الشعر والشعراء عند أعلام الدين











الشعر والشعراء عند أعلام الدين



إقتفي أثر الائمة الطاهرين فقهاء الامة، وزعماء المذهب، وقاموا لخدمة الدين الحنيف بحفظ هذه الناحية من الشعر کلاءة لناموس المذهب، وحرصا لبقاء مآثر آل الله، وتخليدا لذکرهم في الملا، وکانوا يتبعون منهاج أئمتهم في الاحتفاء بشاعرهم وتقديره، وإلاثابة علي علمه والشکر له بکل قول وکرامة، وکانوا يحتفظون بهذه المغازي بألتاليف في الشعر وفنونه، ويعدونه من واجبهم کما کانوا يؤلفون في الفقه و ساير العلوم الدينية، مهما کان کل منهم للغايات حفيا.

هذا: شيخنا الاکبر الکليني الذي قضي من عمره عشرين سنة في تأليف الکافي أحد الکتب الاربعة مراجع الامامية، له کتاب ما قيل من الشعر في أهل البيت. والعياشي الذي ألف کتبا کثيرة في الفقه الامامي لا يستهان بعدتها، له کتاب «معاريض الشعر». وشيخنا الاعظم الصدوق الذي بذل النفس والنفيس دون التأليف والنشر في الفقه والحديث، له کتاب الشعر. وشيخ الشيعة بالبصرة الجلودي ذلک الشخصية البارزة في العلم وفنونه، له کتاب ما قيل في علي عليه السلام من الشعر. وشيخ الامامية بالجزيرة أبوالحسن الشمشاطي مؤلف مختصر فقه أهل البيت، له کتب قيمة في فنون الشعر. ومعلم الامة شيخنا المفيد الذي لا تخفي علي أي أحد أشواطه البعيدة في خدمة الدين، وإحياء الامة، وإصلاح الفاسد، له کتاب مسائل النظم. وسيد الطايفة المرتضي علم الهدي، له ديوان، وتآليف في فنون الشعر. إلي زرافات آخرين من حملة الفقه وأعضاد العلم الالهي من الطبقة العليا.

ولم يزالوا يعقدون الحفلات والاندية في الاعياد المذهبية من مواليد أئمة

[صفحه 23]

الدين عليهم السلام ويوم العيد الاکبر ألغدير ومجالس تعقد في وفياتهم، فتأتي إليها الشعراء شرعا فيلقون ولايد أفکارهم من مدايح وتهاني وتأبينات ومراثي فيها إحياء أمرهم، فتثبت لها القلوب، وتشتد بها العلائق الودية بين افراد المجتمع ومواليهم عليهم السلام، ويتبعها الحفاوة والتکريم والاثابة والتعظيم لمنضدي تلک العقود و جامعي أوابدها، هذا وما عند الله خير وأبقي.

وکانت الحالة في بعض تلک القرون الخالية أکيدة، والنشاط الروحي بالغا في رجالاته فوق ما يتصور، والامة بيمن تلک النفوس الطاهرة سعيدة جدا کعصر سيد الامة آية الله بحر العلوم والشيخ الاکثر کاشف الغطاء، وأما اليوم فإن تلک المحتشدات الروحية:


أمست خلاءا وأمسي أهلها احتملوا
أخني عليها الذي أخني علي لبد


نعم بالامس کان بقية العترة الطاهرة الامام المجدد الشيرازي نزيل سامراء المشرفة ذلک العلم الخفاق للامة جمعآء، الذي طنبت زعامته الدينية علي أطراف العالم کله، لا تنقطع حفلاته في الايام المذکورة کلها فتقصدها صاغة القريض بأناشيدهم المبهجة من شتي النواحي، فتجد عنده فناءا رحبا، وإنبساطا شاملا، وتقديرا معجبا، ونائلا جزيلا، وبشاشة مرغبة. ولکن:

ذهب الذين يعاش في أکنافهم...

ومن نماذج هاتيک الاحوال أن شاعر أهل البيت المفلق ألسيد حيدر الحلي قصده بشعر في بعض وفداته إليه فأضمر السيد المجدد في نفسه أن يثيبه بعشرين ليرة عثمانية فأفضي بعزمه إلي إبن عمه العلم الحجة[1] الحاج ميرزا إسماعيل فاستقل ذلک المبلغ وقال: إنه شاعر أهل البيت، وإنه أجل وأفضل من أمثال دعبل والحميري و نظرائهما، وکان أئمة الدين يقدمون إليهم الصرر والبدر فاستحفاه عن مقتضي الحال فقال له: إن الحري أن تعطيه مائة ليرة بيدک الشريفة. هناک قصد السيد المجدد زيارة السيد حيدر وناوله المبلغ المذکور بکل حفاوة وتبجيل وقبل يد شاعر أهل البيت. حکاه جمع ممن أدرک ذلک العصر الذهبي ومنهم خلفه الصالح آية الله ميرزا

[صفحه 24]

علي آغا الذي خلف والده علي تلک المجالس والمجتمعات واستنشاد الشعر والاصاخة إليه والتقدير والترحيب في النجف الاشرف.

ولا يسعنا بسط المقال حول هذه کلها، وليس هذا المجمل إلا نفثة مصدور، ولهفة متحسر، علي فراغ هذه الناحية في اليوم، وإهمال تلک الغاية المهمة، وإقلاق تلک الطمأنينة، وضياع تلک الفوائد الجمة علي الامة، فالايام عوج رواجع[2] فکأن الدنيا رجعت إلي ورائها ألقهقري، واکتسي الشعر کسوة الجاهلية الاولي، وذهب أمس بما فيه،[3] فلا فقيه هناک کأولئک، ولا شاعر کهؤلاء، ولا رأي لمن لا يطاع.

ومهما نتلقي شعر السلف في القرون الاولي تلقي الحديث والسنة نذکر في شعرهم المقول في فضايل آل الله بعض ما وقفنا عليه من الحديث الوارد هناک من طرق العامه، ولعل الباحث يقف بذلک علي سعة باع الشاعر في علمي الکتاب و السنة.

عبدالحسين الاميني

آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

[صفحه 25]



صفحه 23، 24، 25.





  1. تأتي ترجمته في شعراء القرن الرابع عشر.
  2. مثل يضرب يعني: الدهر تارة يعرج عليک وتارة يرجع إليک.
  3. مثل ساير يضرب.