في متشابه القرآن















في متشابه القرآن‏



1/9107- الطبرسي: جاء بعض الزنادقة إلي أميرالمؤمنين علي عليه‏السلام وقال له: لولا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلت في دينکم.

فقال له علي عليه‏السلام: وما هو؟

قال: قاله تعالي: «نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ».[1] وقوله: «فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ کَمَا نُسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا».[2] وقوله: «وَمَا کَانَ رَبُّکَ نَسِيّاً».[3] وقوله: «يَوْمَ يَقُوْمُ الرُّوْحُ وَالْمَلَائِکَةَ صَفّاً لَا يَتَکَلَّمُوْنَ إِلَّا مَن أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً».[4] وقوله: «وَاللَّهِ رَبِّنا مَا کُنَّا مُشْرِکِينَ».[5] وقوله تعالي: «يَوْمَ القِيَامَةِ يَکْفُرُ بَعْضُکُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُکُمْ

[صفحه 233]

بَعْضاً».[6] وقوله: «إِنَّ ذَلِکَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ»[7] وقوله: «لَا تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ».[8] وقوله: «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلي أَفْوَاهِهِمْ وَتُکَلِّمُنَا أَيْدِيْهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا کَانُواْ يَکْسِبُوْنَ»[9] وقوله تعالي: «وُجُوْهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ»[10] وقوله: «لَا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِکُ الأَبْصَارَ»[11] وقوله: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً اُخْرَي عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَي»[12] وقوله: «لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً».[13] وقوله: «وَمَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُکَلِّمُهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً» وقوله: «کَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لََمحْجُوْبُوْنَ»[14] وقوله: «هَلْ يَنْظُرُوْنَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ المَلَائِکَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّکَ».[15] وقوله: «بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ کَافِرُوْنَ»[16] وقوله: «فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقَاً فِي قُلُوْبِهِمْ إِلي يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ».[17] وقوله: «فَمَنْ کَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ»[18] وقوله: «وَرَأَي الْمُجْرِمُوْنَ النَّارَ فَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوْهَا».[19] وقوله: «وَنَضَعُ المَوَازِيْنَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ»[20] وقوله: «فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِيْنُهُ... وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِيْنُهُ»[21].

[صفحه 234]

فقال له أميرالمؤمنين (صلوات اللَّه عليه):

فأما قوله تعالي: «نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ».[22] إنما يعني نسوا اللَّه في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته، فنسيهم في الآخرة- أي لم يجعل لهم من ثوابه شيئاً، فصاروا منسيين من الخير، وکذلک تفسير قوله تعالي: «فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ کَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا».[23] يعني بالنسيان انه لم يثبهم کما يثيب أولياءه، والذين کانوا في دارالدنيا مطيعين ذاکرين حين آمنوا به وبرسوله وخافوه بالغيب.

وأما قوله: «وَمَا کَانَ رَبُّکَ نَسِيّاً».[24] فان ربنا تبارک وتعالي علواً کبيراً ليس بالذي ينسي، ولا يغفل؛ بل هو الحفيظ العليم، وقد يقول العرب: قد نسينا فلان فلا يذکرها، أي انه لا يأمر لهم بخير ولا يذکرهم به.

قال علي (صلوات اللَّه عليه): وأما قوله عزّوجلّ: «يَوْمَ يَقُوْمُ الرُّوْحُ وَالْمَلَائِکَةُ صَفّاً لَا يَتَکَلَّمُوْنَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقَالَ صَوَاباً».[25] وقوله: «وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا کُنّا مُشْرِکِيْنَ».[26] وقوله عزوجل: «يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَکْفُرُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُکُمْ بَعْضاً»[27] وقوله عزّوجلّ: «إِنَّ ذَلِکَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ»[28] وقوله: «لَا تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْکُمْ بِالْوَعِيْدِ»[29] وقوله: «اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلي أَفْوَاهِهِمْ وَتُکَلِّمُنَا أَيْدِيْهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلِهِمْ بِمَا کَانُواْ يَکْسِبُوْنَ».[30].

[صفحه 235]

فان ذلک في مواطن غير واحد من مواطن ذلک اليوم الذي کان مقداره خمسين ألف سنة والمراد يکفّر أهل المعاصي بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضاً، والکفر في هذه الآية البراءة يقول: فيبرأ بعضهم من بعض، ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان: «إِنِّي کَفَرْتُ بِمَا أَشْرَکْتُمُوْنِ مِنْ قَبْلُ».[31] وقول إبراهيم خليل الرحمن: «کَفَرْنَا بِکُمْ».[32] يعني تبرأنا منکم، ثم يجتمعون في مواطن اُخري يبکون فيها، فلو أن تلک الأصوات فيها بدت لأهل الدنيا لا زالت جميع الخلق عن معائشهم، وانصدعت قلوبهم إلّا ما شاء اللَّه، ولا يزالون يبکون حتي يستنفذوا الدموع، ويفضوا إلي الدماء.

ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون: «وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا کُنَّا مُشْرِکِيْنَ».[33] وهؤلاء خاصة هم المقرون في دار الدنيا بالتوحيد، فلا ينفعهم إيمانهم باللَّه لمخالفتهم رسله وشکهم فيما أتوا به عن ربهم، ونقضهم عهودهم في أوصيائهم واستبدالهم الذي هو أدني بالذي هو خير، فکذبهم اللَّه فيما انتحلوه من الايمان بقوله: «اُنْظُرْ کَيْفَ کَذَبُواْ عَلي أَنْفُسِهِمْ».[34] فيختم اللَّه علي أفواههم، ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود، فتشهد بکل معصية کانت منهم، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم: لم شهدتم علينا؟ قالوا: «أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ کُلَّ شَي‏ءٍ».[35].

ثم يجتمعون في موطن آخر فيفر بعضهم من بعض لهول ما يشاهدونه من صعوبة الأمر، وعظم البلاء فذلک قوله عزوجل: «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيْهِ وَاُمِّهِ وَأَبِيْهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيْهِ...».[36] الآية.

[صفحه 236]

ثم يجتمعون في موطن آخر يستنطق فيه أولياء اللَّه وأصفياؤه، فلا يتکلم أحد إلّا من أذن له الرحمن وقال صواباً، فيقام الرسل فيسئلون عن تأدية الرسالة التي حملوها إلي اُممهم، فأخبروا انّهم قد أدّوا ذلک إلي اُممهم وتسئل الاُمم فتجحد کما قال اللَّه تعالي: «فَلَتَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِيْنَ».[37] فيقولون: «مَا جَاءَنَا مِن بَشِيْرٍ وَلَا نَذِيْرٍ».[38] فتشهد الرسل رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله فيشهد بصدق الرسل، وتکذيب من جحدها من الاُمم فيقول لکل اُمة منهم: «بَلي قَدْ جَاءَکُمْ بَشِيْرٌ وَنَذِيْرٌ وَاللَّهُ عَلي کُلِّ شَي‏ءٍ قَدِيرُ».[39] أي مقتدر علي شهادة جوارحکم عليکم بتبليغ الرسل اليکم رسالاتهم، کذلک قال اللَّه لنبيه: «فَکَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ کُلِّ اُمَّةٍ بِشَهِيْدٍ وَجِئْنَا بِکَ عَلي هَؤُلَاءِ شَهِيْداً».[40] فلا يستطيعون ردّ شهادته، خوفاً من أن يختم اللَّه علي أفواههم، وأن تشهد عليهم جوارحهم بما کانوا يعملون، ويشهد علي منافق قومه، واُمته، وکفارهم بالحادهم، وعنادهم، ونقضهم عهده، وتغييرهم سنته، واعتدائهم علي أهل بيته، وانقلابهم علي أعقابهم، وارتدادهم علي أدبارهم، واحتذاءهم في ذلک سنة من تقدمهم من الاُمم الظالمة، الخائنة لأنبيائها، فيقولون بأجمعهم: «رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَکُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ».[41].

ثم يجتمعون في موطن آخر يکون فيه مقام محمد صلي الله عليه و آله وهو المقام المحمود فيثني علي اللَّه بما لم يثنِ عليه أحد قبله، ثم يثني علي الملائکة کلهم، فلا يبقي ملک إلّا أثني عليه محمد، ثم يثني علي الأنبياء بما لم يثني عليهم أحد قبله، ثم يثني علي کل مؤمن ومؤمنة، يبدأ بالصديقين والشهداء، ثم الصالحين، فيحمده أهل السماوات وأهل

[صفحه 237]

الأرضين، فذلک قوله تعالي: «عَسي أَن يَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَاماً مَحْمُوْداً».[42] فطوبي لمن کان له في ذلک المکان حظ ونصيب، وويل لمن لم يکن له في ذلک المقام حظ ولا نصيب. ثم يجتمعون في موطن آخر ويزال بعضهم عن بعض، وهذا کله قبل الحساب فاذا أخذ في الحساب شغل کل إنسان بما لديه، فنسأل اللَّه برکة ذلک اليوم.

قال علي عليه‏السلام: وأما قوله: «وُجُوْهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلي رَبِّهَا نَاظِرةٌ»[43] ذلک في موضع ينتهي فيه أولياء اللَّه عزوجل، بعد ما يفرغ من الحساب، إلي نهر يسمي نهر الحيوان فيغتسلون منه، ويشربون من آخر فتبيض وجوههم، فيذهب عنهم کل أذي وقذي ووعث، ثم يؤمرون بدخول الجنة، فمن هذا المقام ينظرون إلي ربهم کيف يثيبهم، ومنه يدخلون الجنة، فذلک قول اللَّه عزوجل في تسليم الملائکة عليهم: «سَلَامٌ عَلَيْکُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوْهَا خَالِدِينَ».[44] فعند ذلک قوله تعالي أثيبوا بدخول الجنة والنظر إلي ما وعدهم اللَّه عزوجل، فلذلک قوله تعالي: «إِلَي رَبِّهَا نَاظِرةٌ»[45] (والناظرة في بعض اللغة هي المنتظرة) ألم تسمع إلي قوله تعالي: «فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ»-.[46] أي منتظرة بم يرجع المرسلون.

وأما قوله: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً اُخري عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَي».[47] يعني محمداً حين کان عند سدرة المنتهي حيث لا يجاوزها خلق من خلق اللَّه عزوجل، وقوله في آخر الآية: «مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَي لَقَدْ رَأي مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْکُبْري».[48] أي جبرئيل في صورته مرتين: هذه مرة، ومرة اُخري، وذلک أن خلق جبرئيل خلق عظيم، فهو

[صفحه 238]

من الروحانيين الذي لا يدرک خلقهم ولا صفتهم إلّا اللَّه ربّ العالمين.

قال علي (صلوات اللَّه عليه): وأما قوله: «مَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُکَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُوْلاً فَيُوْحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ».[49] کذلک قال اللَّه تعالي: قد کان الرسول‏يوحي اليه رسل من السماء فتبلغ رسل السماء إلي الأرض، وقد کان الکلام بين رسل أهل الأرض وبينه من غير أن يرسل بالکلام مع أهل السماء، وقد قال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: ياجبرئيل هل رأيت ربک؟ فقال جبرئيل: إن ربي لا يري، فقال رسول‏اللَّه من أين تأخذ الوحي؟ قال: آخذه من اسرافيل، قال: ومن أين يأخذه إسرافيل؟ قال: يأخذه من ملک فوقه من الروحانيين، قال: ومن أين يأخذه ذلک الملک؟ قال: يقذف في قلبه قذفاً، فهذا وحي وهو کلام اللَّه عزوجل، وکلام اللَّه ليس بنحو ذلک الملک، قال: يقذف في قلبه قذفاً.

فهذا وحي، وهو کلام اللَّه عزّوجلّ، وکلام اللَّه ليس بنحو واحد منه ما کلّم اللَّه به الرسل، ومنه ما قذف في قلوبهم، ومنه رؤيا يراها الرسل، ومنه وحي وتنزيل يتلي ويقرأ فهو کلام اللَّه عزوجل.

قال علي (صلوات اللَّه عليه): وأما قوله: «کَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوْبُونَ».[50] فانما يعني به يوم القيامة عن ثواب ربهم لمحجوبون، وقوله تعالي: «هَلْ يَنْظُرُوْنَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ المَلَائِکَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّکَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّکَ».[51] يخبر محمداً عن المشرکين والمنافقين، الذين لم يستجيبوا للَّه ولرسوله، فقال: «هَلْ يَنْظُرُوْنَ إِلِّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِکَةُ» حيث لم يستجيبوا للَّه ولرسوله، «أَوْ يَأْتِي رَبُّکَ أَوْ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّکَ».[52] يعني بذلک العذاب يأتيهم في دار الدنيا کما عذّب القرون

[صفحه 239]

الاُولي، فهذا خبر يخبر به النبي صلي الله عليه و آله عنهم، ثم قال: «يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّکَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيْمَانُهَا لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ..» الآية يعني لم تکن آمنت من قبل أن تأتي هذه الآية، وهذه الآية هي طلوع الشمس من مغربها، وقال في آية اُخري: «فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ»[53] يعني أرسل عليهم عذاباً، وکذلک إتيانه بنيانهم حيث قال: «فَأَتَي اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ».[54] يعني أرسل عليهم العذاب.

قال علي (صلوات اللَّه عليه): وأما قوله عزوجلّ: «بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ کَافِرُونَ».[55] وقوله: «الَّذِينَ يَظُنُّوْنَ أَنَّهُمْ مُلاقُواْ رَبِّهِمْ»[56] وقوله: «إِلَي يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ».[57] وقوله: «فَمَنْ کَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً».[58] يعني البعث، فسماه اللَّه لقاءاً، کذلک قوله: «مَنْ کَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ».[59] يعني من کان يؤمن انه مبعوث فان وعد اللَّه لآت من الثواب والعقاب، فاللقاء ههنا ليس بالرؤية، واللقاء هو البعث، وکذلک «تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ».[60] يعني أنه لا يزول الايمان عن قلوبهم يوم يبعثون.

قال علي (صلوات اللَّه عليه): وأما قوله عزوجل: «وَرَأَي الْمُجْرِمُوْنَ النَّارَ فَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوْهَا».[61] يعني: تيقنوا انهم يدخلونها وکذلک قوله: «إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَةْ».[62] وأما قوله عزوجل- للمنافقين- «وَيَظُنُّوْنَ بِاللَّهِ

[صفحه 240]

الظُّنُوْنَا».[63] فهو ظن شک وليس ظن يقين، والظن ظنان: ظن شک، وظن يقين، فما کان من أمر المعاد من الظن فهو ظن يقين، وما کان من أمر الدنيا فهو ظن شک.

قال علي (صلوات اللَّه عليه): وأما قوله عزوجل: «وَنَضَعُ الْمَوَازِيْنَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئَاً».[64] فهو ميزان العدل، يؤخذ به الخلائق يوم القيامة بدين اللَّه تبارک وتعالي الخلائق بعضهم من بعض، ويجزيهم بأعمالهم، ويقتص للمظلوم من الظالم، ومعني قوله: «فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِيْنُهُ فَأُولئِکَ هُمُ المُفْلِحُوْنَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِيْنُهُ».[65] فهو قلة الحساب وکثرته، والناس يومئذ علي طبقات ومنازل: فمنهم من يحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلي أهله مسروراً، ومنهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب! لأنهم لم يتلبسوا من أمر الدنيا بشي‏ء، وإنما الحساب هناک علي من تلبس بها هاهنا، ومنهم من يحاسب علي النقير والقطمير ويصير إلي عذاب السعير، ومنهم أئمة الکفر قادة الضلالة فاُولئک لا يقيم لهم يوم القيامة وزناً، ولا يعبؤا بأمره ونهيه يوم القيامة وهم «فِي جَهَنَّمَ خَالِدُوْنَ وَتَلْفَحُ وُجُوْهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيْهَا کَالِحُوْنَ».[66].

ومن سؤال هذا الزنديق أن قال: أجد اللَّه يقول: «قُلْ يَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذي وُکِّلَ بِکُمْ».[67] وفي موضع آخر يقول: «وَاللَّهُ يَتَوَفّي الأَنْفُسَ حِيْنَ مَوْتِها».[68] وفي آية اُخري «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِکَةُ طَيِّبِيْنَ».[69] وما أشبه ذلک، فمرة يجعل الفعل لنفسه، ومرة لملک الموت، ومرة للملائکة، وأجده يقول: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ

[صفحه 241]

مُؤْمِنٌ فَلَا کُفْرَانَ لِسَعْيِهِ».[70] ويقول: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدي»،.[71] اُعلم في الآية الاُولي أن الأعمال الصالحة لا تکفّر، وأعلم في الآية الثانية أن الايمان والأعمال الصالحة لا تنفع إلّا بعد الاهتداء، وأجده يقول: «وَاسْأَل مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنا».[72] فيکف يسل الحي من الأموات قبل البعث والنشور، وأجده يقول: «إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَان إِنَّهُ کَانَ ظَلُوْماً جَهُوْلاً».[73] فما هذه الأمانة ومن هذا الانسان!

وليس من صفة العزيز العليم، التلبيس علي عباده، وأجده قد شهر هفوات أنبياءه بقوله: «وَعَصي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَي».[74] وبتکذيبه نوحاً لما قال: «إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي».[75] وبقوله: «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِکَ».[76] وبوصفه إبراهيم بأنه عبدکوکباً مرة، ومرة قمراً، ومرة شمساً، وبقوله في يوسف: «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَي بُرْهَانَ رَبِّهِ».[77] وبتهجينه موسي حيث قال: «رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِي».[78] الآية، وببعثه علي داود جبرئيل وميکائيل حيث تسورا عليه المحراب، وبحبسه يونس في بطن الحوت حيث ذهب مغاضباً مذنباً، وأظهر خطأ الأنبياء وزللهم، وواري اسم من اغتر وافتن خلقاً وضل وأضل، وکني عن أسمائهم في قوله: «وَيَوْمَ يَعُضُّ الظَّالِمُ

[صفحه 242]

عَلي يَدَيْهِ يَقُوْلُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُوْلِ سَبِيْلاً يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيْلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّکْرِ بَعْدَ إِذْ جَائَنِي».[79] فمن هذا الظالم الذي لم يذکر من اسمه ما ذکر من أسماء الأنبياء.

وأجده يقول: «وَجَاءَ رَبُّکَ وَالْمَلَکُ صَفّاً صَفّاً».[80] «وَهَلْ يَنْظُرُوْنَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ المَلَائِکَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّکَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّکَ»[81] «وَلَقَدْ جِئْتُمُوْنَا فُرَادَي».[82] فمرة يجيئهم، ومرة يجيئونه.

وأجده يخبر أنه يتلو نبيه شاهد منه، وکان الذي تلاه عبدالأصنام برهة من دهره.

وأجده يقول: «ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيْمِ».[83] فما هذا النعيم الذي يسأل العباد عنه؟

وأجده يقول: «بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَکُمْ».[84] ما هذه البقية؟

وأجده يقول: «يَاحَسْرَتِي عَلي مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ».[85] وأجده يقول «فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ».[86] «کُلُّ شَي‏ءٍ هَالِکٌ إِلَّا وَجْهَهُ».[87] ويقول «وَأَصْحَابُ الَْيمِيْنِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِيْنِ».[88] «وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ».[89] ما معني الجنب،

[صفحه 243]

والوجه، واليمين، والشمال؟ فإن الأمر في ذلک ملتبس جداً؟

وأجده يقول: «الرَّحْمنُ عَلي الْعَرْشِ اسْتَوَي».[90] ويقول: «أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ».[91] «وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلهٌ».[92] «وَهُوَ مَعَکُمْ أَيْنََما کُنْتُمْ»[93] «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيْدِ».[94] «مَا يَکُوْنُ مِنْ نَجْوَي ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ».[95] الآية!

وأجده يقول: «وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَي فَانْکِحُواْ مَا طَابَ لَکُمْ مِنَ النِّسَاءِ» وليس يشبه القسط في اليتامي نکاح النساء، ولا کل النساء أيتام فما معني ذلک؟

وأجده يقول: «وَمَا ظَلَمُوْنَا وَلِکِنْ کَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُوْنَ».[96] فکيف يظلم اللَّه، ومن هؤلاء الظلمة؟ وأجده يقول: «إِنَمَا أَعِظُکُمْ بِوَاحِدَةٍ».[97] فما هذه الواحدة؟

وأجده يقول: «وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ».[98] وقد أري مخالفي الاسلام معتکفين علي باطلهم، غير مقلعين عنه، وأري غيرهم من أهل الفساد مختلفين في مذاهبهم، يلعن بعضهم بعضاً، فأي موضع للرحمة العامة لهم المشتملة عليهم؟

وأجده قد بيّن فضل نبيه علي سائر الأنبياء، ثم خاطبه في أضعاف ما أثني عليه

[صفحه 244]

في الکتاب من الازراء عليه وانتقاص محله، وغير ذلک من تهجينه وتأنيبه ما لم يخاطب أحداً من الأنبياء، مثل قوله: «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلي الْهُدي فَلَا تَکُوْنَنَّ مِنَ الجَاهِلِيْنَ».[99] وقوله: «لَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاکَ لَقَدْ کِدْتَ تَرْکَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيْلاً».[100] «إذَاً لأََذَقْنَاکَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَکَ عَلَيْنَا نَصِيْراً»[101] وقوله: «وَتُخْفِي فِي نَفْسِکَ مَا اللَّهُ مُبْدِيْهِ وَتَخْشَي النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ».[102] وقول: «وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِکُمْ».[103] وقال: «مَا فَرَّطْنَا فِي الْکِتَابِ مِن شَي‏ءٍ».[104] «وَکُلَّ شَي‏ءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِيْنٍ»[105] فاذا کانت الأشياء تحصي في الامام وهو وصي النبي، فالنبي أولي أن يکون بعيداً من الصفة التي قال فيها: «وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِکُمْ».[106] وهذه کلها صفات مختلفة، وأحوال متناقضة، وأُمور مشکلة، فان يکن الرسول‏والکتاب حقاً فقد هلکت لشکي في ذلک، وان کانا باطلين فما عليّ من بأس.

فقال أميرالمؤمنين (صلوات اللَّه عليه): سبوح قدوس رب الملائکة والروح، تبارک وتعالي، هو الحي الدائم، القائم علي کل نفس بما کسبت، هات أيضاً ما شککت فيه، قال: حسبي ما ذکرت ياأميرالمؤمنين.

قال (صلوات اللَّه عليه): سأنبئک بتأويل ما سألت، وما توفيقي إلّا باللَّه عليه توکلت واليه اُنيب، وعليه فليتوکل المتوکلون.

فأما قوله: «اللَّهُ يَتَوَفّي الأَنْفُسَ حِيْنَ مَوْتِهَا».[107] وقوله: «قُلْ يَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ

[صفحه 245]

الْمَوْتِ...».[108] «تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا».[109] «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلَائِکَةُ طَيِّبِيْنَ».[110] «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلَائِکَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِم».[111] فهو تبارک وتعالي أجل وأعظم من أن يتولي ذلک بنفسه، وفعل رسله وملائکته فعله؛ لأنهم بأمره يعملون، فاصطفي جل ذکره من الملائکة رسلاً وسفرة بينه وبين خلقه، وهم الذين قال اللَّه فيهم: «اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِکَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ».[112] فمن کان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائکة الرحمة، ومن کان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائکة النقمة، ولملک الموت أعوان من ملائکة الرحمة والنقمة، يصدرون عن أمره، وفعلهم فعله، وکل ما يأتون منسوب اليه، وإذا کان فعلهم فعل ملک الموت، ففعل ملک الموت فعل اللَّه، لأنه يتوفي الأنفس علي يد من يشاء، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب علي يده من يشاء، وان فعل اُمنائه فعله، «وَمَا تَشآؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ».[113].

وأما قوله: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا کُفْرَانَ لِسَعْيِهِ».[114] وقوله: «وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدي» فان ذلک کله لا يغني إلّا مع الاهتداء، وليس کل من وقع عليه اسم الايمان کان حقيقاً بالنجاة مما هلک به الغواة، ولو کان ذلک لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد، وإقرارها باللَّه، ونجي سائر المقرين بالوحدانية، من إبليس فمن دونه في الکفر، وقد بيّن اللَّه ذلک بقوله: «الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُلْبِسُواْ إِيْمَانَهُمْ بِظُلْمٍ اُوْلَئِکَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُوْنَ».[115] وبقوله: «مِنَ الَّذِيْنَ

[صفحه 246]

قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنُ قُلُوْبِهُمْ».[116].

وللايمان حالات ومنازل يطول شرحها، ومن ذلک: أن الايمان قد يکون علي وجهين: إيمان بالقلب، وإيمان باللسان، کما کان إيمان المنافقين علي عهد رسول‏اللَّه لما قهرهم بالسيف وشملهم الخوف فانهم آمنوا بألسنتهم، ولم تؤمن قلوبهم، فالايمان بالقلب هو التسليم للرب، ومن سلّم الاُمور لمالکها، لم يستکبر عن أمره، کما استکبر إبليس عن السجود لآدم، واستکبر أکثر الاُمم عن طاعة أنبيائهم، فلم ينفعهم التوحيد، کما لم ينفع إبليس ذلک السجود الطويل، فانه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام ولم يرد بها غير زخرف الدنيا، والتمکين من النظرة، فلذلک لا تنفع الصلاة والصدقة إلّا مع الاهتداء إلي سبيل النجاة، وطرق الحق.

وقد قطع اللَّه عذر عباده بتبيين آياته، وإرسال رسله، لئلا يکون للناس علي اللَّه حجة بعد الرسل، ولم يخل أرضه من عالم بما يحتاج اليه الخليفة، ومتعلم علي سبيل النجاة، اُولئک هم الأقلون عدداً، وقد بيّن اللَّه ذلک في اُمم الأنبياء وجعلهم مثلاً لمن تأخر، مثل قوله- في قوم نوح-: «وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيْلٌ».[117] وقوله فيمن آمن من اُمة موسي-: «وَمِنْ قَوْمِ مُوْسَي اُمَّةٌ يَهْدُوْنَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُوْنَ».[118] وقوله- في حواري عيسي حيث قال لسائر بني اسرائيل-: «مَنْ أَنْصَارِي إِلي اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّوْنَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُوْنَ».[119] يعني: بأنهم مسلمون لأهل الفضل فضلهم ولا يستکبرون عن أمر ربهم، فما أجابهم منهم إلّا الحواريون. وقد جعل اللَّه للعلم أهلاً، وفرض علي العباد طاعتهم بقوله: «أَطِيْعُواْ اللَّهَ

[صفحه 247]

وَأَطِيْعُواْ الرَّسُوْلَ وَاُوْلِي الأَمْرِ مِنْکُمْ».[120] وبقوله: «وَلَوْ رَدّوْهُ إِلي الرَّسُوْلِ وَإِلي اُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُوْنَهُ مِنْهُمْ».[121] وبقوله: «اِتَّقُواْ اللَّهَ وَکُوْنُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ».[122] وبقوله: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُوْنَ فِي الْعِلْمِ».[123] وقوله: «وَأْتُواْ البُيُوْتَ مِنْ أَبْوَابِهَا».[124] والبيوت هي بيوت العلم الذي استودعته الأنبياء، وأبوابها أوصياؤهم، فکل من عمل من أعمال الخير فجري علي غير أيدي أهل الاصطفاء وعهودهم، وشرايعهم، وسننهم، ومعالم دينهم، مردود وغير مقبول، وأهله بمحل کفر وإن شملتهم صفة الايمان، ألم تسمع إلي قوله: «وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ کَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُوْلِهِ وَلَا يَأْتُوْنَ الصَّلاَةَ إِلَّا وَهُمْ کُسَالَي وَلَا يُنْفِقُوْنَ إِلَّا وَهُمْ کَارِهُوْنَ».[125] فمن لم يهتد من أهل الايمان إلي سبيل النجاة لم يغن عنه إيمانه باللَّه مع دفع حق أوليائه، وحبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين، وکذلک قال اللَّه سبحانه: «فَلَمْ يَکُ يَنْفَعُهُمْ إِيْمَانُهُمْ لَمَّا رَأَواْ بَأْسَنُا».[126] وهذا کثير في کتاب اللَّه عزّوجلّ.

والهداية هي الولاية، کما قال اللَّه عزّوجلّ: «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُوْلَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُوْنَ».[127] والذين آمنوا في هذا الموضع هم المؤتمنون علي الخلائق من الحجج، والأوصياء في عصر بعد عصر، وليس کل من قرّ أيضاً من أهل القبلة بالشهادتين کان مؤمناً، إن المنافقين کانوا يشهدون أن لا إله إلّا اللَّه وان

[صفحه 248]

محمداً رسول‏اللَّه ويدفعون عهد رسول‏اللَّه بما عهده به من دين اللَّه، وعزائمه، وبراهين نبوته، إلي وصيه، ويضمرون من الکراهة لذلک، والنقض لما أمر به منه، عند إمکان الأمر لهم، فيما قد بينه اللَّه لنبيه بقوله: «فَلَا وَرَبِّکَ لَا يُؤْمِنُوْنَ حَتَّي يُحَکِّمُوْکَ فِيْمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجَاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيْماً».[128] وبقوله: «وَمَا مُحَمَّدْ إِلَّا رَسُوْلٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلْ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَي أَعْقَابِکُمْ».[129] وقوله: «لَتَرْکَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقْ»[130] أي لتسلکن سبيل من کان قبلکم من الاُمم، في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء، وهذا کثير في کتاب اللَّه عزوجل، وقد شق علي النبي ما يؤول اليه عاقبة أمرهم، واطلاع اللَّه إياه علي بوارهم، فأوحي اللَّه عزوجل اليه: «فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُکَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ».[131] «وَلَا تَأْسَ عَلَي الْقَوْمِ الْکَافِرِينَ».[132].

وأما قوله: «وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنا».[133] فهذا من براهين نبينا التي آتاه إياها، وأوجب به الحجة علي سائر خلقه؛ لأنه لما ختم به الأنبياء، وجعله اللَّه رسولاً إلي جميع الاُمم، وسائر الملل، خصه اللَّه بالارتقاء إلي السماء عند المعراج وجمع له يومئذ الأنبياء، فعلم منهم ما أرسلوا به وحملوه من عزائم اللَّه وآياته وبراهينه، وأقروا أجمعين بفضله، وفضل الأوصياء والحجج في الأرض من بعده، وفضل شيعة وصيه من المؤمنين والمؤمنات، الذين سلموا لأهل الفضل فضلهم، ولم يستکبروا عن أمرهم، وعرف من أطاعهم وعصاهم من اُممهم، وسائر من مضي

[صفحه 249]

ومن غير، أو تقدم أو تأخر.

وأما هفوات الأنبياء عليهم‏السلام وما بينه اللَّه في کتابه، ووقوع الکناية من أسماء من اجترم أعظم مما اجترمته الأنبياء، ممن شهد الکتاب بظلمهم، فان ذلک من أدل الدلائل علي حکمة اللَّه عزوجل الباهرة، وقدرته القاهرة، وعزته الظاهرة؛ لأنه علم أن براهين الأنبياء تکبر في صدور اُممهم، وإن منهم من يتخذ بعضهم إلهاً، کالذي کان من النصاري في ابن‏مريم، فذکرها دلالة علي تخلفهم عن الکمال الذي تفرد به عزّوجلّ، ألم تسمع إلي قوله في صفة عيسي حيث قال فيه وفي اُمه: «کَانَا يَأْکُلَانِ الطَّعَامِ»[134] يعني أنّ من أکل الطعام کان له ثقل ومن کان له ثقل فهو بعيد مما ادعته النصاري لابن مريم، ولم يکن عن أسماء الأنبياء تجبراً وتعززاً بل تعريفاً لأهل الاستبصار.

إن الکناية عن أسماء الجرائم العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالي، وإنما من فعل المغيرين والمبدلين، الذين جعلوا القرآن عضين واعتاضوا الدنيا من الدين، وقد بيّن اللَّه تعالي قصص المغيرين بقوله: «فَوَيْلٌ لِلَّذِيْنَ يَکْتِبُوْنَ الْکِتَابَ بِأَيْدِيْهِمْ ثُمَّ يَقُوْلُوْنَ هَذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيْلاً».[135] وبقوله: «وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيْقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْکِتَابِ»[136] وبقوله: «إِذْ يُبَيِّتُوْنَ مَا لَا يَرْضَي مِنَ الْقَوْلِ».[137] بعد فقد الرسول‏مما يقيمون به أوِدَ باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصاري بعد فقد موسي وعيسي من تغيير التوراة والانجيل، وتحريف الکلم عن مواضعه، وبقوله: «يُرِيْدُوْنَ أَنْ يُطْفِئُواْ نُوْرَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَي اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُوْرَهُ

[صفحه 250]

وَلَوْ کَرِهَ الْکَافِرُونَ».[138] يعني: أنهم أثبتوا في الکتاب ما لم يقله اللَّه ليلبسوا علي الخليقة، فأعمي اللَّه قلوبهم حتي ترکوا فيه ما دل علي ما أحدثوا فيه، وحرفوا فيه، وبيّن عن افکهم، وتلبيسهم وکتمان ما عملوه منه ولذلک قال لهم: «لِمَ تَلْبِسُوْنَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ».[139] وضرب مثلهم بقوله: «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْکُثُ فِي الأَرْضِ».[140] فالزبد في هذا الموضع کلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن، فهل يضمحل، ويبطل ويتلاشي عند التحصيل، والذي ينفع الناس منه: فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، والقلوب تقبله، والأرض في هذا الموضع فهي محل العلم وقراره.

وليس يسوغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين، ولا الزيادة في آياته علي ما أثبتوه من تلقائهم في الکتاب، لما في ذلک من تقوية حجج أهل التعطيل والکفر، والملل المنحرفة عن قبلتنا، وإبطال هذا العلم الظاهر الذي قد استکان له الموافق والمخالف بوقوع الاصطلاح علي الايتمار لهم، والرضا بهم، ولأن أهل الباطل في القديم والحديث أکثر عدداً من أهل الحق، فلأن الصبر علي ولاة الأمر مفروض لقول اللَّه عزّوجلّ لنبيه: صلي الله عليه و آله: «فَاصْبِرْ کَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُل»[141] وإيجابه مثل ذلک علي أوليائه، وأهل طاعته، بقوله: «لَقَدْ کَانَ لَکُمْ فِي رَسُوْلِ اللَّهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ».[142] فحسبک من الجواب عن هذا الموضع ما سمعت، فإن شريعة التقية تحظر التصريح بأکثر منه.

[صفحه 251]

وأما قوله: «وَجَاءَ رَبُّکَ وَالْمَلَکُ صَفّاً صَفّاً».[143] وقوله: «وَلَقَدْ جِئْتُمُوْنَا فُرَادَي».[144] وقوله: «هَلْ يَنْظُرُوْنَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِکَةُ أَوْ يَأْتِي رَبُّکَ أَوْ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّکَ».[145] فذلک کله حق، وليست جيئته جلّ ذکره کجيئة خلقه، فانه رب کل شي‏ء من کتاب اللَّه عزوجل يکون تأويله علي غير تنزيله، ولا يشبه تأويله بکلام البشر، وسأنبئک بمثال لذلک تکتفي به إن شاء اللَّه تعالي، وهو حکاية اللَّه عزوجل عن إبراهيم عليه‏السلام حيث قال: «إِنِّي ذَاهِبٌ إَلي رَبِّي سَيَهْدِيْن».[146] فذهابه إلي ربه توجهه اليه في عبادته واجتهاده، ألا تري أن تأويله غير تنزيله، وقال: «وَأَنْزَلَ لَکُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاج».[147] وقال: «وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيْدَ فِيْهِ بَأْسٌ شَدِيْدٌ».[148] فانزاله ذلک خلقه إياه. وکذلک قوله: «قُلْ إِنْ کَانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ».[149] أي الجاحدين، والتأويل في هذا القول باطنه مضاد لظاهره، ومعني قوله: «هَلْ يَنْظُرُوْنَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِکَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّکَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّکَ»[150] فانما خاطب نبينا محمداً صلي الله عليه و آله هل ينتظر المنافقون والمشرکون إلّا أن تأتيهم الملائکة فيعاينونهم، «أَوْ يَأْتِيَ رَبُّکَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّکَ» يعني بذلک أمر ربک، والآيات هي العذاب في دار الدنيا کما عذب الاُمم السالفة والقرون الخالية، وقال: «أَوَ لَمْ يَرَواْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضُ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِها».[151] يعني بذلک ما يهلک من القرون فسماه إتياناً، وقال:

[صفحه 252]

«قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّي يُؤْفَکُوْنَ».[152] أي لعنهم اللَّه أني يؤفکون، فسمي اللعنة قتالاً.

وکذلک قال: «قُتِلَ الإنْسَانُ مَا اَکْفَرَهُ».[153] أي لعن الانسان، وقال: «فَلَمْ تَقْتُلُوْهُمْ وَلَکِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَکِنَّ اللَّهَ رَمَي».[154] فسمي نصل النبي صلي الله عليه و آله فعلاً له، ألا تري تأويله علي غير تنزيله، ومثل قوله: «بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ کَافِرُونَ».[155] فسمي البعث لقاء، وکذلک قوله: «الَّذِيْنَ يَظُنُّوْنَ أَنَّهُمْ مُلاقُواْ رَبِّهِمْ».[156] أي يوقنون أنهم مبعوثون، ومثله قوله: «أَلَا يَظُنُّ اُوْلَئِکَ أَنَّهُمْ مَبْعُوْثُوْنَ لِيَوْمٍ عَظِيْمٍ».[157] أي ليس يوقنون انهم مبعوثون، واللقاء عند المؤمن البعث، وعند الکافر المعاينة والنظر.

وقد يکون بعض ظن الکافر يقيناً، وذلک قوله: «وَرَأَي الْمُجْرِمُوْنَ النَّارَ فَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوْهَا».[158] أي تيقنوا أنهم مواقعوها، وأما قوله في المنافقين: «وَتَظُنُّوْنَ بِاللَّهِ الظُّنُوْنَا».[159] فليس ذلک بيقين ولکنه شک، فاللفظ واحد في الظاهر، ومخالف في الباطن، وکذلک قوله: «الرَّحْمَنُ عَلي العَرْشِ اسْتَوَي»،.[160] يعني استوي تدبيره وعلا أمره، وقوله: «وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ»،.[161] وقوله: «وَهُوَ مَعَکُمْ أَيْنَمَا کُنْتُمْ»[162] وقوله: «مَا يَکُوْنُ مِنْ نَجْوَي ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ»[163] فإنما أراد

[صفحه 253]

بذلک استيلاء اُمنائه بالقدرة التي رکبها فيهم علي جميع خلقه، وأن فعله فعلهم.

فافهم عني ما أقول لک، فاني إنما أزيدک في الشرح لأثلج في صدرک وصدر من لعله بعد اليوم يشک في مثال ما شککت فيه، فلا يجد مجيباً عما يسأل عنه، لعموم الطغيان، والافتتان، واضطرار أهل العلم بتأويل الکتاب، إلي الاکتتام والاحتجاب، خيفة أهل الظلم والبغي.

أما أنه سيأتي علي الناس زمان يکون الحق فيه مستوراً، والباطل ظاهراً مشهوراً، وذلک إذا کان أولي الناس به أعداهم له، واقترب الوعد الحق، وعظم الالحاد، وظهر الفساد، هنالک ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، ونحلهم الکفار أسماء الأشرار، فيکون جهد المؤمن أن يحفظ مهجته من أقرب الناس اليه، ثم يتيح اللَّه الفرج لأوليائه، ويظهر صاحب الأمر علي أعدائه.

فأما قوله: «وَيَتْلُوْهُ شَاهِدٌ مِنْهُ».[164] فذلک حجة اللَّه أقامها علي خلقه، وعرفهم أنه لا يستحق مجلس النبي إلّا من يقوم مقامه، ولا يتلوه إلّا من يکون في الطهارة مثله، لئلا يتسع لمن ماسه رجس الکفر في وقت من الأوقات انتحال الاستحقاق بمقام رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله، وليضيق العذر علي من يعينه علي اثمه وظلمه، إذ کان اللَّه قد حظر علي من ماسه الکفر تقلد ما فوضه إلي أنبيائه وأوليائه، بقوله لابراهيم: «وَلَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِيْنَ».[165] أي المشرکين، لأنه سمي الظلم شرکاً بقوله: «إِنَّ الْشِرْکَ لَظُلْمٌ عَظِيْمٌ».[166] فلما علم إبراهيم عليه‏السلام أنّ عهد اللَّه تبارک وتعالي اسمه بالامامة لا ينال عبدة الأصنام، قال: «فَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ».[167] واعلم أن من آثر المنافقين علي الصادقين، والکفار علي الأبرار، فقد افتري إثماً عظيماً، إذا کان قد بين في کتابه

[صفحه 254]

الفرق بين الحق والمبطل، والطاهر والنجس، والمؤمن والکافر، وأنه لا يتلو النبي عند فقده إلّا من حلّ محله صدقاً وعدلاً وطهارة وفضلاً.

وأما الأمانة التي ذکرتها فهي الأمانة التي لا تجب ولا تجوز أن تکون إلّا في الأنبياء وأوصيائهم؛ لأن اللَّه تبارک وتعالي أئتمنهم علي خلقه، وجعلهم حججاً في أرضه، والسامري ومن أجمع معه وأعانه من الکفار علي عبادة العجل عند غيبة موسي ما تم انتحال محل موسي من الطعام، والاحتمال لتلک الأمانة التي لا ينبغي إلّا لطاهر من الرجس، فاحتمل وزرها ووزر من سلک سبيله من الظالمين وأعوانهم، ولذلک قال النبي صلي الله عليه و آله: من استن سنة حق، کان له أجرها وأجر من عمل بها يوم القيامة ولهذا القول من النبي صلي الله عليه و آله شاهد من کتاب اللَّه، وهو قول اللَّه عزوجل في قصة قابيل قاتل أخيه: «مِنْ أَجْلِ ذَلِکَ کَتَبْنَا عَلي بَنِي اِسْرَائِيْلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَکَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيْعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَکَأَنَّمَا أَحْيي النَّاسَ جَمِيْعاً».[168] وللاحياء في هذا الموضع تأويل في الباطل ليس کظاهره، وهو من هداها، لأن الهداية هي حياة الأبد، ومن سمّاه اللَّه حياً لم يمت أبداً، إنما ينقله من دار محنة إلي دار راحة ومنحة.

وأما ما کان من الخطاب بالانفراد مرة وبالجمع مرة، من صفة الباري جلّ ذکره، فان اللَّه تبارک وتعالي اسمه، علي ما وصف به نفسه بالانفراد والوحدانية، هو النور الأزلي القديم الذي ليس کمثله شي‏ء، لا يتغير، ويحکم ما يشاء ويختار، ولا معقب لحکمه، ولا راد لقضائه، ولا ما خلق زاد في ملکه وعزه ولا نقص منه ما لم يخلقه، وإنما أراد بالخلق، اظهار قدرته وابداء سلطانه وتبيين براهين حکمته، فخلق ما شاء کما شاء، وأجري فعل بعض الأشياء علي أيدي من اصطفي ما اُمنائه، وکان

[صفحه 255]

فعلهم فعله وأمرهم أمره، کما قال اللَّه تعالي: «وَمَنْ يُطِعِ الرَّسُوْلَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ».[169] وجعل السماء والأرض وعاء لمن يشاء من خلقه، ليميز الخبيث من الطيب، مع سابق علمه بالفريقين من أهلها، وليجعل ذلک مثالاً لأوليائه واُمنائه، وعرف الخليقة فضل منزلة أوليائه، وفرض عليهم من طاعتهم مثل الذي فرضه منه لنفسه، وألزمهم الحجة بأن خاطبهم خطاباً يدل علي انفراده وتوحده، بأن له أولياء تجري أفعالهم وأحکامهم مجري فعله، فهم العباد المکرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمرهم يعملون هو الذي أيدهم بروح منه، وعرف الخلق اقتدارهم علي علم الغيب بقوله: «عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلي غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضي مِنْ رَسُوْلٍ».[170] وهم النعيم الذي يسأل العباد عنه، لأن اللَّه تبارک وتعالي أنعم بهم علي من اتبعهم من أوليائه.

قال السائل من هؤلاء الحجج؟

قال: هم رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله، ومن حل محله من أصفياء اللَّه الذين قرنهم اللَّه بنفسه وبرسوله، وفرض علي العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه، وهم ولاة الأمر الذين قال اللَّه فيهم: «أَطِيْعُواْ اللَّهَ وَأَطِيْعُواْ الرَّسُوْلَ وَاُوْلِي الأَمْرِ مِنْکُمْ».[171] وقال فيهم: «وَلَوْ رَدُّوْهُ إِلي الرَّسُوْلِ وَإِلي اُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُوْنَهُ مِنْهُمْ».[172].

قال السائل وما ذاک الأمر؟

قال علي عليه‏السلام: والذي به تنزل الملائکة في الليلة التي يفرق فيها کل أمر حکيم، من خلق، ورزق، وأجل، وعمل، وحياة، وموت، وعلم غيب السماوات والأرض،

[صفحه 256]

والمعجزات التي لا تنبغي إلّا للَّه وأصفيائه والسفرة بينه وبين خلقه، وهم وجه اللَّه الذي قال: «فَأَيْنَما تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ».[173] هم بقية اللَّه- يعني المهدي يأتي عند انقضاء هذه النظرة، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً، ومن آياته الغيبة والاکتتام عند عموم الطغيان، وحلول الانتقام، ولو کان هذا الأمر الذي عرفتک بيانه للنبي دون غيره، لکان الخطاب يدل علي فعل ماض غير دائم ولا مستقبل ولقال: «نزلت الملائکة» «وفرق کل أمر حکيم» ولم يقل «تَنَزَّلُ المَلَائِکَةُ».[174] «فِيْها يُفْرَقُ کُلُّ أَمْرٍ حَکِيْمٍ».[175] وقد زاد جل ذکره في التبيان واثبات الحجة بقوله في أصفيائه وأوليائه عليهم‏السلام «أَنْ تَقُوْلَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتِي عَلي مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ».[176] تعريفاً للخليقة قربهم، ألا تري أنک تقول: فلان إلي جنب فلان إذا أردت أن تصف قربه به.

وإنما جعل اللَّه تبارک وتعالي في کتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه وحججه في أرضه، لعلمه بما يحدثه في کتابه المبدلون، من أسقاط أسماء حججه منه، وتلبيهم ذلک علي الاُمة ليعينوهم علي باطلهم، فأثبت به الرموز، وأعمي قلوبهم وأبصارهم، لما عليهم في ترکها وترک غيرها من الخطاب الدال علي ما أحدثوه فيه، وجعل أهل الکتاب المقيمين به، والعالمين بظاهره وباطنه من «کَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثِابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي اُکُلَهَا کُلَّ حِيْنٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا».[177] أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت، وجعل أعدائها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور اللَّه بأفواههم، فأبي اللَّه إلّا أن يتم نوره، ولو علم

[صفحه 257]

المنافقون (لعنهم اللَّه) ما عليهم من ترک هذه الآيات التي بينت لک تأويلها، لأسقطوها مع ما أسقطوا منه، ولکن اللَّه تبارک اسمه ماض حکمه بايجاب الحجة علي خلقه، کما قال اللَّه تعالي: «فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ»[178] أغشي أبصارهم، وجعل علي قلوبهم أکنّة عن تأمل ذلک، فترکوه بحاله، وحجبوا عن تأکيده الملتبس بابطاله.

فالسعداء ينهبون عليه، والأشقياء يعمون عنه، «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوْرَاً فَمَا لَهُ مِن نُّوْرٍ».[179] ثم إن اللَّه جلّ ذکره لسعة رحمته، ورأفته بخلقه، وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير کتابه، قسّم کلامه ثلاثة أقسام: فجعل قسماً منه يعرفه العالم والجاهل، وقسماً لا يعرفه إلّا من صفي ذهنه ولطف حسّه وصح تميزه، ممن شرح اللَّه صدره للاسلام، وقسماً لا يعرفه إلّا اللَّه وأُمناؤه والراسخون في العلم، وإنما فعل اللَّه ذلک لئلا يدّعي أهل الباطل من المستولين علي ميراث رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله من علم الکتاب ما لم يجعل اللَّه لهم، وليقودهم الاضطرار إلي الايتمار لمن ولاه اللَّه أمرهم، فاستکبروا عن طاعته، تعززاً وافتراء علي اللَّه عزوجل، واغتراراً بکثرة من ظاهرهم وعاونهم، وعاند اللَّه عزوجل ورسوله.

وأما ما علمه الجاهل والعالم من فضل رسول‏اللَّه في کتاب اللَّه، فهو قول اللَّه عزوجل: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُوْلَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ».[180] وقوله: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِکَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلي النَّبِي يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُواْ عَلِيْهِ وَسَلِمُواْ تَسْلِيْماً».[181] ولهذه الآية ظاهر وباطن فالظاهر قوله «صَلُّواْ عَلَيِهِ» والباطن قوله «وَسَلِّمُواْ تَسْلِيْماً» أي سلموا لمن وصاه واستخلفه وفضله عليکم وما عهد به اليه تسليماً، وهذا مما أخبرتک أنه لا يعلم إلّا من لطف حسّه، وصفي ذهنه، وصحّ تمييزه، وکذلک قوله: «سَلَامٌ عَلي آلْ

[صفحه 258]

يَاسِيْنَ».[182] لأن اللَّه سمي به النبي صلي الله عليه و آله حيث قال: «يَس وَالقُرْآنِ الحَکِيْمِ إِنَّکَ لَمِنَ المُرْسَلِيْنَ».[183] لعلمه بانهم يسقطون قول اللَّه: «سلام علي آل محمد» کما أسقطوا غيره، وما زال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله يتألفهم، ويقربهم، ويجلسهم عن يمينه وشماله، حتي أذن اللَّه عزوجل في ابعادهم بقوله: «وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيْلاً».[184] وبقوله: «فَمَالِ الَّذِينَ کَفَرُواْ قِبَلَکَ مُهْطِعِيْنَ عَنِ اليَمِيْنِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِيْنَ أَيَطْمَعُ کُلُّ امْرِءٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نعيم کَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُوْنَ».[185] وکذلک قال اللَّه عزوجل: «يَوْمَ نَدْعُواْ کُلَّ اُناسٍ بِإِمَامِهِمْ».[186] ولم يسم بأسمائهم وأسماء آبائهم واُمهاتهم.

وأما قوله: «کُلِّ شَي‏ءٍ هَالِکٌ إِلَّا وَجْهُهُ».[187] فانما أنزلت کل شي‏ء هالک إلّا دينه! لأنه من الحال أن يهلک منه کل شي‏ء ويبقي الوجه، هو أجل وأکرم وأعظم من ذلک، إنما يهلک من ليس منه، ألا تري أنه قال: «کُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَي وَجْهُ رَبِّکَ ذُو الْجَلَالِ وَالإکْرَامِ.».[188] ففصل بين خلقه ووجهه.

وأما ظهورک علي تناکر قوله: «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَي فَانْکِحُواْ مَا طَابَ لَکُمْ مِنَ النِّسَاءِ».[189] وليس يشبه القسط في اليتامي نکاح النساء، ولا کل النساء وأيتام، فهو فما قدمت ذکره من أسقاط المنافقين من القرآن، وبين القول في اليتامي وبين نکاح النساء من الخطاب والقصص أکثر من ثلث القرآن، وهذا وما أشبهه فما ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل النظر والتأمل، ووجد المعطلون وأهل

[صفحه 259]

الملل المخالفة للاسلام مساغاً إلي القدح في القرآن، ولو شرحت لک کلما اسقط وحرف وبدل مما يجري هذا المجري لطال، وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء، ومثالب الأعداء.

وأما قوله: «وَمَا ظَلَمُوْنَا وَلَکِنْ کَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُوْنَ».[190] فهو تبارک اسمه أجل وأعظم من أن يظلم، ولکن قرن امناءه علي خلقه بنفسه، وعرف الخلقة جلالة قدرهم عنده، وأن ظلمهم ظلمه، بقوله: «وَمَا ظَلَمُوْنَا» ببغضهم أوليائنا ومعونة أعدائهم «وَلَکِنْ کَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُوْنَ» إذ حرموها الجنة، وأوجبوا عليها خلود النار.

وأما قوله: «قُلْ إِنَّمَا أَعِظُکُمْ بِوَاحِدَةٍ».[191] فان اللَّه جلّ ذکره، أنزل عزائم الشرائع وآيات الفرائض، في أوقات مختلفة، کما فلق السماوات والأرض في ستة أيام، وشاء لخلقها في أقل من لمح البصر، ولکنه جعل الأناة والمداراة أمثالاً لاُمنائه وإيجاباً للحجة علي خلقه، فکان أول ما قيدهم به الاقرار بالوحدانية والربوبية، والشهادة بأن لا إله إلّا اللَّه، فلما أقروا بذلک تلاه بالاقرار لنبيه صلي الله عليه و آله بالنبوة، والشهادة له بالرسالة، فلما انقادوا لذلک فرض عليهم الصلاة، ثم الصوم، ثم الحج، ثم الجهاد، ثم الزکاة، ثم الصدقات. وما يجري مجراها من مال الفي‏ء، فقال المنافقون هل بقي لربک علينا بعد الذي فرضه، شي‏ء آخر يفترضه فتذکره لتسکن أنفسنا إلي أنه لم يبق غيره، فأنزل اللَّه في ذلک «قُلْ إِنَّما أَعِظُکُمْ بِوَاحِدَةٍ».[192] يعني الولاية، وأنزل: «إِنَّما وَلِيُّکُمُ اللَّهُ وَرَسُوْلِهِ وَالَّذِيْنَ آمَنُواْ الَّذِيْنَ يُقِيْمُوْنَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوْنَ الزَّکاةَ وَهُمْ رَاکِعُوْنَ».[193] وليس بين الاُمة خلاف أنه لم يؤت الزکاة يومئذ أحد وهو راکع غير

[صفحه 260]

رجل واحد، ولو ذکر اسمه في الکتاب لاسقط مع ما اسقط من ذکره، وهذا وما أشبهه من الرموز التي ذکرت لک ثبوتها في الکتاب، ليجهل معناها المحرفون، فيبلغ اليک وإلي أمثالک، وعند ذلک قال: «اللَّه» «الْيَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِيْنَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْکُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيْتُ لَکُمُ الاِسْلَامَ دِيْناً»[194].

وأما قوله للنبي: «وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ».[195] وإنک تري أهل الملل المخالفة للايمان ومن يجري مجراهم من الکفار مقيمين علي کفرهم إلي هذه الغاية، وانه لو کان رحمة عليهم لاهتدوا جميعاً ونجوا من عذاب السعير، فان اللَّه تبارک وتعالي إنما عني بذلک أنه جعله سبباً لإنظار أهل هذه الدار؛ لأن الأنبياء قبله بعثوا بالتصريح لا بالتعريض، فکان النبي منهم، إذا صدق بأمر اللَّه وأجابه قومه سلموا وسلم أهل دارهم من سائر الخليقة، وان خالفوه هلکوا وهلک أهل دارهم بالآفة التي کان نبيهم يتوعدهم بها، ويخوفهم حلولها ونزولها بساحتهم، من خسف أو قذف أو رجف أو ريح أو زلزلة أو غير ذلک من أصناف العذاب التي هلکت به الاُمم الخالية.

وان اللَّه علم من نبينا صلي الله عليه و آله ومن الحجج في الأرض الصبر علي ما لم يطق من تقدمهم من الأنبياء الصبر علي مثله، فبعثه اللَّه بالتعريض لا بالتصريح، وأثبت حجة تعريضاً لا تصريحاً بقوله في وصيته من کنت مولاه فهذا علي مولاه وهو مني بمنزلة هارون من موسي إلّا أنه لا نبي بعدي وليس من خليفة النبي ولا من شيمة النبوة أن يقول قولاً لا معني له، فلزم للاُمة أن تعلم أنه لما کانت النبوة والاُخوة موجودتين في خلقة هارون، ومعدومتين فيمن جعله النبي صلي الله عليه و آله بمنزلته، أنه قد استخلفه علي اُمته کما استخلف موسي هارون، حيث قال: «وَاخْلُفْنِي فِي قَوْمِي».[196].

[صفحه 261]

ولو قال لهم: لا تقلدوا الإمامة إلّا فلاناً بعينه وإلّا نزل بکم العذاب، لأتاهم العذاب، وزال باب الإنظار والإمهال.

وبما أمر بسدّ باب الجميع وترک بابه، ثم قال: ما سددت ولا ترکت، ولکني اُمرت فأطعت، فقالوا: سددت بابنا وترکت لأحدثنا سناً، وأما ما ذکروه من حداثة سنّه، فان لم يصغر يوشع بن نون حيث أمر موسي أن يعهد بالوصية اليه، وهو في سن ابن‏سبع سنين، ولا استصغر يحيي وعيسي لما استودعهما عزائمه وبراهين حکمته، وإنما جعل فعل ذلک جل ذکره لعلمه بعاقبة الاُمور، وان الوصي لا يرجع بعده ضالاً ولا کافراً.

وبأن عهد النبي صلي الله عليه و آله إليّ سورة البراءة، فدفعها إلي من علم أن الاُمة تؤثره علي وصيه، وأمره بقراءتها علي أهل مکة، فلما ولي من بين يديه أتبعه بوصيّه وأمره بارتجاعها منه، والنفوذ إلي مکة ليقرءها علي أهلها، وقال: إن اللَّه جل جلاله أوحي إلي أن لا يؤدي عني إلّا رجل مني، دلالة منه علي خيانة من علم أن الاُمة اختارته علي وصيه، ثم شفع ذلک بضم الرجل الذي ارتجع سورة براءة منه، ومن يوازره في تقدم المحل عند الاُمة إلي علم النفاق، (عمرو بن العاص) في غزات ذات السلاسل، وولاهما عمرو حرس عسکره وختم أمرهما بان ضمهما عند وفاته إلي مولاه اُسامة بن زيد، وأمرهما بطاعته، والتعريب بين أمره ونهيه، وکان آخر ما عهد به في أمر اُمته قوله: أنفذوا جيش اُسامة يکرر ذلک علي أسماعهم، إيجاباً للحجة عليهم في ايثار المنافقين علي الصادقين.

ولو عددت کلما کان من أمر رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله في اظهار معائب المستولين علي تراثه لطال، وإن السابق منهم إلي تقلد ما ليس له بأهل، قام هاتفاً علي المنبر بعجزه عن القيام بأمر الاُمة، ومستقيلاً مما قلدوه لقصور معرفته علي تأويل ما کان يسأل عنه، وجهله بما يأتي ويذر، ثم أقام علي ظلمه ولم يرض باحتقاب عظيم الوزر في

[صفحه 262]

ذلک حتي عقد الأمر من بعده لغيره، فأتي التالي له بتسفيه رأيه، والقدح والطعن علي أحکامه، ورفع السيف عمن کان صاحبه وضعه عليه، ورد النساء اللاتي کان سباهن، إلي أزواجهن وبعضهن حوامل، وقوله: قد نهيته عن قتال أهل القبلة، فقال لي إنک مُحْدِبٌ علي أهل الکفر وکان هو في ظلمه لهم أولي باسم الکفر.

ولم يزل يخطئه، ويظهر الأزراء عليه، ويقول علي المنبر کانت بيعة أبي‏بکر فلتة، وقي اللَّه شرها، فمن دعاکم إلي مثلها فاقتلوه، وکان يقول: قبل ذلک قولاً ظاهراً ليته حسنة من حسناته، ويودّ أنه کان شعرة في صدره، وغير ذلک من القول المتناقض المؤکد لحجج الدافعين لدين الاسلام، وأتي أمر الشوري وتأکيده بها عقد الظلم والالحاد، والغي والفساد، حتي تقرر علي إرادته ما لم يخف علي ذي لب موضع ضرره، ولم تطق الاُمة الصبر علي أظهره الثالث من سوء الفعل، ومعاجلته بالقتل، فاتسع بما جنوه من ذلک لمن وافقهم علي ظلمهم وکفرهم ونفاقهم محاولة مثل ما أتوه من الاستيلاء علي أمر الاُمة، کل ذلک لتتم لنظرة التي أوجبها اللَّه تعالي لعذره إبليس، إلي أن يبلغ الکتاب أجله ويحق القول علي الکافرين، ويقترب الوعد الحق، الذي بينه اللَّه في کتابه بقوله: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنْکُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ».[197] وذلک إذا لم يبق من الاسلام إلّااسمه ومن القرآن إلّا رسمه، وغاب صاحب الأمر بايضاح العذر له في ذلک لاشتمال الفتنة علي القلوب حتي يکون أقرب الناس اليه أشدهم عداوة له، وعند ذلک يؤيده اللَّه بجنود لم تروها، ويظهر دين نبيه صلي الله عليه و آله علي يديه علي الدين کله ولو کره المشرکون.

وأما ما ذکرته من الخطاب الدال علي تهجين النبي صلي الله عليه و آله والازراء به، والتأنيب له، ما أظهره اللَّه تعالي في کتابه من تفضيله إياه علي سائر أنبيائه، فان اللَّه عزوجل

[صفحه 263]

جعل لکل نبي عدواً من المشرکين، کما قال في کتابه وبحسب جلالة منزلة نبينا صلي الله عليه و آله عند ربه، کذلک عظم محنته لعدوه الذي عاد منه اليه في حال شقاقه ونفاقه کل أذي ومشقة لدفع نبوته وتکذيبه إياه وسعيه في مکارهه وقصده لنقض کل ما أبرمه، واجتهاده ومن فالأه علي کفره وعناده ونفاقه والحاده في إبطال دعواه وتغيير ملته، ومخالفته سنته، ولم ير شيئاً أبلغ في تمام کيده من تنفيرهم عن مولاة وصيته، وإيحاشهم منه وصدهم عنه وإغوائهم بعداوته، والقصد لتغيير الکتاب الذي جاء به، وإسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل وکفر ذوي الکفر منه وممن وافقه علي ظلمه، وبغيه وشرکه.

ولقد علم اللَّه ذلک منهم فقال: «إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُوْنَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا».[198] وقال: «يُرِيْدُوْنَ أَنْ يُبَدِّلُواْ کَلَامَ اللَّهِ»،[199] ولقد احضروا الکتاب کملاً مشتملاً علي التأويل والتنزيل، والمحکم والمتشابه والناسخ والمنسوخ لم يسقط منه حرف ألف ولا لام، فلما وقفوا علي ما بينه اللَّه من أسماء أهل الحق والباطل، وأن ذلک إن ظهر نقض ما عقدوه، قالوا لا حاجة لنا فيه، نحن مستغنون عنه بما عندنا، وکذلک قال: «فَنَبَذُوْهُ وَرَاءَ ظُهُوْرِهِمْ وَاشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيْلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ».[200].

ثم دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم عما لا يعلمون تأويله، إلي جمعه وتأليفه وتضمينه عن تلقائهم، ما يقيمون به دعائم کفرهم، فصرخ مناديهم من کان عنده شي‏ء من القرآن فلياتنا به، ووکلوا تأليفه ونظمه إلي بعض من وافقهم علي معادات أولياء اللَّه، فألفه علي اختيارهم، وما يدل للمتأمل له علي اختلال تمييزهم واغرائهم، وترکوا منه ما قدروا أنه لهم وهو عليهم، وزادوا فيه ما ظهرتنا کره

[صفحه 264]

وتنافره، وعلم اللَّه أن ذلک يظهر ويبين، فقال: «ذَلِکَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ»[201] وانکشف لأهل الاستبصار عوارهم وافتراؤهم.

والذي بدا في الکتاب من الازراء علي النبي صلي الله عليه و آله من فرقة الملحدين ولذلک قال: «وَإِنَّهُمْ لَيَقُوْلُوْنَ مُنْکَراً مِنَ القَوْلِ وَزُوْراً».[202] ويذکر جل ذکره لنبيه صلي الله عليه و آله ما يحدثه عدوه في کتابه من بعده بقوله: «وَما أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِن رَسُوْلٍ وَلَا نَبِيٍ إِلَّا إِذَا تَمَني أَلْقَي الشَّيْطَانُ فِي اُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْکِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ»[203] يعني أنه ما من نبي تمني مفارقة، ما يعانيه من نفاق قومه وعقوقهم والانتقال عنهم دار الاقامة، إلّا ألقي الشيطان المعرض لعداوته عنده فقده في الکتاب الذي اُنزل عليه ذمة والقدم فيه والطعن عليه، فينسخ اللَّه ذلک من قلوب المؤمنين فلا تقبله، ولا تصغي اليه غير قلوب المنافقين والجاهلين، ويحکم اللَّه آياته بأن يحمي أولياءه من الضلال والعدوان، ومشايعة أهل الکفر والطغيان، الذين لم يرضي اللَّه أن يجعلهم کالأنعام حتي قال: «بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيْلاً».[204].

فافهم هذا واعلمه، واعمل به، واعلم إنک ما قد ترکت مما يجب عليک السؤال عنه أکثر مما سألت عنه، وإني قد اقتصرت علي تفسير يسير من کثير لعدم حملة العلم، وقلة الراغبين في التماسه، وفي دون ما بينت لک بلاغ لذوي الألباب.

قال السائل: حسبي ما سمعت ياأميرالمؤمنين! شکراً للَّه ولک علي استنقاذي من عماية الشرک وطخية الافک، وأجزل علي ذلک مثوبتک انه علي کل شي‏ء قدير، وصلي اللَّه أولاً وآخراً علي أنوار الهدايات، وأعلام البريات محمد وآله، أصحاب الدلالات الواضحات وسلم تسليماً کثيراً.[205].

[صفحه 265]

2/9108- الصدوق، حدثنا محمد بن القاسم الاسترابادي المعروف بأبي الحسن الجرجاني، قال: حدثني أبويعقوب يوسف بن محمد بن زياد، وأبوالحسن علي بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‏طالب عليهم‏السلام أنه قال: کذّبت قريش واليهود بالقرآن، وقالوا: سحر مبين تقوّله، فقال اللَّه: «الم ذلِکَ الْکِتَابُ»[206] أي يامحمد هذا الکتاب الذي أنزلناه عليک هو الحروف المقطعة التي منها (ألف، ولام، ميم) وهو بلغتکم وحروف هجائکم، فأتوا بمثله إن کنتم صادقين، واستعينوا علي ذلک بسائر شهداءکم، إلي أن قال فجاء إلي رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله منهم جماعة فولي رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله علياً عليه‏السلام فخاطبهم، فقال قائلهم: إن کان ما يقول محمد [صلي الله عليه و آله]حقاً لقد علمنا کم قدر ملک اُمته، وهو إحدي وسبعون سنة، (الألف) واحد، (واللام) ثلاثون، و (الميم) أربعون، فقال علي عليه‏السلام: فما تصنعون ب«المص» وقد أنزل عليه؟ قالوا: هذه إحدي وستون ومائة سنة، قال: فماذا تصنعون ب «الر» وقد انزلت عليه؟ فقالوا: هذه أکثر، هذه مائتان وإحدي وثلاثون سنة، فقال علي عليه‏السلام: فما تصنعون بما أنزل عليه «المر»؟ قالوا: هذه مائتان وإحدي وسبعون سنة، فقال علي عليه‏السلام: فواحدة من هذه له أو جميعها له؟ فاختلط کلامهم فبعضهم قال له: واحدة منها وبعضهم قال: بل يجمع له کلها وذلک سبعمائة وأربع وثلاثون سنة، ثم يرجع الملک الينا- يعني إلي اليهود- فقال علي عليه‏السلام: أکتاب من کتب اللَّه نطق بهذا، أم آراؤکم دلتکم عليه؟ قال بعضهم کتاب اللَّه نطق به، وقال آخرون منهم: بل آراؤنا دلّت عليه، فقال علي عليه‏السلام فأتوا بالکتاب من عند اللَّه ينطق بما تقولون، فعجزوا عن إيراد ذلک. وقال للآخرين: فدلونا علي صواب هذا الرأي؟ فقال: صواب رأينا دليله أن هذا حساب الجمل، فقال علي عليه‏السلام: کيف دل علي ما تقولون وليس في هذه الحروف إلّا ما اقترحتم

[صفحه 266]

بلا بيان! أرأيتم إن قيل لکم إن هذه الحروف ليست دالة علي هذه المدة لملک اُمة محمد ولکنها دالة علي أنّ کل واحد منکم قد لعن بعدد هذا الحساب أو أن عدد ذلک لکل واحد منکم ومنا بعدد هذا الحساب دراهم أو دنانير، أو أن لعلي علي کل واحد منکم دين عدد ماله مثل عدد هذا الحساب، قالوا: ياأباالحسن ليس شي‏ء مما ذکرته منصوصاً عليه في (الم) و (المص) و (الر) و المر) فقال علي عليه‏السلام: ولا شي‏ء من ذکرتموه منصوص عليه في (الم) و (المص) و (الر) و (المر) فان بطل قولنا لما قلنا بطل قولک لما قلت، فقال خطيبهم ومنطيقهم: لا تفرح ياعلي بأن عجزنا عن إقامة حجة فيما تقولهن علي دعوانا فأي حجة لک في دعواک؟ إلّا أن تجعل عجزنا حجتک، فإذا ما لنا حجة فيما نقول ولا لکم حجة فيما تقولون: قال علي عليه‏السلام: لا سواء إن لنا حجة هي المعجزة الباهرة، ثم نادي جمال اليهود: ياأيتها الجمال اشهدي لمحمد ولوصيه، فتبادر الجمال: صدقت صدقت، ياوصيي محمد وکذب هؤلاء اليهود، فقال علي عليه‏السلام هؤلاء جنس من الشهود، باثياب اليهود التي عليهم: اشهدي لمحمد ولوصيه، فنطقت ثيابهم کلها: صدقت صدقت ياعلي نشهد أن محمداً رسول‏اللَّه حقاً، وأنک ياعلي وصيه حقاً، لم يثبت محمد قدماً في مکرمة إلّا وطأت علي موضع قدمه بمثل مکرمته، وأنتما شقيقان من إشراق أنوار اللَّه فميزتما اثنين وأنتما في الفضائل شريکان إلّا أنه لا نبي بعد محمد صلي الله عليه و آله، فعند ذلک خرست اليهود وآمن بعض النظارة منهم برسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله، فغلب الشقاء علي اليهود وسائر النظارة الآخرين، فذلک ما قال اللَّه: «لَا رَيْبَ فِيهِ».[207] إنه کما قال محمد صلي الله عليه و آله ووصيي محمد عن قول محمد عن قول رب العالمين.[208].


3/9109- الصدوق، أبي‏رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبداللَّه، عن إبراهيم بن هاشم،

[صفحه 267]

عن النوفلي، عن السکوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم‏السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه‏السلام في قول اللَّه عزّ وجلّ: «وَأَنَّهُ هُوَ أَغْني وَأَقْني».[209] قال: أغني کل إنسان بمعيشته، وأرضاه بکسب يده[210].

4/9110- الصدوق، أبي‏رحمه الله، قال سعد بن عبداللَّه، عن سلمة بن الخطاب، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن إبراهيم بن ميمون، عن مصعب، عن سعد، عن الأصبغ، عن علي عليه‏السلام في قول اللَّه عزّ وجلّ: «وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ».[211] قال: نصيبهم من العذاب.[212].

5/9111- عليّ بن الحسين المرتضي، نقلاً من تفسير النعماني، باسناده، عن الصادق عليه‏السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه‏السلام حين سألوه عن لفظ الوحي في کتاب اللَّه تعالي فقال: منه وحي النبوة، ومنه وحي الالهام، ومنه وحي الاشارة، ومنه وحي أمر، ومنه وحي کذب، ومنه وحي تقدير، ومنه وحي خبر، ومنه وحي الرسالة فأما تفسير وحي النبوة والرسالة: فهو قوله تعالي: «إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْکَ کَمَا أَوْحَيْنَا إِلي نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ».[213] إلي آخر الآية. وأما وحي الالهام فهو قوله تعالي: «وَأَوْحي رَبُّکَ إِلَي النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ».[214] ومثله «وَأَوْحَيْنَا إِلي أُمِّ مُوسَي أَنْ أَرْضَعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ».[215] وأما وحي الاشارة فقوله تعالي: « فَخَرَجَ عَلي قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ

[صفحه 268]

فَأَوْحي إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُکْرَةً وَعَشِيّاً».[216] أي أشار اليهم لقوله تعالي: «أَلَّا تُکَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً»،.[217] وأما وحي التقدير فقوله تعالي: «وَأَوْحي فِي کُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا».[218] «وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا».[219] وأما وحي الأمر فقوله سبحانه: «وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَي الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي».[220] وأما وحي الکذب فقوله عزّوجلّ: «شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلي بَعْضٍ».[221] إلي آخر الآية، وأما وحي الخبر فقوله سبحانه: «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّکَاةِ وَکَانُوا لَنَا عَابِدِينَ».[222]. [223].

6/9112- الصدوق، باسناده: فيما أجاب به أميرالمؤمنين عليه‏السلام عن أسألة الزنديق المدعي للتناقض في القرآن: قال عليه‏السلام: وأما قوله: «وَمَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُکَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ».[224] وقوله: «وَکَلَّمَ اللَّهُ مُوسي تَکْلِيماً».[225] وقوله: «وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا».[226] وقوله: «يَا آدَمُ اسْکُنْ أَنْتَ وَزَوْجُکَ الْجَنَّةَ».[227].

فأما قوله: «مَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُکَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ» فانه ما

[صفحه 269]

ينبغي لبشر أن يکلمه اللَّه إلّا وحياً، وليس بکائنٍ إلّا من وراء حجاب، أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء، کذلک قال اللَّه تبارک وتعالي علواً کبيراً، قد کان الرسول‏يوحي اليه من رسل السماء فتبلغ رسل السماء رسل الأرض، وقد کان الکلام بين رسل أهل الأرض وبينه من غير أن يرسل بالکلام مع رسل أهل السماء، وقد قال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: ياجبرئيل هل رأيت ربک؟ فقال جبرئيل: إن ربي لا يري، فقال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: من أين تأخذ الوحي؟ فقال: آخذه من اسرافيل. فقال: من أين يأخذه اسرافيل؟ قال: يأخذه من ملک فوقه من الروحانيين، قال: فمن أين يأخذه ذلک الملک؟ قال: يقذف في قلبه قذفاً، فهذا وحي، وهو کلام اللَّه عزّ وجلّ، وکلام اللَّه ليس بنحو واحد، منه ما کلم اللَّه به الرسل، ومنه ما قذفه في قلوبهم، ومنه رؤياً يريها الرسل، ومنه وحي وتنزيل يتلي ويقرأ، فهو کلام اللَّه، فاکتف بما وصفت لک من کلام اللَّه، فإن معني کلام اللَّه ليس بنحو واحد، فانه منه ما يُبلّغ به رسل السماء رسل الأرض، فقال: فرجت عني فرج اللَّه عنک، وحللت عني عقدة فعظم اللَّه أمرک ياأميرالمؤمنين.[228].

بيان: لعل سؤاله صلي الله عليه و آله عن رؤية الرب تعالي بعد ما علم بالعقل أنه تمتنع علهي الرؤية ليعلم بالوحي أيضاً کما علم بالعقل، وليخبر الناس بما اُوحي اليه من ذلک.

7/9113- علي بن الحسين المرتضي نقلاً من تفسير النعماني، عن الصادق عليه‏السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه‏السلام: وأما الرد علي من أنکر المعراج فقوله تعالي: «وَهُوَ بِالْاُفُقِ الْأَعْلي ثُمَّ دَنَا فَتَدَلّي فَکَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْني فَأَوْحَي إِلي عَبْدِهِ مَا أَوْحي» إلي قوله: «عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوي».[229] فسدرة المنتهي في السماء السابعة، ثم قال سبحانه: «وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً

[صفحه 270]

يُعْبَدُونَ».[230] وانما أمر تعالي رسوله أن يسأل الرسل في السماء، ومثله قوله: «فَإِنْ کُنْتَ فِي شَکٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْکَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْکِتَابَ مِنْ قَبْلِکَ».[231] يعني الأنبياء عليهم‏السلام هذا کله في ليلة المعراج.

وأما الرد علي من أنکر خلق الجنة والنار، فقال اللَّه تعالي: «عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهي عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوي».[232] وقال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: دخلت الجنة فرأيت فيها قصراً من ياقوت أحمر يُري داخله من خارجه وخارجه من داخله من نوره، فقلت: ياجبرئيل لمن هذا القصر؟ قال: لمن أطاب الکلام، وأدام الصيام، وأطعم الطعام، وتهجد بالليل والناس نيام[233].

8/9114- العياشي: عن أبي‏حمزة الثمالي، قال: سمعت أحدهما يقول: إن علياً عليه‏السلام أقبل علي الناس فقال: أي آية في کتاب اللَّه أرجي عندکم؟ فقال بعضهم: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَکَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِکَ لِمَنْ يَشَاءُ».[234] قال: حسنة وليست إياها، فقال بعضهم: «يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلي أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ».[235] قال: حسنة وليست إياها، وقال بعضهم: «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَکَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ».[236] قال: حسنة وليست إياها، قال: ثم أحجم الناس فقال: ما لکم يامعشر المسلمين؟ قالوا: لا واللَّه ما عندنا شي‏ء، قال عليه‏السلام: سمعت رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: أرجي آية في کتاب اللَّه «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ».[237] وقرأ الآية کلها، وقال: ياعلي والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً إن أحدکم

[صفحه 271]

ليقوم إلي وضوئه فتساقط عن جوارحه الذنوب، فاذا استقبل (اللَّه) بوجهه وقلبه لم ينفتل عن صلاته وعليه من ذنوبه شي‏ء کما ولدته اُمه، فان أصاب شيئاً بين الصلاتين کان له مثل ذلک، حتي عدّ الصلوات الخمس، ثم قال: ياعلي إنما منزلة الصلوات الخمس لاُمتي کنهر جار علي باب أحدکم فما ظن أحدکم لو کان في جسده دَرَن ثم اغتسل في ذلک النهر خمس مرات في اليوم أکان يبقي في جسده دَرَن؟ فکذلک واللَّه الصلوات الخمس لاُمتي.[238].

9/9115- أخرج ابن‏جرير، عن ابن‏سيرين، قال: قال علي رضي الله عنه: أي آية أوسع؟ فجعلوا يذکرون آيات من القرآن «وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ»[239] الآية ونحوها، فقال علي رضي الله عنه: ما في القرآن أوسع آية من «يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلي أَنْفُسِهِمْ».[240] [241].

10/9116- علي بن الحسين المرتضي، نقلاً من تفسير النعماني: فيما رواه عن أميرالمؤمنين عليه‏السلام أنهم سألوه عن المتشابه في تفسير الفتنة؟ فقال عليه‏السلام: منه فتنة الاختبار قوله تعالي: «الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَکُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ».[242] وقوله لموسي: «وَفَتَنَّاکَ فُتُوناً».[243] ومنه فتنة الکفر وهو قوله تعالي في الذين استأذنوا رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله في غزوة تبوک أن يتخلفوا عنه من المنافقين، فقال اللَّه تعالي فيهم: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إئْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا».[244] يعني إئذن لي

[صفحه 272]

ولا تکفرني- فقال عزّوجلّ: «أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْکَافِرِينَ»[245] ومنه فتنة العذاب وهو قوله عزّوجلّ: «يَوْمَ هُمْ عَلَي النَّارِ يُفْتَنُونَ» أي يعذبون- «ذُوقُوا فِتْنَتَکُمْ هَذَا الَّذِي کُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ»[246] أي ذوقوا عذابکم، ومنه قوله تعالي: «إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا».[247] أي عذبوا المؤمنين- ومنه فتنة المحبة للمال والولد کقوله تعالي: «إِنَّمَا أَمْوَالُکُمْ وَأَوْلَادُکُمْ فِتْنَةٌ».[248] ومنه فتنة المرض وهو قوله سبحانه: «أَوَ لَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي کُلِّ عَامٍ مَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّکَّرُونَ».[249] أي يمرضون ويقتلون.[250].

11/9117- علي بن الحسين المرتضي، نقلاً من تفسير النعماني: عن أميرالمؤمنين عليه‏السلام قال: الضلالة علي وجوه: فمنه محمود، ومنه مذموم، ومنه ما ليس بمحمود ولا مذموم، ومنه ضلال النسيان، فأما الضلال المحمود وهو المنسوب إلي اللَّه تعالي کقوله: «يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ».[251] هو ضلالهم عن طريق الجنة بفعلهم، والمذمومون هو قوله تعالي: «وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ»[252] «وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدي».[253] ومثل ذلک کثير، وأما الضلال المنسوب إلي الأصنام فقوله في قصة إبراهيم: «وَاجْنُبْنِي وَبُنَيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ» «رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ کَثِيراً مِنَ النَّاسِ».[254] الآية، والأصنام لا يظللن أحداً علي الحقيقة، إنما ضل الناس بها وکفروا حين

[صفحه 273]

عبدوها من دون اللَّه عزّوجلّ، وأما الضلال الذي هو النسيان فهو قوله تعالي: «أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَکِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْري».[255] وقد ذکر اللَّه تعالي الضلال في مواضع من کتابه: فمنهم ما نسبه إلي نبيه علي ظاهر اللفظ کقوله سبحانه: «وَوَجَدَکَ ضَالاًّ فَهَدي».[256] معناه وجدناک في قوم لا يعرفون نبوتک فهديناهم بک، وأما الضلال المنسوب إلي اللَّه تعالي الذي هو ضد الهدي، والهدي هو البيان، وهو معني قوله سبحانه: «أَوَلَمْ يَهْدِي لَهُمْ» معناه أو لم أُبين لهم، مثل قوله سبحانه: «فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمي عَلَي الْهُدي».[257] أي بينا لهم وهو قوله تعالي: «وَمَا کَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتّي يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ».[258].

وأما معني الهدي فقوله عزّوجلّ: «إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِکُلِّ قَوْمٍ هَادٍ».[259] ومعني الهاد المبين لما جاء به المنذر من عبداللَّه.

وقد احتج قوم من المنافقين علي اللَّه تعالي: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا».[260] وذلک أن اللَّه تعالي لما أنزل علي نبيه «وَلِکُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» قال طائفة من المنافقين: «مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ کَثِيراً».[261] فأجابهم اللَّه تعالي بقوله: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا- إلي أن قوله- يُضِلُّ بِهِ کَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ کَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ».[262] فهذا معني الضلال المنسوب اليه تعالي؛ لأنه أقام لهم الامام الهادي لما جاء به المنذر فخالفون وصرفوا عنه، بعد

[صفحه 274]

أن أقروا بفرض طاعته، ولما بين لهم ما يأخذون وما يذرون، فخالفوه ضلوا، هذا مع علمهم بما قاله النبي صلي الله عليه و آله وهو قوله: لا تصلوا عليّ صلاة مبتورة، إذا صليتم عليّ، بل صلوا علي أهل بيتي ولا تقطعوهم مني فإن کل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي، ولما خالفوا اللَّه تعالي ضلوا فأضلوا فحذر اللَّه تعالي الاُمة من اتباعهم فقال سبحانه: «وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا کَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ».[263] والسبيل ههنا الوصي، وقال سبحانه: «وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِکُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِکُم وَصَّاکُمْ بِهِ».[264] الآية، فخالفوا ما وصاهم اللَّه تعالي به واتبعوا أهوائهم فحرفوا دين اللَّه جلت عظمته وشرائعه، وبدلوا فرائضه وأحکامه وجميع ما أُمروا به، کما عدلوا عمن اُمروا بطاعته وأخذ عليهم العهد بمولاته، واضطرهم ذلک إلي استعمال الرأي والقياس فزادهم ذلک حيرة والتباساً، ومنه قوله سبحانه: «لِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْکَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً کَذلِکَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ».[265] فکان ترکهم اتباع الدليل الذي أقام لهم ضلالة لهم، فصار ذلک منسوب اليه تعالي لما خالفوا أمره في اتباع الامام، ثم افترقوا واختلفوا ولعن بعضهم بعضاً، واستحل بعضهم دماء بعض، فماذا بعد الحق إلّا الضلال فأني تؤفکون.[266].

12/9118- قال أميرالمؤمنين عليه‏السلام: إن اللَّه تعالي قد أعاذکم من أن يجور عليکم، ولم يُعذِکم من أن يبتليکم، وقد قال جلّ من قائل: «إِنَّ فِي ذلِکَ لَآيَاتٍ وَإِنْ کُنَّا لَمُبْتَلِينَ».[267] [268].

[صفحه 275]

13/9119- وروي زاذان، عن علي عليه‏السلام قال: قال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، ثم قرأ «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ».[269] [270].

14/9120- أخرج الطبراني في (الأوسط) عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول‏اللَّه صلي الله عليه وسلم: المنافق لا يحفظ سورة هود وبراءة ويس والدخان وعم يتسائلون.[271].

15/9121- محمد بن يعقوب، عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم رفعه، قال: قال أميرالمؤمنين عليه‏السلام: لا تعلموا نساءکم سورة يوسف، ولا تقرؤوهن إياها، فإن فيها الفتن، وعلموهن سورة النور، فإن فيها المواعظ.[272].

16/9122- الشيخ الطوسي: باسناده إلي أميرالمؤمنين عليه‏السلام: وإن اللَّه تعالي يکفر بکل حسنة سيئة، قال اللَّه عزّوجلّ: «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذلِکَ ذِکْري لِلذَّاکِرِينَ».[273] [274].

17/9123- قال علي رضي الله عنه لابن عباس حين بعثه إلي الخوارج: لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولکن خاصمهم بالسنة فانهم لم يجدوا منها محيصاً.[275].

18/9124- الطبرسي: في حديث طويل يذکر فيه إتيان رجل من الزنادقة إلي أميرالمؤمنين عليه‏السلام وسؤاله عما اشتبه عليه من آيات القرآن، وظن التناقض فيها،

[صفحه 276]

فأجابه عليه‏السلام وأسلم.

فکان مما سأله قوله: وأجده يقول: «يَا حَسْرَتَا عَلي مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ»[276] «فَأَيْنََما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ».[277] «کُلُّ شَيْ‏ءٍ هَالِکٌ إِلَّا وَجْهَهُ».[278] «وَأَصْحَابُ الَْيمِينِ مَا أَصْحَابُ الَْيمِينِ».[279] «وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ»[280] ما معني الجنب والوجه، واليمين والشمال؟ فان الأمر في ذلک ملتبس جداً، فأجابه عليه‏السلام: بأن المنافقين قد غيروا وحرفوا کثيراً من القرآن، وأسقطوا أسماء جماعة ذکرهم اللَّه بأسمائهم من الأوصياء ومن المنافقين، لکن أعمي اللَّه أبصارهم فترکوا کثيراً من الآيات الدالة علي فضل منزلة أوليائه وفرض طاعتهم، ثم ذکر عليه‏السلام کثيراً من ذلک، إلي أن قال: وقد زاد جلّ ذکره في التبيان وإثبات الحجة بقوله في أصفيائه وأوليائه عليهم‏السلام: «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلي مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ» تعريفاً للخليقة قربهم، ألا تري أنک تقول: فلان إلي جنب فلان إذا أردت أن تضف قربه منه، إنما جعل اللَّه تبارک وتعالي في کتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه وحججه في أرضه لعلمه بما يحدثه في کتابه المبدلون من إسقاط أسماء حججه منه، وتلبيهم ذلک علي الاُمة، ليعينوهم علي باطلهم، فأثبت فيه الرموز، وأعمي قلوبهم وأبصارهم لما عليهم في ترکها وترک غيرها من الخطاب الدال علي ما أحدثوه فيه، وجعل أهل الکتاب القائمين به والعالمين بظاهره وباطنه، من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اُکلها کل حين بإذن ربها، أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت.

[صفحه 277]

وجعل أعدائها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور اللَّه بأفواههم ويأبي اللَّه إلّا أن يتم نوره ثم بين عليه‏السلام ذلک بأوضح البيان، إلي أن قال: وأما قوله: «کُلُّ شَيْ‏ءٍ هَالِکٌ إِلَّا وَجْهَهُ» فالمراد کل شي‏ء هالک إلّا دينه؛ لأن من الحال أن يهلک منه کل شي‏ء ويبقي الوجه، وهو أجل وأعظم وأکرم من ذلک، وإنما يهلک من ليس له منه، ألا تري أنه قال: «کُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقي وَجْهُ رَبِّکَ».[281] ففصل بين خلقه ووجهه.[282].

19/9125- الصدوق، حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيي، عن بکر بن عبداللَّه بن حبيب، قال: حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن عبدالعزيز الأحدب، قال: وجدت في کتاب أبي‏بخطه: حدثنا طلحة بن يزيد، عن عبيداللَّه بن عبيد، عن أبي‏معمر السعداني، في خبر من أتي أميرالمؤمنين عليه‏السلام مدعياً للقرآن في القرآن، قال عليه‏السلام: أما قوله: «قُلْ يَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتُ الَّذِي وُکِّلَ بِکُمْ».[283] وقوله: «اللَّهُ يَتَوَفَّي الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا».[284] وقوله: «تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يَفْرُطُونَ» وقوله: «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِکَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ».[285] وقوله: «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِکَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْکُمْ»[286] فإن اللَّه تبارک وتعالي يدبر الاُمور کيف يشاء، ويوکل من خلقه من يشاء، أما ملک الموت فان اللَّه عزّوجلّ يوکله بخاصته من يشاء من خلقه، ويوکّل رسله من الملائکة خاصة من يشاء من خلقه، والملائکة الذين سماهم اللَّه عزّوجلّ ذکره وکّلهم بخاصة من يشاء من خلقه،

[صفحه 278]

إنه تبارک وتعالي يدبر الاُمور کيف يشاء، وليس کل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لکل الناس؛ لأن منهم القوي والضعيف، ولأن منه ما يطاق حمله ومنه ما لا يطاق حمله إلّا من يهسل اللَّه له حمله وأعانه عليه من خاصة أوليائه، وإنما يکفيک أن تعلم أن اللَّه هو المحيي والمميت، وأنه يتوفي الأنفس علي يد من يشاء من خلقه من ملائکته وغيرهم.[287].

20/9126- الصدوق، حدثنا أحمد بن محمد بن عبدالرحمن المقري الحاکم، قال: حدثنا أبوعمرو محمد بن جعفر المقري الجرجاني، قال: حدثنا أبوبکر محمد بن الحسن الموصلي ببغداد، قال: حدثنا محمد بن عاصم الطريفي، قال: حدثنا أبوزيد عياش بن يزيد بن الحسن، قال: حدثني علي الکحال مولي زيد بن علي، قال: أخبرني أبي، عن يزيد بن الحسن، قال: حدثني موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي عليهم‏السلام قال: جاء يهودي إلي النبي صلي الله عليه و آله وعنده أميرالمؤمنين علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام فقال له: ما الفائدة في حروف الهجاء؟ فقال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله لعلي عليه‏السلام: أجبه، وقال: اللهم وفقه وسدده.

فقال علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام: ما من حرف إلّا وهو اسم من أسماء اللَّه عزّ وجلّ، ثم قال: أما (الألف) فاللَّه الذي لا إله إلّا هو الحي القيوم، وأما (الباء) فباق بعد فناء خلقه، وأما (التاء) فالتواب يقبل التوبة عن عباده، وأما (الثاء) فالثابت الکائن «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ»[288] وأما (الجيم) فجل ثناؤه وتقدست أسماؤه، وأما (الحاء) فحق حي حليم، وأما (الخاء) فخبير بما يعمل العباد، وأما (الدال) فديان يوم الدين، وأما (الذال) فذو الجلال والاکرام، وأما (الراء) فرؤوف بعباده،

[صفحه 279]

وأما (الزاي) فزين المعبودين، وأما (السين) فالسميع البصير، وأما (الشين)، فالشاکر لعباده المؤمنين، وأما (الصاد) فصادق في وعده ووعيده، وأما (الضاد) فالضار النافع، وأما (الطاء) فالظاهر المطهر، وأما (الظاء) فالظاهر المظهر لآياته، وأما (العين) فعالم بعباده، وأما (الغين) فغياث المستغيثين، وأما (الفاء) ففالق الحب والنوي، وأما (القاف) فقادر علي جميع خلقه، وأما (الکاف) فالکافي الذي لم يکن له کفواً أحد ولم يلد ولم يولد، وأما (اللام) فلطيف بعباده، وأما (الميم) فمالک الملک، وأما (النون) فنور السماوات والأرض من نور عرشه، وأما (الواو) فواحد صمد لم يلد ولم يولد، وأما (الهاء) فهاد لخلقه، وأما (اللام ألف) فلا إله إلّا اللَّه وحده لا شريک له، وأما (الياء) فيد اللَّه باسطة علي خلقه فقال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: هذا هو القول الذي رضي اللَّه عزّوجلّ لنفسه من جميع خلقه، فأسلم اليهودي.[289].

21/9127- وعنه، باسناده عن الرضا عليه‏السلام، ولقد حدثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن أميرالمؤمنين عليه‏السلام: في (الف، ب، ت، ث) انه قال: (الألف) آلاء اللَّه، و (الباء) بهجة اللَّه، و (التاء) تمام الأمر بقائم آل محمد صلي الله عليه و آله و (الثاء) ثواب المؤمنين علي أعمالهم الصالحة، و (ج، ح، خ) فالجيم جمال اللَّه وجلال اللَّه، و (الحاء) حلم اللَّه عن المذنبين، (والخاء) خمول أهل المعاصي عند اللَّه عزّوجلّ، و (د، ذ) فالدال دين اللَّه، و (الذال) من ذي الجلال، و (ر، ز) فالراء من الرؤف الرحيم، و (الزاي) زلازل يوم القيامة، و (س، ش) و (السين) سناء اللَّه، و (الشين) شاء اللَّه ما شاء وأراد ما أراد، وما تشاؤون إلّا أن يشاء اللَّه، و (ص، ض) (فالصاد) من صادق الوعد في حمل الناس علي الصراط، وحبس الظالمين عند المرصاد، و (الضاد) ضلّ من خالف محمداً وآل محمد صلي الله عليه و آله و (ط، ظ) (فالطاء) طوبي للمؤمنين وحسن مآب و (الظاء) ظن المؤمنين باللَّه خيراً، وظن الکافرين به سوءً، و (ع، غ) (فالعين) من العالم، و (الغين) من الغني،

[صفحه 280]

و(ف، ق) (فالفاء) فرج من أبواب الفرج، وفوج من أفواج النار، و (القاف) قرآن علي اللَّه جمعه وقرآنه، و (ک، ل) (فالکاف) من الکافي، و (اللام) لغو الکافرين في افترائهم علي اللَّه الکذب، (م، ن) (فالميم) ملک اللَّه يوم لا مالک غيره، ويقول عزّوجلّ: «لِمَنِ الْمُلْکُ الْيَوْمَ».[290] ثم ينطق أرواح أنبيائه ورسله وحججه فيقولون: «للَّهِِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ».[291] فيقول جل جلاله: «الْيَوْمَ تُجْزي کُلُّ نَفْسٍ بِمَا کَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ».[292] و(النون) نوال اللَّه للمؤمنين ونکاله بالکافرين، (و، ه) (فالواو) ويل لمن عصي اللَّه، و(الهاء) هان علي اللَّه من عصاه، (لا، ي) لام ألف، لا إله إلّا اللَّه وهي کلمة الاخلاص ما من عبدقالها مخلصاً إلّا وجبت له الجنة، (ي) يد اللَّه فوق خلقه، باسط الرزق سبحانه وتعالي عما يشرکون، ثم قال عليه‏السلام: إن اللَّه تبارک وتعالي أنزل هذا القرآن بهذه الحروف التي يتناولها جميع العرب ثم قال[عليه‏السلام]: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلي أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ کَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً».[293] [294].

22/9128- قال علي رضي الله عنه: إن لکل کتاب صفوة، وصفوة هذا الکتاب حروف التهجي.[295].

23/9129- ابن‏شهر آشوب: وسأل رسول‏ملک الروم أبابکر عن رجل لا يرجو الجنة ولا يخاف النار، ولا يخاف اللَّه ولا يرکع ولا يسجد، ويأکل الميتة والدم، ويشهد بما لا يري، ولا يحب الفتنة ويکره الحق، فلم يجبه، فقال عمر: ازددت کفراً

[صفحه 281]

إلي کفرک، فأخبر بذلک علي عليه‏السلام فقال: هذا رجل من أولياء اللَّه لا يرجو الجنة ولا يخاف النار ولکن يخاف اللَّه ولا يخاف اللَّه من ظلمه وإنما يخاف من عدله، ولا يرکع ولا يسجد في صلاة الجنازة، ويأکل الجراد والسمک ويأکل الکبد، ويحب المال والولد «إِنَّمَا أَمْوَالُکُمْ وَأَوْلَادُکُمْ فِتْنَةٌ».[296] ويشهد بالجنة والنار وهو لم يرها، ويکره الموت وهو حق.[297].

[صفحه 282]


صفحه 233، 234، 235، 236، 237، 238، 239، 240، 241، 242، 243، 244، 245، 246، 247، 248، 249، 250، 251، 252، 253، 254، 255، 256، 257، 258، 259، 260، 261، 262، 263، 264، 265، 266، 267، 268، 269، 270، 271، 272، 273، 274، 275، 276، 277، 278، 279، 280، 281، 282.








  1. التوبة: 67.
  2. الأعراف: 51.
  3. مريم: 64.
  4. النباء: 38.
  5. الأنعام: 23.
  6. العنکبوت: 25.
  7. ص: 64.
  8. ق: 28.
  9. يس: 60.
  10. القيامة: 22.
  11. الأنعام: 103.
  12. النجم: 13 و 14.
  13. طه: 109.
  14. المطفّفين: 15.
  15. الأنعام: 158.
  16. السجدة: 10.
  17. التوبة: 77.
  18. الکهف: 110.
  19. الکهف: 53.
  20. الأنبياء: 47.
  21. الأعراف: 8 و 9.
  22. التوبة: 67.
  23. الاعراف: 51.
  24. مريم: 64.
  25. النباء: 38.
  26. الأنعام: 23.
  27. العنکبوت: 25.
  28. ص: 64.
  29. ق: 28.
  30. يس: 60.
  31. ابراهيم: 22.
  32. الممتحنة: 4.
  33. الأنعام: 23.
  34. الأنعام: 24.
  35. فصّلت: 21.
  36. عبس: 34 تا 36.
  37. الأعراف: 6.
  38. المائدة: 19.
  39. المائدة: 19.
  40. النساء: 41.
  41. المؤمنون: 106.
  42. الإسراء: 79.
  43. القيامة: 22.
  44. الزُمَر: 73.
  45. القيامة: 22.
  46. النمل: 35.
  47. النجم: 13 تا 14.
  48. النجم: 17 تا 18.
  49. الشوري: 51.
  50. المطففين: 15.
  51. الأنعام: 158.
  52. الأنعام: 158.
  53. الحشر: 2.
  54. النحل: 26.
  55. السجدة: 10.
  56. البقرة: 46.
  57. التوبة: 77.
  58. الکهف: 110.
  59. العنکبوت: 5.
  60. الأحزاب: 44.
  61. الکهف: 53.
  62. الحاقّة: 20.
  63. الأحزاب: 10.
  64. الأنبياء: 47.
  65. الأعراف: 8 و 9.
  66. المُؤمِنون: 104 و 103.
  67. السجدة: 11.
  68. الزُمَر: 42.
  69. النحل: 32.
  70. الأنبياء: 94.
  71. طه: 82.
  72. الزُخرُف: 45.
  73. الأحزاب: 72.
  74. طه: 121.
  75. هود: 45.
  76. هود: 46.
  77. يوسف: 24.
  78. الأعراف: 143.
  79. الفرقان: 27 تا 29.
  80. الفجر: 22.
  81. الأنعام: 158.
  82. الأنعام: 94.
  83. التکاثر: 8.
  84. هود: 86.
  85. الزمَر: 56.
  86. البقرة: 115.
  87. القصص: 88.
  88. الواقعة: 27.
  89. الواقعة: 41.
  90. طه: 5.
  91. الملک: 16.
  92. الزخرُف: 84.
  93. الحديد: 4.
  94. ق: 16.
  95. المجادلة: 7.
  96. الأعراف: 160.
  97. سبأ: 46.
  98. الأنبياء: 107.
  99. الأنعام: 35.
  100. الإسراء: 74.
  101. الإسراء: 75.
  102. الأحزاب: 37.
  103. الاحقاف: 9.
  104. الأنعام: 38.
  105. يس: 12.
  106. الاحقاف: 9.
  107. الزمر: 42.
  108. السجدة: 11.
  109. الأنعام: 6.
  110. النحل: 16.
  111. النحل: 32.
  112. الحجّ: 22.
  113. الانسان: 30.
  114. الأنبياء: 94.
  115. الأنعام: 82.
  116. المائدة: 41.
  117. هود: 40.
  118. الأعراف: 159.
  119. آل عمران: 52.
  120. النساء: 59.
  121. النساء: 83.
  122. التوبة: 119.
  123. آل عمران: 7.
  124. البقرة: 189.
  125. التوبة: 54.
  126. غافر: 85.
  127. المائدة: 56.
  128. النساء: 65.
  129. آل عمران: 144.
  130. الانشقاق: 19.
  131. فاطر: 8.
  132. المائدة: 68.
  133. الزخرُف: 45.
  134. المائدة: 75.
  135. البقرة: 79.
  136. آل عمران: 78.
  137. النساء: 108.
  138. التوبة: 32.
  139. آل عمران: 71.
  140. الرعد: 17.
  141. الاحقاف: 35.
  142. الأحزاب: 21.
  143. الفجر: 22.
  144. الأنعام: 94.
  145. الأنعام: 158.
  146. الصّافات: 99.
  147. الزُمَر: 6.
  148. الحديد: 25.
  149. الزُخرُف: 81.
  150. الأنعام: 158.
  151. الرعد: 41.
  152. التوبة: 30.
  153. عبس: 17.
  154. الأنفال: 17.
  155. السجدة: 10.
  156. البقرة: 46.
  157. المطفّفين: 4 و 5.
  158. الکهف: 53.
  159. الأحزاب: 10.
  160. طه: 5.
  161. الزخرف: 84.
  162. الحديد: 4.
  163. المجادلة: 7.
  164. هود: 17.
  165. البقرة: 124.
  166. لقمان: 13.
  167. إبراهيم: 35.
  168. المائدة: 32.
  169. النساء: 80.
  170. الجن: 26 و 27.
  171. النساء: 59.
  172. النساء: 83.
  173. البقرة: 115.
  174. القدر: 4.
  175. الدخان: 4.
  176. الزُمر: 56.
  177. ابراهيم: 24 تا 25.
  178. الأنعام: 149.
  179. النور: 40.
  180. النساء: 80.
  181. الأحزاب: 56.
  182. الصّافات: 130.
  183. يس: 1 تا 3.
  184. المزمّل: 10.
  185. المعارج: 36 تا 39.
  186. الإسراء: 71.
  187. القصص: 88.
  188. الرحمن: 26 تا 27.
  189. النساء: 3.
  190. البقرة: 57.
  191. سباء: 46.
  192. سباء: 46.
  193. المائدة: 55.
  194. المائدة: 3.
  195. الأنبياء: 107.
  196. الأعراف: 142.
  197. النور: 55.
  198. فصّلت: 40.
  199. الفتح: 15.
  200. آل عمران: 187.
  201. النجم: 30.
  202. المجادلة: 2.
  203. الحج: 52.
  204. الفرقان: 44.
  205. الاحتجاج للطبرسي 561:1 ح 137، البحار 98:93، التوحيد: 254، تفسير البرهان 532:4.
  206. البقرة: 1 تا 2.
  207. البقرة: 2.
  208. معاني الأخبار: 24، تفسير البرهان 55:1، البحار 16:10.
  209. النجم: 48.
  210. معاني الأخبار: 214، البحار 6:103.
  211. ص: 16.
  212. معاني الأخبار: 225، تفسير نور الثقلين 443:4، البحار 382:12.
  213. النساء: 163.
  214. النحل: 68.
  215. القصص: 7.
  216. مريم: 11.
  217. آل عمران: 41.
  218. فصلت: 12.
  219. فصلت: 10.
  220. المائدة: 111.
  221. الأنعام: 112.
  222. الأنبياء: 73.
  223. رسالة المحکم والمتشابه: 16، البحار 254:18.
  224. الشوري: 51.
  225. النساء: 164.
  226. الأعراف: 22.
  227. الأعراف: 19.
  228. التوحيد: 264، الاحتجاج 569:1 ح 137، البحار 257:18.
  229. النجم: 7 تا 10.
  230. الزخرف: 45.
  231. يونس: 94.
  232. النجم: 14 تا 15.
  233. رسالة المحکم والمتشابه: 85، البحار 291:18.
  234. النساء: 48.
  235. الزُمَر: 53.
  236. آل عمران: 135.
  237. هود: 114.
  238. تفسير العياشي 161:2، تفسير البرهان 239:2، البحار 220:82، تفسير الصافي 476:2، مجمع البيان 201:5.
  239. النساء: 110.
  240. الزُمَر: 53.
  241. تفسير السيوطي 331:5.
  242. العنکبوت: 1 تا 2.
  243. طه: 40.
  244. التوبة: 49.
  245. التوبة: 49.
  246. الذاريات: 14.
  247. البروج: 10.
  248. التغابن: 15.
  249. التوبة: 126.
  250. رسالة المحکم والمتشابه: 17، البحار 174:5.
  251. المدَّثِّر: 31.
  252. طه: 85.
  253. طه: 79.
  254. إبراهيم: 36.
  255. البقرة: 282.
  256. الضحي: 7.
  257. فُصِّلَت: 17.
  258. التوبة: 115.
  259. الرعد: 7.
  260. البقرة: 26.
  261. البقرة: 26.
  262. البقرة: 26.
  263. المائدة: 77.
  264. الأنعام: 153.
  265. المدَّثِّر: 31.
  266. رسالة المحکم والمتشابه: 13، البحار 208:5.
  267. المؤمنون: 30.
  268. نهج‏البلاغة خطبة: 103، البحار 220:5.
  269. الطور: 21.
  270. مجمع البيان 166:5، البحار 289:5.
  271. تفسير السيوطي 208:3.
  272. الکافي 516:5، تفسير نور الثقلين 560:3.
  273. هود: 114.
  274. أمالي الطوسي المجلس الأول: 26 ح 31، البحار 66:70، تفسير نور الثقلين 402:2.
  275. ربيع الأبرار 99:2.
  276. الزُمَر: 56.
  277. البقرة: 115.
  278. القَصص: 88.
  279. الواقعة: 27.
  280. الواقعة: 41.
  281. الرحمن: 26 و 27.
  282. البحار 195:24، الاحتجاج 595:1 ح 137، التوحيد: 254.
  283. السجدة: 11.
  284. الزُمَر: 42.
  285. النحل: 28.
  286. النحل: 32.
  287. التوحيد باب الرد علي الثنوية والزنادقة: 268، البحار 42:6.
  288. إبراهيم: 27.
  289. معاني الأخبار: 44، التوحيد: 234، البحار 319:2، الأنوار النعمانية 202:2.
  290. غافر: 16.
  291. غافر: 16.
  292. غافر: 17.
  293. الإسراء: 88.
  294. معاني الأخبار: 43، البحار 318:2، التوحيد: 232، أمالي الصدوق المجلس 267:53.
  295. تفسير فخر الرازي 3:2.
  296. الأنفال: 28.
  297. مناقب ابن‏شهر آشوب باب قضاياه عليه‏السلام في عهد الأول 358:2، البحار 223:40.