في زيد بن حارثة















في زيد بن حارثة



1/9005- الامام العسکري عليه‏السلام قال أميرالمؤمنين عليه‏السلام: لقد بعث رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله جيشاً ذات يوم إلي قوم من أشداء الکفار، فأبطأ عليه خبرهم، وتعلق قلبه بهم، وقال: ليت لنا من يتعرف أخبارهم، ويأتينا بأنبائهم، بينا هو قائل هذا، إذ جائه البشير بأنهم قد ظفروا بأعدائهم واستولوا عليهم، وصيّروهم بين قتيل وجريح وأسير، وانتهبوا أموالهم، وسبوا ذراريهم وعيالهم.

فلما قرب القوم من المدينة، خرج اليهم رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله بأصحابه يتلقاهم، فلما لقيهم، ورئيسهم زيد بن حارثة، وکان قد أمره عليهم، فلما رأي زيد رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله نزل عن ناقته وجاء إلي رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله وقبّل رجله، ثم قبّل يده، فأخذه رسول‏اللَّه وقبل رأسه، ثم نزل إلي رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله عبداللَّه بن رواحة فقبل رجله ويده وضمّه رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله إلي نفسه، ثم نزل قيس بن عاصم المنقري فقبّل يده ورجله، وضمه رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله ثم نزل اليه سائر الجيش ووقفوا يصلون عليه ورد عليهم رسول‏اللَّه

[صفحه 144]

خيراً، ثم قال لهم: حدثوني خبرکم وحالکم مع أعدائکم؟

وکان معهم من اُسراء القوم وذراريهم وعيالاتهم وأموالهم من الذهب والفضة وصنوف الأمتعة شي‏ء عظيم.

فقالوا: يارسول‏اللَّه لو علمت کيف حالنا لعظم تعجبک، فقال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: لم أکن أعلم ذلک حتي عرفنيه الآن جبرئيل عليه‏السلام وما کنت أعلم شيئاً من کتابه ودينه أيضاً حتي علمنيه ربي، قال اللَّه عزّوجلّ: «وَکَذلِکَ أَوْحَيْنَا إِلَيْکَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا کُنْتَ تَدْرِي مَا الْکِتَابُ وَلَا الْإِيمَانَ» إلي قوله: «صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ».[1] ولکن حدثوا بذلک إخوانکم المؤمنين لأصدقکم، فقد أخبرني جبرئيل عليه‏السلام بصدقکم.

فقالوا: يارسول‏اللَّه، إنا لما قربنا من العدو بعثنا عيناً لنا ليعرف أخبارهم وعددهم لنا، فرجع الينا يخبرنا أنهم قدر ألف رجل وکنا ألفي رجل، وإذا القوم قد خرجوا إلي ظاهر بلدهم في ألف رجل، وترکوا في البلد ثلاثة آلاف يوهموننا أنهم ألف، وأخبرنا صاحبنا أنهم يقولون فيما بينهم، نحن ألف وهم ألفان ولسنا نطيق مکافحتهم، وليس لنا إلّا التحصن في البلد حتي تضيق صدورهم من منازلتنا فينصرفوا عنا، فتجرأنا بذلک عليهم، وزحفنا اليهم، فدخلوا بلدهم وأغلقوا دوننا بابه، فقصدنا ننازلهم، فلما جن علينا الليل، وصرنا إلي نصفه، فتحوا باب بلدهم ونحن غارّون نائمون ما کان فينا منتبه إلّا أربعة نفر: زيد بن حارثة في جانب من جوانب عسکرنا يصلي ويقرأ القرآن، وعبداللَّه بن رواحة في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن، وقتادة بن النعمان في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن، وقيس بن عاصم في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن.

فخرجوا في الليلة الظلماء الدامسة، ورشقونا بنبالهم، وکان ذلک بلدهم، وهم

[صفحه 145]

بطرقه ومواضعه عالمون، ونحن بها جاهلون، فقلنا فيما بيننا، دهينا واُوتينا، هذا ليل مظلم ولا يمکننا أن نتقي النبال، لأنا لا نبصرها، فبينا نحن کذلک، إذ رأينا ضوءً خارجاً من في قيس بن عاصم المنقري کالنار المشتعلة، وضوءً خارجاً من في قتادة ابن‏النعمان کضوء الزهرة والمشتري، وضوءً خارجاً من في عبداللَّه بن رواحة کشعاع القمر في الليلة المظلمة، ونوراً ساطعاً من في زيد بن الحارثة أضوء من الشمس الطالعة، وإذا تلک الأنوار قد أضاءت معسکرنا حتي أنه أضوء من نصف النهار، وأعداؤنا في ظلمة شديدة.

فأبصرناهم وعموا عنا، ففرقنا زيد عليهم حتي أحطنا بهم ونحن نبصرهم، وهم لا يبصروننا، ونحن بصراء، وهم عميان، فوضعنا عليهم السيوف فصاروا بين قتيل وجريح وأسير، ودخلنا بلدهم فاشتملنا علي الذراري والعيال والأثاث والأموال، وهذه عيالاتهم وذراريهم، وهذه أموالهم، وما رأينا يارسول‏اللَّه أعجب من تلک الأنوار من أفواه هؤلاء القوم، التي عادت الظلمة علي أعدائنا حتي مُکِنا منهم.

فقال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: قولوا الحمد للَّه رب العالمين علي ما فضلکم به من شهر شعبان، هذه کانت ليلة غرة شعبان، وقد انسلخ عنهم الشهر الحرام، وهذه الأنوار بأعمال اخوانکم هؤلاء في غرة شعبان، أسلفوا بها أنواراً في ليلتها قبل أن تقع منهم الأعمال.

قالوا: يارسول‏اللَّه وما تلک الأعمال لنثاب عليها؟ قال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: أما قيس بن عاصم المنقري، فانه أمر بمعروف في يوم غرة شعبان، وقد نهي عن منکر، ودل علي خير، فلذلک قدم له النور في بارحة يومه عند قراءته القرآن، وأما قتادة ابن‏النعمان، فإنه قضي ديناً کان عليه في يوم غرة شعبان، فلذلک أسلفه اللَّه النور في بارحة يومه، وأما عبداللَّه بن رواحة، فانه کان براً بوالديه، فکثرت غنيمته في هذه

[صفحه 146]

الليلة، فلما کان من غده، قال له أبوه: اني واُمک لک محبان، وإن امرأتک فلانة تؤذينا وتعنينا، وإنا لا نأمن من أن تصاب في بعض هذه المشاهد، ولسنا نأمن أن نستشهد في بعضها، فتداخلنا هذه في أموالک، ويزداد علينا بغيها وعنتها.

فقال عبداللَّه: ما کنت أعلم بغيها عليکما، وکراهيتکما لها، ولو کنت علمت ذلک لأبنتها من نفسي، ولکني قد أبنتها الآن لتأمنا ما تحذران، فما کنت بالذي أحب من تکرهان، فلذلک أسلفه اللَّه النور الذي رأيتم، وأما زيد بن حارثة الذي کان يخرج من فيه نور أضوء من الشمس الطالعة، وهو سيد القوم وأفضلهم، فلقد علم اللَّه ما يکون منه، فاختاره وفضله علي علمه بما يکون منه، انه في اليوم الذي ولي هذه الليلة التي کان فيها ظفر المؤمنين بالشمس الطالعة من فيه، جاءه رجل من منافقي عسکره يريد التضريب بينه وبين علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام وإفساد ما بينهما، فقال له: بخ بخ لک أصبحت لا نظير لک في أهل بيت رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله وصحابته، هذا بلاؤک، وهذا الذي شاهدنا نورک، فقال له زيد: ياعبداللَّه اتق اللَّه، ولا تفرط في المقال، ولا ترفعني فوق قدري، فانک للَّه بذلک مخالف وبه کافر، واني ان تلقيت مقالتک هذه بالقبول لکنت کذلک، ياعبداللَّه ألا اُحدثک بما کان في أوائل الاسلام وما بعده، حتي دخل رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله المدينة وزوجه فاطمة عليهاالسلام وولد له الحسن والحسين عليهماالسلام! قال: بلي.

قال: إن رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله کان لي شديد المحبة حتي تبناني لذلک، فکنت اُدعي زيد بن محمد إلي أن ولد لعلي الحسن والحسين عليهماالسلام فکرهت ذلک لأجلهما، وقلت لمن کان يدعوني أحب أن تدعوني زيداً مولي رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله فاني أکره أن اُضاهي الحسن والحسين عليهماالسلام، فلم يزل ذلک حتي صدق اللَّه ظني، وأنزل علي محمد صلي الله عليه و آله «مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ» يعني قلباً يحب محمد وآله ويعظمهم، وقلباً يعظّم به غيرهم کتعظيمهم، أو قلباً يحب به أعداءهم، بل من أحب أعدائهم فهو يبغضهم

[صفحه 147]

ولا يحبهم، ثم قال: «وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَکُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِکُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَکُمْ أَبْنَاءَکُمْ» إلي قوله: «وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ فِي کِتَابِ اللَّهِ» يعني الحسن والحسين عليهماالسلام أولي ببنوة رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله في کتاب اللَّه وفرضه «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلي أَوْلِيَائِکُمْ مَعْرُوفاً» إحساناً وإکراماً لا يبلغ ذلک محل الأولاد «کَانَ ذلِکَ فِي الْکِتَابِ مَسْطُوراً».[2] فترکوا ذلک وجعلوا يقولون: زيداً أخو رسول‏اللَّه.

فما زال الناس يقولون لي هذا وأکرهه، حتي أعاد رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله المؤاخاة بينه وبين علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام ثم قال زيد: ياعبداللَّه إن زيداً مولي علي بن أبي‏طالب کما هو مولي رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله، فلا تجعله نظيره، ولا ترفعه فوق قدره، فتکون کالنصاري لما رفعوا عيسي عليه‏السلام فوق قدره، فکفروا باللَّه العظيم.

قال رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: فلذلک فضل اللَّه زيداً بما رأيتم، وشرفه بما شاهدتم، والذي بعثني بالحق نبياً إن الذي أعدّه اللَّه لزيد في الآخرة ليصغر في جنبه ما شاهدتم في الدنيا من نوره، إنه ليأتي يوم القيامة ونوره يسير أمامه وخلفه ويمينه ويساره وفوقه وتحته، من کل جانب مسيرة (مأتي) ألف سنة.[3].

[صفحه 148]


صفحه 144، 145، 146، 147، 148.








  1. الشوري: 52.
  2. الأحزاب: 64.
  3. تفسير الامام العسکري عليه‏السلام 637:2، البحار 79:22.