نبوغ دعبل في الادب











نبوغ دعبل في الادب



فأي برهنة له أوضح من شعره السائر؟! ألذي تلهج به الالسن، وتتضمنه طيات الکتب، ويستشهد به في إثبات معاني الالفاظ ومواد اللغة، ويهتف به في مجتمعات الشيعة آناء الليل وأطراف النهار، ذلک الشعر السهل الممتنع الذي يحسب السامع لاول وهلة انه يأتي بمثيله ثم لما خاض غماره، وطفق يرسب ويطف بين أواذيه، علم انه قصير الباع، قصير الخطا، قصير المقدرة عن أن يأتي بما يدانيه فضلا عما يساويه.

کان محمد بن القاسم بن مهرويه يقول: سمعت أبي يقول: ختم الشعر بدعبل. و قال البحتري: دعبل بن علي أشعر عندي من مسلم بن الوليد فقيل له: کيف ذلک؟! قال: لان کلام دعبل أدخل في کلام العرب من کلام مسلم، ومذهبه أشبه بمذاهبهم وکان يتعصب له[1] .

وعن عمرو بن مسعدة قال: حضرت أبا دلف عند المأمون وقد قال له المأمون أبي شيئ تروي لاخي خزاعة يا قاسم؟! فقال: وأي أخي خزاعة يا أميرالمؤمنين؟! قال: و من تعرف فيهم شاعرا؟! فقال: أما من أنفسهم فأبو الشيص ودعبل وإبن أبي الشيص وداود بن أبي رزين، وأما من مواليهم فطاهر وإبنه عبدالله. فقال: ومن عسي في هؤلآء أن يسئل عن شعره سوي دعبل؟! هات أي شيئ عندک فيه. وقال الجاحظ: سمعت دعبل بن علي يقول: مکثت نحو ستين سنة ليس من يوم ذر شارقه إلا وأنا أقول فيه شعرا.[2] ولما أنشد دعبل أبا نواس شعره:


أين الشباب؟! وأية سلکا؟!
لا اين يطلب؟! ضل بل هلکا


لا تعجبي يا سلم من رجل
ضحک المشيب برأسه فبکي


فقال: أحسنت ملاء فيک وأسماعنا. قال محمد بن يزيد: کان دعبل والله فصيحا[3] وهناک کلمات ضافة حول أدبه والثناء عليه لا يهمنا ذکرها.

أخذ الادب عن صريع الغواني مسلم بن الوليد[4] واستقي من بحره وقال: مازلت

[صفحه 371]

أقول الشعر وأعرضه علي مسلم فيقول لي: اکتم هذاحتي قلت:


أين الشباب؟! وأية سلکا؟!
لا أين يطلب؟! ضل بل هلکا


فلما أنشدته هذه القصيدة قال: إذهب الآن فأظهر شعرک کيف شئت لمن شئت. وقال أبوتمام: ما زال دعبل مائلا إلي مسلم بن وليد مقرا باستاذيته حتي ورد عليه جرجان فجفاه مسلم وکان فيه بخل فهجره دعبل وکتب إليه:


أبا مخلد کنا عقيدي مودة
هوانا وقلبانا جميعا معا معا


أحوطک بالغيب الذي أنت حائطي
وأنجع أشفاقا لان تتوجعا


فصيرتني بعد إنتحائک متهما
لنفسي عليها أرهب الخلق أجمعا


عششت الهوي حتي تداعت اصوله
بناوابتذلت الوصل حتي تقطعا


وأنزلت من بين الجوانح والحشي
ذخيرة ود طالما قد تمنعا


فلا تعذلني ليس لي فيک مطمع
تخرقت حتي لم أجدلک مرقعا


فهبک يميني استأکلت فقطعتها
وجشمت قلبي صبره فتشجعا[5] .


ويروي عنه في الادب محمد بن يزيد. والحمدوي الشاعر. ومحمد بن القاسم بن مهرويه. وآخرون.



صفحه 371.





  1. الاغاني 18 ص 37 و 18.
  2. الاغاني 18 ص 44.
  3. تاريخي ابن خلکان وابن عساکر.
  4. کان شاعرا متصرفا في فنون القول حسن الاسلوب استاذ الفن: ويقال: انه اول من قال الشعر المعروف بالبديع ووسعه وتبعه فيه ابوتمام وغيره توفي بجرجان سنة 208.
  5. ويروي: وحملت قلبي فقدها. الاغاني 18 ص 47.