في إحتجاجات النبي الأكرم















في إحتجاجات النبي الأکرم‏



1/9138- الطبرسي: قال أبومحمد الحسن العسکري، عن الصادق عليهماالسلام: ولقد حدثني أبي‏الباقر، عن جدي علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي سيد الشهداء، عن أبيه أميرالمؤمنين (صلوات اللَّه عليه): أنه اجتمع يوماً عند رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله أهل خمسة أديان: اليهود، والنصاري، والدهرية، والثنوية، ومشرکوا العرب، فقالت اليهود: نحن نقول: عزير ابن‏اللَّه، وقد جئناک يامحمد لننظر ما تقول فان اتبعتنا فنحن أسبق إلي الصواب منک وأفضل، وان خالفتنا خصمناک.

وقالت النصاري: نحن نقول: إنّ المسيح ابن‏اللَّه، اتحدّ به، وقد جئناک لننظر ما تقول فان اتبعتنا فنحن أسبق إلي الصواب منک وأفضل، وإن خالفتنا خصمناک.

وقالت الدهرية: نحن نقول: إن الأشياء لا بدء لها وهي دائمة، وقد جئناک لننظر فيما تقول، فان اتبعتنا فنحن أسبق إلي الصواب منک وأفضل، وإن خالفتنا خصمناک.

[صفحه 308]

وقالت الثنوية: نحن نقول: إن النور والظلمة هما المدبران، وقد جئناک لننظر فيما تقول، فان اتبعتنا فنحن أسبق إلي الصواب منک، وإن خالفتنا خصمناک.

وقال مشرکوا العرب: نحن نقول: إن أوثاننا آلهة، وقد جئناک لننظر فيما تقول، فان اتبعتنا فنحن أسبق إلي الصواب منک وأفضل، وان خالفتنا خصمناک.

فقال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: آمنت باللَّه وحده لا شريک له وکفرت بالجبت والطاغوت وبکل معبود سواه.

ثم قال لهم: إن اللَّه تعالي قد بعثني کافة للناس کافة بشيراً ونذيراً وحجة علي العالمين، وسيرد کيد من يکيد دينه في نحره.

ثم قال لليهود: اجئتموني لأقبل قولکم بغير حجة؟ قالوا: لا، قال: فما الذي دعاکم إلي القول بأن عزيراً ابن‏اللَّه؟ قالوا: لأنه أحيي لبني اسرائيل التوراة بعد ما ذهبت، ولم يفعل بها هذا إلّا لأنه ابنه، فقال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: فکيف صار عزير ابن‏اللَّه دون موسي، وهو الذي جاء لهم بالتوراة ورؤي منه من المعجزات ما قد علمتم؟ ولئن کان عزير ابن‏اللَّه، لما ظهر من اکرامه باحياء التوراة، فلقد کان موسي بالنبوة أولي وأحق، ولئن کان هذا المقدار من اکرامه لعزير يوجب له انه ابنه، فأضعاف هذه الکرامة لموسي توجب له منزلة أجلّ من النبوة، لأنکم ان کنتم إنما تريدون بالنبوة الدلالة علي سبيل ما تشاهدونه في دنياکم من ولادة الاُمهات الأولاد بوطي‏ء آبائهم لهن، فقد کفرتم باللَّه وشبهتموه بخلقه، وأوجبتم فيه صفات المحدثين، فوجب عندکم أن يکون محدثاً مخلوقاً، وأن يکون له خالق صنعه وابتدعه.

قالوا: لسنا نعني هذا فان هذا کفر کما ذکرت، ولکنا نعني انه ابنه علي معني الکرامة، وإن لم يکن هناک ولادة، کما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد اکرامه وإبانته بالمنزلة من غيره- يابني- وإنه ابني لا علي اثبات ولادته منه، لأنه قد يقول ذلک لمن هو أجنبي لا نسب له بينه وبينه، وکذلک لما فعل اللَّه بعزير ما فعل، کان قد اتخذه

[صفحه 309]

ابناً علي الکرامة لا علي الولادة.

فقال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: فهذا ما قتله لکم، إنه إن وجب علي هذا الوجه أن يکون عزير ابنه، فان هذه المنزلة بموسي أولي، وإن اللَّه يفضح کل مبطل باقراره ويقلب عليه حجته، إنّ ما احتججتم به يؤديکم إلي ما هو أکبر مما ذکرته لکم، لأنکم قلتم إن عظيماً من عظماءکم قد يقول لأجنبي لا نسب بينه وبينه (يابني) و (هذا ابني) لا علي طريق الولادة، فقد تجدون أيضاً هذا العظيم يقول لأجنبي آخر (هذا ابني) ولآخر هذا شيخي وأبي، ولآخر هذا سيدي وياسيدي علي سبيل الاکرام، وأن من زاده في الکرامة زاده مثل هذا القول، فإذاً يجوز عندکم أن يکون موسي أخاً للَّه، أو شيخاً له، أو أباً، أو سيداً، لأنه قد زاده في الکرامة مما لعزير، کما أن من زاد رجلاً في الاکرام فقال له ياسيدي وياشيخي وياعمي ويارئيس علي طريق الاکرام، وأن من زاده في الکرامة، زاده في مثل هذا القول، أفيجوز عندکم أن يکون موسي أخاً للَّه، أو شيخاً، أو عماً، أو رئيساً، أو سيداً، أو أميراً، لأنه قد زاده في الاکرام علي من قال له ياشيخي أو ياسيدي أو ياعمي أو يارئيسي أو ياأميري؟ قال: فبهت القوم وتحيروا وقالوا: يامحمد أجلّنا نفکّر فيما قد قلته لنا، فقال: انظروا فيه بقلوب معتقدة للانصاف، يهدکم اللَّه تعالي.

ثم أقبل علي النصاري، فقال لهم: وأنتم قلتم إن القديم عزوجل اتحدّ بالمسيح ابنه، فما الذي أردتموه بهذا القول؟ أردتم أن القديم صار محدثاً لوجود هذا المحدث الذي هو عيسي؟ أو المحدث الذي هو صار قديماً عيسي کوجود القديم الذي هو اللَّه؟ أو معني قولکم انه اتحد به انه اختصه بکرامة لم يکرم بها أحداً سواه؟ فان أردتم أن القديم صار محدثاً فقد أبطلتم؛ لأن القديم محال أن ينقلب فيصير محدثاً، وإن أردتم أن المحدث صار قديماً فقد أحلتم؛ لأن المحدث أيضاً محال أن يصير قديماً، وان أردتم أن اتحد به بأنه اختصه واصطفاه علي سائر عباده، فقد أقررتم بحدوث

[صفحه 310]

عيسي وبحدوث المعني الذي اتحد به من أجله؛ لأنه إذا کان عيسي محدثاً وکان اللَّه اتحد به- بأن أحدث به معني صار به أکرم الخلق عنده- فقد صار عيسي وذلک المعني محدثين، وهذا خلاف ما بدأتم تقولونه.

قال: فقالت النصاري يامحمد إن اللَّه تعالي لما أظهر علي يد عيسي من الأشياء العجيبة ما أظهر، فقد اتخذه ولداً علي جهة الکرامة. فقال لهم رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعني الذي ذکرتموه، ثم أعاد صلي الله عليه و آله ذلک کلّه، فسکتوا إلّا رجلاً واحداً منهم فقال له: يامحمد أولستم تقولون إن إبراهيم خليل اللَّه؟ قال: قد قلنا ذلک، فاذا قلتم ذلک فلم منعتمونا من أن نقول إن عيسي ابن‏اللَّه؟ قال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: إنهما لن يشتبها لأن قولنا إبراهيم خليل اللَّه فانما هو مشتق من الخلة والخلة فامّا الخلة إنما معناها الفقر والفاقة، فقد کان خليلاً إلي ربه فقيراً اليه منقطعاً، وعن غيره متعففاً معرضاً مستغنياً، وذلک لما اُريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق، فبعث اللَّه جبرئيل فقال له أدرک عبدي، فجاء فلقيه في الهواء فقال له کلفني ما بدا لک فقد بعثني اللَّه لنصرتک، فقال ابراهيم: حسبي اللَّه ونعم الوکيل، اني لا أسأل غيره، ولا حاجة لي إلّا اليه، فسماه خليله- أي فقيره ومحتاجه والمنقطع اليه عمن سواه-.

وإذا جعل معني ذلک من الخلة، وهو أنه قد تخلل معانيه ووقف علي أسرار لم يقف عليها غيره، کان الخليل معناه العالم به وبأُموره، ولا يوجب ذلک شبيه اللَّه بخلقه، ألا ترون أنه إذا لم ينقطع اليه لم يکن خليله؟ وإذا لم يعلم بأسراره لم يکن خليله؟ وإن من يلده الرجل وإن أهانه وأعصاه لم يخرج عن أن يکون ولده، لأن معني الولادة قائم به.

ثم إن وجب لأنه قال لابراهيم خليلي أن تقيسوا أنتم فتقولوا: بأن عيسي ابنه، وجب أيضاً کذلک أن تقولوا لموسي أنه ابنه، فان الذي معه من المعجزات لم يکن

[صفحه 311]

بدون ما کان مع عيسي فقولوا: إن موسي أيضاً ابنه، وأن يجوز أن تقولوا علي هذا المعني إنه شيخه وسيده وعمه ورئيسه وأميره کما قد ذکرته لليهود.

فقال بعضهم لبعض: وفي الکتب المنزلة أن عيسي قال: أذهب إلي أبي‏وأبيکم فقال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: فان کنتم بذلک الکتاب تعلمون فان فيه أذهب إلي أبي‏وأبيکم فقولوا إن جميع الذين خاطبهم عيسي کانوا أبناء اللَّه، کما کان عيسي ابنه من الوجه الذي کان عيسي ابنه، ثم إن ما في هذا الکتاب يبطل عليکم هذا الذي زعمتم أن عيسي من وجهة الاختصاص کان ابناً له؛ لأنکم قلتم إنما قلنا انه ابنه لأنه اختصه بما لم يختص به غيره، وأنتم تعلمون أن الذي خص به عيسي لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسي: أذهب إلي أبي‏وأبيکم مبطل أن يکون الاختصاص لعيسي، لأنه قد ثبت عندکم بقول عيسي لمن لم يکن له مثل اختصاص عيسي، وأنتم حکيتم لفظة عيسي وتأولتموها علي غير وجهها؛ لأنه إذا قال: أذهب إلي أبي‏وأبيکم فقد أراد غير ما ذهبتم اليه ونحلتموه، وما يدريکم لعله عني أذهب إلي آدم أو إلي نوح وأن اللَّه يرفعني اليهم ويجمعني معهم، وآدم أبي‏وأبوکم وکذلک نوح، بل أراد غير هذا.

قال: فسکت النصاري وقالوا: ما رأينا کاليوم مجادلاً ولا مخاصماً مثلک، وسننظر في اُمورنا.

ثم أقبل رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله علي الدهرية فقال: وأنتم فما الذي دعاکم إلي القول بأن الأشياء لا بدو لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال؟ فقالوا: لأنا لا نحکم إلّا بما نشاهد ولم نجد للأشياء حدثاً، فحکمنا بأنها لم تزل، ولم نجد لها انقضاء وفناء، فحکمنا بأنها لا تزال.

فقال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: أفوجدتم لها قِدماً، أم وجدتم لها بقاءاً أبد الأبد، فان قلتم انکم وجدتم ذلک أنهضتم لأنفسکم أنکم لم تزالوا علي هيئکم وعقولکم بلا نهاية،

[صفحه 312]

ولا تزالون کذلک، لئن قلتم هذا، دفعتم العيان وکذّبکم العالمون والذين يشاهدونکم.

قالوا: بل نشاهد لها قِدماً ولا بقاء أبد الآبد، قال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: فلِمَ صرتم بأن تحکموا بالقدم والبقاء دائماً لأنکم لم تشاهدوا حدوثها، وانقضاؤها أول من تارک التميز لها مثلکم فيحکم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع، لأنه لم يشاهد لها قدماً ولا بقاءاً أبد الآبد. أو لستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما بعد الآخر؟ فقالوا: نعم، فقال: أترونهما لم يزالا ولا يزالان؟ فقالوا: نعم، فقال: أفيجوز عندکم اجتماع الليل والنهار؟ فقالوا: لا، فقال: فاذاً تقطع أحدها عن الآخر، فيسبق أحدها ويکون الثاني جارياً بعده، قالوا: کذلک هو، فقال: قد حکمتم بحدوث ما تتقدم من ليل ونهار لم تشاهدوهما فلا تنکروا للَّه قدرته.

ثم قال صلي الله عليه و آله: أتقولون ما قبلکم من الليل والنهار متناه أم غير متناه؟ فان قلتم انه غير متناه فقد وصل اليکم آخر بلا نهاية لأوله، وإن قلتم متناه فقد کان ولا شي‏ء منهما قالوا: نعم، قال لهم: أقلتم أن العالم قديم غير محدث، وأنتم عارفون بمعني ما أقررتم به، وبمعني ما جحدتموه قالوا: نعم، قال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: فهذا الذي تشاهدونه من الأشياء بعضها إلي بعض يفتقر، لأنه لا قوام للبعض إلّا بما يتصل به، کما نري البناء محتاجاً بعض أجزائه إلي بعض وإلّا لم يتسق، ولم يستحکم، وکذلک سائر ما نري.

وقال صلي الله عليه و آله: فاذا کان هذا المحتاج بعضه إلي بعض لقوته وتمامه هو القديم، فأخبروني أن لو کان محدثاً، کيف کان يکون وماذا کانت تکون صفته؟ قال: فبهتوا وعلموا أنهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلّا وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم، فوجموا وقالوا: سننظر في أمرنا.

ثم أقبل رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله علي الثنوية الذين قالوا: النور والظلمة هما المدبران،

[صفحه 313]

فقال: وأنتم فما الذي دعاکم إلي ما قلتموه من هذا؟ فقالوا: لأنا وجدنا العالم صنفين خيراً وشراً، وجدنا الخير ضداً للشر، فأنکرنا أن يکون فاعل واحد يفعل الشي‏ء وضده، بل کل واحد منهما فاعل، ألا تري أن الثلج محال أن يسخن، کما أن النار محال أن تبرد، فأثبتنا لذلک صانعين قديمين ظلمة ونوراً.

فقال لهم رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: أفلستم قد وجدتم سواداً وبياضاً وحمرة وصفرة وخضرة وزرقة، وکل واحدة ضد لسائرها، لاستحالة اجتماع اثنين منها في محل واحد، کما کان الحر والبرد ضدين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد؟ قالوا: نعم، قال: فهلّا أثبتم بعدد کل لون صانعاً قديماً، ليکون فاعل کل ضد من هذه الألوان غير فاعل الضد الآخر؟ قال: فسکتوا.

ثم قال: فکيف اختلط النور والظلمة، وهذا من طبعه الصعود، وهذه من طبعها النزول أرأيتم لو أنّ رجلاً أخذ شرقاً يمشي اليه، والآخر غرباً، أکان يجوز عندکم أن يلتقيا ما داما سائرين علي وجههما؟ قالوا: لا، قال: فوجب أن لا يختلط النور والظلمة، لذهاب کل واحد منهما في غير جهة الآخر، فکيف حدث هذا العالم من امتزاج ما هو محال أن يمتزج بل هما مدبران جميعاً مخلوقان، فقالوا: سننظر في اُمورنا.

ثم أقبل رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله علي مشرکي العرب، فقال: وأنتم فلم عبدتم الأصنام من دون اللَّه؟ فقالوا: نتقرب بذلک إلي اللَّه تعالي. فقال لهم: أو هي سامعة مطيعة لربها، عابدة له، حتي تتقربوا بتعظيمها إلي اللَّه؟ قالوا: لا، قال: فأنتم الذين نحتموها بأيديکم؟ قالوا: نعم، قال: فلئن تعبدکم هي لو کان يجوز منها العبادة أحري من أن تعبدوها، إذاً لم يکن أمَرَکم بتعظيمها، من هو العارف بمصالحکم وعواقبکم والحکيم فيما يکلفکم.

قال: فلما قال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله هذا القول اختلفوا، فقال بعضهم: إن اللَّه قد حلَّ في

[صفحه 314]

هياکل رجال کانوا علي هذه الصور فصوّرنا هذه الصور، نعظمها لتعظيمنا تلک الصور التي حلّ فيها ربنا، وقال آخرون منهم: إن هذه الصور أقوام سلفوا، کانوا مطيعين للَّه قبلنا، فمثلنا صورهم وعبدناها تعظيماً للَّه. وقال آخرون منهم إن اللَّه لما خلق آدم، وأمر الملائکة بالسجود له فسجدوه تقرباً باللَّه، وکنا نحن أحق بالسجود لآدم (إلي اللَّه) من الملائکة، ففاتنا ذلک فصورنا صورته فسجدنا لها تقرباً إلي اللَّه، کما تقربت الملائکة بالسجود لآدم إلي اللَّه تعالي، وکما اُمرتم بالسجود بزعمکم إلي جهة مکة ففعلتم، ثم نصبتم في غير ذلک البلد بأيديکم محاريب سجدتم اليها وقصدتم الکعبة لا محاريبکم، وقصدتم بالکعبة إلي اللَّه عزوجل لا اليها.

فقال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: أخطأتم الطريق وضللتم، أما أنتم- وهو صلي الله عليه و آله- يخاطب الذين قالوا: إن اللَّه يحل في هياکل رجال کانوا علي هذه الصور التي صورناها، فصورنا هذه الصور نعظمها لتعظيمنا لتلک الصور التي حل فيها ربنا- فقد وصفتم ربکم بصفة المخلوقات، أو يحل ربکم في شي‏ء حتي يحيط به ذاک الشي‏ء، فأي فرق بينه إذاً وبين سائر ما يحلّ فيه من لونه وطعمه ورائحته ولينه وخشونته وثقله وخفته، ولم صار هذا المحلول فيه محدثاً وذلک قديماً، دون أن يکون ذلک محدثاً وهذا قديماً، وکيف يحتاج إلي المحال من لم يزل قبل المحال، وهو عزوجل کان لم يزل، وإذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد لزمکم أن تصفوه بالزوال والحدوث وإذا وصفتموه بالزوال والحدوث، وصفتموه بالفناء لأن ذلک أجمع من صفات الحال والمحلول فيه، وجميع ذلک يغير الذات، فان کان لم يتغير ذات الباري تعالي بحلوله في شي‏ء جاز أن لا يتغير بأن يتحرک ويسکن ويسود ويبيض ويحمر ويصفر، وتحله الصفات التي تتعاقب علي الموصوف بها، حتي تکون فيه جميع صفات المحدثين، ويکون محدثاً، تعالي اللَّه عن ذلک علواً کبيراً.

ثم قال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: فاذا بطل ما ظننتموه من أن اللَّه يحل في شي‏ء، فقد فسد

[صفحه 315]

ما بنيتم عليه قولکم. قال: فسکت القوم وقالوا: سننظر في اُمورنا.

ثم أقبل رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله علي الفريق الثاني، فقال: أخبرونا عنکم إذا عبدتم صور من کان يعبد اللَّه فسجدتم لها و حليتم، فوضعتم الوجوه الکريمة علي التراب بالسجود لها، فما الّذي أبقيتم لربّ العالمين؟ أما علمتم أن من حق من يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوي به عبده؟ أرأيتم ملکاً أو عظيماً إذا ساويتموه بعبده في التعظيم والخشوع والخضوع أيکون في ذلک وضع من حق الکبير کما يکون زيادة في تعظيم الصغير؟ فقالوا: نعم، قال: أفلا تعلمون انکم من حيث تعظمون اللَّه بتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون علي رب العالمين. قال: فسکت القوم بعد أن قالوا: سننظر في أمرنا.

ثم قال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله للفريق الثالث: لقد ضربتم لنا مثلاً وشبهتمونا بأنفسکم ولسنا سواء، وذلک أنا عباد اللَّه مخلوقون مربوبون، نأتمر له فيما أمرنا، وننزجر عما زجرنا، ونعبده من حيث يريده منا، فاذا أُمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعد إلي غيره مما لم يأمرنا ولم يأذن لنا، لأنا لا ندري لعله إن أراد منا الأول فهو يکره الثاني، وقد نهانا أن نتقدم بين يديه، فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلي الکعبة أطعناه، ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي نکون بها فأطعناه، ولم نخرج في شي‏ء من ذلک من اتباع أمره، واللَّه حيث أمر بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره، فليس لکم أن تقيسها ذلک عليه، لأنکم لا تدرون لعله يکره ما تفعلون إذ لم يأمرکم به.

ثم قال لهم رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: أرأيتم لو أذن لکم رجل دخول داره يوماً بعينه، ألکم أن تدخلوها بعد ذلک بغير أمره، أو لکم أن تدخلوا داراً له اُخري مثلها بغير أمره؟ أو وهب لکم رجل ثوباً من ثيابه، أو عبداً من عبيده، أو دابة من دوابه، ألکم أن تأخذوا ذلک؟ قالوا: نعم، قال: فان لم تأخذوه ألکم أخذ آخر مثله؟ قالوا:

[صفحه 316]

لا، لأنه لم يأذن لنا في الثاني کما أذن في الأول. قال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: فأخبروني، اللَّه أولي بأن لا يتقدم علي ملکه بغير أمره أو بعض المملوکين؟ قالوا: بل للَّه أولي بأن لا يتصرف في ملکه بغير اذنه، قال: فلِمَ فعلتم ومتي أمرکم بالسجود أن تسجدوا لهذه الصور؟ قال: فقال القوم: سننظر في اُمورنا، وسکتوا.

وقال الصادق عليه‏السلام: فوالذي بعثه بالحق نبياً ما أنت علي جماعتهم إلّا ثلاثة أيام حتي أتوا رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله فأسلموا، وکانوا خمسة وعشرين رجلاً، من کل فرقة خمسة، وقالوا: ما رأينا مثل حجتک يامحمد، نشهد أنک رسول‏اللَّه.[1].

2/9139- الطبرسي: قال الصادق عليه‏السلام: قال أميرالمؤمنين (صلوات اللَّه عليه): فأنزل اللَّه «الْحَمْدُ للَّهِِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّوْرِ ثُمَّ الَّذِينَ کَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ».[2] الآية.

فکان في هذه الآية ردّ علي ثلاثة أصناف منهم: لما قال: «الْحَمْدُ للَّهِِ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ» فکان ردّاً علي الدهرية الذين قالوا: إن الأشياء لا بدو لها وهي دائمة، ثم قال: «جَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّوْرِ» فکان ردّاً علي الثنوية الذين قالوا: إن النور والظلمة هما مدبران، ثم قال: «الَّذِينَ کَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» فکان ردّاً علي مشرکي العرب الذين قالوا: إن أوثاننا آلهة، ثم أنزل اللَّه: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ».[3] إلي آخرها، فکان ردّاً علي من ادعي من دون اللَّه ضداً أو نداً، قال:

فقال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله لأصحابه: قولوا: «إِيَّاکَ نَعْبُدُ»[4] أي نعبد واحداً لا فقول کما قالت الدهرية: إن الأشياء لا بدو لها وهي دائمة، ولا کما قالت الثنوية الذين قالوا

[صفحه 317]

إن النور والظلمة هما المدبران، ولا کما قال مشرکوا العرب: إن أوثاننا آلهة، فلا نشرک بک شيئاً ولا ندعو من دونک إلهاً کما يقول الکفار، ولا نقول: کما قالت اليهود والنصاري إن لک ولداً تعاليت عن ذلک.

قال: فذلک قوله: «وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ کَانَ هُوْداً أَوْ نَصَارَي» وقالت طائفة غيرهم من هؤلاء الکفار ما قالوا، قال اللَّه تعالي: يامحمد «تِلْکَ أَمَانِيُّهُمْ» التي يمنونها بلا حجة «قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَکُمْ» وحجتکم علي دعواکم «إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِيْنَ» کما أتي محمد ببراهينه التي سمعتموها، ثم قال: «بَلَي مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِِ»- يعني کما فعل هؤلاء الذين آمنوا برسول‏اللَّه لما سمعوا براهينه وحجته، «وَهُوَ مُحْسِنٌ» في علمه، «فَلَهُ أَجْرُهُ» وثوابه «عِنْدَ رَبِّهِ» يوم فصل القضاء، «وَلَا خَوْفٌ عَلِيْهِمْ» حين يخاف الکافرون مما يشاهدونه من العقاب، «وَلَا هُمْ يَحْزَنُوْنَ».[5] عند الموت، لأن البشارة بالجنان تأتيهم.[6].

3/9140- الشيخ الطوسي، أخبرنا جماعة، عن أبي‏المفضل، قال: حدثنا أبوعبداللَّه جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن العلوي الحسيني رحمه الله، قال: حدثنا موسي ابن‏عبداللَّه بن حسن، قال: حدثني أبي، عن جدي، عن أبيه عبداللَّه بن حسن، عن أبيه وخاله علي بن الحسين، عن الحسن والحسين بن علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام قال: جاء رجل من الأنصار إلي النبي صلي الله عليه و آله فقال: يارسول‏اللَّه، ما أستطيع فراقک، واني لأدخل منزلي فأذکرک، فأترک ضيعتي وأقبل حتي أنظر اليک حباً لک، فذکرت إذا کان يوم القيامة واُدخلت الجنة فرفعت في أعلي عليين، فکيف لي بک يانبي اللَّه، فنزلت «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِکَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ

[صفحه 318]

وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِکَ رَفِيقاً».[7] فدعا النبي صلي الله عليه و آله الرجل، فقرأها عليه، وبشره بذلک[8].

[صفحه 319]


صفحه 308، 309، 310، 311، 312، 313، 314، 315، 316، 317، 318، 319.








  1. احتجاج الطبرسي 27:1 ح 20، البحار 255:9، تفسير الامام العسکري: 530، تفسير البرهان 116:2.
  2. الأنعام: 1.
  3. الإخلاص: 1.
  4. الحمد: 5.
  5. البقرة: 111 و 112.
  6. احتجاج الطبرسي 45:1 ح 21، البحار 266:9، تفسير الامام العسکري: 542.
  7. النساء: 69.
  8. أمالي الطوسي المجلس 621:29 ح 1280، البحار 188:8.