الشعر والشعراء في السنة والكتاب











الشعر والشعراء في السنة والکتاب



کل ما ذکرنا عنهم صلوات الله عليهم کان تأسيا بقدوتهم النبي الطاهر صلي الله عليه وآله فإنه أول فاتح لهذا الباب بمصراعيه مدحا وهجاءا بإصاخته للشعراء المادحين له ولا سرته الکريمة، وکان ينشد الشعر ويستنشده ويجيز عليه ويرتاح له ويکرم الشاعر مهما وجد في شعره هذه الغاية الوحيدة کإرتياحه لشعر عمه شيخ الاباطح أبي طالب سلام الله عليه لما استسقي فسقي قال: لله در أبي طالب

[صفحه 4]

لو کان حيا لقرت عيناه، من ينشدنا قوله؟ فقام عمر بن الخطاب فقال: عسي أردت يا رسول الله؟.


وما حملت من ناقة فوق ظهرها
أبر وأوفي ذمة من محمد


فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: ليس هذا من قول أبي طالب هذا من قول حسان بن ثابت. فقام علي بن أبي طالب عليه السلام وقال: کأنک أردت يا رسول الله؟


وأبيض يستسقي الغمام بوجهه
ربيع التيامي عصمة للارامل


تلوذ به الهلاک من آل هاشم
فهل عنده في نعمة وفواضل


فقال رسول الله: أجل فقام رجل من بني کنانة فقال:


لک الحمد والحمد ممن شکر
سقينا بوجه النبي المطر


دعا الله خالقه دعوة
وأشخص منه إليه البصر


فلم يک إلا کإلقا الردا
وأسرع حتي أتانا الدرر


دفاق العزالي جم البعاق[1] .
أغاث به الله عليا مضر


فکان کما قاله عمه
أبوطالب ذا رواء غزر


به الله يسقي صيوب الغمام
فهذا العيان وذاک الخبر


فقال رسول الله: يا کناني؟ بواک الله بکل بيت قلته بيتا في الجنة[2] .

ولما نظر رسول الله صلي الله عليه وآله يوم بدر إلي القتلي مصرعين قاللابي بکر: لو أن أبا طالب حي لعلم أن أسيافنا أخذت باللاماثل وذلک لقول أبي طالب:


و إنا لعمر الله إن جد ما أري
لتلتبسن أسيافنا بالاماثل


وکإرتياحه صلي الله عليه وآله لشعر عمه العباس بن عبدالمطلب لما قال: يا رسول الله؟ اريد أن أمتدحک. فقال رسول الله: قل لا يفضض الله فاک. فأنشأ يقول:


من قبلها طبت في الظلال وفي
مستودع حيث يخصف الورق


ثم هبطت البلاد لا بشر
أنت ولا مضغة ولا علق

[صفحه 5]

بل نطفة ترکب السفين وقد
ألجم نسرا وأهله الغرق


تنقل من صالب إلي رحم
إذا مضي عالم بدا طبق


حتي احتوي بيتک المهيمن من
خندف علياء تحتها النطق


وأنت لما ولدت أشرقت الا
رض وضاءت بنورک الافق


فنحن في ذلک الضياء وفي
النور وسبل الرشاد نخترق[3] .


وکإرتياحه صلي الله عليه وآله لشعر عمرو بن سالم وقوله له: نصرت يا عمرو بن سالم لما قدمه وأنشده أبياتا أولها[4] .


لاهم إني ناشد محمدا
حلف أبينا وأبيه الاتلدا


کنت لنا أبا وکنا ولدا
ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا


فانصر رسول الله نصرا عتدا
وادع عباد الله يأتوا مددا إلخ


وکإرتياحه صلي الله عليه وآله لشعر النابغة الجعدي ودعائه له بقوله: لا يفضض فاک. لما أنشده أبياتا من قصيدته مائتي بيت أولها:


خليلي غضا ساعة وتهجرا
ولو ما علي ما أحدث الدهر أوذرا


ومما أنشده رسول الله صلي الله عليه وآله:


أتيت رسول الله إذ جاء بالهدي
ويتلو کتابا کالمجرة نيرا


وجاهدت حتي ما أحس ومن معي
سهيلا إذا ما لاح ثم تحورا


اقيم علي التقوي وأرضي بفعلها
وکنت من النار المخوفة أحذرا


ولما بلغ إلي قوله:

بلغنا السماء مجدنا وجدودنا
وإنا لنرجو فوق ذلک مظهرا


فقال النبي صلي الله عليه وآله: أبن المظهر يا أبا ليلي؟ قال: ألجنة. قال: أجل إنشاء الله تعالي. ثم قال:


ولا خير في حلم إذا لم يکن له
بوادر تحمي صفوه أن يکدرا


ولا خير في جهل إذا لم يکن له
حليم إذا ما أورد الامر أصدرا

[صفحه 6]

فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: أجدت لا يفضض الله فاک. مرتين فکانت أسنانه کالبرد المنهل ما انفصمت له سن ولا انفلتت وکان معمرا[5] .

وکإرتياحه صلي الله عليه وآله لشعر کعب بن زهير لما أنشده في مسجده الشريف لاميتة التي أولها:


بانت سعاد فقلبي اليوم مبتول
متيم أثرها لم يفد مکبول


فکساه النبي صلي الله وآله بردة إشتراها معاوية بعد ذلک بعشرين ألف درهم وهي التي يلبسها الخلفاء في العيدين[6] وفي مستدرک الحاکم 3 ص 582: لما أنشد کعب قصيدته هذه رسول الله وبلغ قوله:


إن الرسول لسيف يستضاء به
وصارم من سيوف الله مسلول


أشار صلي الله عليه وآله بکمه إلي الخلق ليسمعوا منه. ويروي ان کعبا أنشد من سيوف الهند فقال النبي صلي الله عليه وآله: من سيوف الله.[7] .

وکإرتياحه صلي الله عليه وآله لشعر عبدالله بن رواحة، قال البراء بن عازب: رأيت النبي صلي الله عليه وآله ينقل من تراب الخندق حتي واري التراب جلد بطنه وهو يرتجز بکلمة عبدالله بن رواحة.


لاهم لو لا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا


فأنزلن سکينة علينا
وثبت الاقدام إن لا قينا


إن اؤلآء قد بغوا علينا
وإن أرادوا فتنة أبينا[8] .


ويظهر من رواية إبن سعد في طبقاته وإبن الاثير إن الابيات لعامر بن الاکوع روي الثاني في اسد الغابة 3 ص 72 إن النبي صلي الله عليه وآله قال لعامر في مسيره إلي خيبر:

انزل يابن الاکوع واحد لنا من هناتک[9] قال: نزل يرتجز رسول الله صلي الله عليه وآله.


لا هم لو لا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا إلخ

[صفحه 7]

فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: يرحمک ربک. وفي لفظ: رحمک الله. وفي الطبقات لابن سعد 3 ص 619: غفر لک ربک.

وکإرتياحه صلي الله عليه وآله لشعر حسان بن ثابت يوم غدير خم ودعائه له بقوله: لا تزال يا حسان؟ مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانک. وکان صلي الله عليه وآله يضع لحسان منبرا في مسجده الشريف يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله، ويقول رسول الله: إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله[10] .

وکإرتياحه لشعر أبي کبير الهذلي. قالت عايشة: کان رسول الله صلي الله عليه وآله يخصف نعله وکنت جالسة أغزل فنظرت إليه فجعل جبينه يعرق وعرقه يتولد نورا قالت: فبهت فنظر إلي فقال: مالک بهت؟ فقلت يا رسول الله؟ نظرت إليک فجعل جبينک يعرق وعرقک يتولد نورا، ولو رآک أبوکبير الهذلي لعلم أنک أحق بشعره، قال: وما يقول أبوکبير؟ قلت: يقول:


ومبرئ من کل غبر حيضة
وفساد مرضعة وداء معضل


وإذا نظرت إلي أسرة وجهه
برقت کبرق العارض المتهلل


قالت: فوضع رسول الله صلي الله عليه وآله ما کان بيده وقام وقبل ما بين عيني وقال: جزاک الله خيرا يا عايشة؟ ما سررت مني کسروري منک.[11] .

وکان صلي الله عليه وآله يحث الشعراء إلي هذه الناحية، ويأمرهم بالاحتفاظ بها، ويرشدهم إلي أخذ حديث المخالفين له وأحسابهم وتأريخ نشئاتهم ممن يعرفها وهجاءهم کما کان يأمرهم بتعلم القرآن العزيز، وکان يراه نصرة للاسلام، وجهادا دون الدين الحنيف، وکان يصور للشاعر جهاده وينص به ويقول: إهجوا بالشعر إن المؤمن يجاهد بنفسه وماله، والذي نفس محمد بيده کأنما تنضحونهم بالنبل.

وفي لفظ آخر: فکأن ما ترمونهم به نضح النبل. وفي ثالث: والذي نفس محمد بيده فکأنما تنضحونهم بالنبل فيما تقولون لهم من الشعر[12] .

[صفحه 8]

وکان صلي الله عليه وآله يثور شعراءه إلي الجدال بنبال النظم وحسام القريض ويحرضهم إلي الحماسة في مجابهة الکفار في قولهم المضاد لمبدءه القدسي، ويبث فيهم روحا دينيا قويا، ويؤکد فيهم حمية تجاه الحمية الجاهلية، وکان يوجد فيهم هياجا ونشاطا في النشر والدعاية، وشوقا مؤکدا إلي الدفاع عن حامية الاسلام المقدس، ورغبة في المجاهدة بالنظم بمثل قوله صلي الله عليه وآله للشاعر: إهج المشرکين فإن روح القدس معک ما هاجيتهم[13] وقوله: إهجهم فإن جبريل معک[14] .

قال البراء بن عازب: إن رسول الله صلي الله عليه وآله قيل له: إن أبا سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب يهجوک، فقال عبدالله بن رواحة: يا رسول الله؟ إئذن لي فيه فقال: أنت الذي تقول: ثبت الله؟ قال: نعم يا رسول الله؟:


فثبت الله ما أعطاک من حسن
تثبيت موسي ونصرا مثل ما نصروا


قال صلي الله عليه وآله: وأنت يفعل الله بک خيرا مثل ذلک. قال: ثم وثب کعب فقال: يا رسول الله؟ إئذن لي فيه. قال: أنت الذي تقول: همت؟ قال: نعم، قلت يا رسول الله؟:


همت سخينة أن تغالب ربها
فليغلبن مغالب الغلاب


قال صلي الله عليه وآله: إن الله لم ينس ذلک لک. قال ثم قام حسان فقال: يا رسول الله؟ إئذن لي فيه وأخرج لسانا له أسود فقال: يا رسول الله؟ إئذن لي إن شئت أفريت به المزاد[15] فقال: إذهب إلي أبي بکر ليحدثک حديث القوم وأيامهم وأحسابهم ثم إهجهم وجبريل معک[16] .

وهذه الطائفة من الشعراء هم المعنيون بقوله تعالي: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذکروا الله کثير وانتصروا من بعد ما ظلموا. وهم المستثنون في صريح القرآن من قوله تعالي: والشعراء يتبعهم الغاوون. ألآية سورة الشعراء. ولما نزلت

[صفحه 9]

هذه الآية جاءت عدة من الشعراء إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وهم يبکون قائلين إنا شعراء والله أنزل هذه الآية فتلا النبي صلي الله عليه وآله: وسلم إلا الذين آمنواوعملوا الصالحات. قال: أنتم. وذکروا الله کثيرا، قال: أنتم.وانتصروا من بعد ما ظلموا، قال: أنتم.[17] .

وإن کعب بن مالک أحد شعراء النبي الاعظم حين أنزل الله تبارک وتعالي في الشعر ما أنزل أتي النبي صلي الله عليه وآله فقال: إن الله تبارک وتعالي قد أنزل في الشعر ما قد علمت وکيف تري فيه؟ فقال النبي صلي الله عليه وآله إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه[18] .

علي أن في وسع الباحث أن يقول: إن المراد بالشعراء في الآية الکريمة کل من يأتي بکلا شعري منظوما أومنثورا فتکون مصاديقها أحزاب الباطل وقوالة الزور، فعن مولانا الصادق عليه السلام: إنهم القصاصون. رواه شيخنا الصدوق في عقايده، وفي تفسير علي بن إبراهيم ص 474 انه قال: نزلت في الذين غيروا دين الله وخالفوا أمر الله، هل رأيتم شاعرا قط تبعه أحد؟ إنما عني بذلک الذين وضعوا دينا بآرائهم فتبعهم علي ذلک الناس، ويؤکد ذلک قوله: ألم ترهم في کل واديهيمون. يعني يناظرون بالاباطيل ويجادلون بالحجج وفي کل مذهب يذهبون. وفي تفسير العياشي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: هم قوم تعلموا وتفقهوا بغير علم فضلوا وأضلوا.

فليس في الآية حط لمقام الشعر بما هو شعر وإنما الحط علي الباطل منه و من المنثور، وقد ثبت عنه صلي الله عليه وآله عند فريقي الاسلام قوله: إن من الشعر لحکمة. وإن من البيان لسحرا[19] .



صفحه 4، 5، 6، 7، 8، 9.





  1. العزالي جمع العزلاء: مصب الماء والبعاق بالضم: السحاب الممطر بشدة.
  2. أمالي شيخ الطايفة ص 46.
  3. مستدرک الحاکم 3 ص 327، اسد الغاية 1 ص 119.
  4. تاريخ الطبري 3 ص 111 اسد الغابة 4 ص 104.
  5. الشعر والشعراء لابن قتيبة ص 96، الاستيعاب 1 ص 311، الاصابة 3 ص 539.
  6. الشعر والشعراء لابن قتيبة ص 62، الامتاع للمقريزي 494، الاصابة 5 ص 296.
  7. شرح قصيدة: بانت سعاد. لجمال الدين الانصاري ص 98.
  8. مسند احمد 4 ص 302.
  9. اي کلماتک واراجيزک وفي رواية: هنيأتک. علي التصغير، وفي اخري: هنيهاتک.
  10. مستدرک الحاکم 3 ص 477 وصححه هو والذهبي في تلخيصه.
  11. حلية الاولياء لابي نعيم 2 ص 45، تاريخ الخطيب البغدادي 13 ص 253.
  12. مسند احمد 3 ص 456 و460، ج 6 ص 387.
  13. مسند احمد 4 ص 298، مستدرک الحاکم 3 ص 487.
  14. مسند احمد 4 ص 303 و302 و299.
  15. أي شفقته. کناية عن اسقاطه بالفضيحة.
  16. مستدرک الحاکم 3 ص 488.
  17. تفسير ابن کثير 3 ص 354.
  18. مسند احمد 3 ص 456.
  19. مسند احمد 1 ص 332 و303 و273 و269، سنن الدارمي 2 ص 296، صحيح البخاري کتاب الطب، باب: ان من البيان سحرا، المجني لابن دريد ص 22، تاريخ بغداد للخطيب 3 ص 258 و 98، وج 4 ص 254، وج 8 ص 314 و18، البيان والتبيين للجاحظ 1 ص 275 و 212، رسائل الجاحظ ص 235، مصابيح السنة للبغوي 2 ص 149، الروض الانف 2 ص 337، تاريخ ابن کثير 9 ص 45، تاريخ ابن عساکر 1 ص 348، وج 6 ص 423، الاصابة 1 ص 453، وج 4 ص 183، تهذيب التهذيب 9 ص 453.