اليقظة الجديدة











اليقظة الجديدة



يمکننا القول بان بوادر يقظتنا من ليلنا الطويل قد لاحت في الافق في القرن الثاني او الثالث عشر الهجري القرن التاسع عشر الميلادي، وبالرغم مما کان يشوبها من مظاهر القلق والاضطراب فقد برزت طائفة من رواد الفکر الاسلامي اخذت علي عاتقها صيانة تراثنا والعناية بدقة في تدوين الحديث الشريف وروايته، لذا کان السبب في وصول نسخ خطية کثيرة الينا کتبت في العصور المتقدمة وفي شتي انواع العلوم، کالفلسفة والحديث والقرآن والفلک... الخ.

ومن اولئک الرواد الجهابذة مؤلفنا السيد محسن الامين قدس سره الذي افرزته حضارتنا ونصبته قمة سامقة للتاريخ، ونجما زاهرا يضي ء السماء يهتدي به في ظلمات الليل الحالک، ويکفي لمؤرخ الحضارة الانسانية ان يمجد هذه الامة المرحومة حين وصوله لهذه العبقرية التي رفدت البشرية بانواع اللالي ء

[صفحه 12]

التي لا يستغني عنها الفقيه والباحث والمتکلم و... فان التمجيد الحقيقي يتجسد بشکل تام في العظماء من بني البشر.

وفي الوقت الذي کان فيه السيد (قده) يشعر بمسؤولياته الکبري وواجباته المتعددة الجوانب فانه کان يعرف العالم الاسلامي والانسانية بمذهب اهل البيت(ع) من خلال مؤلفاته التي اغنت التراث الاسلامي کموسوعته «اعيان الشيعة» و«اقناع اللائم» و«کشف الارتياب» وغيرها ياتيک ذکرها في فقرة«مؤلفاته (قده)».

واذا تتبعنا وطالعنا مؤلفات السيد ومقالاته (قده) وما اکثرها وانفعها لا نملک الا ان نکبر هذه العبقرية النادرة، وقد قال (قده) عن نفسه: له مؤلفات کثيرة بعضها قد طبع مرتين او مرارا، وبعضها قد ترجم الي غير العربية وطبع، واکثرها تزيد علي 500 صفحة الي800 صفحة، وحسبک ان يکون «اعيان الشيعة» قد بلغ 100 مجلد، ولو قسم ما کتبناه تسويدا او تبييضا ونسخا وغيرها علي عمرنا لما نقص کل يوم عن کراس مع عدم المساعد والمعين غير اللّه تعالي.[1] .

وقد الف (قده) واکثر ونوع حسبما تمليه الحاجة، فقد تناول الادب ونقده واجاد فيه، وهکذا في الفقه والاصول والحديث والعقائد و... کلها تدل علي موهبته وذکائه وتفطنه الي ما لا يتفطن له سواه.

وساعدته مواهبه اللامحدودة من التاليف المبکر، ونظم الشعر، والجمع بين الموضوعية والدقة، والعمق والرفعة.

ويطل علينا السيد (قده) من خلال کتابه هذا اطلالة مشرقة مبارکة، فاضافة الي دقته الفائقة في انتقاء الصحيح من الاخبار والاثار اذنراه قد اکتشف لنا کنزا قديما من کنوزنا الثمينة الا وهو «کتاب قضايا اميرالمؤمنين(ع)» لابي اسحاق

[صفحه 13]

ابراهيم بن هاشم القمي الکوفي،[2] اول من نشر حديث الکوفيين بقم، وهو والد علي بن ابراهيم الذي هو من اعظم مشايخ ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الکليني صاحب «الکافي»، واکثر روايات کتابه عنه وسياتيک الکلام عنه خلال فقرة «حول الکتاب» فاورده (قده) کاملا ضمن کتابه، ملتزما بموضوعيته، بعيون مفتوحة وحس نقدي مرهف، فلم يکتف بايراده بل رد ما يرد من اخباره، وصحح ما يحتاج منها للتصحيح، وفسر ووجه ما کان فيها من غموض او غرابة، مجسدا اصالة الروح العلمية فيها ليبقيه ميراثا عتيدا راسخا، فللّه دره.

وبعد ان ادي هؤلاء الافذاد دورهم احسن اداء وبحسب ما تيسرت لهم من امکانات في ذلک الوقت ترکوا الامانة ثقيلة في اعناقنا، ويحدونا الامل في ان نستوعب کل ما ترک لنا اسلافنا في شتي فروع العلم والمعرفة.

[صفحه 15]


صفحه 12، 13، 15.








  1. اعيان الشيعة: 371:10.
  2. ويسمي ايضا: «عجائب احکام اميرالمؤمنين (ع)».