في انه لا يزني العبد وهو مؤمن، الخ
فقال (ع) له: صدقت، سمعت رسول اللّه (ص) يقول، والدليل کتاب اللّه:[5] . [صفحه 196] خلق اللّه تعالي الناس علي ثلاث طبقات، وانزلهم ثلاث منازل، وذلک قوله تعالي في کتابه: (اصحاب الميمنة ما اصحاب الميمنة واصحاب المشامة ما اصحاب المشاءمة والسابقون السابقون)،[6] فاما من ذکر من السابقين فهم من الانبياء المرسلين وغير المرسلين، جعل اللّه فيهم خمسة ارواح: روح القدس، وروح الايمان، وروح القوة، وروح الشهوة، وروح البدن.[7] . [صفحه 197] فبروح القدس بعثوا انبياء مرسلين وغير مرسلين وبها علموا الاشياء وعبدوا اللّه.[8] . وبروح الايمان عبدوا اللّه ولم يشرکوا به شيئا. وبروح القوة جاهدوا عدوهم وعالجوا معايشهم. وبروح الشهوة اصابوا لذيذ الطعام،[9] ونکحوا الحلال من النساء. وبروح البدن دبوا ودرجوا، فهؤلاء مغفور لهم، مصفوح عن ذنوبهم، قال عزوجل: (تلک الرسل فضلنا بعضهم علي بعض منهم من کلم اللّه ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسي ابن مريم البينات وايدناه بروح القدس)[10] ثم قال في جماعتهم:[11] وايدهم بروح منه).[12] . يقول: اکرمهم بها، وفضلهم علي من سواهم، فهؤلاء مغفور لهم، مصفوح عن ذنوبهم. ثم ذکر اصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقا[13] باعيانهم، جعل اللّه فيهم اربعة ارواح: روح الايمان، وروح القوة، وروح الشهوة، وروح البدن، فلا يزال [صفحه 198] العبد يستکمل هذه الارواح[14] الاربع حتي تاتي عليها حالات. فقال الرجل: يا اميرالمؤمنين،[15] وما هذه الحالات؟ فقال له اميرالمؤمنين (ع): اما اولهن فهو کما قال اللّه تعالي: (ومنکم من يرد الي ارذل العمر لکيلا يعلم من بعد علم شيئا)[16] فهذا ينقص منه جميع الارواح، وليس بالذي يخرجه من دين اللّه الفاعل به ذلک رده الي[17] ارذل العمر، فلا[18] يعرف للصلاة وقتا، ولا يستطيع التهجد بالليل ولا بالنهار، ولا القيام في الصف مع الناس، فهذا نقصان من روح الايمان، وليس يضره شيئا،[19] ومن ينتقص[20] منه روح الشهوة فلو مرت به اصبح بنات آدم لم يحن اليها، وتبقي روح البدن فيه، فهو يدب ويدرج حتي ياتيه الموت، فهذا بحال خير[21] لان اللّه تعالي هو الفاعل به ذلک، فهو ياتي عليه حالات في قوته وشبابه فيهم بالخطيئة، فتشجعه روح القوة، وتزين له روح الشهوة، وتشوقه روح البدن، حتي يواقع الخطيئة، فاذا لامسها [صفحه 199] نقص من الايمان وتفصي[22] منه، وليس يعود فيه ابدا حتي يتوب، فاذا تاب تاب اللّه عليه، وان عاد ادخله اللّه نار جهنم.[23] . واما اصحاب المشامة فهم اليهود والنصاري،[24] يقول اللّه عزوجل: (الذين آتيناهم الکتاب يعرفونه يعني محمد اوالولاية[25] - کما يعرفون ابناءهم في منازلهم- وان فريقا منهم ليکتمون الحق وهم يعلمون)[26] بانک الرسول من اللّه، فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم اللّه بذلک الذنب،[27] فسلبهم روح الايمان، واسکن ابدانهم[28] ثلاثة ارواح: روح القوة، وروح الشهوة، وروح البدن، واضافهم الي [صفحه 200] الانعام، فقال جل وعز: (ان هم الا کالانعام)[29] لان الدابة انما تحمل بروح القوة، وتعتلف بروح الشهوة، وتسير بروح البدن. فقال له السائل:[30] احييت قلبي يا اميرالمؤمنين [باذن اللّه].[31] [32] .
192- في کتاب عجائب احکامه:[1] حدثني محمد بن داود الغنوي، عن الاصبغ بن نباتة، قال: جاء رجل الي اميرالمؤمنين (ع)، فقال: [يا اميرالمؤمنين][2] ان اناسا زعموا ان العبد لا يزني وهو مؤمن، ولا يسرق وهو مؤمن، ولايشرب الخمر وهو مؤمن، ولا ياخذ[3] الربا وهو مؤمن، ولا يسفک الدم الحرام وهو مؤمن، فقد ثقل هذا علي وحرج منه صدري حين زعم ان هذا العبد يصلي صلاتي، ويدعو بدعائي، ويناکحني واناکحه، ويوارثني واوارثه، وقد خرج من الايمان من اجل[4] ذنب يسير اصابه.
صفحه 196، 197، 198، 199، 200.
وقال المجلسي رحمه الله: «و حرج منه» اي ضاق «حين ازعم»- کذا في روايته عن الکافي- اي اعتقد وادعي موافقا لدعواهم «يصلي صلاتي» کان صلاتي مفعول مطلق للنوع، وکذا «دعائي» والمراد الدعوة الي الدين، او دعاء الدب وطليب الحاة منه في الصلاة وغيرها، والاول انسب و«يناکحني» اي يعطيني زوجة؛ کبنته واخته،... «و يوارثني» کان في الاسناد مجازا اي جعل الله له في ميراثيي ولي في ميراثه نصيبا وعد الذنب يسيرا بالنسية الي الخلل في العقائد، او اليسير في مقابل الکثير. والاستدلال بالکتاب اما بالايات المذکورة او غيرها من الايات الدالة علي حصر المؤمن في جماعة موصوفين بصفات مخصوصة، وعلي الاول کما هو الاستدلال بان الظاهر من التقسيم وما يأتي بعده ان يکون التقسيم الي الانبياء والأوصياء والي الکافرين، ووصف اصحاب اليمين وجزائهم باوصاف لا تليق الا بمن لم يستحق عقوبة ولم برتکب کبيرة موجبة للنار، فلا بد من دخول المصرين علي المبائر في اصحال الشمال او بانه تعالي ذکر في وصف اصحاب الشمال الذين يصرون علي الحنث العظيم، فالاصرار علي الذنب العظيم يخرج من الايمان. ولعل المراد بجماعتهم الجماعة المخصوصين بالرسل من خواص اممهم واتباعهم، وکونه (ع) في خواص اتباعهم يستلزم کونه نفيهم ايضا. «و لا القيام في الصف» اي لصلاة الجماعة، ويحتمل الجهاد. «و ليس يضره شيئا» لان ترک الافعال مع القدرة عليها يوجب نقض الايمان لا مع العذر، ولا يوجب نقص ثوابه ايضا لما ورد في الاخبار انه يکتب له مثل ما کان يعمله في حال شبابه وقوته وصحته. وتفصي منه بالفاء اي خرج من الايمان او خرج الايمان منه. «ادخله الله نار جهنم» اي يستحق ذلک ويدخله ان لم يعف عنه، لکن يخرجه بعد ذلک الا ان يصير مستحلا او تارکا لولاية اهل البيت (ع). قال المجلسي رحمه الله: يحتمل ان يکون الغرض من ذکر الاية بيان سلب روح الايمان من هؤلاء بقوله تعالي: (فلا تکونن من الممترين) فان الظاهر ان هذا تعريض لهم بانهم من الشاکين علي احد وجهين: احدهما انه لما جحدوا ما عرفوا سلب الله منهم الوفيق واللطف، فصاروا شاکين، ومع الشک لا يبقي الايمان، فسلب منهم روحه، لانه لا يکون مع عدم الايمان، او سلب منهم اولا الروح المقوي للايمان فصاروا شاکين، وثانيهما انهم لما انکروا ظاهرا ما عرفوا يقينا نسبهم الي الامتراء والحقهم بالشاکين، لان اليقين انما يکون ايمانا اذا لم يقارن الانکار الظاهري فلذا سلبهم الروح الذي هو لازم الايمان.