في فضائل رسول اللَّه ومعاجزه















في فضائل رسول‏اللَّه ومعاجزه‏



1/9099- الطبرسي: روي عن موسي بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم‏السلام، عن الحسين بن علي عليه‏السلام قال: إنّ يهودياً من يهود الشام وأحبارهم، کان قد قرأ التوراة والانجيل والزبور وصحف الأنبياء عليهم‏السلام وعرف دلائلهم، جاء إلي مجلس فيه أصحاب رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله وفيهم علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام وابن‏عباس وابن‏مسعود وأبوسعيد الجهني.

فقال: ياأُمة محمد ما ترکتم لنبي درجة ولا لمرسل فضيلة إلّا نحلتموها نبيکم، فهل تجيبوني عمّا أسألکم عنه؟ فکاع القوم عنه فقال علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام:

نعم ما أعطي اللَّه نبياً درجة، ولا مرسلاً فضيلة إلّا وقد جمعها لمحمد صلي الله عليه و آله وزاد محمداً علي الأنبياء أضعافاً مضاعفة.

فقال له اليهودي: فهل أنت مجيبي؟ قال له: سأذکر لک اليوم من فضائل رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله ما يقرّ اللَّه به أعين المؤمنين ويکون فيه إزالة لشک الشاکين في فضائله صلي الله عليه و آله

[صفحه 201]

انه کان إذا ذکر لنفسه فضيلة قال: (ولا فخر) وأنا أذکر لک فضائله غير مزرٍ بالأنبياء ولا منتقص لهم ولکن شکراً للَّه علي ما أعطي محمداً صلي الله عليه و آله مثل ما أعطاهم، وما زاده اللَّه وما فضله عليهم.

قال له اليهودي: اني أسألک فأعدّ له جواباً فقال له علي عليه‏السلام: هات، قال اليهودي: هذا آدم عليه‏السلام أسجد اللَّه له ملائکته، فهل فعل لمحمد شيئاً من هذا؟ فقال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک ولئن أسجد اللَّه لآدم ملائکته، فان سجودهم له لم يکن سجود طاعة، أنهم عبدوا آدم من دون اللَّه عزوجل ولکن اعترافاً بالفضيلة ورحمة من اللَّه له، ومحمد صلي الله عليه و آله اُعطي ما هو أفضل من هذا، إن اللَّه عزوجل صلي عليه في جبروته والملائکة بأجمعها، وتبعت المؤمنين بالصلاة عليه فهذه زيادة له يايهودي.

قال له اليهودي: فان آدم عليه‏السلام تاب اللَّه عليه بعد خطيئته؟ قال له علي عليه‏السلام لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله نزل فيه ما هو أکبر من هذا من غير ذنب أتي قال اللَّه عزوجل: «لِيَغْفِرَ لَکَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِکَ وَمَا تَأَخَّرَ».[1] إن محمداً غير مواف يوم القيامة بوزرٍ ولا مطلوب فيها بذنب.

قال اليهودي: فإن هذا إدريس رفعه اللَّه عزوجل مکاناً علياً وأطعمه من تحف الجنة بعد وفاته؟ قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله اُعطي ما هو أفضل من هذا، إن اللَّه جلّ ثناؤه قال فيه: «وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَک».[2] فکفي بهذا من اللَّه رفعة، ولکن أطعم إدريس من تحف الجنة بعد وفاته، فإن محمداً اُطعم في الدنيا في حياته، بينما يتضورون جوعاً فأتاه جبرئيل عليه‏السلام بجام من الجنة فيه تحفة، فهلل الجام وهللت التحفة في يده وسبحا وکبرا وحمدا، فناولها أهل بيته ففعلت الجام مثل ذلک، فهمّ أن يناولها بعض أصحابه فتناولها جبرئيل عليه‏السلام وقال له: کلها فانها تحفة

[صفحه 202]

من الجنة أتحفک اللَّه بها، وإنها لا تصلح إلّا لنبي أو وصي نبي، فأکل منها صلي الله عليه و آله وأکلنا معه، وإني لأجد حلاوتها ساعتي هذه.

قال له اليهودي: فهذا نوح عليه‏السلام صبر في ذات اللَّه تعالي وأعذر قومه إذ کُذِّب؟ قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله صبر في ذات اللَّه عزوجل فأعذر قومه إذ کُذِّب وشرد، وحُصِب بالحصا، وعلاه أبولهب بسلا ناقة وشاة، فأوحي اللَّه تبارک وتعالي إلي جابيل ملک الجبال أن شق الجبال وانته إلي أمر محمد! فأتاه فقال له: اني اُمرت لک بالطاعة فان أمرت أن أطبق عليهم الجبال فأهلکتهم بها، قال صلي الله عليه و آله إنما بعثت رحمة، ربّ أهد أمتي فانهم لا يعلمون، ويحک يايهودي إن نوحاً لما شاهد غرق قومه رقّ عليهم رقة القرابة وأظهر عليهم شفقة فقال: «رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِن أَهْلِي».[3] فقال اللَّه تعالي: «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِکَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ».[4] أراد جل ذکره أن يسليه بذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله لما غلبت عليه من قومه المعاندة شهر عليهم سيف النقمة ولم تدرکه فيهم رقة القرابة ولم ينظر اليهم بعين رحمة.

قال اليهودي: فإن نوحاً دعا ربه فهطلت السماء بماء منهمر؟ قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، وکانت دعوته دعوة غضب، ومحمد صلي الله عليه و آله هطلت له السماء بماء منهم رحمة؛ وذلک أنه صلي الله عليه و آله لما هاجر إلي المدينة أتاه أهلها في يوم جمعة فقالوا: له يارسول‏اللَّه احتبس القطر واصفر العود وتهافت الورق، فرفع يده المبارکة حتي رُئي بياض ابطيه، وما نري في السماء سحابة، فما برح حتي سقاهم اللَّه، حتي أن الشاب المعجب بشبابه همته نفسه في الرجوع إلي منزله فما يقدر علي ذلک من شدة السيل، فدام اسبوعاً، فأتوه في الجمعة الثانية فقالوا: يارسول‏اللَّه تهدمت الجدر واحتبس الرکب والسفر، فضحک صلي الله عليه و آله وقال: هذه سرعة ملالة ابن‏آدم، ثم قال: اللهم حوالينا

[صفحه 203]

ولا علينا، اللهم في اُصول الشيح ومراتع البقع، فرئي حوالي المدينة المطر يقطر قطراً وما يقع بالمدينة قطرة لکرامته صلي الله عليه و آله علي اللَّه عزوجل.

قال له اليهودي: فان هذا هود قد انتصر اللَّه له من أعدائه بالريح، فهل فَعِلَ الحمد صلي الله عليه و آله شيئاً من هذا؟ فقال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله اُعطي ما هو أفضل من هذا، إن اللَّه عزوجل قد انتصر له من أعدائه بالريح يوم الخندق، إذ أرسل عليهم ريحاً تذرو الحصي، وجنوداً لم يروها، فزاد اللَّه تعالي محمداً صلي الله عليه و آله علي هود بثمانية آلاف ملک، وفضله علي هود بأن ريح عاد ريح سخط، وريح محمد ريح رحمة، قال اللَّه تعالي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْکُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْکُمْ إِذْ جَاءَتْکُمْ جُنُوْدٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيْحاً وَجُنُوْداً لَمْ تَرَوْهَا».[5].

قال له اليهودي: فهذا صالح أخرج اللَّه له ناقة جعلها لقومه عبرة؟

قال علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله اُعطي ما هو أفضل من ذلک إن ناقة صالح لم تکلم صالحاً ولا تناطقه ولم تشهد له بالنبوة، ومحمد صلي الله عليه و آله بينما نحن معه في بعض غزواته إذ هو ببعير قد دنا ثم رغا فأنطقه اللَّه عزوجل فقال: يارسول‏اللَّه إن فلاناً استعملني حتي کبرت ويريد نحري، فأنا أستعيذ بک منه، فأرسل رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله إلي صاحبه فاستوهبه منه فوهبه له وخلّاه، ولقد کنّا معه فاذا نحن بأعرابي معه ناقة له يسوقها، وقد استسلم للقطع لما زور عليه من الشهود، فنطقت الناقة فقالت يارسول‏اللَّه إن فلاناً مني برئ، وإن الشهود يشهدون عليه بالزور وإن سارقي فلان اليهودي.

قال اليهودي: فان هذا إبراهيم قد تيقظ بالاعتبار علي معرفة اللَّه تعالي وأحاط دلالته بعلم الايمان؟

[صفحه 204]

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، واُعطي محمد صلي الله عليه و آله أفضل منه، وتيقظ إبراهيم وهو ابن‏خمسة عشر سنة، ومحمد ابن‏سبع سنين، قدم تجار من النصاري فنزلوا بتجارتهم بين الصفا والمروة، فنظر اليهم بعضهم فعرفه بصفته ونعمته وخبر مبعثه وآياته، فقالوا له: ياغلام ما اسمک؟ قال: محمد، قالوا: ما اسم أبيک؟ قال: عبداللَّه، قالوا: ما اسم هذه وأشاروا بأيديهم إلي الأرض؟ قال: الأرض، قالوا: وما اسم هذه وأشاروا بأيديهم إلي السماء؟ قال: السماء، قالوا: فمن ربهما؟ قال: اللَّه، ثم انتهرهم وقال: أتشککوني في اللَّه عزوجل؟ ويحک يايهودي لقد تيقظ بالاعتبار علي معرفة اللَّه عزوجل مع کفر قومه إذ هو بينهم يستقسمون بالأزلام ويعبدون الأوثان وهو يقول: لا إله إلّا اللَّه.

قال اليهودي: فإن إبراهيم حجب عن نمرود بحجب ثلاث!

قال علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله حجب عمن أراد قتله بخمس حجب فثلاثة بثلاثة واثنان فضل، قال اللَّه عزوجل وهو يصف أمر محمد صلي الله عليه و آله: «وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيْهِمْ سَدّاً» فهذا الحجاب الأول، «وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً» فهذا الحجاب الثاني، «فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُوْنَ»[6] فهذا الحجاب الثالث، ثم قال: «وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَکَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُوْنَ بِالآخِرَةِ حَجَاباً مَسْتُوْراً».[7] فهذا الحجاب الرابع، ثم قال: «فَهِيَ إِلي الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ».[8] فهذه حجب خمس.

قال اليهودي: فان إبراهيم قد بهت الذي کفر ببرهان نبوته؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله أتاه مکذِب بالبعث بعد الموت، وهو أُبي بن خلف الجمحي معه عظم نخر ففرکه ثم قال: يامحمد «مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ

[صفحه 205]

وَهِي رَمِيْمٌ»؟.[9] فأنطق اللَّه محمداً بمحکم آياته وبهته ببرهان نبوته، فقال: «يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِکُلِّ خَلْقٍ عَلِيْمٌ»[10] فانصرف مبهوتاً.

قال له اليهودي: فهذا إبراهيم جذ أصنام قومه غضباً للَّه عزّوجلّ؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله قد نکس عن الکعبة ثلثماءة وستين صنماً ونفاها عن جزيرة العرب، وأذل من عبدها بالسيف.

قال له اليهودي: فان إبراهيم قد أضجع ولده وتلّه للجبين؟

فقال علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ولقد اُعطي إبراهيم بعد الاضطجاع الفداء، ومحمد صلي الله عليه و آله اُصيب بأفجع منه فجيعة إنه وقف علي عمه حمزة أسد اللَّه وأسد رسوله وناصر دينه، وقد فرق بين روحه وجسده، فلم يبن عليه حرقة ولم يفض عليه عبرة، ولم ينظر إلي موضعه من قلبه وقلوب أهل بيته ليرضي اللَّه عزوجل بصبره ويستسلم لأمره في جميع الفعال، وقال صلي الله عليه و آله: لولا أن تحزن صفية لترکته حتي يحشر من بطون السباع وحواصل الطير، ولولا أن يکون سنة بعدي لفعلت ذلک.

قال له اليهودي: فإن إبراهيم عليه‏السلام قد أسلمه قومه إلي الحريق فصبر، فجعل اللَّه عزوجل عليه النار برداً وسلاماً فهل فعل بمحمد شيئاً من ذلک؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد لما نزل بخيبر سمته الخيبرية فصير اللَّه السم في جوفه برداً وسلاماً إلي منتهي أجله، فالسم يحرق إذا استقر في الجوف، کما أن النار تحرق، فهذا من قدرته لا تنکره.

قال له اليهودي: فانّ هذا يعقوب عليه‏السلام أعظم في الخير نصيبه إذ جعل الاسباط من سلالة صلبه ومريم بنت عمران من بناته!

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله أعظم في الخير نصيباً إذ جعل

[صفحه 206]

فاطمة سيدة نساء العالمين من بناته، والحسن والحسين من حفدته.

قال له اليهودي: فان يعقوب قد صبر علي فراق ولده حتي کاد يحرض من الحزن؟

قال له علي عليه‏السلام لقد کان کذلک، وکان حزن يعقوب حزناً بعده تلاق، ومحمد صلي الله عليه و آله قبض ولده إبراهيم قرة عينه في حياته منه، فخصه بالاختيار ليعلم له الادخار، فقال صلي الله عليه و آله: يحزن النفس، ويجزع القلب وإنا عليک ياإبراهيم لمحزونون، ولا نقول ما يسخط الرب، في کل ذلک يؤثر الرضا عن اللَّه عزوجل والاستسلام له في جميع الفعال.

قال له اليهودي: فان هذا يوسف قاس مرارة الفرقة وحبس في السجن توقياً للمعصية، وأُلقي في الجب وحيداً؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله قاس مرارة الغربة وفارق الأهل والأولاد والمال، مهاجراً من حرم اللَّه تعالي وأمنه، فلما رأي اللَّه عزوجل کآبته واستشعاره الحزن أراه اللَّه تبارک وتعالي اسمه رؤياً توازي رؤيا يوسف في تأويلها، وأبان للعالمين صدق تحقيقها، فقال: «لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُوْلَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلَنَّ الْمَسْجِدِ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِيْنَ مُحَلِّقِيْنَ رُؤُوسَکُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُوْنَ»،.[11] ولئن کان يوسف عليه‏السلام حبس في السجن فلقد حبس رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله نفسه في الشعب ثلاث سنين وقطع منه أقاربه وذووا الرحم وألجأوه إلي أضيق المضيق، ولقد کادهم اللَّه عزّ ذکره له کيداً مستبيناً، إذ بعث أضعف خلقه فأکل عهدهم الذي کتبوه بينهم في قطيعة رحمه، ولئن کان يوسف اُلقي في الجب فلقد حبس محمد نفسه مخافة عدوه في الغار حتي قال لصاحبه لا تحزن إن اللَّه معنا، ومدحه اليه بذلک في کتابه.

[صفحه 207]

فقال له اليهودي: فهذا موسي بن عمران آتاه اللَّه عزوجل التوراة التي فيها حکمه؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله اُعطي ما هو أفضل منه، اُعطي محمد صلي الله عليه و آله سورة البقرة والمائدة بالانجيل، وطواسين وطه ونصف المفصل والحواميم بالتوراة، واُعطي نصف المفصل والتسابيح بالزبور، واُعطي سورة بني اسرائيل وبراءة بصحف إبراهيم وصحف موسي عليهماالسلام وزاد اللَّه عزّوجلّ محمداً السبع الطوال وفاتحة الکتاب- وهي السبع المثاني والقرآن العظيم واُعطي الکتاب والحکمة.

قال له اليهودي: فان موسي ناجاه اللَّه علي طور سيناء؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ولقد أوحي اللَّه إلي محمد صلي الله عليه و آله عند سدرة المنتهي، فمقامه في السماء محمود وعند منتهي العرش مذکور.

قال اليهودي: فلقد ألقي اللَّه علي موسي بن عمران محبة منه؟

قال علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ولقد اُعطي محمد صلي الله عليه و آله ما هو أفضل من هذا، لقد ألقي اللَّه محبة منه، فمن هذا الذي يشرکه في هذا الاسم، إذ تم من اللَّه به الشهادة، فلا تتم الشهادة إلّا أن يقال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأشهد أن محمداً رسول‏اللَّه ينادي به علي المنابر فلا يرفع صوت بذکر اللَّه إلّا رفع بذکر محمد صلي الله عليه و آله معه.

قال له اليهودي: فلقد أوحي اللَّه إلي اُمّ موسي لفضل منزلة موسي عليه‏السلام عنداللَّه عزّوجلّ؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ولقد لطف اللَّه جلّ ثناؤه لاُم محمد صلي الله عليه و آله بأن أوصل اليها اسمه حتي قالت: أشهد والعالمون أن محمداً رسول‏اللَّه منتظر، وشهد الملائکة علي الأنبياء أنهم أثبتوه في الأسفار، وبلطف من اللَّه عزوجل ساقه اليها وأوصل اليها اسمه لفضل منزلته عنده حتي رأت في المنام أنه قيل لها إن ما في بطنک سيد فاذا ولدته فسميه محمداً، فاشتق اللَّه له اسماً من أسمائه، فاللَّه المحمود وهذا

[صفحه 208]

محمد.

قال له اليهودي: فإن موسي بن عمران قد أرسله اللَّه إلي فرعون وأراه الآية الکبري؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد أُرسل إلي فراعنة شتي: مثل أبي‏جهل ابن‏هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة وأبي‏البختري والنضر بن الحرث وأُبي بن خلف ومنبه ونبيه ابني الحجاج، وإلي الخمسة المستهزئين: الوليد بن المغيرة المخزومي، والعاص بن وائل السهمي، والأسود بن عبديغوث الزهري، والأسود بن المطلب، والحرث بن أبي‏الطلالة، فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق.

قال له اليهودي: لقد انتقم اللَّه عزوجل لموسي من فرعون؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ولقد انتقم اللَّه جلّ اسمه لمحمد صلي الله عليه و آله من الفراعنة: فأما المستهزؤن فقال اللَّه: «إِنَّا کَفَيْنَاکَ الْمُسْتَهْزِئِيْنَ».[12] فقتل اللَّه خمستهم کل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد، فأما الوليد بن المغيرة فمر بنبل رجل من خزاعة قد راشه ووضع في الطريق فأصابه شظية منه فانقطع اکحله حتي أدماه فمات وهو يقول: قتلني ربّ محمد، وأما العاص بن الوائل السهمي فانه خرج في حاجة له إلي موضع فتدهده تحته حجر فسقط فتقطع قطعة قطعة فمات وهو يقول: قتلني ربّ محمد، وأما الأسود بن عبديغوث فانه خرج يستقبل ابنه زمعة فاستظل بشجرة، فأتاه جبرئيل فأخذ رأسه فنطح به الشجرة، فقال لغلامه: امنع هذا مني! فقال: ما أري أحداً يصنع شيئاً إلّا نفسک، فقتله وهو يقول قتلني رب محمد، وأما الأسود بن المطلب: فان النبي صلي الله عليه و آله دعا عليه أن يعمي اللَّه بصره وأن يثکله ولده، فلما کان في ذلک اليوم خرج حتي صار إلي موضع أتاه جبرئيل بورقة خضراء

[صفحه 209]

فضرب بها وجهه فعمي وبقي حتي أثکله اللَّه عزوجل ولده، وأما الحرث بن أبي‏الطلالة، فانه خرج من بيته في السموم فتحول حبشياً، فرجع إلي أهله فقال: أنا الحرث فغضبوا عليه فقتلوه وهو يقول: قتلني ربّ محمد، کل ذلک في ساعة واحدة، وذلک أنهم کانوا بين يدي رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله فقالوا له: يامحمد ننتظر بک إلي الظهر فإن رجعت عن قولک وإلّا قتلناک، فدخل النبي صلي الله عليه و آله منزله فأغلق عليه بابه مغتماً لقولهم، فأتاه جبرئيل عن اللَّه من ساعته فقال: يامحمد السلام يقرأ عليک السلام، وهو يقول لک: «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرْ وَأَعْرِضٌ عَنِ الْمُشْرِکِيْنَ».[13] يعني أظهر أمرک لأهل مکة وادعهم إلي الايمان، قال: ياجبرئيل کيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني؟ قال له: «إِنَّا کَفَيْنَاکَ الْمُسْتَهْزِئِيْنَ».[14] قال: ياجبرئيل کانوا الساعة بين يدي، قال: کفيتهم، وأظهر أمره عند ذلک، وأما بقية الفراعنة: قتلوا يوم بدر بالسيف فهزم اللَّه الجميع وولوا الدبر.

قال له اليهودي: فان موسي بن عمران قد اُعطي العصا فکان تحول ثعباناً؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله اُعطي ما هو أفضل من هذا، إن رجلاً کان يطالب أباجهل بن هشام بدين ثمن جزور قد اشتراه فاشتغل عنه وجلس يشرب، فطلبه الرجل فلم يقدر عليه، فقال له بعض المستهزئين من تطلب؟ فقال: عمرو بن هشام- يعني أباجهل- لي عليه دين، قال: فأدلک علي من يستخرج منه الحقوق؟ قال نعم: فدله علي النبي صلي الله عليه و آله، وکان أبوجهل يقول ليت لمحمد إليّ حاجة فأسخر به وأرده، فأتي الرجل النبي صلي الله عليه و آله فقال: يامحمد بلغني أن بينک وبين عمرو بن هشام حسن صداقة وأنا استشفع بک اليه، فقام معه رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله فأتي بابه، فقال له: قم ياأباجهل فأدّ إلي الرجل حقه، وإنما کناه بأبي جهل

[صفحه 210]

ذلک اليوم، فقام مسرعاً حتي أدّي اليه حقه، فلما رجع إلي مجلسه قال له بعض أصحابه: فعلت ذلک فرقاً من محمد؟ قال: ويحکم اعذروني إنه لما أقبل رأيت عن يمينه رجالاً معهم حراب تتلألأ وعن يساره ثعبانين تصطلک أسنانهما وتلمع النيران من أبصارهما لو امتنعت لم آمن أن يبعجوا بالحراب بطني وتقضمني الثعبانان.

هذا أکبر ما اُعطي موسي ثعبان بثعبان موسي، وزاد اللَّه محمداً ثعباناً وثمانية أملاک معهم الحراب، ولقد کان النبي صلي الله عليه و آله يؤذي قريشاً بالدعاء، فقام يوماً فسفه أحلامهم وعاب دينهم وشتم أصنامهم وضلل آبائهم فاغتموا من ذلک غماً شديداً، فقال أبوجهل واللَّه للموت خير لنا من الحياة فليس فيکم معاشر قريش أحد يقتل محمداً فيقتل به، قالوا: لا، قال: فأنا أقتله، فان شاءت بنو عبدالمطلب قتلوني به وإلّا ترکوني، قالوا: إنک إن فعلت ذلک إصطنعت إلي أهل الوادي معروفاً لا تزال تذکر به، قال: إنه کثير السجود حول الکعبة فاذا جاء وسجد أخذت حجراً فشدخته به، فجاء رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله فطاف بالبيت اسبوعاً ثم صلّي وأطال السجود، فأخذ أبوجهل حجراً فأتاه من قبل رأسه فلما أن قرب منه، أقبل فحل من قبل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فاغراً فاه نحوه، فلما أن رآه أبوجهل فزع منه وارتعدت يده وطرح الحجر فشدخ رجله فرجع مدمّي متغير اللون يفيض عرقاً، فقال له أصحابه ما رأيناک کاليوم؟! قال ويحکم اعذروني فانه أقبل من عنده فحل فاغراً فاه فکاد يبتلعني فرميت بالحجر فشدخت رجلي.

قال اليهودي فإن موسي قد اُعطي اليد البيضاء فهل فعل بمحمد شي‏ء من ذلک؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله اُعطي ما هو من هذا، إن نوراً کان يضيئ عن يمينه حيثما جلس وعن يساره حيثما جلس، وکان يراه الناس کلهم.

[صفحه 211]

قال له اليهودي: فإن موسي عليه‏السلام قد ضرب له طريق في البحر، فهل فعل بمحمد شي‏ء من هذا؟

فقال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله اُعطي ما هو أفضل من هذا، خرجنا معه إلي حنين، فاذا نحن بواد يشخب فقدّرناه فاذا هو أربعة عشر قامة، فقالوا: يارسول‏اللَّه العدو من ورائنا والوادي أمامنا، کما قال أصحاب موسي «إنا لمدرکون» فنزل رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله ثم قال: اللهم إنک جعلت لکل مرسل دلالة فأرني قدرتک، ورکب صلي الله عليه و آله فعبرت الخيل لا تندي حوافرها، والابل لا تندي أخفافها، فرجعنا فکان فتحنا.

قال له اليهودي: فإن موسي عليه‏السلام قد اُعطي الحجر فانبجست منه اثنتا عشر عيناً؟

قال علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله لما نزل الحديبية وحاصره أهل مکة قد اُعطي ما هو أفضل من ذلک، وذلک أن أصحابه شکوا اليه الظمأ وأصابهم ذلک حتي التقت خواصر الخيل، فذکروا له صلي الله عليه و آله، فدعا برکوة يمانية ثم نصب يده المبارکة فيها فتفجرت من بين أصابعه عيون الماء، فصدرنا وصدرت الخيل رواء وملأنا کل مزادة وسقاء، ولقد کنا معه بالحديبية فاذا ثم قليب جافة، فأخرج صلي الله عليه و آله سهماً من کنانته فناوله البراء بن عازب وقال له: اذهب بهذا السهم إلي تلک القليب الجافة فاغرسه فيها، ففعل ذلک فتفجر اثنتا عشر عيناً من تحت السهم، ولقد کان يوم الميضاة عبرة وعلامة للمنکرين لنبوته، کحجر موسي حيث دعا بالميضاة فنصب يده فيها ففاض الماء وارتفع حتي توضأ منه ثمانية آلاف رجل فشربوا حاجتهم وسقوا دوابهم وحملوا ما أرادوا.

قال له اليهودي: فإن موسي اُعطي المن والسلوي فهل اُعطي لمحمد نظير هذا؟ قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله اُعطي ما هو أفضل من هذا، إن اللَّه

[صفحه 212]

أحل له الغنائم ولاُمته، ولم تحل الغنائم لأحد غيره قبله، فهذا أفضل من المنّ والسلوي، ثم زاده أن جعل النية له ولاُمته کمن عمل عملاً صالحاً، ولم يجعل لأحد من الاُمم ذلک قبله، فاذا همّ أحدهم بحسنة ولم يعملها کتبت له حسنة، فان عملها کتبت له عشرة.

قال له اليهودي: إن موسي عليه‏السلام قد ظلل عليه الغمام؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، وقد فعل ذلک بموسي في التيه، واُعطي محمد صلي الله عليه و آله أفضل من هذا، إن الغمامة کانت تظله من يوم ولد إلي يوم قبض، في حضره وأسفاره، فهذا أفضل مما اُعطي موسي.

قال له اليهودي: فهذا داود عليه‏السلام قد لين اللَّه له الحديد فعمل منه الدروع؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله قد اُعطي ما هو أفضل من هذا إنه لين اللَّه له الصم الصخور الصلاب وجعلها غاراً، ولقد غارت الصخرة تحت يده ببيت المقدس لينه حتي صارت کهيئة العجين، وقد رأينا ذلک والتمسناه تحت رايته.

قال له اليهودي: فإنّ هذا داود بکي علي خطيئته حتي سارت الجبال معه لخوفه؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله اُعطي ما هو أفضل من هذا، أنه کان إذا قام إلي الصلاة سمع لصدره وجوفه أزيز کأزيز المرجل علي الأثافي من شدة البکاء، وقد آمنه اللَّه عزوجل من عقابه فأراد أن يتخشع لربّه ببکائه فيکون إماماً لمن اقتدي به، ولقد قام صلي الله عليه و آله عشر سنين علي أطراف أصابعه حتي تورمت قدماه واصفر وجهه، يقوم الليل أجمع حتي عوتب في ذلک فقال اللَّه عزوجل: «طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْکَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَي».[15] بل لتسعد به، ولقد کان يبکي حتي يغشي عليه، فقيل له: يارسول‏اللَّه أليس اللَّه عزوجل قد غفر لک ما تقدم من ذنبک وما تأخر؟ قال:

[صفحه 213]

بلي أفلا أکون عبداً شکوراً، ولئن سارت الجبال وساحت معه لقد عمل بمحمد صلي الله عليه و آله ما هو أفضل من هذا، إذ کنا معه علي جبل حِراء إذ تحرک الجبل فقال له: قِر فانه ليس عليک إلّا نبي أو صديق شهيد، فقر الجبل مطيعاً لأمره ومنتهياً إلي طاعته، ولقد مررنا معه بجبل واذا الدموع تخرج من بعضه، فقال له النبي صلي الله عليه و آله: ما يبکيک ياجبل؟ فقال يارسول‏اللَّه کان المسيح مرّ بي وهو يخوف الناس من نار وقودها الناس والحجارة، وأنا أخاف أن أکون من تلک الحجارة، قال له: لا تخف تلک الحجارة الکبريت، فقر الجبل وسکن وهدأ وأجاب لقوله صلي الله عليه و آله.

قال له اليهودي: فان هذا سليمان اُعطي ملکاً لا ينبغي لأحد من بعده؟

فقال علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله اُعطي ما هو أفضل من هذا إنه هبط اليه ملک لم يهبط إلي الأرض قبله، وهو ميکائيل فقال له: يامحمد عش ملکاً منعماً، وهذه مفاتيح خزائن الأرض معک، وتسير معک جبالها ذهباً وفضة، ولا ينقص لک مما ادخر لک في الآخرة شي‏ء، فأومي إلي جبرئيل وکان خليله من الملائکة، فأشار اليه أن تواضع، فقال: بل أعيش نبياً عبداً آکل يوماً ولا آکل يومين، وألحق باخواني من الأنبياء، فزاده اللَّه تبارک وتعالي الکوثر وأعطاه الشفاعة، وذلک أعظم من ملک الدنيا من أولها إلي آخرها سبعين مرة، ووعده المقام المحمود، فاذا کان يوم القيامة أقعده اللَّه عزوجل علي العرش، فهذا أفضل مما اُعطي سليمان.

قال له اليهودي: فإن سليمان قد سخرت له الرياح فسارت به في بلاده غدوها شهر ورواحها شهر؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله اُعطي ما هو أفضل من هذا: إنه اُسري به من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي مسيرة شهر، وعرج به في ملکوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام في أقل من ثلث ليلة حتي انتهي إلي ساق العرش، فدنا بالعلم فتدلي فدلي له من الجنة رفرف أخضر، وغشي النور

[صفحه 214]

بصره، فرأي عظمة ربّه عزوجل بفؤاده ولم يرها بعينه، فکان کقاب قوسين بينه وبينها أو أدني، فأوحي اللَّه إلي عبده ما أوحي، فکان فيما أوحي اليه الآية التي في سورة البقرة قوله: «للَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وِإِنْ تُبْدُواْ مَا فِي أَنْفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوْهُ يُحَاسِبْکُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَّشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَّشَاءُ وَاللَّهُ عَلي کُلِّ شَي‏ءٍ قَدِيْرٌ».[16] وکانت الآية قد عرضت علي الأنبياء من لدن آدم عليه‏السلام إلي أن بعث اللَّه تبارک وتعالي محمداً، وعرضت علي الاُمم، فأبوا أن يقبلوها من ثقلها، وقبلها رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله وعرضها علي اُمته فقبلوها، فلما رأي اللَّه تبارک وتعالي منهم القبول علم أنهم لا يطيقونها، فلما أن سار إلي ساق العرش کرر عليه الکلام ليفهمه، فقال: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ» فأجاب صلي الله عليه و آله مجيباً عنه وعن اُمته «وَالْمُؤْمِنُوْنَ کُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِکَتِهِ وَکُتِبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِن رُّسِلِهِ».[17] فقال جلّ ذکره: لهم الجنة والمغفرة علي أن فعلوا ذلک، فقال النبي صلي الله عليه و آله: أما إذا فعلت ذلک بنا، فغفرانک ربنا واليک المصير- يعني المرجع في الآخرة- قال: فأجابه اللَّه عزوجل قد فعلت ذلک بک وباُمتک، ثم قال عزوجل: أما إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها، وقد عرضتها علي الاُمم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها اُمتک، فحق علي أن أرفعها عن اُمتک، وقال: لا يکلف اللَّه نفساً إلّا وسعها لها ما کسبت- من خير- وعليها ما اکتسبت- من شر-.

فقال النبي صلي الله عليه و آله: کما سمع ذلک- أما إذا فعلت ذلک بي وباُمتي فزدني، قال: سل، قال: «رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنُا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا»[18] قال اللَّه عزّوجلّ: لست أُؤاخذ اُمتک بالنسيان والخطأ لکرامتک عليّ.

[صفحه 215]

وکانت الاُمم السالفة إذا نسوا ما ذکروا به فتحت عليهم أبواب العذاب، وقد رفعت ذلک عن اُمتک.

وکانت الاُمم السالفة إذا أخطأوا اُخِذوا بالخطأ وعوقبوا عليه، وقد رفعت ذلک عن اُمتک لکرامتک عليّ، فقال صلي الله عليه و آله: اللهم إذا أعطيتني ذلک فزدني، قال اللَّه تبارک وتعالي له: سل، قال: «رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً کَمَا حَمَلْتَهُ عَلي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا»-.[19] يعني بالاصر الشدائد التي کانت علي من کان قبلنا فأجابه اللَّه عزوجل إلي ذلک، فقال تبارک اسمه: قد رفعت عن اُمتک الآصار التي کانت علي الاُمم السالفة، کنت لا أقبل صلاتهم إلّا في بقاع معلومة من الأرض اخترتها لهم وإن بعدت، وقد جعلت الأرض کلها لاُمتک مسجداً وطهوراً، فهذه من الآصار التي کانت علي الاُمم قبلک فرفعتها عن اُمتک.

وکانت الاُمم السالفة إذا أصابهم أذي من نجاسة قرضوه من أجسادهم، وقد جعلت الماء لاُمتک طهوراً، فهذا من الآصار التي کانت عليهم فرفعتها عن اُمتک.

وکانت الاُمم السالفة تحمل قرابينها علي أعناقها إلي بيت المقدس فمن قبلت ذلک منه اُرسلت عليه ناراً فأکلته فرجع مسروراً، ومن لم أقبل منه ذلک رجع مثبوراً، وقد جعلت قربان اُمتک في بطون فقرائها ومساکينها، فمن قبلت ذلک منه أضعفت ذلک له أضعافاً مضاعفة، ومن لم أقبل ذلک منه رفعت عنه عقوبات الدنيا، وقد رفعت ذلک عن اُمتک، وهي من الآصار التي کانت علي الاُمم من کان من قبلک.

وکانت الاُمم السالفة صلواتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار، وهي الشدائد التي کانت عليهم، فرفعتها عن اُمتک وفرضت عليهم صلاتهم في أطراف الليل والنهار وفي أوقات نشاطهم، وکانت الاُمم السالفة قد فرضت عليهم

[صفحه 216]

خمسين صلاة في خمسين وقتاً، وهي من الآصار التي کانت عليهم، فرفعتها عن اُمتک وجعلتها خمساً في خمسة أوقات، وهي إحدي وخمسون رکعة، وجعلت لهم أجر خمسين صلاة.

وکانت الاُمم السالفة حسنتهم بحسنة وسيئتهم بسيئة، وهي من الآصار التي کانت عليهم فرفعتها عن اُمتک وجعلت الحسنة بعشرة والسيئة بواحدة.

وکانت الاُمم السالفة إذا نوي أحدهم بحسنة فلم يعملها لم تکتب له، وان عملها کتبت له حسنة، وإن اُمتک إذا همّ أحدهم بحسنة فلم يعملها کتبت له حسنة وان عملها کتبت له عشرة، وهي من الآصار التي کانت عليهم فرفعتها عن اُمتک. وکانت الاُمم السالفة إذا همّ أحدهم بسيئة فلم يعملها لم تکتب عليه وإن عملها کتبت عليه سيئة، وإن امتک إذا همّ أحدهم بسيئة ثم لم يعملها کتبت له حسنة، وهذه من الآصار التي کانت عليهم فرفعتها عن اُمتک.

وکانت الاُمم السالفة إذا أذنبوا کتبت ذنوبهم علي أبوابهم وجعلت توبتهم من الذنوب أن حرمت عليهم بعد التوبة أحبّ الطعام اليهم، وقد رفعت ذلک عن اُمتک وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم، وجعلت عليهم ستوراً کثيفة، وقبلت توبتهم لا عقوبة ولا اُعاقبهم بأن اُحرّم عليهم أحبّ الطعام اليهم.

وکانت الاُمم السالفة يتوب أحدهم إلي اللَّه من الذنب الواحد مائة سنة أو ثمانين سنة أو خمسين سنة ثم لا أقبل توبته دون أن اُعاقبه في الدنيا بعقوبة، وهي من الآصار التي کانت عليهم فرفعتها عن اُمتک، وان الرجل من اُمتک ليذنب عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو مائة سنة ثم يتوب ويندم طرفة عين فأغفر له ذلک کله، فقال النبي صلي الله عليه و آله: إذا أعطيتني ذلک کله فزدني، قال: سل، قال: «رَبَّنا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ» قال تبارک اسمه: قد فعلت ذلک باُمتک، وقد رفعت عنهم عظم بلايا الاُمم، وذلک حکمي في جميع الاُمم أن اُکلف خلقاً فوق طاقتهم، فقال

[صفحه 217]

النبي صلي الله عليه و آله: «وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا» قال اللَّه عزّوجلّ: قد فعلت ذلک بتائبي اُمتک، ثم قال صلي الله عليه و آله: «فَانْصُرْنَا عَلَي الْقَوْمِ الْکَافِرِينَ».[20] قال اللَّه جل اسمه: إن امتک في الأرض کالشامة البيضاء في الثور الأسود، هم القادرون وهم القاهرون يستخدمون ولا يُستخدمون لکرامتک عليّ، وحق عليّ أن أظهر دينک علي الأديان حتي لا يبقي في شرق الأرض وغربها دين إلّا دينک، ويؤدون إلي أهل دينک الجزية.

قال اليهودي: فان سليمان سخرت له الشياطين يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ولقد اُعطي محمد صلي الله عليه و آله أفضل من هذا، إن الشياطين سخرت لسليمان وهي مقيمة علي کفرها، ولقد سخرت لنبوة محمد صلي الله عليه و آله الشياطين بالايمان، فأقبل اليه من الجن التسعة من أشرافهم: واحد من جن نصيبين والثمان من بني عمرو بن عامر بن الأحجة: منهم شضاه ومضاه والهملکان والمرزبان والمازمان ونضاه، وهاضب وهضب وعمرو وهم الذين يقول اللَّه تبارک اسمه فيهم: «وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْکَ نَفَراً مِنَ الجِنِّ يَسْتَمِعُوْنَ الْقُرْآنَ».[21] وهم التسعة، فأقبل اليه الجن والنبي صلي الله عليه و آله ببطن النخل فاعتذروا بأنهم ظنوا کما ظننتم أن لن يبعث اللَّه أحداً، ولقد أقبل اليه أحد وسبعون ألفاً منهم فبايعوه علي الصوم والصلاة والزکاة والحج والجهاد ونُصحِ المسلمين، واعتذروا بأنهم قالوا: علي اللَّه شططاً، وهذا أفضل مما اُعطي سليمان، فسبحان من سخرها لنبوة محمد صلي الله عليه و آله بعد أن کانت تتمرد وتزعم أن للَّه ولداً، ولقد شمل مبعثه من الجن والانس ما لا يحصي.

قال له اليهودي: هذا يحيي بن زکريا عليه‏السلام ويقال: إنه اُوتي الحکم صبياً والحلم

[صفحه 218]

والفهم، وإنه کان يبکي من غير ذنب وکان يواصل الصوم؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله اُعطي ما هو أفضل من هذا، إن يحيي بن زکريا کان في عصر الأوثان فيه ولا جاهلية، ومحمد صلي الله عليه و آله اُوتي الحکم والفهم صبياً بين عبدة الأوثان وحزب الشيطان، فلم يرغب لهم في صنم قط ولم ينشط لأعيادهم ولم ير منه کذب قط، وکان أميناً صدوقاً حليماً، وکان يواصل الصوم الأسبوع والأقل والأکثر فيقال له في ذلک فيقول: اني لست کأحدهم إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني، وکان يبکي صلي الله عليه و آله حتي يبتل مصلّاه خشية من اللَّه عزوجل من غير جرم.

قال له اليهودي: فان هذا عيسي بن مريم يزعمون أنه تکلم في المهد صبياً؟

فقال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله سقط من بطن اُمه واضعاً يده اليسري علي الأرض ورافعاً يده اليمني إلي السماء يحرک شفتيه بالتوحيد، وبدا من فيه نور رأي أهل مکة منه قصور بصري من الشام وما يليها، والقصور الحمر من أرض اليمن وما يليها، والقصور البيض من اصطخر وما يليها، ولقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبي صلي الله عليه و آله حتي فزعت الجن والانس والشياطين وقالوا: حدث في الأرض حدث، ولقد رأي الملائکة ليلة ولد تصعد وتنزل وتسبّح وتقدس، وتضطرب النجوم وتتساقط علامة لميلاده، ولقد همّ ابليس بالظعن في السماء لما رأي من الأعاجيب في تلک الليلة، وکان له مقعد في السماء الثالثة والشياطين يسترقون السمع، فلما رأوا العجائب أرادوا أن يسترقوا السمع فاذا هم قد حجبوا من السماوات کلها، ورموا بالشهب دلالة لنبوته صلي الله عليه و آله.

قال له اليهودي: فإن عيسي يزعمون أنه قد أبرأ الأکمه والأبرص باذن اللَّه؟ قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله اُعطي ما هو أفضل من ذلک أبرأ ذا العاهة من عاهته، بينما هو جالس صلي الله عليه و آله إذ سأل عن رجل من أصحابه، فقالوا:

[صفحه 219]

يارسول‏اللَّه إنه قد صار من البلاء کهيئة الفرخ الذي لا ريش عليه، فأتاه صلي الله عليه و آله فاذا هو کهيئة الفرخ من شدة البلاء، فقال له: قد کنت تدعو في صحتک دعاء؟ قال نعم: کنت أقول: يارب أيما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة فاجعلها لي في الدنيا، فقال له النبي صلي الله عليه و آله: ألا قلت: «الَّلهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وِفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»[22] فقالها الرجل فکأنما نشط من عقال وقام صحيحاً وخرج معنا، ولقد أتاه رجل من جهينة أجذم ينقطع من الجذام، فشکا اليه صلي الله عليه و آله فأخذ قدحاً من ماء فتفل عليه ثم قال: امسح به جسدک، ففعل فبرئ حتي لم يوجد عليه شي‏ء، ولقد اُتي النبي صلي الله عليه و آله باعرابي أبرص فتفل صلي الله عليه و آله من فيه عليه فما قام من عنده إلّا صحيحاً، ولئن زعمت أن عيسي أبرأ ذوي العاهات من عاهاتهم، فان محمداً صلي الله عليه و آله بينما هو في بعض أصحابه إذ هو بامرأة فقالت يارسول‏اللَّه إن ابني قد أشرف علي حياض الموت کلما أتيته بطعام وقع عليه التثأوب، فقام النبي صلي الله عليه و آله وقمنا معه فلما أتيناه قال له: جانب ياعدو اللَّه ولي اللَّه فأنا رسول‏اللَّه، فجانبه الشيطان، فقام صحيحاً وهو معنا في عسکرنا، ولئن زعمت أن عيسي أبرأ العميان، فان محمداً قد فعل ما هو أکبر من ذلک: إن قتادة بن ربيع کان رجلاً صحيحاً فلما أن کان يوم اُحد أصابته طعنة في عينه فبدرت حدقته فأخذها بيده وأتي بها إلي النبي صلي الله عليه و آله فقال يارسول‏اللَّه إنّ امرأتي الآن تبغضني، فأخذها رسول‏اللَّه من يده ثم وضعها مکانها فلم تکن تعرف إلّا بفضل حسنها وفضل ضوئها علي العين الاُخري، ولقد جرح عبداللَّه بن عبيدوبانت يده يوم حنين، فجاء إلي النبي صلي الله عليه و آله ليلاً فمسح علي يده فلم تکن تعرف من اليد الاُخري، ولقد أصاب محمد بن مسلمة يوم کعب بن أشرف مثل ذلک في عينه ويده، فمسحه رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله فلم تستبينا، ولقد أصاب عبداللَّه بن أنيس مثل ذلک في عينه فمسحها فما عرفت من الاُخري، فهذه کلها دلالة لنبوته صلي الله عليه و آله.

[صفحه 220]

قال له اليهودي: فان عيسي يزعمون أنه أحيي الموتي بإذن اللَّه؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد سبحت في يده تسع حصيات تسمع نغماتها في جمودها، ولا روح فيها لتمام حجة نبوته، ولقد کلّمه الموتي من بعد موتهم واستغاثوه مما خافوا تبعته، ولقد صلي بأصحابه ذات يوم فقال: ما هاهنا من بني النجار أحد وصاحبهم محتبس علي باب الجنة بثلاثة دراهم لفلان اليهودي- وکان شهيداً- ولئن زعمت أن عيسي کلّم الموتي فلقد کان لمحمد ما هو أعجب من هذا: إن النبي صلي الله عليه و آله لما نزل بالطائف وحاصر أهلها بعثوا اليه بشاة مسلوخة مطلية بسم، فنطق الذراع منها فقال يارسول‏اللَّه لا تأکلني فاني مسموم، فلو کلمته البهيمة وهي حية لکانت من أعظم حجج اللَّه علي المنکرين لنبوته، فکيف وقد کلمته من بعد ذبح وسلخ وشئ؟! ولقد کان رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله يدعو بالشجرة فتجيبه، وتکلمه البهيمة وتکلمه السباع وتشهد له بالنبوة وتحذرهم عصيانه، فهذا أکثر مما اُعطي عيسي عليه‏السلام.

قال اليهودي: إن عيسي يزعمون أنه أنبأ قومه بما يأکلون وما يدخرون في بيوتهم؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله کان له أکثر من هذا: إن عيسي أنبأ قومه بما کان من وراء الحائط، ومحمد صلي الله عليه و آله أنبأ عن مؤنتة وهو عنها غائب، ووصف حربهم ومن استشهد منهم وبينه مسيرة شهر، وکان يأتيه الرجل يريد أن يسأله عن شي‏ء فيقول صلي الله عليه و آله تقول أو أقول؟ فيقول بل قل يارسول‏اللَّه، فيقول: جئتني في کذا وکذا حتي يفرغ من حاجته، ولقد کان صلي الله عليه و آله يخبر أهل مکة بأسرارهم بمکة حتي لا يترک من أسرارهم شيئاً: منها ما کان بين صفوان بن اُمية وبين عمير بن وهب، إذ أتاه عمير فقال: جئت في فکاک ابني، فقال له: کذبت بل قلت لصفوان وقد اجتمعتم في الحطيم وذکرتم قتلي بدر وقلتم واللَّه للموت أهون علينا من البقاء مع ما

[صفحه 221]

صنع محمد بنا، وهل حياة بعد أهل القليب، فقلت أنت لولا عيالي ودين عليّ لأرحتک من محمد، فقال صفوان: عليّ أن أقضي دينک وأن أجعل بناتک مع بناتي يصيبهن ما يصيبهن من خير أو شر، فقلت أنت فاکتمها عليّ وجهزني حتي أذهب فأقلته، فجئت لقتلي، فقال: صدقت يارسول‏اللَّه وأنا أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأنک رسول‏اللَّه، وأشباه هذا مما لا يحصي.

قال له اليهودي: فان عيسي يزعمون أنه خلق من الطين کهيئة الطير فنفخ فيه فکان طيراً بإذن اللَّه؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله قد فعل ما هو شبيه لهذا، إذ أخَذ يوم حنين حجراً فسمعنا للحجر تسبيحاً وتقديساً، ثم قال للحجر: انفلق فانفلق ثلاث فلق يسمع لکل فلقة منها تسبيحاً لا يسمع للاُخري، ولقد بعث إلي شجرة يوم البطحاء فأجابته ولکل غصن منها تسبيح وتهليل وتقديس، ثم قال لها: انشقي فانشقت نصفين، ثم قال لها: ارجعي التزقي فالتزقت،، ثم قال لها: اشهد لي بالنبوة فشهدت ثم قال لها: ارجعي إلي مکانک بالتسبيح والتهليل والتقديس ففعلت، وکان موضعها حيث الجزارين بمکة.

قال له اليهودي: فإن عيسي يزعمون أنه کان سيّاحاً؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله کانت سياحته في الجهاد واستنفر في عشر سنين ما لا يحصي من حاضر وباد، وأفني فئاماً من العرب، من مبعوث (منعوت)بالسيف لا يداري بالکلام ولا ينام إلّا عن دم ولا يسافر إلّا وهو متجهز لقتال عدوه.

قال له اليهودي: فإن عيسي يزعمون أنه کان زاهداً؟

قال له علي عليه‏السلام: لقد کان کذلک، ومحمد صلي الله عليه و آله أزهد الأنبياء عليهم‏السلام کان له ثلاثة عشر زوجة سوي من يطيف به من الاماء، ما رفعت له مائدة قط وعليها طعام

[صفحه 222]

ولا أکل خبز بُر قط ولا شبع من خبز شعير ثلاث ليال متواليات قط، توفي رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله ودرعه مرهونة عند يهودي بأربعة دراهم، ما ترک صفراء ولا بيضاء مع ما وطئ له من البلاد ومکن له من غنائم العباد، ولقد کان يقسم في اليوم الواحد الثلاثمائة ألف واربعماءة ألف، ويأتيه السائل بالعشي فيقول: والذي بعث محمداً بالحق ما أمسي في آل محمد صاع من شعير ولا صاع من بر ولا درهم ولا دينار.

قال له اليهودي: فاني أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وإن محمداً رسول‏اللَّه، وأشهد أنه ما أعطي اللَّه نبياً درجة ولا مرسلاً فضيلة إلّا وقد جمعها لمحمد صلي الله عليه و آله، وزاد محمداً علي الأنبياء أضعاف درجات.

قال ابن‏عباس لعلي بن أبي‏طالب عليه‏السلام أشهد ياأباالحسن إنک من الراسخين في العلم، فقال: ويحک وما لي لا أقول ما قلت في نفس من استعظمه اللَّه عزّوجلّ في عظمته جلّت، فقال: « وَإِنَّکَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيْمٍ».[23] [24].

[صفحه 223]


صفحه 201، 202، 203، 204، 205، 206، 207، 208، 209، 210، 211، 212، 213، 214، 215، 216، 217، 218، 219، 220، 221، 222، 223.








  1. الفتح: 2.
  2. الشرح: 4.
  3. هود: 45.
  4. هود: 46.
  5. الأحزاب: 9.
  6. يس: 9.
  7. الإسراء: 45.
  8. يس: 8.
  9. يس: 78.
  10. يس: 79.
  11. الفتح: 27.
  12. الحجر: 95.
  13. الحجر: 94.
  14. الحجر: 95.
  15. طه: 1 و 2.
  16. البقرة: 284.
  17. البقرة: 285.
  18. البقرة: 286.
  19. البقرة: 286.
  20. البقرة: 286.
  21. الاحقاف: 29.
  22. البقرة: 201.
  23. القلم: 4.
  24. احتجاج الطبرسي 497:1 ح 127، البحار 28:10، روضة الواعظين: 62، تفسير البرهان 356:2.