ميثم التمّار ومقتله















ميثم التمّار ومقتله‏



1/9299- روي إبراهيم بن محمّد الثقفي، عن أحمد بن الحسن الميثمي، قال: کان ميثم التمّار مولي عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام عبداً لامرأة من بني أسد، فاشتراه علي عليه‏السلام منها وأعتقه وقال له: ما اسمک؟ فقال: سالم، فقال: إنّ رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله أخبرني أنّ اسمک الذي سمّاک به أبوک في العجم ميثم، فقال: صدق رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله وصدقت يا أمير المؤمنين فهو واللَّه اسمي، قال: فارجع إلي اسمک ودع سالماً فنحن نکنّيک به، فکنّاه أباسالم، قال: وقد کان قد أطلعه علي عليه‏السلام علي علم کثير وأسرار خفيّة من أسرار الوصيّة، فکان ميثم يحدّث ببعض ذلک فيشکّ فيه قوم من أهل الکوفة

[صفحه 402]

وينسبون عليّاً عليه‏السلام في ذلک إلي المخرفة، والايهام والتدليس، حتّي قال له يوماً بمحضر من خلق کثير من أصحابه وفيهم الشاکّ والمخلص: يا ميثم إنّک تؤخذ بعدي وتُصلب فإذا کان اليوم الثاني ابتدر منخراک وفمک دماً حتّي يخضب لحيتک، فإذا کان اليوم الثالث طُعِنتَ بحربة يقضي عليک فانتظر ذلک، والموضع الذي تُصلب فيه علي باب دار عمرو بن حريث، إنّک لعاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهّرة- يعني الأرض- ولأرينّک النخلة التي تُصلب علي جذعها، ثمّ أراه إيّاها بعد ذلک بيومين.

وکان ميثم يأتيها فيصلّي عندها ويقول: بورکت من نخلة لک خُلقتُ ولي نبتِّ، فلم يزل يتعاهدها بعد قتل علي عليه‏السلام حتي قطعت فکان يرصد جذعها ويتعاهده ويتردّد إليه ويبصره، وکان يلقي عمرو بن حريث فيقول له: إنّي مجاورک فأحسن جواري، فلا يعلم عمرو ما يريد فيقول له: أتريد أن تشتري دار ابن‏مسعود أم دار ابن‏حکيم، وقال: وحجّ في السنة التي قُتل فيها، فدخل علي اُمّ سلمة رضي اللَّه عنها فقالت له: من أنت؟ قال: عراقي فاستنسبته، فذکر لها أنّه مولي عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام، فقالت: أنت هيثم، قال: بل أنا ميثم، فقالت: سبحان اللَّه واللَّه لربّما سمعت رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله يوصي بک عليّاً في جوف الليل، فسألها عن الحسين بن علي عليه‏السلام، فقالت: هو في حائط له، قال: أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء اللَّه، ولا أقدر اليوم علي لقائه واُريد الرجوع، فدعت بطيب فطيّبت لحيته، فقال لها: أما أنّها ستخضب بدم، فقالت: مَن أنبأک هذا؟ قال: أنبأني سيّدي، فبکت اُمّ سلمة وقالت له: إنّه ليس بسيّدک وحدک وهو سيّدي وسيّد المسلمين، ثمّ ودّعته، فقدم الکوفة واُدخل علي عبيداللَّه بن زياد، وقيل له: هذا کان من آثر الناس عند أبي‏تراب، قال: ويحکم هذا الأعجمي؟ قالوا: نعم، فقال

[صفحه 403]

له عبيداللَّه: أين ربّک؟ قال: بالمرصاد، قال: قد بلغني اختصاص أبي‏تراب لک؟ قال: قد کان بعض ذلک فما تريد؟ قال: وانّه ليقال إنّه قد أخبرک بما سيلقاک؟ قال: نعم، إنّه أخبرني، قال: ما الذي أخبرک أنّي صانعٌ بک؟ قال: أخبرني أنّک تصلبني عاشر عشرة وأنا أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهّرة، قال: لاُخالفنّه، قال: ويحک کيف تخالفه إنّما أخبر عن رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله وأخبر رسول‏اللَّه عن جبرائيل وأخبر جبرائيل عن اللَّه فکيف تخالف هؤلاء، أما واللَّه لقد عرفت الموضع الذي اُصلب فيه أين هو من الکوفة، وإنّي لأوّل خلق اللَّه اُلجم في الإسلام کما تُلجم الخيل، فحبسه وحبس معه المختار بن أبي‏عبيدة الثقفي.

فقال ميثم للمختار- وهما في حبس ابن‏زياد:- إنّک تفلت وتخرج ثايراً بدم الحسين عليه‏السلام فتقتل هذا الجبّار الذي نحن في حبسه، وتطأ بقدمک هذا علي جبهته وخدّيه، فلمّا دعا عبيداللَّه بن زياد المختار ليقتله، طلع البريد بکتاب يزيد بن معاوية إلي عبيداللَّه بن زياد يأمره بتخلية سبيله، وذلک أنّ اُخته کانت تحت عبداللَّه بن عمر بن الخطاب، فسألت بعلها أن يشفع فيه إلي يزيد، فشفع فأمضي شفاعته وکتب بتخلية سبيل المختار علي البريد، فوافي البريد وقد اُخرج ليُضرب عنقه فاُطلق.

وأمّا ميثم فاُخرج بعده ليُصلب، وقال عبيداللَّه: لأمضينّ حکم أبي‏تراب فيک، فلقيه رجل، فقال له: ما کان أغناک عن هذا يا ميثم، فتبسّم وقال: لها خُلقتُ ولي غُذيّت، فلمّا رفع علي الخشبة اجتمع الناس حوله علي باب عمرو بن حريث، فقال عمرو: لقد کان يقول لي: إنّي مجاورک، فکان يأمر جاريته کلّ عشيّة أن تکنس تحت خشبته وترشّه وتجمّر بالمجمر تحته، فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم ومخازي بني اُميّة وهو مصلوب علي الخشبة، فقيل لابن زياد: قد فضحکم هذا

[صفحه 404]

العبد، فقال: ألجموه فاُلجم، فکان أوّل خلق اللَّه اُلجم في الإسلام، فلمّا کان اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دماً، فلمّا کان اليوم الثالث طُعِنَ بحربة فمات، وکان قتل ميثم قبل قدوم الحسين عليه‏السلام العراق بعشرة أيام[1].

2/9300- عن ابن‏عمران، عن ميثم التمّار قال: دعاني أميرالمؤمنين عليه‏السلام فقال: کيف بک إذا دعاک دعيّ بني اُمّية إلي البراءة منّي؟ قلت: لا أبرأ منک، قال: إذاً واللَّه يقتلک ويصلبک، قلت: أصبر وذلک عندي في اللَّه قليل، قال: إذاً تکون معي في الجنّة.[2].

3/9301- کان أميرالمؤمنين عليه‏السلام يخرج إلي المسجد الجامع بالکوفة، فيجلس عند ميثم التمّار قدس سره ويحادثه، فقال له ذات يوم: ألا اُبشرّک يا ميثم؟ فقال: بماذا يا أميرالمؤمنين؟ قال: بأنّک تموت مصلوباً، قال: يا مولاي وأنا علي دين الإسلام؟ قال: نعم، قال له: تريد أن اُريک الموضع الذي تُصلب فيه والنخلة التي تُعلّق فيها وعلي جذعها؟ قال: نعم يا أميرالمؤمنين، فجاء به إلي رحبة الصيارفة، ثمّ قال: هاهنا، ثمّ أراه نخلة وقال: هذه، الحديث، وفيه إنّ ما أخبر به وقع کما قال عليه‏السلام.[3].

4/9302- عن أبي‏الحسن الرضا عليه‏السلام، عن أبيه، عن آبائه صلوات اللَّه عليهم، قال: أتي ميثم التمّار دار أميرالمؤمنين عليه‏السلام فقيل له: إنّه نائم، فنادي بأعلي صوته، انتبه أيّها النائم، فواللَّه لتخضبنّ لحيتک من رأسک، فانبته أميرالمؤمنين عليه‏السلام فقال: أدخلوا ميثماً، فقال: أيها النائم واللَّه لتخضبنّ لحيتک من رأسک، فقال: صدقت وأنت واللَّه لتقطعنّ يداک ورجلاک ولسانک، ولتقطعنّ النخلة التي في الکنّاسة،

[صفحه 405]

فتشقّ أربع قطع فتصلب أنت علي ربعها، وحجر بن عديّ علي ربعها، ومحمّد بن أکثم علي ربعها، وخالد بن مسعود علي ربعها، قال ميثم: فشککت في نفسي وقلت: إنّ عليّاً ليخبرنا بالغيب! فقلت له: أو کائن ذاک يا أميرالمؤمنين؟ فقال: إي وربّ الکعبة کذا عهده إليّ النبيّ صلي الله عليه و آله، قال: فقلت: ومن يفعل ذلک بي يا أميرالمؤمنين؟ فقال:ليأخذنّک العتلّ‏الزنيم ابن‏الأمةالفاجرة عبيداللَّه بن زياد، قال: وکان عليه‏السلام يخرج إلي الجبّانة وأنا معه فيمرّ بالنخلة، فيقول لي: يا ميثم إنّ لک ولها شأناً من الشأن.

قال: فلما ولّي عبيداللَّه بن زياد الکوفة ودخلها، تعلّق علمه بالنخلة التي بالکناسة فتخرّق، فتطيّر من ذلک فأمر بقطعها، فاشتراها رجل من النجّارين فشقّها أربع قطع، قال ميثم: فقلت لصالح إبني: فخذ مسماراً من حديد فانقش عليه إسمي واسم أبي‏ورقة في بعض تلک الأجذاع.

قال: فلمّا مضي بعد ذلک أيام أتاني قوم من أهل السوق فقالوا: يا ميثم إنهض معنا إلي الأمير نشکوا إليه عامل السوق فنسأله أن يعزله عنّا ويولّي علينا غيره، قال: وکنت خطيب القوم، فنصت لي وأعجبه منطقي، فقال له عمرو بن حريث: أصلح اللَّه الأمير تعرف هذا المتکلّم؟ قال: من هو؟ قال: ميثم التمّار الکذّاب مولي الکذّاب عليّ بن أبي‏طالب، قال: فاستوي جالساً فقال لي: ما تقول؟ فقلت: کذب أصلح اللَّه الأمير؛ بل أنا الصادق مولي الصادق عليّ بن أبي‏طالب أميرالمؤمنين حقّاً، فقال لي: لتبرأنّ من عليّ ولتذکرنّ مساويه، وتتولّي عثمان، وتذکر محاسنه، أو لاُقطعنّ يديک ورجليک ولاُصلبنّک، فبکيت، فقال لي: بکيت من القول دون الفعل؟ فقلت: واللَّه ما بکيت من القول ولا من الفعل، ولکنّي بکيت من شکّ کان دخلني يوم أخبرني سيدي ومولاي، فقال لي: وما قال لک؟ قال: فقلت أتيت الباب فقيل لي: إنّه نائم، فناديت: إنتبه أيّها النائم فواللَّه لتخضبنّ لحيتک من رأسک، فقال: صدقت وأنت واللَّه لتقطعن يداک ورجلاک ولسانک ولتصلبنّ، فقلت: ومن

[صفحه 406]

يفعل ذلک بي يا أميرالمؤمنين؟ فقال: يأخذک العتلّ الزنيم ابن‏الأمة الفاجرة عبيداللَّه بن زياد، قال: فمتلأ غيظاً، ثمّ قال لي: واللَّه لاُقطعنّ يديک ورجليک ولأدعنّ لسانک حتّي اُکذّبک واُکذّب مولاک، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه، ثمّ اُخرج وأمر به أن يُصلب، فنادي بأعلي صوته: أيّها الناس من أراد أن يسمع الحديث المکنون عن عليّ بن أبي‏طالب؟ قال: فاجتمع الناس، وأقبل يحدّثهم بالعجائب، قال: وخرج عمرو بن حريث وهو يريد منزله، فقال: ما هذه الجماعة؟ قالوا: ميثم التمّار يحدّث الناس عن عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام فانصرف مسرعاً فقال: أصلح اللَّه الأمير بادر فابعث إلي هذا من يقطع لسانه، فإنّي لست آمن أن يتغيّر قلوب أهل الکوفة فيخرجوا عليک، قال: فالتفت إلي حرسيّ فوق رأسه، فقال: إذهب فاقطع لسانه، قال: فأتاه الحرسيّ وقال له: يا ميثم، قال: ما تشاء؟ قال: أخرج لسانک فقد أمرني الأمير بقطعه، قال ميثم: ألا زعم إبن الأمة الفاجرة أنّه يکذّبني ويکذّب مولاي؟ هاک لساني، قال: فقطع لسانه وتشحّط ساعة في دمه ثمّ مات، وأمر به فصُلب، قال صالح: فمضيت بعد ذلک بأيام، فإذا هو قد صُلب علي الربع الذي کنت دقّقت فيه المسمار.[4].


صفحه 402، 403، 404، 405، 406.








  1. شرح النهج لابن أبي‏الحديد 210:1؛ اختبار معرفة الرجال 293:1؛ الاختصاص: 76؛ روضة الواعظين، في ذکر مناقب أصحاب الأئمة 288:2؛ البحار 343:41؛ الغارات 797:2.
  2. الخرائج والجرائح 229:1؛ وسائل الشيعة 477:11؛ البحار 130:42؛ اختيار معرفة الرجال 296:1؛ خصائص الأئمة: 54.
  3. اثبات الهداة 459:4؛ الروضة في الفضائل: 5.
  4. اختيار معرفة الرجال 296:1؛ البحار 131:42.