الكميت ودعاء الائمة له











الکميت ودعاء الائمة له



من الواضح ان أدعية ذوي النفوس القدسية، والالسنة الناطقة بالمشيئة الالهية المعبرة عن الله، من الذين يوحي إليهم ربهم، ولا يتکلمون إلا بإذنه، وما ينطقون عن الهوي، ولا يشفعون إلا لمن ارتضي، ليست مجرد شفاعة لاي أحد، و مسألة خير من المولي لکل إنسان کائنا من کان، بل فيها ايعاز بان المدعو له من رجال الدين، وحلفاء الخير والصلاح، ودعاة الامة إليهما، وممن قيضه المولي للدعوة إليه، والاخذ بناصر الهدي، رغما علي أباطيل الحياة وأهوائها الضالة، إلي فضايل لا تحصي علي إختلاف المدعوين لهم فيها.

وقل ما دعي لاحد مثل ما دعي للکميت وقد أکثر النبي الاعظم والائمة من أولاده صلوات الله عليه وعليهم دعائهم له، فاسترحم له النبي صلي الله عليه وآله مرة کما مر

[صفحه 202]

في حديث البياضي، واستجزي له بالخير وأثني عليه اخري کما في منام نصر بن مزاحم، وقال له ثالثة: بورکت وبورک قومک. کما في حديث السيوطي، ودعا له الامام السجاد زين العابدين عليه السلام بقوله: أللهم أحيه سعيدا وأمته شهيدا، وأره ألجزاء عاجلا، وأجزل له جزيل المثوبة آجلا، ودعا له أبوجعفر الباقر عليه السلام في مواقف شتي في مثل أيام التشريق بمني وغيرها، متوجها إلي الکعبة بالاسترحام والاستغفار له غير مرة، وبقوله: لا تزال مؤيدا بروح القدس تارة اخري، ومن دعائه عليه السلام له في أيام البيض ما رواه الشيخ الاقدم أبوالقاسم الخزاز القمي في کفاية الاثر في النصوص علي الائمة الاثني عشر باسناده عن الکميت انه قال: دخلت علي سيدي أبي جعفر محمد بن علي الباقر فقلت: يابن رسول الله؟ إني قد قلت فيکم أبياتا أفتأذن لي في إنشادها؟ فقال: أيام البيض. قلت: فهو فيکم خاصة. قال: هات فأنشأت أقول:


أضحکني الدهر وأبکاني
والدهر ذو صرف وألوان


لتسعة بالطف قد غودروا
صاروا جميعا رهن أکفان


فبکي عليه السلام وبکي أبوعبدالله عليه السلام وسمعت جارية تبکي من وراء الخباء فلما بلغت إلي قولي:


وستة لا يتجاري بهم
بنو عقيل خير فرسان


ثم علي الخير مولاهم
ذکرهم هيج أحزاني


فبکي ثم قال عليه السلام: ما من رجل ذکرنا أو ذکرنا عنده يخرج من عينيه ماء ولو مثل جناح البعوضة إلا بني الله له بيتا في الجنة، وجعل ذلک الدمع حجابا بينه وبين النار. فلما بلغت إلي قولي:


من کان مسرورا بمامسکم
أو شامتا يوما من الآن


فقد ذللتم بعد عز فما
أدفع ضيما حين يغشاني


أخذ بيدي ثم قال: أللهم؟ اغفر للکميت ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فلما بلغت إلي قولي:


متي يقوم الحق فيکم متي
يقوم مهديکم الثاني؟؟!!


قال: سريعا إنشاء الله سريعا. ثم قال: يا أبا المستهل؟ إن قائمنا هو التاسع من

[صفحه 203]

ولد الحسين لان الائمة بعد رسول الله إثني عشر، ألثاني عشر هو القائم. قلت: يا سيدي؟ فمن هؤلاء الاثني عشر؟ قال: أولهم علي بن أبي طالب وبعده ألحسن والحسين و بعد الحسين علي بن الحسين وبعده أنا ثم بعدي هذا ووضع يده علي کتف جعفر قلت:

فمن بعد هذا؟ قال: إبنه موسي وبعد موسي إبنه علي وبعد علي إبنه محمد وبعد محمد إبنه علي وبعد علي إبنه الحسن وهو أبوالقاسم الذي يخرج فيملا الدنيا قسطا وعدلا کما ملات ظلما وجورا ويشفي صدور شيعتنا. قلت: فمتي يخرج؟ يابن رسول الله قال: لقد سئل رسول الله صلي الله عليه وآله عن ذلک فقال: إنما مثله کمثل الساعة لا تأتيکم إلا بغتة.

وناهيک به فضلا دعاء الامام الصادق عليه السلام له في مواقفه المشهودة في أشرف الايام رافعا يديه قائلا: أللهم؟ اغفر للکميت ما قدم وأخر، وما أسر و أعلن، واعطه حتي يرضي. وينم عن إجابة تلک الادعية الصالحة الصادرة من النفوس الطاهرة بالالسنة الصادقة أمر النبي صلي الله عليه وآله أبا إبراهيم سعد الاسدي في منامه بقراءة سلامه عليه، وإنباءه بان الله قد غفر له. وکذلک نهيه صلي الله عليه وآله دعبل الخزاعي في الطيف عن معارضة الکميت وقوله له: إن الله قد غفر له. وکان بنو أسد قبيلة الکميت يحسون برکة دعاء النبي له ولهم بقوله: بورکت و بورک قومک. ويشاهدون آثار الاجابة فيهم، يجدون في أنفسهم نفحاتها، وکانوا يقولون: إن فينا فضيلة ليست في العالم، ليس منا إلا وفيه برکة وراثة الکميت[1] .

ومن تلک الادعية المستجابة التي شوهدت آثارها، وأبقت للکميت فضيلة مع الابد ما رواه شيخنا قطب الدين الراوندي في الخرايج والجرايح أن محمد بن علي الباقر عليه السلام دعا للکميت لما أراد أعداء آل محمد أخذه وهلاکه وکان متواريا فخرج في ظلمة الليل هاربا وقد أقعدوا علي کل طريق جماعة ليأخذوه إذا ما خرج في خفية، فلما وصل الکميت إلي الفضاء وأراد أن يسلک طريقا فجاء أسد يمنعه من أن يسري منها فسلک جانبا آخر فمنعه منه ايضا، کأنه أشار إلي الکميت أن يسلک خلفه ومضي الاسد في جانب الکميت إلي أن أمن وتخلص من الاعداء.

[صفحه 204]

وفي «معاهد التنصيص» 2 ص 28 قال المستهل: أقام الکميت مدة متواريا حتي إذا أيقن أن الطلب خف عنه خرج ليلا في جماعة من بني أسد علي خوف ووجل وفيمن معه «صاعد» غلامه وأخذ الطريق علي «القطقطانة» وکان عالما بالنجوم مهتديا بها فلما صار سحيرا صاح بنا هوموا[2] يا فتيان فهو منا وقام فصلي، قال المستهل: فرأينا شخصا فتضعضت له فقال: مالک؟ قلت: أري شخصا مقبلا فنظر إليه فقال: هذا ذئب قد جاء يستطعمکم فجاء الذئب فربض ناحية فأطعمناه يد جزور فتعرقها ثم أهوينا له بإناء فيه ماء فشرب منه فارتحلنا وجعل الذئب يعوي، فقال الکميت: ماله ويله ألم نطعمه ونسقه؟؟ وما أعرفني بما يريد هو يدلنا إنا لسنا علي الطريق تيامنوا يا فتيان؟ فتيامنا فسکن عواءه فلم نزل نسير حتي جئنا الشام فتواري في بني أسد وبني تميم.

وهذا جانب عظيم من نواحي مکرمات الکميت وفضايله لو اضيف إلي ما يظهر من کلماته المعربة عن نفسياته، ومواقفه الکاشفة عن خلايقة الکريمة، وما قيل فيه وفي مآثره الجمة يمثله بين يدي القارئ بمظاهر روحياته، ونصب عينيه مجالي نفسياته، وأمثلة مکارم أخلاقه وما کان يحمله بين جنبيه من العلم، والفقه، والادب، والاباء، والشمم، والحماسة، والهمة، واللباقة، والفصاحة، والبلاغة، والخلق الکامل، وقوة القلب، والدين الخالص، والتشيع الصحيح، والصلاح المحض، والرشد والسداد، إلي فضايل تکسبه فوز النشأتين لا تحصي.



صفحه 202، 203، 204.





  1. مر الحديث ص 190.
  2. هموم تهويما: نام قليلا.