سير دعبل مع الخلفاء والوزراء











سير دعبل مع الخلفاء والوزراء



فهذه ناحية واسعة النطاق، طويلة الذيل، يجد الباحث في طيات کتب التاريخ ومعاجم الادب المفصلة حولها کراريس مسطرة فيها لغو الحديث نضرب عنها صفحا ونقتطف منها ألنزر أليسير.

[صفحه 375]

1- عن يحيي بن أکثم قال: إن المأمون أقدم دعبل رحمه الله وآمنه علي نفسه فلما مثل بين يديه وکنت جالسا بين يدي المأمون فقال له: أنشدني قصيدتک «الرائية» فجحدها دعبل وأنکر معرفتها، فقال له: لک الامان عليها کما أمنتک علي نفسک. فأنشده:


تأسفت جارتي لما رأت زوري
وعدت الحلم ذنبا غير مغتفر


ترجو الصبي بعد ما شابت ذوائبها
وقد جرت طلقا في حلية الکبر


أجارتي إن شيب الرأس يعلمني
ذکر المعاد وأرضاني عن القدر


لو کنت أرکن للدنيا وزينتها
إذا بکيت علي الماضين من نفر


أخني الزمان علي أهلي فصدعهم
تصدع الشيب لاقي صدمة الحجر


بعض أقام وبعض قد أصار به
داعي المنية والباقي علي الاثر


أما المقيم فأخشي أن يفارقني
ولست أوبة من ولي بمنتظر


أصبحت أخبر عن أهلي وعن ولدي
کحاکم قص رؤيا بعد مدکر


لو لا تشاغل عيني بالاولي سلفوا
من أهل بيت رسول الله لم أقر


وفي مواليک للحرين مشغلة
من أن تبيت لمشغول علي أثر


کم من ذراع لهم بالطف بائنة
وعارض بصعيد الترب منعفر


أمسي الحسين ومسراهم لمقتله
وهم يقولون: هذا سيد البشر


يا امة السوء ما جازيت أحمد في
حسن البلاء علي التنزيل والسور


خلفتموه علي الانباء حين مضي
خلافة الذئب في إنفاد ذي بقر


قال يحيي: وأنفذني المأمون في حاجة فقمت فعدت إليه وقد إنتهي إلي قوله:


لم يبق حي من الاحياء نعلمه
من ذي يمان ولا بکر ولا مضر


إلا وهم شرکاء في دمائهم
کما تشارک ايسار علي جزر


قتلا وأسرا وتخويفا ومنهبة
فعل الغزاة بأرض الروم والخزر


أري امية معذورين إن قتلوا
ولا أري لبني العباس من عذر


قوم قتلتم علي الاسلام أولهم
حتي إذا استمکنوا جازوا علي الکفر


أبناء حرب ومروان واسرتهم
بنو معيط ولاة الحقد والزعر

[صفحه 376]

إربع بطوس علي قبر الزکي بها
إن کنت تربع من دين علي وطر


قبران في طوس خير الناس کلهم
وقبر شرهم هذا من العبر


ما ينفع الرجس من قبر الزکي ولا
علي الزکي بقرب الرجس من ضرر


هيهات کل أمرء رهن بما کسبت
له يداه فخذ ما شئت أو فذر


قال: فضرب المأمون عمامته الارض وقال: صدقت والله يا دعبل.[1] .

روي شيخنا الصدوق في أماليه ص 390 بإسناده عن دعبل انه قال: جائني خبر موت الرضا عليه السلام وأنا مقيم بقم فقلت القصيدة الرائية. ثم ذکر أبياتا منها:

2- دخل إبراهيم بن المهدي علي المأمون فشکي إليه حاله وقال: يا أمير المؤمنين إن الله سبحانه وتعالي فضلک في نفسک علي، وألهمک الرأفة والعفو عني، والنسب واحد، وقد هجاني دعبل فانتقم لي منه فقال: وما قال؟! لعل قوله:

نعر إبن شکلة بالعراق وأهله
فهفا إليه کل أطلس مائق


وأنشده الابيات فقال: هذا من بعض هجائه وقد هجاني بما هو أقبح من هذا فقال المأمون: لک اسوة بي فقد هجاني واحتملته، وقال في[2] :


أيسو مني المأمون خطة جاهل
أو ما رأي بالامس رأس محمد؟!


إني من القوم الذين سيوفهم
قتلت أخاک وشرفتک بمقعد[3] .


شادوا بذکرک بعد طول خمولة
واستنقذوک من الحضيض الاوهد


فقال إبراهيم: زادک الله حلما يا أميرالمؤمنين وعلما، فما ينطق أحدنا إلا عن فضل علمک، ولا تحمل إلا اتباعا لحلمک.

3- حدث ميمون بن هرون قال: قال إبراهيم بن المهدي للمأمون قولا في دعبل يحرضه عليه فضحک المأمون وقال: إنما تحرضني عليه لقوله فيک:


يا معشر الاجياد لا تقنطوا
وارضوا بما کان ولا تسخطوا

[صفحه 377]

فسوف تعطون حنينية
يلتذها الامرد والاشمط


والمعبديات لقوادکم
لاتدخل الکيس ولا تربط


وهکذا يرزق قواده
خليفة مصحفة البربط


فقال له إبراهيم: فقد والله هجاک أنت يا أميرالمؤمنين. فقال: دع هذا عنک، فقد عفوت عنه في هجائه إياي لقوله هذا. وضحک ثم دخل أبوعباد فلما رآه المأمون من بعد قال لابراهيم: دعبل يجسر علي أبي عباد بالهجاء ولا يحجم عن أحد. فقال له: وکان أبا عباد أبسط يدا منک؟! قال: لا، ولکنه حديد جاهل لا يؤمن وأنا أحلم و أصفح، والله ما رأيت أبا عباد مقبلا إلا أضحکني قول دعبل فيه.


أولي الامور بضيعة وفساد
أمر يدبره أبوعباد[4] .


4- حدث أبوناجية قال: کان المعتصم يبغض دعبلا لطول لسانه وبلغ دعبلا انه يريد إغتياله وقتله فهرب إلي الجبل وقال يهجوه:


بکي لشتات الدين مکتئب صب
وفاض بفرط الدمع من عينه غرب


وقام إمام لم يکن ذا هداية
فليس له دين وليس له لب


وما کانت الانباء نأتي بمثله
يملک يوما أو تدين له العرب


ولکن کما قال الذين تتابعوا
من السلف الماضين إذ عظم الخطب


ملوک بني العباس في الکتب سبعة
ولم تأتنا عن ثامن لهم کتب


کذلک أهل الکهف في الکهف سبعة
خيار إذا عدوا وثامنهم کلب


وإني لاعلي کلبهم عنک رفعة
لانک ذو ذنب وليس له ذنب


لقد ضاع ملک الناس إذ ساس ملکهم
وصيف وأشناس وقد عظم الکرب


وفضل بن مروان يثلم ثلمة
يظل لها الاسلام ليس له شعب


5- حدث ميمون بن هارون قال: لما مات المعتصم قال محمد بن عبدالملک الزيات يرثيه:


قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا
في خير قبر لخير مدفون


: لن يجبر الله امة فقدت
مثلک إلا بمثل هارون

[صفحه 378]

فقال دعبل يعارضه:


قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا
في شر قبر لشر مدفون


: إذهب إلي النار والعذاب فما
خلتک إلا من الشياطين


ما زلت حتي عقدت بيعة من
أضر بالمسلمين والدين


6- حدث محمد بن قاسم بن مهرويه قال: کنت مع دعبل بالضميرة وقد جاء نعي المعتصم وقيام الواثق فقال لي دعبل: أمعک شئ تکتب فيه؟! فقلت: نعم، وأخرجت قرطاسا فأملي علي بديها:


ألحمد لله لا صبر ولا جلد
ولا عزاء إذا أهل البلا رقدوا


خليفة مات لم يحزن له أحد
وآخر قام لم يفرح به أحد


7- حدث محمد بن جرير قال: أنشدني عبيدالله بن يعقوب هذا البيت وحده لدعبل يهجو به المتوکل وما سمعت له غيره فيه:


ولست بقائل قذعا ولکن
لامر ما تعبدک العبيد


قال: يرميه في هذا البيت بالابنة.

8- دخل عبدالله بن طاهر علي المأمون فقال له المأمون: أي شئ تحفظ يا عبد الله لدعبل؟! فقال: أحفظ أبياتا له في أهل بيت أميرالمؤمنين. قال: هاتها ويحک. فأنشده عبدالله قول دعبل:


سقيا ورعيا لايام الصبابات
أيام أرفل في أثواب لذاتي


أيام غصني رطيب من ليانته
أصبو إلي خير جارات وکنات


دع عنک ذکر زمان فات مطلبه
واقذف برجلک عن متن الجهالات


واقصد بکل مديح أنت قائله
نحو الهداة بني بيت الکرامات


فقال المأمون: إنه قد وجد والله مقالا ونال ببعيد ذکرهم مالا يناله في وصف غيرهم. ثم قال المأمون: لقد أحسن في وصف سفر سافره فطال ذلک السفر عليه فقال فيه:


ألم يأن للسفر الذين تحملوا
إلي وطن قبل الممات رجوع؟!


فقلت ولم أملک سوابق عبرة
نطقن بما ضمت عليه ضلوع


:تبين فکم دار تفرق شملها
وشمل شتيت عاد وهو جميع

[صفحه 379]

کذاک الليالي صرفهن کما تري
لکل اناس جدبة وربيع


ثم قال: ما سافرت قط إلا کانت هذه الابيات نصب عيني في سفري وهجيرتي و مسيلتي حتي أعود.

9- حدث ميمون بن هارون قال: کان دعبل قد مدح دينار بن عبدالله وأخاه يحيي فلم يرض فعلاه فقال يهجوهما:


ما زال عصياننا لله يرذلنا
حتي دفعنا إلي يحيي ودينار


وغدين عجلين لم تقطع ثمارهما
قد طال ما سجدا للشمس والنار


قال: وفيهما وفي الحسن بن سهل والحسن بن رجاء وأبيه يقول دعبل:


ألا فاشتروا مني ملوک المخزم
أبع حسنا وابني رجاء بدرهم


وأعط رجاء فوق ذاک زيادة
وأسمع بدينار بغير تندم


فإن رد من عيب علي جميعهم
فليس يرد العيب يحيي بن أکثم



صفحه 375، 376، 377، 378، 379.





  1. الاغاني 18 ص 57. تاريخ ابن عساکر 5 ص 233. أمالي المفيد أمالي الشيخ ص 61.
  2. اول القصيدة:


    أخذ المشيب من الشباب الاغيد
    والنائبات من الانام بمرصد.

  3. اشار إلي قضية طاهر الخزاعي وقتله الامين محمد بن الرشيد وبذلک ولي المامون الخلافة.
  4. توجد بقية الابيات في الاغاني 18 ص 39.