نبوغ دعبل في الادب
کان محمد بن القاسم بن مهرويه يقول: سمعت أبي يقول: ختم الشعر بدعبل. و قال البحتري: دعبل بن علي أشعر عندي من مسلم بن الوليد فقيل له: کيف ذلک؟! قال: لان کلام دعبل أدخل في کلام العرب من کلام مسلم، ومذهبه أشبه بمذاهبهم وکان يتعصب له[1] . وعن عمرو بن مسعدة قال: حضرت أبا دلف عند المأمون وقد قال له المأمون أبي شيئ تروي لاخي خزاعة يا قاسم؟! فقال: وأي أخي خزاعة يا أميرالمؤمنين؟! قال: و من تعرف فيهم شاعرا؟! فقال: أما من أنفسهم فأبو الشيص ودعبل وإبن أبي الشيص وداود بن أبي رزين، وأما من مواليهم فطاهر وإبنه عبدالله. فقال: ومن عسي في هؤلآء أن يسئل عن شعره سوي دعبل؟! هات أي شيئ عندک فيه. وقال الجاحظ: سمعت دعبل بن علي يقول: مکثت نحو ستين سنة ليس من يوم ذر شارقه إلا وأنا أقول فيه شعرا.[2] ولما أنشد دعبل أبا نواس شعره: أين الشباب؟! وأية سلکا؟! لا تعجبي يا سلم من رجل فقال: أحسنت ملاء فيک وأسماعنا. قال محمد بن يزيد: کان دعبل والله فصيحا[3] وهناک کلمات ضافة حول أدبه والثناء عليه لا يهمنا ذکرها. أخذ الادب عن صريع الغواني مسلم بن الوليد[4] واستقي من بحره وقال: مازلت [صفحه 371] أقول الشعر وأعرضه علي مسلم فيقول لي: اکتم هذاحتي قلت: أين الشباب؟! وأية سلکا؟! فلما أنشدته هذه القصيدة قال: إذهب الآن فأظهر شعرک کيف شئت لمن شئت. وقال أبوتمام: ما زال دعبل مائلا إلي مسلم بن وليد مقرا باستاذيته حتي ورد عليه جرجان فجفاه مسلم وکان فيه بخل فهجره دعبل وکتب إليه: أبا مخلد کنا عقيدي مودة أحوطک بالغيب الذي أنت حائطي فصيرتني بعد إنتحائک متهما عششت الهوي حتي تداعت اصوله وأنزلت من بين الجوانح والحشي فلا تعذلني ليس لي فيک مطمع فهبک يميني استأکلت فقطعتها ويروي عنه في الادب محمد بن يزيد. والحمدوي الشاعر. ومحمد بن القاسم بن مهرويه. وآخرون.
فأي برهنة له أوضح من شعره السائر؟! ألذي تلهج به الالسن، وتتضمنه طيات الکتب، ويستشهد به في إثبات معاني الالفاظ ومواد اللغة، ويهتف به في مجتمعات الشيعة آناء الليل وأطراف النهار، ذلک الشعر السهل الممتنع الذي يحسب السامع لاول وهلة انه يأتي بمثيله ثم لما خاض غماره، وطفق يرسب ويطف بين أواذيه، علم انه قصير الباع، قصير الخطا، قصير المقدرة عن أن يأتي بما يدانيه فضلا عما يساويه.
لا اين يطلب؟! ضل بل هلکا
ضحک المشيب برأسه فبکي
لا أين يطلب؟! ضل بل هلکا
هوانا وقلبانا جميعا معا معا
وأنجع أشفاقا لان تتوجعا
لنفسي عليها أرهب الخلق أجمعا
بناوابتذلت الوصل حتي تقطعا
ذخيرة ود طالما قد تمنعا
تخرقت حتي لم أجدلک مرقعا
وجشمت قلبي صبره فتشجعا[5] .
صفحه 371.