حديث جود قيس











حديث جود قيس



لا يسعنا بسط المقال في أخبار قيس من هذه الناحية لکثرتها، غير أنا نورد لک شيئا من ذلک الکثير الطيب، وحسبک من القلادة ما أحاط بالعنق[1] وکانت هذه الخلة من هذا البيت علي عنق الدهر «أي قديما» وکان رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: ألجود من شيمة أهل ذلک البيت[2] .

باع قيس مالا من معاوية بتسعين ألفا فأمر مناديا فنادي في المدينة: من أراد القرض فليأت منزل سعد فأقرض أربعين أو خمسين وأجاز الباقي، وکتب علي من أقر له صکا، فمرض مرضا قل عواده فقال لزوجته قريبة بنت أبي قحافة اخت أبي بکر: يا قريبة؟ لم ترين قل عوادي؟ قالت للذي لک عليهم من الدين. فأرسل إلي کل رجل بصکه المکتوب عليه فوهبه ماله عليهم[3] .

قال جابر: خرجنا في بعث کان عليهم قيس بن سعد ونحر لهم تسع رکائب فلما قدموا علي رسول الله صلي الله عليه وآله ذکروا له من أمر قيس فقال: إن الجود من شيمة أهل ذلک البيت، ولما ارتحل من العراق نحو المدينة ومضي بأصحابه جعل ينحر لهم کل يوم جزورا حتي بلغ[4] .

[صفحه 86]

روي عبدالله بن المبارک عن جويرة قال: کتب معاوية إلي مروان: أن إشتر دار کثير بن الصلت منه فأبي عليه فکتب معاوية إلي مروان: أن خذه بالمال الذي عليه، فإن جاء به وإلا بع عليه داره. فأرسل إليه مروان فأخبره قال:إني أؤجلک ثلاثا فإن جئت بالمال وإلا بعت عليک دارک. قال: فجمعها إلا ثلاثين ألفا فقال: من لي بها؟ ثم ذکر قيس بن سعد فأتاه فطلبها منه فأقرضه فجاء بها إلي مروان فلما رآه قد جاء بها ردها إليه ورد عليه داره، فرد کثير ألثلاثين ألفا علي قيس فأبي أن يقبلها.[5] .

روي المبرد في کامله 1 ص 309: أن عجوزا شکت إلي قيس أن ليس في بيتها جرذ فقال: ما أحسن ما سألت، أما والله لاکثرن جرذان بيتک. فملا بيتها طعاما وودکا وإداما، وقال إبن عبدالبر: هذه القصة مشهورة صحيحة.

في کامل المبرد 1 ص 309: إنه توفي أبوه عن حمل لم يعلم به، فلما ولد وقد کان سعد رضي الله عنه قسم ماله في حين حروجه من المدينة بين أولاده فکلم أبوبکر و عمر في ذلک قيسا وسألاه أن ينقض ما صنع سعد من تلک القسمة فقال: نصيبي للمولود ولااغير ما صنع أبي ولا أنقضه. وذکره إبن عبدالبر في «الاستيعاب» 2 ص 525 وقال: صحيح من رواية الثقات.

ومن مشهور أخبار قيس: انه کان له مال کثير ديونا علي الناس فمرض واستبطأ عواده فقيل له: إنهم يستحيون من أجل دينک. فقال: أخزي الله مالا يمنع الاخوان من العيادة. فأمر مناديا ينادي: من کان لقيس عليه مال فهو في حل. فأتاه الناس حتي هدموا درجتا کانوا يصعدون عليها إليه، وفي لفظ: فما أمسي حتي کسرت عتبة بابه من کثرة العواد.[6] .

کان قيس في سرية فيها أبوبکر وعمر فکان يستدين ويطعم الناس، فقال أبوبکر و عمر: إن ترکنا هذا الفتي أهلک مال أبيه فمشيا في الناس فلما سمع سعد قام خلف النبي فقال: من يعذرني من إبن إبي قحافة وإبن الخطاب يبخلان علي إبني. «اسد الغابة»

[صفحه 87]

4ص 415.

وفي لفظ: کان قيس مع أبي بکر وعمر في سفر في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله فکان ينفق عليهما وعلي غيرهما ويفضل فقال له أبوبکر: إن هذا لا يقوم به مال أبيک فامسک يدک. فلما قدموا من سفرهم قال سعد بن عبادة لابي بکر: أردت أن تبخل إبني إنا لقوم لا نستطيع البخل.[7] .

حکي إبن کثير في تاريخه 8 ص 99: إنه کان لقيس صحفة يدار بها حيث داروا کان ينادي له مناد: هلموا اللحم والثريد. وکان أبوه وجده من قبله يفعلان کفعله.

قال الهيثم بن عدي: إختلف ثلاثة عن الکعبة في أکرم أهل زمانهم فقال أحدهم: عبدالله بن جعفر: وقال الآخر قيس بن سعد. وقال الآخر: عرابة الاوسي. فتماروا في ذلک حتي ارتفع ضجيجهم عند الکعبة فقال لهم رجل: فليذهب کل رجل منکم إلي صاحبه الذي يزعم انه أکرم من غيره، فلينظر ما يعطيه وليحکم علي العيان: فذهب صاحب عبدالله بن جعفر إليه فوجده قد وضع رجله في الغرز[8] ليذهب إلي ضيعة له فقال له: يابن عم رسول الله؟ إبن سبيل ومنقطع به. قال: فأخرج رجله من الغرز وقال: ضع رجلک واستو عليها، فهي لک بما عليها، وخذ ما في الحقيبة[9] ولا تخدعن في السيف فإنه من سيوف علي، فرجع إلي اصحابه بناقة عظيمة وإذا في الحقيبة أربعة آلاف دينار، ومطارف من خز وغير ذلک وأجل ذلک سيف علي بن أبي طالب. ومضي صاحب قيس إليه فوجده نائما، فقالت له الجارية: ما حاجتک إليه؟ قال إبن سبيل ومنقطع به. قالت: فحاجتک أيسر من إيقاظه، هذا کيس فيه سبعمائة دينار ما في دار قيس مال غيره أليوم، واذهب إلي مولانا في معاطن الابل فخذ لک ناقة وعبدا، واذهب راشدا. فلما استيقظ قيس من نومه أخبرته الجارية بما صنعت فأعتقها شکرا علي صنيعها ذلک، وقال. هلا أيقظتني؟ حتي أعطيه ما يکفيه أبدا، فلعل الذي أعطيتيه لا يقع منه موقع حاجته. وذهب صاحب عرابة الاوسي إليه فوجده

[صفحه 88]

وقد خرج من منزله يريد الصلاة وهو يتوکأ علي عبدين له- وکان قد کف بصره- فقال له: يا عرابة؟ فقال: قال. فقال: إبن سبيل ومنقطع به. قال: فخلي عن العبدين ثم صفق بيديه باليمني علي اليسري ثم قال: أوه أوه والله ما أصبحت ولا أمسيت وقد ترکت الحقوق من مال عرابة شيئا ولکن خذ هذين العبدين. قال: ما کنت لافعل. فقال: إن لم تأخذهما فهما حران، فإن شئت فأعتق، وإن شئت فخذ. وأقبل يلتمس الحائط بيده، قال: فأخذهما وجاء بهما إلي صاحبيه. قال فحکم الناس علي ان إبن جعفر قد جاد بمال عظيم وأن ذلک ليس بمستنکر له، إلا أن السيف أجله. وإن قيسا أحد الاجواد حکمت مملوکته في ماله بغير علمه واستحسن فعلها وعتقها شکرا لها علي ما فعلت. وأجمعوا علي أن أسخي الثلاثة عرابة الاوسي، لانه جاد بجميع ما يملکه، وذلک جهد من مقل. «ألبداية و النهاية 8 ص 100».



صفحه 86، 87، 88.





  1. مثل يضرب: أي حسبک بالقليل من الکثير.
  2. الاصابة 5 ص 254.
  3. تاريخ الخطيب البغدادي 1 ص 177، تاريخ ابن کثير 8 ص 69.
  4. الاستيعاب 2 ص 525، تهذيب التهذيب 8 ص 394.
  5. الاستيعاب 2 ص 525، الاصابة 5 ص 254.
  6. ربيع الابرار للزمخشري، الاستيعاب 2 ص 526، البداية والنهاية 8 ص 100.
  7. الدرجات الرفيعة نقلا عن کتاب الغارات لابراهيم بن سعيد الثقفي.
  8. الغرز بالفتح ثم السکون: رکاب من جلد.
  9. الحقيبة بفتح المهملة: ما يحمل علي الفرس خلف الراکب.