الشعر والشعراء في السنة والکتاب
[صفحه 4] لو کان حيا لقرت عيناه، من ينشدنا قوله؟ فقام عمر بن الخطاب فقال: عسي أردت يا رسول الله؟. وما حملت من ناقة فوق ظهرها فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: ليس هذا من قول أبي طالب هذا من قول حسان بن ثابت. فقام علي بن أبي طالب عليه السلام وقال: کأنک أردت يا رسول الله؟ وأبيض يستسقي الغمام بوجهه تلوذ به الهلاک من آل هاشم فقال رسول الله: أجل فقام رجل من بني کنانة فقال: لک الحمد والحمد ممن شکر دعا الله خالقه دعوة فلم يک إلا کإلقا الردا دفاق العزالي جم البعاق[1] . فکان کما قاله عمه به الله يسقي صيوب الغمام فقال رسول الله: يا کناني؟ بواک الله بکل بيت قلته بيتا في الجنة[2] . ولما نظر رسول الله صلي الله عليه وآله يوم بدر إلي القتلي مصرعين قاللابي بکر: لو أن أبا طالب حي لعلم أن أسيافنا أخذت باللاماثل وذلک لقول أبي طالب: و إنا لعمر الله إن جد ما أري وکإرتياحه صلي الله عليه وآله لشعر عمه العباس بن عبدالمطلب لما قال: يا رسول الله؟ اريد أن أمتدحک. فقال رسول الله: قل لا يفضض الله فاک. فأنشأ يقول: من قبلها طبت في الظلال وفي ثم هبطت البلاد لا بشر [صفحه 5] بل نطفة ترکب السفين وقد تنقل من صالب إلي رحم حتي احتوي بيتک المهيمن من وأنت لما ولدت أشرقت الا فنحن في ذلک الضياء وفي وکإرتياحه صلي الله عليه وآله لشعر عمرو بن سالم وقوله له: نصرت يا عمرو بن سالم لما قدمه وأنشده أبياتا أولها[4] . لاهم إني ناشد محمدا کنت لنا أبا وکنا ولدا فانصر رسول الله نصرا عتدا وکإرتياحه صلي الله عليه وآله لشعر النابغة الجعدي ودعائه له بقوله: لا يفضض فاک. لما أنشده أبياتا من قصيدته مائتي بيت أولها: خليلي غضا ساعة وتهجرا ومما أنشده رسول الله صلي الله عليه وآله: أتيت رسول الله إذ جاء بالهدي وجاهدت حتي ما أحس ومن معي اقيم علي التقوي وأرضي بفعلها ولما بلغ إلي قوله: بلغنا السماء مجدنا وجدودنا فقال النبي صلي الله عليه وآله: أبن المظهر يا أبا ليلي؟ قال: ألجنة. قال: أجل إنشاء الله تعالي. ثم قال: ولا خير في حلم إذا لم يکن له ولا خير في جهل إذا لم يکن له [صفحه 6] فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: أجدت لا يفضض الله فاک. مرتين فکانت أسنانه کالبرد المنهل ما انفصمت له سن ولا انفلتت وکان معمرا[5] . وکإرتياحه صلي الله عليه وآله لشعر کعب بن زهير لما أنشده في مسجده الشريف لاميتة التي أولها: بانت سعاد فقلبي اليوم مبتول فکساه النبي صلي الله وآله بردة إشتراها معاوية بعد ذلک بعشرين ألف درهم وهي التي يلبسها الخلفاء في العيدين[6] وفي مستدرک الحاکم 3 ص 582: لما أنشد کعب قصيدته هذه رسول الله وبلغ قوله: إن الرسول لسيف يستضاء به أشار صلي الله عليه وآله بکمه إلي الخلق ليسمعوا منه. ويروي ان کعبا أنشد من سيوف الهند فقال النبي صلي الله عليه وآله: من سيوف الله.[7] . وکإرتياحه صلي الله عليه وآله لشعر عبدالله بن رواحة، قال البراء بن عازب: رأيت النبي صلي الله عليه وآله ينقل من تراب الخندق حتي واري التراب جلد بطنه وهو يرتجز بکلمة عبدالله بن رواحة. لاهم لو لا أنت ما اهتدينا فأنزلن سکينة علينا إن اؤلآء قد بغوا علينا ويظهر من رواية إبن سعد في طبقاته وإبن الاثير إن الابيات لعامر بن الاکوع روي الثاني في اسد الغابة 3 ص 72 إن النبي صلي الله عليه وآله قال لعامر في مسيره إلي خيبر: انزل يابن الاکوع واحد لنا من هناتک[9] قال: نزل يرتجز رسول الله صلي الله عليه وآله. لا هم لو لا أنت ما اهتدينا [صفحه 7] فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: يرحمک ربک. وفي لفظ: رحمک الله. وفي الطبقات لابن سعد 3 ص 619: غفر لک ربک. وکإرتياحه صلي الله عليه وآله لشعر حسان بن ثابت يوم غدير خم ودعائه له بقوله: لا تزال يا حسان؟ مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانک. وکان صلي الله عليه وآله يضع لحسان منبرا في مسجده الشريف يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله، ويقول رسول الله: إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله[10] . وکإرتياحه لشعر أبي کبير الهذلي. قالت عايشة: کان رسول الله صلي الله عليه وآله يخصف نعله وکنت جالسة أغزل فنظرت إليه فجعل جبينه يعرق وعرقه يتولد نورا قالت: فبهت فنظر إلي فقال: مالک بهت؟ فقلت يا رسول الله؟ نظرت إليک فجعل جبينک يعرق وعرقک يتولد نورا، ولو رآک أبوکبير الهذلي لعلم أنک أحق بشعره، قال: وما يقول أبوکبير؟ قلت: يقول: ومبرئ من کل غبر حيضة وإذا نظرت إلي أسرة وجهه قالت: فوضع رسول الله صلي الله عليه وآله ما کان بيده وقام وقبل ما بين عيني وقال: جزاک الله خيرا يا عايشة؟ ما سررت مني کسروري منک.[11] . وکان صلي الله عليه وآله يحث الشعراء إلي هذه الناحية، ويأمرهم بالاحتفاظ بها، ويرشدهم إلي أخذ حديث المخالفين له وأحسابهم وتأريخ نشئاتهم ممن يعرفها وهجاءهم کما کان يأمرهم بتعلم القرآن العزيز، وکان يراه نصرة للاسلام، وجهادا دون الدين الحنيف، وکان يصور للشاعر جهاده وينص به ويقول: إهجوا بالشعر إن المؤمن يجاهد بنفسه وماله، والذي نفس محمد بيده کأنما تنضحونهم بالنبل. وفي لفظ آخر: فکأن ما ترمونهم به نضح النبل. وفي ثالث: والذي نفس محمد بيده فکأنما تنضحونهم بالنبل فيما تقولون لهم من الشعر[12] . [صفحه 8] وکان صلي الله عليه وآله يثور شعراءه إلي الجدال بنبال النظم وحسام القريض ويحرضهم إلي الحماسة في مجابهة الکفار في قولهم المضاد لمبدءه القدسي، ويبث فيهم روحا دينيا قويا، ويؤکد فيهم حمية تجاه الحمية الجاهلية، وکان يوجد فيهم هياجا ونشاطا في النشر والدعاية، وشوقا مؤکدا إلي الدفاع عن حامية الاسلام المقدس، ورغبة في المجاهدة بالنظم بمثل قوله صلي الله عليه وآله للشاعر: إهج المشرکين فإن روح القدس معک ما هاجيتهم[13] وقوله: إهجهم فإن جبريل معک[14] . قال البراء بن عازب: إن رسول الله صلي الله عليه وآله قيل له: إن أبا سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب يهجوک، فقال عبدالله بن رواحة: يا رسول الله؟ إئذن لي فيه فقال: أنت الذي تقول: ثبت الله؟ قال: نعم يا رسول الله؟: فثبت الله ما أعطاک من حسن قال صلي الله عليه وآله: وأنت يفعل الله بک خيرا مثل ذلک. قال: ثم وثب کعب فقال: يا رسول الله؟ إئذن لي فيه. قال: أنت الذي تقول: همت؟ قال: نعم، قلت يا رسول الله؟: همت سخينة أن تغالب ربها قال صلي الله عليه وآله: إن الله لم ينس ذلک لک. قال ثم قام حسان فقال: يا رسول الله؟ إئذن لي فيه وأخرج لسانا له أسود فقال: يا رسول الله؟ إئذن لي إن شئت أفريت به المزاد[15] فقال: إذهب إلي أبي بکر ليحدثک حديث القوم وأيامهم وأحسابهم ثم إهجهم وجبريل معک[16] . وهذه الطائفة من الشعراء هم المعنيون بقوله تعالي: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذکروا الله کثير وانتصروا من بعد ما ظلموا. وهم المستثنون في صريح القرآن من قوله تعالي: والشعراء يتبعهم الغاوون. ألآية سورة الشعراء. ولما نزلت [صفحه 9] هذه الآية جاءت عدة من الشعراء إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وهم يبکون قائلين إنا شعراء والله أنزل هذه الآية فتلا النبي صلي الله عليه وآله: وسلم إلا الذين آمنواوعملوا الصالحات. قال: أنتم. وذکروا الله کثيرا، قال: أنتم.وانتصروا من بعد ما ظلموا، قال: أنتم.[17] . وإن کعب بن مالک أحد شعراء النبي الاعظم حين أنزل الله تبارک وتعالي في الشعر ما أنزل أتي النبي صلي الله عليه وآله فقال: إن الله تبارک وتعالي قد أنزل في الشعر ما قد علمت وکيف تري فيه؟ فقال النبي صلي الله عليه وآله إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه[18] . علي أن في وسع الباحث أن يقول: إن المراد بالشعراء في الآية الکريمة کل من يأتي بکلا شعري منظوما أومنثورا فتکون مصاديقها أحزاب الباطل وقوالة الزور، فعن مولانا الصادق عليه السلام: إنهم القصاصون. رواه شيخنا الصدوق في عقايده، وفي تفسير علي بن إبراهيم ص 474 انه قال: نزلت في الذين غيروا دين الله وخالفوا أمر الله، هل رأيتم شاعرا قط تبعه أحد؟ إنما عني بذلک الذين وضعوا دينا بآرائهم فتبعهم علي ذلک الناس، ويؤکد ذلک قوله: ألم ترهم في کل واديهيمون. يعني يناظرون بالاباطيل ويجادلون بالحجج وفي کل مذهب يذهبون. وفي تفسير العياشي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: هم قوم تعلموا وتفقهوا بغير علم فضلوا وأضلوا. فليس في الآية حط لمقام الشعر بما هو شعر وإنما الحط علي الباطل منه و من المنثور، وقد ثبت عنه صلي الله عليه وآله عند فريقي الاسلام قوله: إن من الشعر لحکمة. وإن من البيان لسحرا[19] .
کل ما ذکرنا عنهم صلوات الله عليهم کان تأسيا بقدوتهم النبي الطاهر صلي الله عليه وآله فإنه أول فاتح لهذا الباب بمصراعيه مدحا وهجاءا بإصاخته للشعراء المادحين له ولا سرته الکريمة، وکان ينشد الشعر ويستنشده ويجيز عليه ويرتاح له ويکرم الشاعر مهما وجد في شعره هذه الغاية الوحيدة کإرتياحه لشعر عمه شيخ الاباطح أبي طالب سلام الله عليه لما استسقي فسقي قال: لله در أبي طالب
أبر وأوفي ذمة من محمد
ربيع التيامي عصمة للارامل
فهل عنده في نعمة وفواضل
سقينا بوجه النبي المطر
وأشخص منه إليه البصر
وأسرع حتي أتانا الدرر
أغاث به الله عليا مضر
أبوطالب ذا رواء غزر
فهذا العيان وذاک الخبر
لتلتبسن أسيافنا بالاماثل
مستودع حيث يخصف الورق
أنت ولا مضغة ولا علق
ألجم نسرا وأهله الغرق
إذا مضي عالم بدا طبق
خندف علياء تحتها النطق
رض وضاءت بنورک الافق
النور وسبل الرشاد نخترق[3] .
حلف أبينا وأبيه الاتلدا
ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
وادع عباد الله يأتوا مددا إلخ
ولو ما علي ما أحدث الدهر أوذرا
ويتلو کتابا کالمجرة نيرا
سهيلا إذا ما لاح ثم تحورا
وکنت من النار المخوفة أحذرا
وإنا لنرجو فوق ذلک مظهرا
بوادر تحمي صفوه أن يکدرا
حليم إذا ما أورد الامر أصدرا
متيم أثرها لم يفد مکبول
وصارم من سيوف الله مسلول
ولا تصدقنا ولا صلينا
وثبت الاقدام إن لا قينا
وإن أرادوا فتنة أبينا[8] .
ولا تصدقنا ولا صلينا إلخ
وفساد مرضعة وداء معضل
برقت کبرق العارض المتهلل
تثبيت موسي ونصرا مثل ما نصروا
فليغلبن مغالب الغلاب
صفحه 4، 5، 6، 7، 8، 9.