في حديث «إنّما الاَعمال بالنيّات» ومحمّد بن طلحة بن مصرف الکوفي.

وهؤلاء احتجّ بهم البخاريّ وغيره، فتبيَّن فساد رأي من ردّ الحديث من المتأخّرين اغتراراً بکلام ابن حبّان، وانکشف وهن قول الاَلبانيّ: إنّ الحسن هذا متّهم، ووهي.

وکذا تعقّبُه علي المُناوي إذ أعلّ حديث الترجمة في فيض القدير[33] بقول ابن حبّان: بأنّ ذلک يقتضي أنّ إسناده ضعيف جدّاً، وأنّ قوله في التيسير: «إسناده ضعيف» غاية في التقصير.[34] .

هذا مع جزمه سابقاً بأنّ الحديث موضوع.[35] .

[صفحه 15]

ومن هنا تذعن بضعف هذا الاَلبانيّ في هذا العلم الشريف وقصوره فيه، وعدم اتّباعه للمتقرّر عند أهله، إذ حکم علي الحديث أوّلاً بأنّه موضوع وهو شرّ الضعيف، لاَنّه لا درجة بعده مطلقاً ثمّ ذکر أنّ إسناده ضعيف جدّاً، وهذا تناقض عظيم، وجهل کبير يعلمه طلبة نخبة الفکر، لاَنّ السند الضعيف لا يصل أن يکون به الحديث موضوعاً، بل يحتمل أن يکون واهياً يرتفع إلي درجة الضعيف، بخلاف الحديث الموضوع، فإنّه لا يرتفع إلي درجة الضعيف مطلقاً، ولا تنفع فيه المتابعات والشواهد کما أفاد شيخنا ابن الصدّيق أدام الله حراسته.[36] .

السابع: أنّ ممّا يکاد أن يُقطع به أنّ ابن حبّان لم يقل في ابن صابر «منکَر الحديث جدّاً» إلاّ لکونه کوفيّاً روي في فضل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام، وهذا عنده ذنب لا يغفر، وبمثله يُرمي الرجل بالتشيّع فيُردّ حديثه، وهذه عادة النواصب اللئام قبّحهم الله تعالي وأخزاهم في أکثر ما روي من مناقب آل النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم، وقلوبهم المنکَرة تنکِر ما ثبت في ذلک، حتّي إنّ أحدهم إذا لم يجد مطعناً في الاِسناد قال متعنّتاً: في النفس من هذا الحديث شي ءٌ، أو: إنّ القلب ليشهد ببطلانه، وما ذلک إلاّ من جفائهم للعترة الطاهرة المطهَّرة، وسعيهم في إطفاء نور الله تعالي والعياذ بالله.

ومن تتبّع کلام الغويّ الجوزجاني وابن قايماز الترکماني وأضرابهما من ألدّاء النواصب أذعن لما قلنا، أمّا فضائل خصومهم التي ما أنزل الله بها من سلطان فلا تري فيها شيئاً من ذلک التشدّد المقيت، والتقوّل السخيف،

[صفحه 16]

وهم أعلم الخلق بکذبها وبطلانها، لکنّ حبّ الشي ء يُعمي ويُصمّ، وهوان آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم علي هؤلاء الاَجلاف الجفاة حملهم علي ذلک، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

وأمّا قول السندروسي في کتابه الکشف الاِلهيّ عن شديد الضعف والموضوع والواهي[37] في حديث الباب: إنّ سنده واهٍ.فليس بشي ء؛ لاَنّه فسَّر الواهي: بأنّه ما يوجد في سنده کذّابان أو أکثر، قال: يعني في کلّ طريقٍ من طرقه.[38] انتهي.

وليت شعري، کيف وهّي السند مع عدم اشتماله علي کذّاب واحد، فضلاً عن کذّابَيْن، فضلاً عن تحقّق ذلک في کلّ طريق من طرقه؟! فناقض بذلک نفسه!

وقد تحصّل ممّا مرّ أنّ ابن صابرٍ الکسائي غير مطعون فيه، وأنّ جرح ابن حبّان إيّاه بنکارة الحديث مع تفرّده به واختلافهم في قبول الجارح الواحد مردودٌ عليه، لِما بيّنّا من حاله في جرح الرواة، ومبلغ ذلک عند الاَئمّة النقّاد.

فإنْ قال قائل:

يلزم ممّا قرّرتَ أن يکون الحسن بن صابر في عِداد المجهولين.

قلنا:

لا يضرّه ذلک، لاَنّ المراد إمّا جهالة العين أو جهالة الوصف.

[صفحه 17]

فإنْ أُريد جهالة العين وهو غالب اصطلاح أهل هذا الشأن في هذا الاِطلاق فذلک مرتفع عنه، لاَنّه قد روي عنه عبدالله بن يزيد والفضل بن يوسف القصَباني، وبرواية اثنين تنتفي جهالة العين، فکيف برواية العراقيّين عنه کما ذکر ابن حبّان في ترجمته مضافاً إلي أنّه عرّفه فوصفه بما ذکره.

وإن أُريد جهالة الوصف، فغاية الاَمر أنّه مستور، لاَنّ ظاهر أمره علي العدالة، وقد قبل روايته أعني المستور جماعة بغير قيد[39] کأبي حنيفة وتبعه ابن حبّان إذ العدل عنده من لا يُعرف فيه الجرح.

قال: والناس في أحوالهم علي الصلاح والعدالة، حتّي يظهر منهم ما يوجب الجرح کما في شرح الشرح[40] للقاري.

قال أبوعمرو بن الصلاح: يشبه أن يکون العمل علي هذا الرأي في کثير من کتب الحديث المشهورة في غير واحد من الرواة الّذين تقادم العهد بهم وتفّدرت الخبرة الباطنة بهم،[41] وصححّه النووي في شرح المهذّب کما في تدريب الراوي.[42] .

وقال في علوم الحديث:[43] حکي الاِمام أبوالمظفّر السمعاني وغيره عن بعض أصحاب الشافعي:[44] أنّه تُقبل رواية المستور وإن لم تقبل شهادته.

[صفحه 18]

قال ابن الصلاح: ولذلک وجه متّجه. انتهي.

وقال أيضاً: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستورٍ لم تتحقّق أهليّته، غير أنّه ليس مغفَّلاً کثير الخطأ في ما يرويه، ولا هو متّهم بالکذب أي لم يظهر منه تعمّد الکذب في الحديث ولا سببٍ آخر مُفسِّق، ويکون متن الحديث مع ذلک قد عُرف، بأن رُوي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أکثر، حتّي اعتضد بمتابعة مَن تابع راويه علي مثله، أو بما له من شاهد وهو ورود حديث آخر بنحوه فيخرج بذلک عن أن يکون شاذّاً أو منکَراً.[45] .

قال: وکلام الترمذي علي هذا القسم يتنّزل. انتهي.

قلت:

فجهالة حال ابن صابر بل حتّي التکلّم فيه بنکارة الحديث لا تضرّه في المقام، إذ قد توبِع علي حديثه من طريق حمدان بن المعافي فبانَ، أنّه لم يتفرّد به.

وقد روي هذه المتابعة الاِمام الحافظ الفقيه ابن المغازلي الشافعي في (المناقب)،[46] قال: أخبرنا أبوالحسن أحمد بن المظفّر بن أحمد العطّار الفقيه الشافعي بقراءتي عليه فأقرَّ به، قلت: أخبرکم أبومحمّد عبدالله بن محمّد بن عثمان المزني الملقّب بابن السقّا الحافظ

[صفحه 19]

الواسطي، قال: حدّثني محمّد بن علي بن معمر الکوفي، حدّثنا حمدان بن المعافي، حدّثنا وکيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ذِکْرُ عليٍّ عبادة.

وهذه متابعة تامّة ثبت بها خروج الحسن بن صابر من عهدة الحديث، وزالت عنه التهمة، وظهر أنّه لا يدور عليه خلافاً لِما توهّمه المبطلون.

أمّا أبوجعفر حمدان بن المعافي الصبيحي، مولي جعفر بن محمّد الصادق عليهماالسلام، فقد روي عن موسي الکاظم عليه السلام وأبي الحسن الرضا عليه السلام، وقد دَعَوا له.

وأمّا صاحبه أبوالحسين محمّد بن عليّ بن معمّر الکوفي، فقد ذکر الشيخ الاِمام أبوجعفر الطوسي رحمه الله تعالي في (رجاله): أنّ التلعکبري سمع منه سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وله منه إجازة.

فإن قال قائل:

قد قرّروا أنّ الداعية إذا روي ما يؤيّد مذهبه فإنّ حديثه يُردّ بالاِجماع.

قلنا:

إنّ هذه حيلة احتالها النواصب أعداء الله وأعداء رسوله صلي الله عليه وآله وسلم لردّ أحاديث الفضائل والمناقب الواردة في عليّ وعترته الزکيّة، فزعموا أنّ راويها إذا کان متشيِّعاً فإنّ حديثه مردود، ولکن هذا کلّه والله باطل من رأسه، فلا تشيّع الراوي يوجب ردّ حديثه، ولا روايته في فضل عليٍّ وآله.

وهل يروي فضائلهم إلاّ شيعتهم ومحبّوهم؟!

[صفحه 20]

وهل يُعقل أن يحدّث بها عن طوعٍ مَنْ عاداهم وناواهم، ممّن أقام دهره علي نصبهم وعداوتهم؟!

اللهمّ لا.

ولو کان تشيّع الراوي قادحاً لَما أخرج الشيخان في الصحيحين عن جماعة من المتشيّعين، وقد جمع الحافظ ابن حجر أسماء من روي لهم البخاريّ منهم، فسمّي نحو السبعين، قال ابن الصدّيق: وما أراه استوعب.[47] .

وأمّا صحيح مسلم، ففيه أکثر من ذلک بکثير، حتّي قال الحاکم: إنّ کتابه ملآن من الشيعة.

وقد روي الاِمام أحمد في (مسنده) عن عبدالرزّاق بن همّام الصنعاني ما لعلّه يبلغ نصف مسنده، وحکي الذهبي في تذکرة الحفّاظ[48] عن أبي أحمد الحاکم، قال: سمعت أباالحسين الغازي يقول: سألت البخاريّ عن أبي غسّان.

فقال: عمّ تسأل عنه؟

قلت: شأنه في التشيّع.

فقال: علي مذهب أئمّة أهل بلده الکوفيّين، ولو رأيتم عبيدالله وأبانعيم وجميع مشايخنا الکوفيّين لَما سألتموني عن أبي غسّان يعني لشدّتهم في التشيّع.

واعترف الذهبي أيضاً في ميزان الاعتدال[49] بترجمة أبان بن تغلب:

[صفحه 21]

بأنّه لو رُدّ حديث المتشيّعين مطلقاً لذهبت جملة من الآثار النبويّة،

قال: وهذه مفسدة بيّنة.

وقد قبل جماعة من الاَئمّة کالثوري وأبي حنيفة وأبي يوسف وابن أبي ليلي وآخرون رواية المبتدع مطلقاً، سواء کان داعية أو لم يکن، بل نُقل عن جماعة من أهل الحديث والکلام قبول رواية المبتدعة ولو کان کافراً ببدعته.

واحتجّ الشيخان والجمهور بأحاديث الدُعاة کحريز بن عثمان، وعمران بن حطّان، وشبابة بن سوار، وعبدالحميد الحِمّاني وأضرابهم.

إذا تقرّر هذا، تبيَّن لک إغراب ابن حبّان والحاکم في حکاية الاِجماع علي اشتراط عدم کون الراوي داعية في قبول رواية المبتدع، وهو باطل في نفسه، مخالف لِما هم مجمعون عليه في تصرّفهم، وإنّما نشأ ذلک عن تهوّر وعدم تأمّل کما قال الحافظ أبوالفيض بن الصدّيق.

وأمّا اشتراط کونه روي ما لا يؤيّد بدعته فهو من دسائس النواصب التي دسّوها بين أهل الحديث ليتوصّلوا بها إلي إبطال کلّ ما ورد في فضل عليّ عليه السلام، وذلک أنّهم جعلوا آية تشيّع الراوي وعلامة بدعته هو روايته فضائل عليّ عليه السلام، ثمّ قرّروا أنّ کلّ ما يرويه المبتدع ممّا فيه تأييد لبدعته فهو مردود ولو کان من الثقات والذي فيه تأييد التشيّع في نظرهم هو فضل عليٍّ عليه السلام وتفضيله، فيتنج من هذا أن لا يصحّ في فضله حديث کما صرّح به بعض من ألقي جلباب الحياء عن وجهه من غلاة النواصب کابن تيميّة وأضرابه.

قال الاِمام الحافظ شهاب الدين أحمد بن الصدّيق في فتح الملک

[صفحه 22]

العليّ بصحّة حديث باب مدينة العلم عليّ عليه السلام:[50] وقد راجت هذه الدسيسة علي أکثر النقّاد، فجعلوا يثبتون التشيّع برواية الفضائل، ويجرحون راويها بفسق التشيّع، ثمّ يردّون من حديثه ما کان في الفضائل، ويقبلون منه ما سوي ذلک.

ولعمري إنّها دسيسة إبليسيّة، ومکيدة شيطانيّة، کاد ينسدّ بها باب الصحيح من فضل العترة النبويّة، لولا حکم الله النافذ (والله غالب علي أمره)،[51] (يريدون أن يُطفئوا نور الله بأفواههم ويأبي الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو کره الکافرون).[52] .

قال: وأوّل من علمته صرّح بهذا الشرط وإن کان معمولاً به في عصره إبراهيم بن يعقوب الجوزجانيّ، وکان من غلاة النواصب، بل قالوا: إنّه حريزيّ المذهب، علي رأي حريز بن عثمان وطريقته في النصب.

قال: وهذا الشرط لو اعتُبر لاَفضي إلي ردّ جميع السُنّة، إذ ما من راوٍ إلاّ وله في الاَُصول والفروع مذهب يختاره، ورأي يستصوبه ويميل إليه، ممّا غالبه ليس متّفقاً عليه، فإذا روي ما فيه تأييد لمذهبه وجب أن يُردّ ولو کان ثقةً مأموناً لاَنّه لا يُؤْمَن عليه حينئذٍ غلبة الهوي في نصرة مذهبه، کما لا يُؤْمَن علي المبتدع الثقة المأمون في تأييد بدعته.

فکما لا يُقبل من الشيعي شي ء في فضل عليّ عليه السلام، کذلک لا يقبل من غيره شي ء في فضل أبي بکر، ثمّ لا يقبل ما فيه دليل التأويل، ولا من السَلَفي ما فيه دليل التفويض، ثمّ لا يقبل من الشافعي ما فيه تأييد مذهبه،

[صفحه 23]

ولا من الحنفي کذلک، وهکذا بقيّة أصحاب الاَئمّة الّذين لم يخرج مجموع الرواة بعدهم عن التعلّق بمذهب واحدٍ من مذاهبهم أو موافقته.

وحينئذٍ فلا يقبل في بابٍ من الاَبواب حديثٌ إلاّ إذا بلغ رواته حدّ التواتر، أو کان متّفقاً علي العمل به، وذلک بالنسبة لخبر الآحاد وما هو مختلف فيه قليل.

وبذلک تُردّ السُنّة أو ينعدم المقبول منها، وهذا في غاية الفساد، فالمبنيّ عليه کذلک، إذ الکلّ يعتقد أنّ مذهبه ورأيه صواب، وکونه باطلاً وبدعةً في نفسه أمر خارج عن معتقد الراوي.

ولهذا لم يعتبروا هذا الشرط ولا عرّجوا عليه في تصرّفاتهم أيضاً، بل احتجّوا بما رواه الشيعة الثقات ممّا فيه تأييد مذهبهم.

وأخرج الشيخان فضائل عليّ عليه السلام من رواية الشيعة، کحديث: «أنت منّي وأنا منک» أخرجه البخاري[53] من رواية عبيدالله بن موسي العبسي، الذي أخبر عنه البخاري أنّه کان شديد التشيّع، وحديث: «لا يحبّک إلاّ مؤمن ولا يبغضک إلاّ منافق» أخرجه مسلم[54] من رواية عدي بن ثابت، وهو شيعيّ غالٍ، داعية.

وهکذا فعل بقيّة الاَئمّة، أصحاب الصحاح والسُنن والمصنّفات الّذين لا يخرّجون من الحديث إلاّ ما هو محتجّ به، وصرّحوا بصحّة کثير منها، وذلک کثير لمتتبّعه، دالّ علي بطلان هذا الشرط. انتهي.

[صفحه 24]

وإنّما سُقتُ لک کلام هذا الاِمام الخرّيت بطوله لنفاسته، وهو الحقّ الذي لا محيد عنه (فماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال فأنّي تصرفون)،[55] ولم أرَ مَن سبقه إلي هذا التمحيص الاَنيق، فاشدد عليه يديک، وعضّ عليه بناجذيک، والله الموفّق والمستعان.[56] .

فإنْ قلت:

ومع ذلک فقد يقال: إنّ الحديث فرد مطلق، تفرّد به وکيع بن الجرّاح في جميع طرقه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.

قلت:

وإن کنت ستعرف أنّ الاَمر ليس کما قيل، لکنّ لو سُلّم فلا ضير في ذلک، فإنّ وکيعاً متّفق علي ثقته، وقد احتجّ به الجماعة، ومن روي له الشيخان فقد جاز القنطرة کما قاله الاِمام أبوالحسن عليّ بن المفضّل المقدسي.[57] .

فتفرّد مثل وکيع ليس بقادحٍ ألبتّة، لاَنّ الثقة إذا روي ما لم يروه غيره فمقبول إذا کان عدلاً ضابطاً حافظاً، فإنّ هذا لو رُدَّ لرُدّت أحاديث کثيرة من هذا النمط، وتعطّلت کثير من المسائل عن الدلائل کما قال الحافظ عماد الدين ابن کثير في اختصار علوم الحديث.[58] .

[صفحه 25]

وقال شمس الدين ابن قيّم الجوزيَّة:[59] إذا روي الثقة حديثاً منفرداً به، لم يروِ الثقات خلافه، فإنّ ذلک لا يُسمّي شاذّاً، وإن اصطلح علي تسميته شاذّاً بهذا المعني لم يکن هذا الاصطلاح موجِباً لردّه ولا مسوّغاً له. انتهي.

وقال الاَمير الصنعاني في توضيح الاَفکار:[60] إذا تفرّد الراوي بشي ء نُظر فيه، فإن کان ما انفرد به مخالفاً لِما رواه مَن هو أَوْلي منه بالحفظ لذلک وأضبط کان ما انفرد به شاذّاً مردوداً، وإن لم تکن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنّما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد، فإن کان عدلاً حافظاً موثوقاً بإتقانه وضبطه قُبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه. انتهي موضع الحاجة من کلامه.

ووکيع: إمام مقدَّم في الحديث، متّصف عند القوم بجميع ما اشترطوه من الصفات بلا نکير، فلا ينبغي الطعن في حديث الباب من هذه الجهة، والله وليّ التوفيق.

هذا کلّه بالاِضافة إلي حديث الحسن بن صابر ومتابعته، وقد روي الحديث أيضاً من طريق محمّد بن زکريّا الغلابي، عن جعفر بن محمّد بن عمّار، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في حديث قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: النظر إلي عليّ بن أبي طالبٍ عبادة، وذِکْره عبادة.[61] .

[صفحه 26]

فإن قيل:

الحمل فيه علي الغلابي، لاَنّه متّهم، وقال الدارقطني: يضع الحديث. انتهي.

قلت:

هذا تعسّف وإسراف من الدارقطنيّ، ولم يتابعه عليه أحد، بل إنّ الذهبي علي تعنّته وتشدّده اقتصر في ميزان الاعتدال[62] علي تضعيفه، وحکي عن ابن حبّان أنّه ذکره في الثقات وقال: يُعتبر بحديثه إذا روي عن ثقة، وقال: في روايته عن المجاهيل بعض المناکير،[63] وقال ابن مندة: تُکُلّم فيه. انتهي.

ووجه طعنهم في الرجل غير خافٍ، فإنّه کان من وجوه الشيعة بالبصرة، وروي مناقب الآل وصنّف فيها، ولذا قال فيه ابن النديم في الفهرست: کان ثقةً صادقاً.

وقال القضاعي في مسند الشهاب:[64] محمّد بن زکريا الغلابي رجل حديثه حسن.

ولو جاز الاَخذ بقول الدارقطنيّ في الغلابي لجاز الاَخذ بتضعيفه أباحنيفة في الحديث،[65] ولا يجيزون الاَخذ به البتّة، بل يردّونه عليه،

[صفحه 27]

ويعدّونه بغياً منه وإسرافاً،[66] فکذا ينبغي طرح جرحه لمحمّد بن زکريّا، علي أنّه لو صُدّق لم يجرِ في ما نحن فيه، لعدم انفراد الرجل بحديث الباب کما عرفت.

ولو سُلِّم قولهم بضعفه، فإنّ حديثه بانفراده يکون ضعيفاً، وهو وإن کان حُجّة في المناقب إلاّ أنّه يشتدّ ويعتضد بغيره من الاَحاديث المتقدّمة، فترتقي بمجموعها إلي درجة الحسن کما سيأتي بيان ذلک إن شاء الله تعالي.

[صفحه 28]


صفحه 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10، 11، 12، 13، 14، 15، 16، 17، 18، 19، 20، 21، 22، 23، 24، 25، 26، 27، 28.








  1. التيسير بشرح الجامع الصغير 20:2.
  2. الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير 665:2 ح 4332.
  3. الکشف الاِلهيّ 358:1.
  4. سلسلة الاَحاديث الضعيفة والموضوعة 216:4.
  5. کتاب المجروحين 239:1.
  6. ميزان الاعتدال 496:1.
  7. الاَنساب 74:3 الرضا، تهذيب التهذيب 244:4.
  8. فتح الملک العليّ: 131-130.
  9. ميزان الاعتدال 507:3، تذکرة الحفّاظ 921:3.
  10. ميزان الاعتدال 274:1، تهذيب التهذيب 233:1.
  11. أي: عاب وشتم، انظر: لسان العرب 178:11 مادّة «قصب».
  12. ميزان الاعتدال 53:2.
  13. تقريب التهذيب: 260.
  14. ميزان الاعتدال 46-45:3.
  15. سورة آل عمران 119:3.
  16. تهذيب التهذيب 269:5.
  17. المجروحين 295:1، الثقات 293:6.
  18. ميزان الاعتدال 29:2.
  19. کتاب المجروحين 306:1، الثقات 256-255:4.
  20. ميزان الاعتدال 91:2.
  21. کتاب المجروحين 55:2، الثقات 95:5.
  22. ميزان الاعتدال 552:2.
  23. التاريخ الکبير 76:2 رقم 1743، هدي الساري مقدّمة فتح الباري: 412.
  24. الرفع والتکميل: 274.
  25. الرفع والتکميل: 265.
  26. الاَجوبة الفاضلة: 179.
  27. سورة يوسف 26:12.
  28. ميزان الاعتدال 118:1.
  29. لسان الميزان 308:2.
  30. فتح الملک العليّ: 135.
  31. شفاء السقام في زيارة خيرالاَنام: 29.
  32. تنزيه الشريعة المرفوعة 304:2.
  33. فيض القدير 565:3.
  34. سلسلة الاَحاديث الضعيفة والموضوعة 217:4.
  35. سلسلة الاَحاديث الضعيفة والموضوعة 216:4.
  36. بيان نکث الناکث: 34.
  37. الکشف الاِلهيّ 358:1.
  38. الکشف الاِلهيّ 65:1.
  39. کما في نزهة النظر شرح «نخبة الفکر» للحافظ ابن حجر: 100، فواتح الرحموت بشرح مسلَّم الثبوت 146:2.
  40. شرح الشرح للقاري: 154.
  41. علوم الحديث: 112.
  42. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 268:1.
  43. علوم الحديث: 33.
  44. وهو سُليم بن أيوب الرازي، کما يُعلم من علوم الحديث: 112، جمع الجوامع لابن السُبَکي 150:2، المطبوع مع «حاشية البنّاني» و «تدريب الراوي» للحافظ السيوطي 268:1.

    وهو مذهب ابن فَوْرَک أيضاً، کما في جمع الجوامع 150:2.

  45. علوم الحديث: 31.
  46. مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام) لابن المغازلي: 196-195.
  47. فتح الملک العليّ: 106.
  48. تذکرة الحفاظ 978:3.
  49. ميزان الاعتدال 5:1.
  50. فتح الملک العليّ: 109.
  51. سورة يوسف 21:12.
  52. سورة التوبة 32:9.
  53. صحيح البخاري: کتاب الصلح باب کيف يکتب هذا ما صالح فلان بن فلان بن فلان.. الخ کتاب المغازي باب عمرة القضاء.
  54. صحيح مسلم: کتاب الاِيمان باب الدليل علي أنّ حبّ الاَنصار وعلي رضي الله عنهم من الاِيمان.
  55. سورة يونس 32:10.
  56. انظر في ذلک أيضاً: دراسات في الجرح والتعديل: 153:2، لمحمّد ضياءالرحمن الاَعظمي ط دار الغرباء الاَثريّة بالمدينة المنوّرة سنة 1417 ه.
  57. هدي الساري: 403، تنزيه الشريعة المرفوعة 18:1.
  58. اختصار علوم الحديث: 50.
  59. إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: 160.
  60. توضيح الاَفکار 4:2، بواسطة علوم الحديث لصبحي الصالح.
  61. رواه ابن شاذان؛ في «المناقب» المنقبة المائة 163؛ ومن طريقه الخوارزمي في المناقب: 2، والحمويني في فرائد السمطين 19:1، وکذا أخرجه الصدوق ابن بابويه؛ في الاَمالي: 119.
  62. ميزان الاعتدال 550:3.
  63. ميزان الاعتدال 550:3، لسان الميزان 169:5.
  64. مسند الشهاب 109:2.
  65. کما في سُنن الدارقطني 123:1 باب ذکر قوله (صلي الله عليه و سلم): «من کان له إمام فقراءة الاِمام له قراءة»، واختلاف الروايات في ذلک.

    وقد تکلّم النسائي في أبي حنيفة، کما في بعض نسخ «ميزان الاعتدال»، وص 121 من «الرفع والتکميل»، وکذا الخطيب تکلّم فيه البغداديّ في تاريخه، وتبعه ابن الجوزي.

  66. فواتح الرحموت 154:2، الرفع والتکميل: 70 وما بعدها.