حديث فضل قيس











حديث فضل قيس



إن خطابات قيس وکتاباته ومحاضراته ومقالاته المبثوثة في طيات الکتب ومعاجم السير شواهد صادقة علي تضلعه في المعارف الالهية، وأشواطه البعيدة في علمي الکتاب والسنة، وفي خدمته النبي الاعظم مدة عشر سنين[1] او مدة غير محدودة، وقد کان أبوه دفعه إلي النبي صلي الله عليه وآله ليخدمه کما في اسد الغابة 4 ص 215 ومسامرته معه صلي الله عليه وآله سفرا وحضرا طول عمره مع ما کان له من العقل والحزم والرأي السديد والشوق المؤکد إلي تهذيب نفسه والولع التام إلي تکميل روحياته لغني وکفاية عن أي ثناء علي علمه المتدفق، وفضله الکثار، وتقدمه في علمي الکتاب والسنة.

ومن المفضول أن نتعرض لاحصاء شواهد حسن تعليم النبي صلي الله عليه وآله إياه، وإنه کان يجيد تربيته، ويعلمه معالم دينه، ويفيض عليه من نمير فضله، و يلقنه بما يحتاج إليه الانسان الکامل من المعارف الدينية، وإن ملازمته لصاحب الرسالة وهو سيد الخزرج وإبن سادتها لم تکن خدمة بسيطة کما هو الشأن في الخدم و والاتباع من الناس، وإنما هي کخدمة تلميذ لاستاذه للتعلم وأخذ المعارف الدينية، و الاقتباس من انوار علمه، ومما لا شک فيه ان النبي صلي الله عليه وآله کان يعلمه معالم دينه في کل حال يجده، وکان قيس يغتنم الفرص ويظهر الشوق إليه، وينم عن ذلک ما رواه إبن الاثير في اسد الغابة 4 ص 215 عن قيس قال: مر بي النبي صلي الله عليه وآله وقد صليت وقال: ألا أدلک إلي باب من أبواب الجنة؟ قلت: نعم. قال: لاحول ولا قوة إلا بالله.

وسماعه بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله عن أميرالمؤمنين باب مدينة العلم النبوي، و أخذه منه علمي الکتاب والسنة کما قاله لمعاوية في حديث يأتي لما جرت بينهما مناظرة وإحتج قيس عليه بکل آية نزلت في علي وبکل حديث ورد في فضله حتي قال معاوية: يابن سعد: عمن أخذت هذا، وعمن رويته؟ وعمن سمعته؟ أبوک أخبرک

[صفحه 93]

بذلک؟ وعنه أخذته؟ قال قيس: سمعته وأخذته ممن هو خير من أبي، وأعظم حقا من أبي. قال: من؟ قال: علي بن أبي طالب عليه السلام عالم هذه الامة وصديقها کل هذه آية محکمة تدل علي إطلاعه الغزيز في المعالم الدينية، وبرهنة واضحة تثبت طول باعه في العلوم الالهية، ومثل قيس إذا کان أخذه وسماعه وروايته عن مثل مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام ينحسر البيان عن إستکناه فضله، ويقصر التعريف عن درک مداه.

ومن شواهد غزارة علمه إسلامه الراسخ، وايمانه المستقر، وعرفانه بأولياء الامر بعد نبيه، وتهالکه في ولائهم، وتفانيه في نصرتهم إلي آخر نفس لفظه، وعدم إکتراثه لومة أي لائم، وکان هناک قوم حناق عليه من أهل النفاق وحملة الحقد والضغينة يعيرونه بولاء العترة الطاهرة، وعدم إيثاره علي دينه عوامل النهمة، وعدم تأثره ببواعث الفخفخة أو دواعي الجشع، وعدم إنتظاره منهم في دولتهم لرتبة ولا راتب، وعدم إرادته منهم علي ولائه جزاءا عاجلا ولا شکورا، ويشف عن ذلک ما وقع بينه وبين حسان بن ثابت لما عزله أميرالمؤمنين عن ولاية مصر ورجع إلي المدينة فإنه حينما قدمها جاءه حسان شامتا به وکان عثمانيا فقال له: نزعک علي بن أبي طالب، وقد قتلت عثمان فبقي عليک الاثم، ولم يحسن لک الشکر. فزجره قيس وقال: يا أعمي القلب وأعمي البصر؟ والله لولا أن القي بين رهطي ورهطک حربا لضربت عنقک، ثم أخرجه من عنده[2] .

ولو لا ان قيسا مستودع العلوم والمعارف، ومستقي معالم الدين، ومعقد جمان الفضيلة، کما کانت له الشهرة الطايلة في الدهاء والحزم، لما ولاه أمير المؤمنين عليه السلام مصر لادارة شئونها الدينية، والمدينة، کما فوض إليه إقامة امورها السياسية والادارية والعسکرية، ولما کتب إليه بما مر ص 71 من کلامه عليه السلام: وعلم من قبلک مما علمک الله. فإن عامل الخليفة هو مرجع تلکم الشئون کلها في الوسط الذي استعمل به، وموئل امته في کل مشکلة دينية: کما ان له إمامة الجمعة و الجماعة، وما کان للخليفة من منتدح عن استعمال من له الکفاية لذلک کله.

[صفحه 94]



صفحه 93، 94.





  1. البداية 8 ص 99، الاصابة 5 ص 254.
  2. تاريخ الطبري 5 ص 131، شرح ابن ابي الحديد 2 ص 25.