في مسائل التوحيد والربوبية















في مسائل التوحيد والربوبية



1/9093- الطبرسي: روي أنه وفد وفد من بلاد الروم إلي المدينة، علي عهد أبي‏بکر وفيهم راهب من رهبان النصاري، فأتي مسجد رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله ومعه بختي موقراً ذهباً وفضة، وکان أبوبکر حاضراً وعنده جماعة من المهاجرين والأنصار، فدخل عليهم وحيّاهم ورحب بهم وتصفح وجوههم، ثم قال: أيکم خليفة رسول‏اللَّه وأمين دينکم؟ فأومي إلي أبي‏بکر، فأقبل عليه بوجهه، ثم قال: أيها الشيخ ما اسمک؟ قال: اسمي عتيق، قال: ثم ماذا؟ قال: صدّيق، قال: ثم ماذا؟ قال: لا أعرف لنفسي اسماً غيره، فقال: لست بصاحبي، فقال له: وما حاجتک؟ قال: أنا من بلاد الروم جئت منها ببختي موقر ذهباً وفضة لأسأل أمين هذه الاُمة عن مسألة إن اجابني عنها أسلمت وبما أمرني أطعت وهذا المال بينکم فرقت، وإن عجز عنها رجعت إلي الوراء بما معي ولم أسلم، فقال له أبوبکر: سل عما بدالک.

[صفحه 194]

فقال الراهب: واللَّه لا أفتح الکلام ما لم تؤمني من سطوتک وسطوة أصحابک، فقال أبوبکر: أنت آمن وليس عليک بأس، قل ما شئت، فقال الراهب: أخبرني عن شي‏ء ليس للَّه، ولا من عند اللَّه، ولا يعلمه اللَّه، فارتعش أبوبکر ولم يحر جواباً، فلما کان بعد هنيئة قال لبعض أصحابه: أئتني بأبي حفص عمر، فجاء به فجلس عنده ثم قال: أيها الراهب سله، فأقبل بوجهه إلي عمر وقال له: مثل ما قال لأبي بکر، فلم يحر جواباً، ثم أُتي بعثمان فجري بين الراهب وعثمان مثل ما جري بينه وبين أبي‏بکر وعمر فلم يحر جواباً، فقال الراهب أشياخ کرام ذووا فجاج لاسلام، ثم نهض ليخرج فقال أبوبکر: ياعدو اللَّه لولا العهد لخضبت الأرض بدمک.

فقام سلمان الفارسي رحمه الله وأتي علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام وهو جالس في صحن داره مع الحسن والحسين عليهماالسلام وقصّ عليه القصة، فقام علي عليه‏السلام وخرج معه الحسن والحسين حتي أتي المسجد، فلما رأي القوم علياً عليه‏السلام کبّروا اللَّه وحمدوا اللَّه وقاموا اليه بأجمعهم، فدخل علي وجلس، فقال أبوبکر: أيها الراهب سله فانه صاحبک وبغيتک، فأقبل الراهب بوجهه إلي علي عليه‏السلام فقال: يافتي ما اسمک، قال: اسمي عند اليهود (إليا) وعند النصاري (إيليا) وعند والدي (علي) وعند اُمي (حيدرة) قال: ما محلّک من نبيکم؟ قال: أخي وصهري وابن‏عمي لحاً، قال الراهب: أنت صاحبي وربّ عيسي.

أخبرني عن شي‏ء ليس للَّه، ولا من عند اللَّه، ولا يعلمه اللَّه، قال عليه‏السلام: علي الخبير سقطت!

أما قولک: ما ليس للَّه فإن اللَّه تعالي أحد ليس له صاحبة ولا ولدا، وأما قولک: ولا من عند اللَّه، فليس من اللَّه ظلم لأحد، وأما قولک لا يعلمه اللَّه، فان اللَّه لا يعلم له شريکاً في الملک، فقام الراهب وقطع زناره وأخذ رأسه وقبل ما بين عينيه وقال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأن محمداً رسول‏اللَّه، وأشهد أنک أنت الخليفة وأمين هذه

[صفحه 195]

الاُمة ومعدن الدين والحکمة ومنبع عين الحجة، لقد قرأت اسمک في التوراة (إليا) وفي الانجيل (ايليا)، وفي القرآن (علياً)، وفي الکتب السابقة (حيدرة)، ووجدتک بعد النبي وصياً وللامارة وليّاً، وأنت أحق بهذا المجلس من غيرک، وأخبرني ما شأنک وشأن القوم؟ فأجابه عليه‏السلام بشي‏ء، فقام الراهب وسلّم المال اليه بأجمعه، فما برح علي عليه‏السلام من مکانه حتي فرقه في مساکين أهل المدينة ومحاويجهم، وانصرف الراهب إلي قومه مسلماً.[1].

2/9094- الصدوق، حدثنا الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل ببلخ، قال: حدثنا علي بن مهرويه القزويني، قال: حدثنا داود بن سليمان الفراء، قال: حدثنا علي بن موسي الرضا عليه‏السلام، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي عليه‏السلام قال: إن يهودياً سأل أميرالمؤمنين علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام، فقال: أخبرني عما ليس للَّه، وعما ليس عند اللَّه، وعما لا يعلمه اللَّه؟ فقال علي عليه‏السلام: أما ما لا يعلمه اللَّه، فذاک قولکم يامعشر اليهود: إن عزير ابن‏اللَّه، واللَّه لا يعلم له ولداً، وأما قولک ما ليس عند اللَّه، فليس عند اللَّه ظلم للعباد، وأما قولک ما ليس للَّه، فليس للَّه شريک، فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريک له، وأن محمداً رسول‏اللَّه.[2].

3/9095- روي عن ابن‏عباس: أنه حضر في مجلس عمر بن الخطاب يوماً وعنده کعب الأحبار، إذ قال عمر: ياکعب أحافظ أنت للتوراة؟ قال کعب: اني لأحفظ منها کثيراً، فقال رجل من جنبه في المجلس: ياأميرالمؤمنين سله أين کان اللَّه جل جلاله قبل أن يخلق عرشه ومم خلق الماء الذي جعل عرشه عليه، فقال عمر: ياکعب هل عندک من هذا علم؟ فقال کعب: نعم ياأميرالمؤمنين نجد في

[صفحه 196]

الأصل الحکيم أن اللَّه تبارک وتعالي کان قديماً قبل خلق العرش، وکان علي صخرة بيت المقدس في الهواء، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة کانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة فهناک خلق عرشه من بعض الصخرة التي کانت تحته، وآخر ما بقي منها لمسجد قدسه.

قال ابن‏عباس: وکان علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام حاضراً.

فعظم علي ربه وقام علي قدميه ونفض ثيابه، فأقسم عليه عمر لما عاد إلي مجلسه ففعله، قال عمر: غص علينا ياغواص، ما تقول ياأبوالحسن؟ فما علمتک إلّا مفرجاً للغم، فالتفت علي عليه‏السلام إلي کعب فقال: غلط أصحابک وحرّفوا کتب اللَّه وفتحوا الفرية عليه، ياکعب ويحک إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته، والهواء الذي ذکرت لا يجوز أقطاره، ولو کانت الصخرة والهواء قديمين معه لکانت لهما قدمته، وعزّ اللَّه وجلّ أن يقال: له مکان يؤمي اليه، واللَّه ليس کما يقول الملحدون ولا کما يظن الجاهلون، ولکن کان ولا مکان بحيث لا تبلغه الأذهان، وقولي کان، محدث کونه وهو مما علّم من البيان، يقول اللَّه عزّوجلّ: «خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ».[3] فقولي له: کان، مما علّمني البيان لأنطق بحجية وعظمته المنّان، ولم يزل ربنا مقتدراً علي ما يشاء محيطاً بکل الأشياء، ثم کوّن ما أراد بلا فکرة حادثة أصاب، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد، وأنه عزّوجلّ خلق نوراً ابتدعه من غير شي‏ء، ثم خلق منه ظلمة وکان قديراً أن يخلق الظلمة لا من شي‏ء کما خلق النور من غير شي‏ء، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور ياقوتة غلظها کغلظ سبع سماوات وسبع أرضين، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماءً مرتعداً ولا يزال مرتعداً إلي يوم القيامة، ثم خلق عرشه من نوره وجعله علي الماء، وللعرش عشرة آلاف لسان يسبح اللَّه کل لسان منها بعشرة آلاف لغة ليس

[صفحه 197]

فيها لغة تشبه الاُخري، وکان العرش علي الماء ومن دونه حجب الضباب وذلک قوله: «وَکَانَ عَرْشُهُ عَلَي الْمَاءِ لِيَبْلُوَکُمْ».[4].

ياکعب، ويحک إن من کانت البحار تفلته علي قولک کان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو يحويه الهواء الذي أشرت إليه أنّه حلّ فيه، فضلک عمر بن الخطاب وقال: هذا هو الأمر، وهکذا يکون العلم لا کعلمک ياکعب، لا عشت إلي زمان لا أري فيه أباحسن.[5].

4/9096- الصدوق، حدثنا محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي‏القاسم، عن أحمد بن أبي‏عبداللَّه، عن أبي‏أيوب المدني، عن محمد بن أبي‏عمير، عن عمر بن اُذينة، عن أبي‏عبداللَّه عليه‏السلام قال: قيل لأميرالمؤمنين عليه‏السلام: هل يقدر ربک أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يُصغّر الدنيا أو يکبّر البيضة؟ قال عليه‏السلام: إن اللَّه تبارک وتعالي لا ينسب إلي العجز، والذي سألتني لا يکون.[6].

5/9097- الصدوق، حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبداللَّه بن عامر، عن ابن‏أبي‏عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي‏عبداللَّه عليه‏السلام قال: جاء رجل إلي أميرالمؤمنين عليه‏السلام فقال: أيقدر اللَّه أن يدخل الأرض في بيضة ولا يصغّر الأرض ويکبّر البيضة؟ فقال عليه‏السلام: ويلک أن اللَّه لا يوصف بالعجز، ومن أقدر ممن يُلَطّف الأرض ويُعظّم البيضة.[7].

6/9098- وقد سئل مرة علي بن أبي‏طالب: هل تري ربک؟...

قال: کيف أعبديا هذا من لا أري.

قيل له: وکيف تراه؟

[صفحه 198]

قال: بعظيم قدرته، وواسع حکمته، وجميل صنعه، وواسع فضله.

قيل له: صف لنا اللَّه؟ فتلي قوله تعالي: «لَيْسَ کَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ» ثم قال: يعلم عجيج الوحوش في الفلوات، ومعاصي العباد في الخلوات، واختلاف النيات في البحار الغامرات، وتلاطم الماء بالرياح العاصفات. ثم سئل ما الاسلام؟ فقال:

هو دين اللَّه الذي اصطفاه لنفسه، واصطنعه علي عينه، وأصفاه خير خلقه، فأقام دعائمه علي محبته، وأذل الأديان بعزته، ووضع المحال (أو الحلل) لرفعته، وهدم أرکان أعدائه بکرامته، وخذل محاربه بنصره، وهدم أرکان الضلال برکنه، وسقي من عطش من حياضه، ثم جعل لا انفصام لعروته، ولا فک لحلقته، ولا انهدام لأساسه، ولا زوال لدعائمه، ولا انقلاع لشجرته، ولا انقطاع لمدته.

وسئل ما القرآن؟ فقال:

جعله اللَّه نوراً لا تطفأ مصابيحه، وسراجاً لا يخبو توقده، وبحراً لا يدرک قعره، ومنهاجاً لا يقل نهجه، وشعاعاً لا يظلم ضوءه، وفرقاناً لا يخمد برهانه، وتبياناً لا تهدم أرکانه، وشفاء لا تخشي أسقامه، وعزاً لا تهدم (أو لا تهزم) أنصاره، وحقاً لا تخذل أعوانه، فهو معدن الايمان وبحبوحته، وينابيع العلم وبحوره، ورياض العدل وغدرانه، وأدوية الحق وغيصانه، وعيون لا ينضبها المانحون، ومناهل لا يغيضها الواردون، وأعلام لا يعمي عنها السائرون، جعله اللَّه رباً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء.[8].

بيان: وفي الفقرات السابقة کلها تري علياً وهو إمام من أئمة البلاغة، يوحي لک من طريق التشبيه ما يقرب لک ما في الاسلام من در ثمين، وفوق کل ما تقدم فقد ساق القرآن الکريم بالنطق الحلو ما يقنع کل عاقل بأن اللَّه واحد لا شريک له

[صفحه 199]

«لَوْ کَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا».[9] «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا کَانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إذاً لَذَهَبَ کُلُّ إِلهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلي بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ».[10] وقوله: «قُلْ لَوْ کَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ کَمَا يَقُولُونَ لَابْتَغَوْا إِلي ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً».[11].

فأما الآية الاُولي فيسلم بها الذوق السليم، وذلک لأنه لو کان هناک ملکان کل ينازع الآخر الحکم ويريد أن يستبد بالأمر.

وأما الثانية فهي برهانية أيضاً لا يمکن أن يکون هناک إلهان فعلهما واحد؛ لأن العالم منسوب إلي خالق واحد هو ذو العرش، ولو کان معه خالق آخر لجلس معه علي العرش، وکيف يکون هناک قوتان في مکان واحد لا يسع إلّا قوة واحدة، ولذلک قال تعالي: «وَسِعَ کُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَؤُدُهُ حِفْظُهُمَا».[12].

والفرق بين العلماء والجمهور في هذا المقام: أن العلماء يعرفون أن ترکيب العلم من جزئيات أنها لابد راجعة إلي قوة المادة، ولذلک سارع جلت قدرته فزاد علمه عن هذا، فقال: «سُبْحَانَهُ وَتَعالي عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً کَبِيراً تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلکِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إنَّهُ کَانَ حَلِيماً غَفُوراً».[13].

[صفحه 200]


صفحه 194، 195، 196، 197، 198، 199، 200.








  1. احتجاج الطبرسي 484:1 ح 118، البحار 52:10، عيون أخبار الرضا عليه‏السلام 141:1، الفضائل (لابن شاذان): 132، أمالي الطوسي المجلس العاشر: 275 ح 527.
  2. عيون أخبارالرضا عليه‏السلام 141:1، التوحيد: 377، البحار 11:10، صحيفة الامام الرضا عليه‏السلام: 259 ح 193، أمالي الطوسي المجلس 275:10 ح 527.
  3. الرحمن: 4/3.
  4. هود: 7.
  5. مجموعة ورام 5:2، البحار 194:40.
  6. التوحيد باب القدرة: 130، البحار 143:4.
  7. التوحيد باب القدرة: 130، البحار 143:4، مصابيح الأنوار 71:1.
  8. الاسلام دين ودينا: 17.
  9. الأنبياء: 22.
  10. المؤمنون: 91.
  11. الإسراء: 42.
  12. البقرة: 255.
  13. الإسراء: 44 تا 43.