اكثار السيد في آل الله











اکثار السيد في آل الله



کان السيد بعيد المنزعة، ولعا بإعادة السهم إلي النزعة، وقد أشف وفاق کثيرين من الشعراء بالجد والاجتهاد في الدعاية إلي مبدءه القويم، والاکثار في مدح العترة الطاهرة، وساد الشعراء ببذل النفس والنفيس في تقوية روح الايمان في المجتمع و إحياء ميت القلوب ببث فضايل آل الله، ونشر مثالب مناوئيهم ومساوي أعداءهم قائلا:


أيا رب إني لم أرد بالذي به
مدحت عليا غير وجهک فارحم

[صفحه 241]

صدق بشعره رؤياه التي رواها عنه أبوالفرج والمرزباني في أخباره أنه قال: رأيت النبي صلي الله عليه وآله في النوم وکأنه في حديقة سبخة فيها نخل طوال وإلي جانبها أرض کأنها الکافور ليس فيها شئ فقال: أتدري لمن هذا النخل؟! قلت: لا يا رسول الله؟ قال: لامرئ القيس بن حجر فاقلعها وأغرسها في هذه الارض. ففعلت. وأتيت إبن سيرين فقصصت رؤياي عليه. فقال: أتقول الشعر؟ قلت: لا. قال: أما انک ستقول شعرا مثل شعر إمرئ القيس إلا أنک تقول في قوم بررة أطهار.

وکان کما قال أبوالفرج لا يخلو شعره من مدح بني هاشم أو ذم غيرهم ممن هوعنده ضد لهم. وروي عن الموصلي عن عمه قال: جمعت للسيد في بني هاشم ألفين وثلثمائة قصيدة فخلت أن قد استوعبت شعره حتي جلس إلي يوما رجل ذو أطمار رثة فسمعني أنشد شيئا من شعره فأنشدني به ثلاث قصايد لم تکن عندي فقلت في نفسي: لو کان هذا يعلم ما عندي کله ثم أنشدني بعده ماليس عندي لکان عجبا فکيف وهو لا يعلم وإنما أنشد ما حضره، وعرفت حينئذ أن شعره ليس مما يدرک ولا يمکن جمعه کله. ألاغاني 7 ص 237 و 236.

قال أبوالفرج کان السيد يأتي الاعمش سليمان بن مهران- الکوفي المتوفي 148- فيکتب عنه فضايل علي أميرالمؤمنين سلام الله عليه ويخرج من عنده ويقول في تلک المعاني شعرا فخرج ذات يوم من عند بعض امراء الکوفة قد حمله علي فرس وخلع عليه فوقف بالکناسة ثم قال: يا معشر الکوفيين؟ من جاءني منکم بفضيلة لعلي بن أبي طالب لم أقل فيها شعرا أعطيته فرسي هذا وما علي. فجعلوا يحدثونه و ينشدهم حتي أتاه رجل منهم وقال: إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه عزم علي الرکوب فلبس ثيابه وأراد لبس الخف فلبس أحد خفيه ثم أهوي إلي الآخر ليأخذه فانقض عقاب من السماء فحلق به ثم ألقاه فسقط منه أسود وإنساب فدخل جحرا فلبس علي عليه السلام ألخف. قال: ولم يکن قال في ذلک شيئا ففکر هنيهة ثم قال:


ألا يا قوم للعجب العجاب
لخف أبي الحسين وللحباب


عدو من عداة الجن وغد
بعيد في المرادة من صواب

[صفحه 242]

أتي خفا له وانساب فيه
لينهش رجله منه بناب


لينهش خير من رکب المطايا
أميرالمؤمنين أبا تراب


فخر من السماء له عقاب
من العقبان أو شبه العقاب


فطار به فحلق ثم أهوي
به للارض من دون السحاب


فصک بخفه وانساب منه
وولي هاربا حذر الحصاب


إلي جحر له فانساب فيه
بعيد القعر لم يرتج بباب


کريه الوجه أسود ذو بصيص
حديد الناب أزرق ذو لعاب


يهل له الجري إذا رآه
حثيث الشد محذور الوثاب


تأخر حينه ولقد رماه
فأخطاه باحجارصلاب


ودوفع عن أبي حسن علي
نقيع سمامه بعد انسياب[1] .


قال المرزبناني: ثم حرک فرسه وثناها وأعطي ما کان معه من المال والفرس للذي روي له الخبروقال: إني لم أکن قلت في هذا شيئا. وذکر المرزباني عن تشبيبها أحد عشر بيتا لم يرو أبوالفرج إلا مستهلها:


صبوت إلي سليمي والرباب
وما لاخي المشيب وللتصابي


قال أبوالفرج: أما العقاب الذي انقض علي خف علي بن أبي طالب رضي الله عنه فحدثني بخبره أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني قال: حدثني جعفر بن علي بن نجيح قال: حدثنا أبوعبدالرحمن المسعودي عن أبي داود الطهوي عن أبي الزغل المرادي قال: قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فتطهر للصلاة ثم نزع خفه فانساب فيه أفعي فلما عاد ليلبسه إنقضت عقاب فأخذته فحلقت به ثم ألقته فخرج الافعي منه. وقد روي مثل هذا لرسول الله صلي الله عليه وآله.

وقال إبن المعتز في طبقاته ص 7: کان السيد أحذق الناس بسوق الاحاديث والاخبار والمناقب في الشعر لم يترک لعلي بن أبي طالب فضيلة معروفة إلا نقلها إلي الشعر، وکان يمله الحضور في محتشد لا يذکر فيه آل محمد صلوات الله عليهم، و لم يأنس بحفلة تخلو عن ذکرهم روي أبوالفرج عن الحسن بن علي بن حرب بن أبي

[صفحه 243]

الاسود الدؤلي قال: کنا جلوسا عند أبي عمرو إبن العلاء فتذاکرنا السيد فجاء فجلس وخضنا في ذکر الزرع والنخل ساعة فنهض فقلنا: يا أبا هاشم مم القيام؟ فقال:


إني لاکره أن اطيل بمجلس
لا ذکر فيه لفضل آل محمد


لا ذکر فيه لاحمد ووصيه
وبنيه ذلک مجلس نطف ردي[2] .


إن الذي ينساهم في مجلس
حتي يفاره لغير مسدد


وکان إذا استشهد شيئا من شعره لم يبدأ بشيئ إلا بقوله:


أجد بآل فاطمة البکور
فدمع العين منهمر غزير


ألاغاني 7 ص 246 -266



صفحه 241، 242، 243.





  1. ألاغاني 7 ص 257 غير ان الابيات المرموزة أخذناها عن أخبار السيد للمرزباني.
  2. ألنطف: ألنجس.