معاوية وقيس قبل وقعة صفين











معاوية وقيس قبل وقعة صفين



ذکر غير واحد من رجال التاريخ في معاجمهم:[1] انه لما قرب يوم صفين خاف معاوية علي نفسه أن يأتيه علي بأهل العراق، وقيس بأهل مصر، فيقع بينهما ففکر في إستدراج قيس وإختداعه فکتب إليه: أما بعد: فإنکم إن کنتم نقمتم علي عثمان في أثرة رأيتموها، أو ضربة سوط ضربها، أو في شتمه رجلا، أو تسييره أحدا، أو في إستعماله الفتيان من أهله، فقد علمتم أن دمه لم يحل لکم بذلک، فقد رکبتم عظيما من الامر، وجئتم شيئا إدا، فتب يا قيس إلي ربک إن کنت من المجلبين علي عثمان إن کانت التوبة من قتل المؤمن تغني شيئا، فأما صاحبک فإنا استيقنا أنه الذي أغري الناس وحملهم حتي قتلوه، وانه لم يسلم من دمه عظيم قومک فإن إستطعت أن تکون ممن يطلب بدم عثمان؟ فبايعنا علي علي في أمرنا، ولک سلطان العراقين إن أنا ظفرت ما بقيت، ولمن أحببت من أهل بيتک سلطان الحجاز مادام لي سلطان، وسلني غير هذا ما تحب

فکتب إليه قيس:

[صفحه 99]

أما بعد: فقد وصل إلي کتابک، وفهمت الذي ذکرت من أمر عثمان، وذلک أمر لم اقاربه، وذکرت ان صاحبي هو الذي أغري الناس بعثمان ودسهم إليه حتي قتلوه وهذا أمر لم أطلع عليه، وذکرت لي أن عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان فلعمري إن أولي الناس کان في أمره عشيرتي، وأما ما سألتني من مبايعتک علي الطلب بدم عثمان و ما عرضته علي فقد فهمته وهذا أمر لي فيه نظر وفکر، وليس هذا مما يعجل إلي مثله، وأنا کاف عنک وليس يأتيک من قبلي شيئ تکرهه حتي تري ونري.

فکتب إليه معاوية:

أما بعد: فقد قرأت کتابک فلم أرک تدنو فأعدک سلما، ولم أرک تتباعد فأعدک حربا، أراک کحبل الجزور، وليس مثلي يصانع بالخداع، ولا يخدع بالمکايد، ومعه عدد الرجال، وبيده أعنة الخيل، فإن قبلت الذي عرضت عليک فلک ما أعطيتک، وإن أنت لم تفعل ملات عليک خيلا ورجلا، والسلام.

فکتب إليه قيس:

أما بعد: فالعجب من إستسقاطک رأيي والطمع في أن تسومني- لا أبا لغيرک- ألخروج عن طاعة أولي الناس بالامر، وأقولهم للحق، وأهداهم سبيلا، وأقربهم من رسول الله وسيلة، وتأمرني بالدخول في طاعتک طاعة أبعد الناس من هذا الامر، وأقولهم للزور، وأضلهم سبيلا، وأبعدهم من رسول الله وسيلة، ولديک قوم ضالون مضلون، طاغوت من طواغيت إبليس، وأما قولک: إنک تملا علي مصر خيلا ورجلا فلئن لم اشغلک عن ذلک حتي يکون منک إنک لذو جد، والسلام.

وفي لفظ الطبري: فوالله إن لم اشغلک بنفسک حتي تکون نفسک أهم إليک، إنک لذو جد.

فلما آيس معاوية منه کتب اليه:[2] .

أما بعد: فإنک يهودي إبن يهودي، إن ظفر أحب الفريقين إليک عزلک، واستبدل بک، وإن ظفر أبغضهما إليک قتلک، ونکل بک وکان أبوک وترقوسه، ورمي عير غرضه،

[صفحه 100]

فأکثر الحز، وأخطأ المفصل، فخذله قومه، وأدرکه يومه، ثم مات طريدا بحوران. والسلام.

فکتب إليه قيس:

أما بعد: فإنما أنت وثن إبن وثن، دخلت في الاسلام کرها، وخرجت منه طوعا، لم يقدم ايمانک، ولم يحدث نفاقک، وقد کان أبي وترقوسه، ورمي غرضه، وشغب عليه من لم يبلغ کعبه، ولم يشق غباره، ونحن أنصار الدين الذين خرجت منه، وأعداء الدين الذي دخلت فيه. والسلام.

راجع کامل المبرد 1 ص 309، ألبيان والتبيين 2 ص 68، تاريخ اليعقوبي 2 ص 163، عيون الاخبار لابن قتيبة 2 ص 213، مروج الذهب 2 ص 62، مناقب الخوارزمي ص 173، شرح إبن أبي الحديد 4 ص 15.

لفظ الجاحظ في کتاب التاج ص 109.

کتب قيس إلي معاوية: يا وثن إبن وثن؟ تکتب إلي تدعوني إلي مفارقة علي إبن أبي طالب، والدخول في طاعتک، وتخوفني بتفرق أصحابه عنه، وإقبال الناس عليک وإجفالهم إليک، فوالله الذي لا إله غيره لو لم يبق له غيري، ولم يبق لي غيره، ما سالمتک أبدا وأنت حربه، ولا دخلت في طاعتک وأنت عدوه، ولا اخترت عدو الله علي وليه، ولا حزب الشيطان علي حزب الله. والسلام.



صفحه 99، 100.





  1. ذکره الطبري في تاريخه 5 ص 288، وابن الاثير في کامله 3 ص 107، وابن أبي الحديد في شرح النهج 2 ص 23 نقلا عن کتاب الغارات لابراهيم الثقفي المتوفي 283.
  2. من هنا کلام الجاحظ في «البيان والتبيين» 2 ص 68 والکتب المذکورة توجد في تعليق البيان ص 2 ص 48.