فيمن خرجوا مع رجل في سفر فادعوا موته، وقصة مات الدين











فيمن خرجوا مع رجل في سفر فادعوا موته، وقصة مات الدين



74- في کتاب عجائب احکامه- المقدم ذکره-: حدثني ابي، عن محمد بن ابي عمير، عن عبدالرحمان بن الحجاج، الخ.

ثم قال: وعنه، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة، الخ.

ثم[1] قال: وعنه،[2] عن خلف النواء، عن الاصبغ بن نباتة، قال: لقد قضي اميرالمؤمنين (ع) بقضية ما سمعت باعجب منها ولا مثلها قبل ولا بعد.

قيل: وما ذاک؟ قال: دخلت المسجد ومعي اميرالمؤمنين (ع)، فاستقبله شاب حدث يبکي، وحوله قوم يسکنونه، فلما راي الشاب اميرالمؤمنين (ع) قال: يا اميرالمؤمنين، ان شريحا قضي علي بقضية، وما ادري ما هي. فقال اميرالمؤمنين (ع): وما ذاک؟ قال الشاب: ان هؤلاء النفر خرجوا مع ابي في السفر، فرجعوا ولم يرجع ابي، فسالتهم عنه، فقالوا: مات، فسالتهم عن ماله، فقالوا: ماترک مالا، فقدمتهم الي شريح، فاستحلفهم، وقد علمت يا اميرالمؤمنين ان ابي خرج ومعه مال کثير. فقال لهم: ارجعوا، فرجعوا، وعلي يقول:


اوردها سعد وسعد مشتمل
ياسعد ما تروي بها ذاک الابل[3] .

[صفحه 114]

يعني قضاء شريح فيهم.

فقال: واللّه لاحکمن فيهم بحکم ما حکمه احد قبلي الا داود النبي (ع)، يا قنبر، ادع لي شرطة الخميس،[4] فوکل بکل رجل رجلين من الشرطة، ثم دعاهم ونظر في وجوههم، ثم قال لهم: تقولون ماذا کاني لا اعلم ما صنعتم بابي هذا الفتي اني اذ الجاهل، ثم امر بهم ففرق بينهم، واقيم کل واحد منهم الي اسطوانة من اساطين المسجد، ثم دعا کاتبه عبيداللّه بن ابي رافع، فقال: اکتب، ثم قال للناس: اذا کبرت فکبروا، ثم دعا باحدهم، فقال: في اي يوم خرجتم من منازلکم وابو هذا الفتي معکم؟

فقال: في يوم کذا وکذا.

فقال: ففي اي سنة؟

قال: في سنة کذا وکذا.

قال: ففي اي شهر؟

قال: في شهر کذا وکذا.

قال: في منزل من مات ابو هذا الفتي؟

قال: في منزل فلان بن فلان.

قال: وما کان مرضه؟

قال: کذا وکذا.

قال: کم مرض؟

قال: کذا وکذا.

[صفحه 115]

قال: فمن کان ممرضه؟

قال: فلان.

قال: فاي يوم مات؟ ومن غسله؟ ومن کفنه؟ وفيما کفنتموه؟ ومن صلي عليه؟ ومن ادخله القبر؟

قال: فلان.

فلما ساله عن جميع ما يريد کبر وکبر الناس کلهم اجمعون، فارتاب اولئک الباقون ولم يشکوا الا ان صاحبهم قد اقر عليهم وعلي نفسه، وامر اميرالمؤمنين (ع) بالرجل الي الحبس، ثم دعا بخر، فقال له: کلا زعمت اني لا اعلم ما صنعتم بابي هذا الفتي اني اذا لجاهل.

فقال: يا اميرالمؤمنين، ما انا الا کواحد منهم، ولقد کنت کارها لقتله. فلما اقر جعل يدعو بواحد واحد، وکان يقر بالقتل والمال، ثم دعا بالذي امر به الي السجن فاقر ايضا معهم، فالزمهم المال والدم.

فقال شريح: يا اميرالمؤمنين، کيف کان هذا الحکم؟

قال: ان داود (ع) مر بغلمة وهم يلعبون، وينادي بعضهم: يا مات الدين، يا مات الدين، وغلام يجيبهم، فدنا داود (ع)، فقال: يا غلام، ما اسمک؟

قال: مات الدين.

قال داود (ع): ومن سماک بهذا الاسم؟

قال: امي.

قال له داود (ع): اين امک؟

قال: في منزلها.

قال داود (ع): انطلق بنا الي امک، فانطلق به الغلام الي امه، فاستخرجها من منزلها، فقال لها داود (ع): يا امة اللّه، ما اسم ابنک هذا؟

قالت: اسمه مات الدين.

[صفحه 116]

فقال لها داود (ع): ومن سماه بهذا الاسم؟

قالت: ابوه.

قال: واين ابوه؟

قالت: مات.

قال: وکيف کان سبب موته حتي سماه بهذا الاسم؟

قالت: ان اباه خرج في سفر ومعه قوم وانا حامل بهذا الصبي، فانصرف القوم ولم ينصرف زوجي، فسالتهم عنه، فقالوا: مات، فسالتهم عن ماله، فقالوا: ما ترک مالا، فقلت لهم: فهل اوصاکم بوصية؟ قالوا: نعم، زعم انک حبلي، فما ولدت من ولد جارية او غلاما فسميه مات الدين، فولدت هذا الغلام فسميته کما امر ولم طاحب مخالفته.

فقال لها داود (ع): فهل تعرفين القوم؟

قالت: نعم.

فقال لها داود (ع): فانطلقي بنا اليهم، فانطلقت به اليهم، فاستخرجهم من منازلهم، فحکم بهذا الحکم فيهم بعينه، فثبت عليهم المال والدم، ثم قال لها: يا امة اللّه، سمي ابنک عاش الدين.

فقلت: يا سيدي کيف تاخذهم بالمال ان ادعي الغلام ان اباه خلف مائة الف، وقال القوم: لا، بل عشرة آلاف، او اقل، او اکثر، فلهؤلاء قول، ولهذا قول.

قال: فاني آخذ خواتيمهم وخاتمه فالقيها في مکان واحد، ثم اقول: اجيلوا هذه السهام، فايکم خرج سهمه فهو الصادق في دعواه، لانه سهم اللّه، وسهم اللّه لا يخيب.

قال المؤلف: ما في آخر هذه الرواية من العمل بالقرعة مخالف للقواعد الشرعية التي مقتضاها الاخذ بما اقروا به وتحليفهم علي الزائد.

[صفحه 117]

وفي القاموس في مادة شرع:[5] في حديث علي (ع) ان رجلا سافر في صحب له فلم يرجع برجوعهم فاتهم اصحابه فرفعوا الي شريح، فسال اولياء المقتول البينة، فلما عجزوا الزم القوم الايمان، فاخبروا عليا بحکم شريح، فقال متمثلا:


اوردها سعد وسعد مشتمل
يا سعد لا تروي بها ذاک الابل


ويروي: ما هکذا تورديا سعد الابل.

ثم قال: ان اهون السقي التشريع، ثم فرق علي (ع) بينهم وسالهم فاقروا فقتلهم، اي ما فعله شريح کان هينا، وکان ينبغي له[6] ان يحتاط ويستبري ء الحال بايسر ما يحتاط بمثله في الدماء. انتهي.

وقال قبل ذلک: التشريع: ايراد الابل شريعة لا يحتاج معها الي نزع بالدلو[7] ولا سقي في الحوض. انتهي.

فقوله: اهون السقي التشريع مثل استشهد به اميرالمؤمنين (ع) لفعل شريح.

وروي المفيد[8] هذه القصة مع زيادة ومخالفة لما مر في بعض الالفاظ والخصوصيات وان کان المل واحدا، ونحن نذکرها کما ذکرها المفيد وان طال الکلام:

قال: ورووا ان اميرالمؤمنين (ع) دخل المسجد فوجد شابا يبکي، فساله، فقال: ان شريحا قضي علي قضية لم ينصفني فيها.

فقال: وما شانک؟

قال: ان هؤلاء اخرجوا ابي معهم في سفر فرجعوا ولم يرجع ابي، فسالتهم

[صفحه 118]

عنه، فقالوا: مات، فسالتهم عن ماله، فقالوا: ما نعرف له مالا، فاستحلفهم شريح وتقدم الي بترک التعرض لهم.

فقال (ع) لقنبر: اجمع القول وادع لي شرط الخميس، ودعا بالنفر والحدث معهم، ثم ساله فاعاد الدعوي وجعل يبکي ويقول: انا واللّه اتهمهم علي ابي، فانهم احتالوا عليه حتي اخرجوه معهم، وطمعوا في ماله. فسالهم اميرالمؤمنين (ع) فقالوا له کما قالوا لشريح: مات الرجل ولا نعرف له مالا، فنظر في وجوههم، ثم قال لهم: اتظنون اني لا اعلم ما صنعتم بابي هذا الفتي اني اذا لقليل العلم.

ثم امر بهم ان يفرقوا في المسجد، واقيم کل رجل منهم الي جانب اسطوانة، ثم دعا عبيداللّه بن ابي رافع کاتبه، ثم دعا واحدا منهم فقال: اخبرني ولا ترفع صوتک، في اي يوم خرجتم من منازلکم وابو هذا الغلام معکم؟

فقال: في يوم کذا وکذا.

فقال لعبيداللّه: اکتب.

ثم قال: في اي شهر کان؟

قال: في شهر کذا.

قال: اکتب.

ثم قال: في اي سنة؟

قال: في سنة کذا.

قال: اکتب، فکتب عبيداللّه ذلک کله.

قال: فباي مرض مات؟

قال: بمرض کذا.

قال: وباي منزل مات؟

قال: في موضع کذا.

[صفحه 119]

قال: من غسله وکفنه؟

قال: فلان.

[قال: فبم کفنتموه؟

قال: بکذا.

قال: فمن صلي عليه؟

قال: فلان].[9] .

قال: فمن ادخله القبر؟

قال: فلان، وعبيداللّه بن ابي رافع يکتب ذلک کله، فلما انتهي اقراره الي دفنه کبر اميرالمؤمنين (ع) تکبيرة سمعها اهل المسجد، ثم امر بالرجل فرد الي مکانه.

ودعا بخر وساله عما سال الاول عنه، فاجاب بما خالف الاول في الکلام کله، وعبيداللّه بن ابي رافع يکتب ذلک، فلما فرغ من سؤاله کبر تکبيرة سمعها اهل المسجد، ثم امر بالرجلين ان يخرجا من المسجد نحو السجن فيوقف بهما علي بابه.

ثم دعا بالثالث فساله عما سال عنه الرجلين، فحکي بخلاف ماقالاه، وثبت ذلک عنه، ثم کبر وامر باخراجه نحو صاحبيه.

ودعا بالرابع فاضطرب قوله وتلجلج فوعظه وخوفه فاعترف انه واصحابه قتلوا الرجل، واخذوا ماله، وانهم دفنوه في موضع کذا وکذا بالقرب من الکوفة، فکبر اميرالمؤمنين (ع) وامر به الي السجن.

واستدعي واحدا من القوم وقال له: زعمت ان الرجل مات حتف انفه وقد قتلته، اصدقني عن حالک والا نکلت بک، فقد وضح لي الحق في قصتکم،

[صفحه 120]

فاعترف من قتل الرجل بما اعترف به صاحبه، ثم دعا الباقين فاعترفوا عنده بالقتل، وسقطوا في ايديهم، واتفقت کلمتهم علي قتل الرجل واخذ ماله، فامر من مضي معهم الي موضع المال الذي دفنوه فيه فاستخرجوه منه، وسلمه الي الغلام ابن المقتول، ثم قال له: ما الذي تريد، قد عرفت ما صنع القوم بابيک؟

قال: اريد ان يکون القضاء بيني وبينهم بين يدي اللّه عزوجل، وقد عفوت عن دمائهم في الدنيا، فدرا عنهم اميرالمؤمنين (ع) حد القتل وانهکهم عقوبة.

فقال شريح: يا اميرالمؤمنين، کيف هذا الحکم؟

فقال له: ان داود (ع) مر بغلمان يلعبون، وذکر القصة المتقدمة بنحو ما مر، فلم نحتج الي اعادتها.[10] .


صفحه 114، 115، 116، 117، 118، 119، 120.








  1. قضايا اميرالمؤمنين (ع): ح 118 و159.
  2. الظاهر ان المراد: ابوه «ابراهيم بن هاشم»، عن ابن ابي عمير، عن خلف، عن الاصبغ. المؤلف (رحمه الله).
  3. مثل سائر ضربه صلوات اللّه عليه لبيان ان شريحا لا يتاتي منه القضاء ولا يحسنه، والاشتمال تعليق الشمال، والشمال ککتاب: شي ء کمخلاة يغطي به ضرع الشاة اذا ثقلت.

    وقال الميداني في مجمع الامثال: 364:2 رقم 4362: هذا سعد بن مناة اخو مالک بن زيد مناة الذي يقال له: آبل من مالک، ومالک هذا هو سبط بميم بن مرة، وکان يحمق الا انه کان آبل اهل زمانه، ثم انه تزوج وبني بامرأته، فأورد الابل اخوه سعد، ولم يحسن القيام عليها والرفق بها، فقال مالک:


    اوردها سعد وسعد مشتمل
    ما هکذا يا سعد تورد الابل


    فقال سعد مجيبا له:


    يظل يوم وردها مزعفرا
    و هي حنا ظيل تجوس الخضرا


    قالو ا يضرب لمن ادرک المراد بلا بعب والصواب ان يقال يضرب لمن قصر في الامر.

  4. شرط الخميس کانوا خمسة آلاف رجل، وکانوا في خمسة اقسام: المقدمة، والساقة، والميمنة، والميسرة، والقلب، اشترطوا مع اميرالمؤمنين (ع) ان يقاتلوا دونه حتي يقتلوا.

    وهو ما روي عن الاصبغ بن نباتة حين سئل: کيف سميتم شرسة الخميس؟

    فقال: انا ضمنا له الذبح، وضمن لنا الفتح- يعني اميرالمؤمنين (ع)-.

  5. القاموس المحيط: 44:3.
  6. في القاموس: ثوله.
  7. في القاموس: بالعلق.
  8. ارشاد المفيد: 218-215: 1.
  9. من المصدر.
  10. الکافي: 371:7 ح 8 وص 373 ح 9، دعائم الاسلام: 404:2 ح 1418، الجعفريات (الاشعثيات): 126، من لا يحضره الفقيه: 24:3 ح 3255، الاوائل لابي هلال العسکري: 143، زين الفتي: 191:1 ح 105، تهذيب الاحکام: 316:6 ح 875، الفائق للزمخشري: 156:3، مناقب ابن شهراشوب: 378:2 و379 نقله عن نزهة الابصار لابن مهدي والمستقصي للزمخشري والفقيه والکافي والتهذيب وشرح الاخبار لابن فياض، مطالب السؤول: 29، وسائل الشيعة: 279:27 ح 1، بحارالانوار: 11:14 ح 20 وج 238:40 ح 14 وص 263-259 ذح 30، مرآة العقول: 204:24 ح 8، مستدرک الوسائل: 385:17 ح 1 و2، معادن الجواهر: 36:2 ح 19، احقاق الحق: 80-78: 8 وص 82 عن المنتخب من الکنايات للجرجاني الثقفي، قضاء اميرالمؤمنين (ع) للتستري: 21 ح 2.