في قوله سلوني قبل أن تفقدوني















في قوله سلوني قبل أن تفقدوني‏



1/8613- الصدوق، حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه قدس سره، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، وعلي بن أحمد بن موسي الدقاق، ومحمّد بن أحمد السناني، قالوا: حدّثنا أبوالعباس أحمد بن يحيي بن زکريا القطان، قال: حدّثنا محمّد بن العباس، قال: حدّثني أبي‏محمّد بن أبي‏السري، قال: حدّثنا أحمد بن عبداللَّه بن يونس، عن سعد بن طريف الکناني، عن الأصبغ بن نباتة، قال: لما جلس علي عليه‏السلام في الخلافة وبايعه الناس خرج الي المسجد متعمماً بعمامة رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله لابساً بردة رسول‏اللَّه متنعلاً نعلي رسول‏اللَّه، متقلداً سيف رسول‏اللَّه، فصعد المنبر فجلس عليه متحنکاً ثمّ شبّک بين أصابعه فوضعهما أسفل بطنه، ثمّ قال:

يا مشعر الناس سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم هذا لعاب رسول‏اللَّه، هذا ما زقّني رسول‏اللَّه زقّاً زقّاً، سلوني فإنّ عندي علم الأوّلين والآخرين، أما واللَّه

[صفحه 396]

لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها، لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتي تنطق التوراة فتقول صدق علي ما کذب لقد أفتاکم بما أنزل اللَّه فيّ، وأفتيت أهل الانجيل بإنجيلهم حتّي ينطق الانجيل فيقول: صدق علي ما کذب لقد أفتاکم بما أنزل اللَّه فيّ، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتّي ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما کذب لقد أفتاکم بما أنزل اللَّه فيّ، وأنتم تتلون القرآن ليلاً ونهاراً فهل فيکم أحد يعلم ما نزل فيه، ولولا آية في کتاب اللَّه عزّوجلّ لأخبرتکم بما کان وما يکون وبما هو کان إلي يوم القيامة، وهي هذه الآية: «يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْکِتَابِ».[1].

ثمّ قال عليه‏السلام: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آية آية في ليل اُنزلت أو في نهار اُنزلت، مکيّها ومدنيّها، سفريّها وحضريّها، ناسخها ومنسوخها، ومحکمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها، لأخبرتکم، فقام إليه رجل يقال له ذعلب- وکان ذرب اللسان بليغاً في الخطب شجاع القلب- فقال: لقد ارتقي ابن‏أبي‏طالب مرقاة صعبة لأخجلنّه اليوم لکم في مسألتي إيّاه.

فقال: يا أميرالمؤمنين هل رأيت ربّک؟ فقال عليه‏السلام: ويلک يا ذعلب لم أکن بالذي أعبد ربّاً لم أره، قال: فکيف رأيته صفه لنا؟ قال: ويلک لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولکن رأته القلوب بحقائق الإيمان، ويلک يا ذعلب إنّ ربّي لا يوصف بالبعد ولا بالحرکة ولا بالسکون ولا بقيام قيام انتصاب، ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، کبير الکبرياء لا يوصف بالکبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤف الرحمة لا يوصف بالرقّة، مؤمن لا بعبادة، مدرک لا بمجسة، قائل لا بلفظ، هو في الأشياء علي غير ممازجة، خارج منها علي غير مباينة، فوق کلّ شي‏ء

[صفحه 397]

ولا يقال شي‏ء فوقه، أمام کلّ شي‏ء ولا يقال له أمام، داخل في الأشياء لا کشي‏ء في شي‏ء داخل، وخارج منها لا کشي‏ء من شي‏ء خارج. فخرّ ذعلب مغشيّاً عليه، ثمّ قال: تاللَّه ما سمعت بمثل هذا الجواب، واللَّه لا عُدت إلي مثلها.

ثمّ قال عليه‏السلام: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه الأشعث بن قيس، فقال: يا أميرالمؤمنين کيف تؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم کتاب، ولم يبعث عليهم نبيّ؟ فقال: بلي يا أشعث قد أنزل اللَّه عليهم کتاباً وبعث إليهم نبيّاً، وکان لهم ملکاً سکر ذات ليلة، فدعا بابنته إلي فراشه فارتکبها، فلمّا أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلي بابه فقالوا: أيّها الملک دَنّست علينا ديننا فأهلکته، فاخرج نطهّرک ونقم عليک الحد، فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا کلامي، فإن يکن لي مخرج ممّا ارتکبت وإلّا فشأنکم، فاجتمعوا، فقال لهم: هل علمتم أنّ اللَّه عزّوجلّ لم يخلق خلقاً أکرم عليه من أبينا آدم واُمّنا حوّاء؟ قالوا: صدقت أيّها الملک، قال: أفليس قد زوّج بنيه بناته وبناته من بنيه؟ قالوا: صدقت هذا هو الدين فتعاقدوا علي ذلک فمحي اللَّه ما في صدورهم من العلم ورفع عنهم الکتاب، فهم الکفرة يدخلون النار بلا حساب، والمنافقون أشدّ حالاً منهم. فقال الأشعث: واللَّه ما سمعت بمثل هذا الجواب واللَّه لا عدت إلي مثلها أبداً.

ثمّ قال عليه‏السلام: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه رجل من أقصي المسجد متوکئاً علي عکازة، فلم يزل يتخطا الناس حتّي دنا منه، فقال: يا أميرالمؤمنين دلّني علي عمل إذا أنا عملته نجّاني اللَّه من النار، فقال له عليه‏السلام: اسمع يا هذا ثمّ افهم ثمّ استيقن، قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغنيّ لا يبخل بماله علي أهل دين اللَّه عزّوجلّ، وبفقير صابر، فإذا کتم العالم علمه وبخل الغني ولم يصبر الفقير، فعندها الويل والثبور، وعندها يعرف العارفون اللَّه أنّ الدار قد رجعت إلي بدءِها- أي الکفر بعد الايمان- أيّها السائل فلا تغترّن بکثرة المساجد وجماعة أقوام أجسادهم

[صفحه 398]

مجتمعة وقلوبهم شتّي. أيّها السائل إنّما الناس ثلاثة: زاهد، وراغب، وصابر؛ فأمّا الزاهد فلا يفرح بشي‏ء من الدنيا أتاه، ولا يحزن علي شي‏ء منها فاته، وأمّا الصابر فيتمنّاها بقلبه، فإن أدرک منها شيئاً صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها، وأمّا الراغب فلا يبالي من حلٍّ أصابها أم من حرام، قال: يا أميرالمؤمنين فما علامة المؤمن في ذلک الزمان؟ قال: ينظر الي ما أوجب اللَّه عليه من حقّ فيتولّاه، وينظر إلي ما خالفه فيتبرأ منه، وإن کان حبيباً قريباً، قال: صدقت واللَّه يا أميرالمؤمنين، ثمّ غاب الرجل فلم نره وطلبه الناس فلم يجدوه، فتبسّم علي عليه‏السلام علي المنبر ثمّ قال: ما لکم هذا أخي الخضر عليه‏السلام.

ثمّ قال عليه‏السلام: سلوني قبل أن تفقدوني فلم يقم إليه أحد، فحمد اللَّه وأثني عليه وصلّي علي نبيّه، ثمّ قال للحسن عليه‏السلام: يا حسن قم فاصعد المنبر فتکلّم بکلام لا يجهلک قريش من بعدي فيقولون: إنّ الحسن لا يحسن شيئاً، قال الحسن عليه‏السلام: يا أبة کيف أصعد المنبر وأتکلّم وأنت في الناس تسمع وتري، قال له: بأبي أنت واُمّي اُواري نفسي عنک وأسمع وأري ولا تراني، فصعد الحسن عليه‏السلام المنبر فحمد اللَّه بمحامد بليغة شريفة، وصلّي علي النبي صلي الله عليه و آله صلاة موجزة، ثمّ قال: أيّها الناس سمعت جدّي رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها وهل تدخل المدينة إلّا من بابها، ثمّ نزل فوثب إليه علي عليه‏السلام فتحمله وضمّه إلي صدره.

ثمّ قال للحسين عليه‏السلام: يا بني قم فاصعد المنبر فتکلّم بکلام لا يجهلک قريش من بعدي، فيقولون: إنّ الحسين بن علي لا يبصر شيئاً، وليکن کلامک تبعاً لکلام أخيک، فصعد الحسين عليه‏السلام فحمد اللَّه وأثني عليه وصلّي علي نبيّه صلي الله عليه و آله صلاة موجزة، ثمّ قال: معاشر الناس سمعت رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله وهو يقول: إنّ علياً مدينة هدي فمن دخلها نجي ومن تخلّف عنها هلک، فوثب إليه علي عليه‏السلام فضمّه إلي صدره وقبّله ثمّ

[صفحه 399]

قال: معاشر الناس اشهدوا أنهما فرخا رسول‏اللَّه (ووديعته التي استودعنيها، وثمّ أنا أستودعکموها، معاشر الناس ورسول‏اللَّه) وهو سائلکم عنهما.[2].

2/8614- عن ابن‏هلال الثقفي، عن زکريّا بن يحيي العطار، عن فضيل، عن محمّد ابن‏علي، قال: قال علي عليه‏السلام: سلوني قبل أن تفقدوني، فواللَّه لا تسألوني عن فئة تضلّ مائة وتهدي مائة إلّا أنبأتکم بناعقها وسائقها، فقام إليه رجل فقال: أخبرني بما في رأسي ولحيتي من طاقة شعر؟ فقال له علي عليه‏السلام: واللَّه لقد حدّثني خليلي أنّ علي کلّ طاقة شعر من رأسک ملکاً يلعنک، وأنّ علي کلّ طاقة شعر من لحيتک شيطاناً يغويک، وأنّ في بيتک سخلاً يقتل ابن‏رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله، وکان ابنه قاتل الحسين عليه‏السلام يومئذٍ طفلاً يحبو- وهو سنان بن أنس النخعي-.[3].

3/8615- قال علي عليه‏السلام: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي نفسي بيده لا تسألونني عن شي‏ء فيما بينکم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مائة وتُضل مائة إلّا أنبأتکم بناعقها وقائدها وسائقها، ومناخ رکابها، ومحطّ رحالها، ومن يُقتل من أهلها قتلاً ومن يموت منهم موتاً، ولو قد فقدتموني ونزلت بکم کرائِهُ الأمور وحوازب الخطوب، لأطرق کثير من السائلين، وفَشِلَ کثير من المسؤلين.[4].

4/8616- الطبرسي: عن الأصبغ بن نباتة، قال: خطبنا أميرالمؤمنين عليه‏السلام علي منبر الکوفة، فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال: أيّها الناس سلوني فإنّ بين جوانحي علماً جمّاً، فقام إليه ابن‏الکوّا فقال: يا أميرالمؤمنين ما الذاريات ذرواً؟ قال عليه‏السلام:

[صفحه 400]

الرياح، قال: فما الحاملات وقراً؟ قال: السحاب، قال: فما الجاريات يسراً؟ قال: السفن، قال: فما المقسّمات أمراً؟ قال: الملائکة.

قال: يا أميرالمؤمنين وجدت کتاب اللَّه ينقض بعضه بعضاً، قال: ثکلتک اُمّک يا ابن‏الکوّا کتاب اللَّه يصدّق بعضه بعضاً ولا ينقض بعضه بعضاً، فسل عمّا بدا لک، قال: يا أميرالمؤمنين سمعته يقول: «رَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ»[5] وقال في آيةٍ اُخري: «رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ»[6] وقال في آيةٍ: «رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»[7] قال: ثکلتک اُمّک يا ابن‏الکوّا! هذا المشرق وهذا المغرب، وأمّا قوله: «رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ» فإنّ مشرق الشتاء علي حدة ومشرق الصيف علي حدة، أما تعرف بذلک من قرب الشمس وبعدها، وأما قوله: «رَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ» فإنّ لهما ثلاثمائة وستّين برجاً، تطلع کلّ يوم من برج وتغيب في آخر فلا تعود إليه إلّا من قابل في ذلک اليوم.

قال: يا أميرالمؤمنين کم بين موضع قدمک إلي عرش ربّک؟ قال: ثکلتک اُمّک يا ابن‏الکوّا! سل متعلّماً ولا تسأل متعنّتاً، من موضع قدمي إلي عرش ربّي أن يقول قائل- مخلصاً- لا إله إلّا اللَّه.

قال: يا أميرالمؤمنين فما ثواب من قال: لا إله إلّا اللَّه؟ قال: من قال: لا إله إلّا اللَّه مخلصاً طمست ذنوبه کما يطمس الحرف الأسود من الرقّ الأبيض، فإن قال ثانية: لا إله إلّا اللَّه- مخلصاً- خرقت أبواب السماوات وصفوف الملائکة حتّي تقول الملائکة بعضها لبعض إخشعوا لعظمة اللَّه، فإذا قال ثالثة: لا إله إلّا اللَّه- مخلصاً- تنتهي دون العرش فيقول الجليل: اسکني فوعزّتي وجلالي لأغفرنّ لقائلک بما کان

[صفحه 401]

فيه، ثمّ تلا هذه الآية «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ»[8] يعني: إذا کان عمله صالحاً ارتفع قوله وکلامه.

قال: يا أميرالمؤمنين أخبرني عن قوس قزح؟ قال: ثکلتک اُمّک! لا تقل: «قوس قزح» فإنّ قزحاً إسم شيطان ولکن قل: «قوس اللَّه» إذا بدت يبدو الخصب والريف.

قال: أخبرني يا أميرالمؤمنين عن المجرّة التي تکون في السماء؟ قال: هي شرج في السماء وأمان لأهل الأرض من الغرق، ومنه أغرق اللَّه قوم نوح بماء منهمر.

قال: يا أميرالمؤمنين أخبرني عن المحو الذي يکون في القمر؟ قال عليه‏السلام: اللَّه أکبر اللَّه أکبر رجل أعمي يسأل عن مسألة عمياء! أما سمعت اللَّه تعالي يقول: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً»؟[9].

قال: يا أميرالمؤمنين أخبرني عن أصحاب رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله، قال: عن أيّ أصحاب رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله تسألني؟ قال: يا أميرالمؤمنين أخبرني عن أبي‏ذر الغفاري، قال: سمعت رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء علي ذي لهجة، أصدق من أبي‏ذر. قال: يا أميرالمؤمنين فأخبرني عن سلمان الفارسي، قال: بخٍ بخٍ سلمان منّا أهل البيت، ومن لکم بمثل لقمان الحکيم، علم علم الأوّل والآخر. قال: يا أميرالمؤمنين أخبرني عن حذيفة بن اليماني، قال: ذاک امرؤ علم أسماء المنافقين إن تسألوه عن حدود اللَّه تجدوه بها عالماً. قال: يا أميرالمؤمنين فأخبرني عن عمّار بن ياسر، قال: ذاک امرؤ حرّم اللَّه لحمه ودمه علي النار أن تمسّ شيئاً منها. قال: يا أميرالمؤمنين فأخبرني عن نفسک، قال: کنت إذا سألت أعطيت وإذا سکتّ ابتدئت.

[صفحه 402]

قال: يا أميرالمؤمنين أخبرني عن قول اللَّه عزّوجلّ: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُکُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً»[10] الآية، قال: کفرة أهل الکتاب اليهود والنصاري، وقد کانوا علي الحقّ فابتدعوا في أديانهم وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً.

ثمّ نزل عليه‏السلام عن المنبر وضرب بيده علي منکب ابن‏الکوّا ثمّ قال: يا ابن‏الکوّا وما أهل النهروان منهم ببعيد، فقال: يا أميرالمؤمنين ما اُريد غيرک ولا أسأل سواک، قال: فرأينا ابن‏الکوّا يوم النهروان فقيل له: ثکلتک اُمّک! بالأمس تسأل أميرالمؤمنين عمّا سألته وأنت اليوم تقاتله؟ فرأينا رجلاً حمل عليه فطعنه فقتله.[11].

5/8617- عن أبي‏الطفيل عامر بن وائلة، قال: شهدت عليّ بن أبي‏طالب [عليه‏السلام] يخطب، فقال في خطبته: سلوني فواللَّه لا تسألوني عن شي‏ء يکون إلي يوم القيامة إلّا حدّثتکم به، سلوني عن کتاب اللَّه فواللَّه ما من آية إلّا أنا أعلم أبليلٍ أنزلت أم بنهار، أم في سهلٍ نزلت أم في جبل، فقام إليه ابن‏الکوّا فقال: يا أميرالمؤمنين ما الذاريات ذرواً؟ فقال له: ويلک سل تفقهاً، ولا تسأل تعنّتاً، والذاريات ذرواً الرياح، فالحاملات وقراً السحاب، فالجاريات يسراً السفن، فالمقسّمات أمراً الملائکة، قال: فما السواد الذي في القمر؟ فقال: أعمي يسأل عن عمياء، قال اللَّه تعالي: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً»[12] فمحو آية الليل السواد الذي في القمر.

قال: فما کان ذو القرنين أنبيّاً أم ملکاً؟ فقال: لم يکن واحداً منهما، کان عبداً للَّه، أحبّ اللَّه فأحبّه اللَّه، وناصح اللَّه فنصحه اللَّه، بعثه اللَّه إلي قومه يدعوهم إلي الهدي فضربوه علي قرنه الأيمن، ثمّ مکث ما شاء اللَّه ثمّ بعثه اللَّه إلي قومه يدعوهم إلي

[صفحه 403]

الهدي، فضربونه علي قرنه الأيسر، ولم يکن له قرنان کقرني الثور، قال: فما هذه القوس؟ قال: هي علامة کانت بين نوح وبين ربّه، وهي أمان من الغرق، قال: فما البيت المعمور؟ قال: البيت فوق سبع سماوات تحت العرش، يقال له الصُّراحُ يدخله کلّ يوم سبعون ألف ملک، ثمّ لا يعودون إليه إلي يوم القيامة، قال: فمن الذين بدّلوا نعمة اللَّه کفراً؟ قال: هم الأفجران من قريش قد کفيتموهم يوم بدر، قال: فما الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً؟ قال: قد کان أهل حروراء منهم.[13].

6/8618- روي أنّ عليّاً عليه‏السلام کان ذات يوم علي منبر البصرة إذ قال: أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن طرق السماوات فإنّي أعرف بها من طرق الأرض، فقام (إليه) رجل من (وسط) القوم وقال له: أين جبرئيل في هذه الساعة؟ فرمق بطرفه إلي السماء، ثمّ رمق بطرفه إلي المغرب ثمّ رمق بطرفه إلي المشرق ثمّ رمق بطرفه إلي المغرب فلم يجد موطناً، فالتفت إليه فقال: يا ذا الشيخ أنت جبرئيل، قال: فصفّق طائراً بين الناس، فضجّ الحاضرون وقالوا: نشهد أنّک خليفة رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله حقّاً.[14].

7/8619- الصفار، حدثنا أبوالفضل العلوي، عن سعد بن عيسي، عن إبراهيم بن الحکم بن ظهير، عن أبيه، عن شريک بن عبداللَّه، عن عبد الأعلي، عن أبي‏وقّاص، عن سلمان الفارسي، عن أميرالمؤمنين عليه‏السلام قال: سمعته يقول: عندي علم المنايا والبلايا والوصايا والأنساب والأسباب وفصل الخطاب، ومولد الإسلام، وموارد الکفر وأنا صاحب الميسم، وأنا الفاروق الأکبر، وأنا صاحب الکرّات

[صفحه 404]

ودولة الدول، فاسألوني عمّا يکون إلي يوم القيامة، وعمّا کان علي عهد کلّ نبيّ بعثه اللَّه.[15].

إيضاح: قوله عليه‏السلام: ومولد الإسلام، أي: من يعلم اللَّه وقت ولادته أنّه يموت علي الإسلام، وکذا مورد الکفر، وقوله: أنا صاحب الکرّات، أي: الرجعات إلي الدنيا أو الحملات في الحروب، والدولة الغلبة، أي: أنا صاحب الغلبة علي أهل الغلبة في الحروب، أو المعني أنّه کان دولة کلّ ذي دولة من الأنبياء والأوصياء، بسبب أنوارها، أو کان غلبتهم علي الأعادي بالتوسّل بنا، کما دلّت عليه الأخبار الکثيرة، أو المعني أنّ لي علم کلّ کرّة وعلم کلّ دولة، والتفريع يؤيّد الأخير.

8/8620- الطالقاني، عن الجلودي، عن الحسين بن معاذ بن قيس بن حفص، عن يونس بن أرقم، عن أبي‏سيّار الشيباني، عن الضحّاک بن مزاحم، عن النزّال ابن‏سبرة، قال: خطبنا عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام فحمد اللَّه وأثني عليه ثمّ قال: سلوني أيّها الناس قبل أن تفقدوني- ثلاثاً- فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال: يا أميرالمؤمنين متي يخرج الدجّال؟ فقال له علي عليه‏السلام: اُقعد فقد سمع اللَّه کلامک وعلم ما أردت، واللَّه ما المسؤل عنه بأعلم من السائل، ولکن لذلک علامات وهيئات يتّبع بعضها بعضاً، کحذو النعل بالنعل، وإن شئت أنبأتک بها، قال: نعم يا أميرالمؤمنين، فقال عليه‏السلام: احفظ فإنّ علامة ذلک إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلّوا الکذب، وأکلوا الربا، وأخذوا الرشاء وشيّدوا البنيان، وباعوا الدين بالدنيا، واستعملوا السفهاء، وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتّبعوا الأهواء، واستخفّوا بالدماء.

وکان الحلم ضعفاً، والظلم فخراً، وکانت الاُمراء فجرة، والوزراء ظلمة،

[صفحه 405]

والعرفاء خونة، والقرّاء فسقة، وظهرت شهادات الزور، واستعلن الفجور، وقول البهتان والاثم والطغيان، وحلّيت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطُوّلت المنارات، وأکرم الأشرار، وازدحمت الصفوف، واختلفت القلوب، ونقضت العهود، واقترب الموعود، وشارک النساء أزواجهنّ في التجارة حرصاً علي الدنيا، وعلت أصوات الفسّاق واستُمِع منهم، وکان زعيم القوم أرذلهم، واتُّقي الفاجر مخافة شرّه، وصُدّق الکاذب، وائتُمِنَ الخائن، واتُّخِذت القيان والمعازف، ولعن آخر هذه الاُمّة أوّلها، ورکب ذوات الفروج السروج، وتشبّه النساء بالرجال، والرجال بالنساء، وشهد الشاهد من غير أن يُستشهَد، وشهد الآخر قضاء لذمام بغير حقّ عرفه، وتفقّهه لغير الدين، وآثروا عمل الدنيا علي الآخرة، ولبسوا جلود الضان علي قلوب الذئاب وقلوبهم أنتن من الجيف وأمرّ من الصبر، فعند ذلک ألوحا ألوحا ثمّ العجل العجل خير المساکن يومئذٍ بيت المقدّس، ليأتينّ علي الناس زمان يتمنّي أحدهم أنّه من سکّانه.

فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال: يا أميرالمؤمنين من الدجّال؟ فقال عليه‏السلام: ألا إنّ الدجّال صائد بن الصيد، فالشقيّ من صدّقه، والسعيد من کذّبه، يخرج من بلدة يقال لها أصفهان من قرية تعرف باليهودية، عينه اليمني ممسوحة والعين الاُخري في جبهته، تضي‏ء کأنّها کوکب الصبح، فيها علقة کأنّها ممزوجة بالدم، بين عينيه مکتوب کافر يقرؤه کلّ کاتب واُمّي، يخوض البحار، وتسير معه الشمس، بين يديه جبل من دخّان، وخلفه جبل أبيض، يري الناس أنّه طعام، يخرج حين يخرج في قحط شديد، تحته حمار أقمر، خطوة حماره ميل، تطوي له الأرض منهلاً منهلاً، ولا يمرّ بماء إلّا غار إلي يوم القيامة، ينادي بأعلي صوته يسمع ما بين الخافقين من الجنّ والإنس والشياطين يقول: إليّ أوليائي أنا الذي خلق فسوّي وقدّر فهدي، أنا ربّکم الأعلي، وکذب عدوّ اللَّه إنّه الأعور، يطعم الطعام ويمشي في الأسواق، وإنّ ربّکم

[صفحه 406]

عزّوجلّ ليس بأعور، ولا يطعم ولا يمشي ولا يزول، تعالي اللَّه عن ذلک علوّاً کبيراً.

ألا وإنّ أکثر أتباعه يومئذٍ أولاد الزنا، وأصحاب الطيالسة الخضر، يقتله اللَّه عزّوجلّ بالشام علي عقبة تعرف بعقبة أنيق (أو أفيق) لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة علي يدي من يصلّي المسيح بن مريم خلفه.

ألا فإنّ بعد ذلک الطامّة الکبري، قلنا: وما ذاک يا أميرالمؤمنين؟ قال: خروج دابة من الأرض من عند الصفا معها خاتم سليمان بن داود، وعصي موسي، يضع الخاتم علي وجه کلّ مؤمن، فينطبع فيه: هذا مؤمن حقّاً، ويضعه علي وجه کلّ کافر فينکتب: هذا کافر حقّاً، حتّي أنّ المؤمن لينادي: الويل لک يا کافر، وإنّ الکافر ينادي: طوبي لک يا مؤمن! وددت أنّي اليوم کنت مثلک فأفوز فوزاً عظيما.

ثمّ ترفع الدابة رأسها فيراها مَن بين الخافقين بإذن اللَّه عزّوجلّ، وذلک بعد طلوع الشمس من مغربها، فعند ذلک ترفع التوبة، فلا توبة تقبل ولا عمل يرفع ولا ينفع نفساً إيمانها لم تکن آمنت من قبل أو کسبت في إيمانها خيراً.

ثمّ قال عليه‏السلام: لا تسألوني عمّا يکون بعد ذلک بعد هذا فإنّه عهد عهده إليّ حبيبي صلي الله عليه و آله أن لا اُخبر به غير عترتي.

قال النزال بن سبرة فقلت لصعصعة بن صوحان: يا صعصعة ما عني أميرالمؤمنين بهذا؟ فقال صعصعة: يا ابن‏سبرة إنّ الذي يصلّي خلفه عيسي بن مريم هو الثاني عشر من العترة، التاسع من ولد الحسين بن علي، وهو الشمس الطالعة من مغربها، يظهر عند الرکن والمقام، فيطهّر الأرض، ويضع ميزان العدل فلا يظلم أحد أحداً، فأخبر أميرالمؤمنين عليه‏السلام أنّ حبيبه رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله عهد إليه ألّا يخبر بما يکون بعد ذلک غير عترته صلوات اللَّه عليهم أجمعين.

محمّد بن عمرو بن عثمان العقيلي، عن محمّد بن جعفر بن المظفّر، وعبداللَّه بن محمّد بن عبدالرحمن، وعبداللَّه بن محمّد بن موسي، ومحمّد بن عبداللَّه بن صبيح،

[صفحه 407]

جميعاً، عن أحمد بن المثنّي الموصلي، عن عبدالأعلي، عن أيوب، عن نافع، عن ابن‏عمر، عن رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله مثله سواء.[16].

9/8621- عن إسحاق، يرفعه إلي الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت أميرالمؤمنين عليه‏السلام يقول للناس: سلوني قبل أن تفقدوني؛ لأنّي بطرق السماء أعلم من العلماء، وبطرق الأرض أعلم من العالم، أنا يعسوب الدين، أنا يعسوب المؤمنين وإمام المتّقين وربّان الناس يوم الدين، أنا قاسم النار وخازن الجنان وصاحب الحوض والميزان وصاحب الأعراف، فليس منّا إلّا وهو عارف بجميع أهل ولايته، وذلک قوله عزّوجلّ: «إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِکُلِّ قَوْمٍ هَادٍ».[17].

ألا أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فإنّ بين جوانحي علماً جمّاً، فسلوني قبل أن تشغر برجلها فتنة شرقية وتطأ في خطامها بعد موتها وحياتها، وتشبّ نار بالحطب الجزل من غربي الأرض رافعة ذيلها تدعو يا ويلها لرحلةٍ ومثلها، فإذا استدار الفلک قلتم: مات أو هلک بأيّ وادٍ سلک، فيومئذٍ تُأوّل الآية «ثُمَّ رَدَدْنَا لَکُمُ الْکَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاکُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاکُمْ أَکْثَرَ نَفِيراً».[18].

ولذلک آيات وعلامات، أوّلهنّ إحصار الکوفة بالرصد والخندق، وتخريق الروايا في سلک الکوفة، وتعطيل المساجد أربعين ليلة، وکشف الهيکل وخفق رايات حول المسجد الأکبر تهتزّ، القاتل والمقتول في النار، وقتل سريع وموت ذريع، وقتل النفس الزکيّة بظهر الکوفة في سبعين، والمذبوح بين الرکن والمقام، وقتل الأصقع صبراً في بيعة الأصنام، وخروج السفياني براية حمراء أميرها رجل من بني کلب واثني عشر ألف عنان من خيل السفياني، يتوجّه إلي مکة والمدينة،

[صفحه 408]

أميرها رجل من بني اُميّة يقال له خزيمة، أطمس العين الشمال، علي عينه ظفرة غليظة، يتمثّل بالرجال، لا تردّ له راية حتّي ينزل المدينة في دار يقال لها دار أبي‏الحسن الأموي، ويبعث خيلاً في طلب رجل من آل محمّد، وقد اجتمع إليه ناس من الشيعة، يعود إلي مکة أميرها رجل من غطفان إذا توسّط القاع الأبيض خسف بهم، فلا ينجو إلّا رجل يحوّل اللَّه وجهه إلي قفاه لينذرهم، ويکون آية لمن خلفهم، ويومئذٍ تأويل هذه الآية «إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَکَانٍ قَرِيبٍ».[19].

ويبعث مائة وثلاثين ألفاً إلي الکوفة، وينزلون الرّوحاء والفارق، فيسير منها ستّون ألفاً حتّي ينزلوا الکوفة موضع قبر هود عليه‏السلام بالنخيلة فيهجمون إليهم يوم الزينة، وأميرالناس جبّار عنيد يقال له الکاهن الساحر، فيخرج من مدينة الزوراء إليهم أميرفي خمسة آلاف من الکهنة، ويقتل علي جسرها سبعين ألفاً حتّي تحمي الناس من الفرات ثلاثة أيام من الدماء ونتن الأجساد، ويسبي من الکوفة سبعون ألف بکر لا يکشف عنها کفّ ولا قناع حتّي يوضعن في المحامل ويذهب بهنّ إلي الثويّة وهي الغري.

ثمّ يخرج من الکوفة مائة ألف ما بين مشرک ومنافق حتّي يقدموا دمشق لا يصدّهم عنها صادّ وهي إرم ذات العماد، وتقبل رايات من شرقي الأرض غير معلمة ليست بقطن ولا کتان ولا حرير، مختوم في رأس القناة بخاتم السيد الأکبر، يسوقها رجل من آل محمّد، تظهر بالمشرق وتوجد ريحها بالمغرب کالمسک الأذفر، يسير الرعب أمامها بشهر حتّي ينزلوا الکوفة طالبين بثار آبائهم.

فبينما هم علي ذلک إذ أقبلت خيل اليماني والخراساني يستبقان کأنّهما فرسي رهان، شعث غُبر جرد، أصلاب نواطي وأقداح، إذا نظرت أحدهم برجله باطنه، فيقول: لا خير في مجلسنا بعد هذا، اللّهمّ فإنّا التائبون، وهم الأبدال الذي وصفهم

[صفحه 409]

اللَّه في کتابه العزيز «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ»[20] ونظراؤهم من آل محمّد.

ويخرج رجل من أهل نجران يستجيب للإمام فيکون أوّل النصاري إجابةً، فيهدم بيعته ويدقّ صليبه، فيخرج بالموالي وضعفاء الناس، فيسيرون إلي النخيلة بأعلام هدي، فيکون مجمع الناس جميعاً في الأرض کلها بالفاروق، فيقتل يومئذٍ ما بين المشرق والمغرب ثلاثة آلاف ألف، يقتل بعضهم بعضاً، فيومئذٍ تأويل هذه الآية «فَمَا زَالَتْ تِلْکَ دَعْوَاهُمْ حَتَّي جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ»[21] بالسيف.

وينادي مناد في شهر رمضان من ناحية المشرق عند الفجر: يا أهل الهدي اجتمعوا، وينادي منادٍ من قبل المغرب بعدما يغيب الشفق: يا أهل الباطل اجتمعوا، ومن الغد عند الظهر تتلوّن الشمس، وتصفرّ فتصير سوداء مظلمة، ويوم الثالث يفرّق اللَّه بين الحقّ والباطل، وتخرج دابة الأرض، وتقبل الروم إلي ساحل البحر عند کهف الفتية، فيبعث اللَّه الفتية من کهفهم مع کلبهم، منهم رجل يقال له مليخا وآخر خملاها وهما الشاهدان المسلّمان للقائم.[22].

10/8622- عن علي بن عبدالحميد، بإسناده إلي الفضل بن شاذان من أصل کتابه، بإسناده الي الأصبغ بن نباته، قال: خرج أميرالمؤمنين عليه‏السلام إلي ظهر الکوفة فلحقناه، فقال: سلوني قبل أن تفقدوني فقد ملئت الجوانح منّي علماً، کنت إذا سألت أعطيت، وإذا سکتّ ابتديت، ثمّ مسح بيده علي بطنه وقال: أعلاه علم وأسفله ثِقلْ، ثمّ مرّ حتّي أتي الغريين فلحقناه وهو مستلقي علي الأرض بجسده ليس تحته ثوب، فقال له قنبر: يا أميرالمؤمنين ألا أبسط تحتک ثوبي؟ قال: لا، هل

[صفحه 410]

هي إلّا تربة مؤمن ومن أحمته في مجلسه، فقال الأصبغ: تربة المؤمن قد عرفناها کانت أو تکون، فما من أحمته بمجلسه؟ فقال: يا ابن‏نباتة لو کشف لکم لألفيتم أرواح المؤمنين في هذه حَلقاً حَلقاً يتزاورون ويتحدّثون، إنّ في هذا الظهر روح کلّ مؤمن، وبوادي برهوت روح کلّ کافر، ثمّ رکب بغله وانتهي إلي المسجد، فنظر إليه وکان من خزف ودنان وطين، فقال: ويل لمن هدمک وويل لمن يستهدمک، وويل لبانيک بالمطبوخ المغيّر قبلة نوح، وطوبي لمن شهد هدمه مع القائم من أهل بيتي، اُولئک خير الاُمّة مع أبرار العترة.[23].

11/8623- السيد ابن‏طاووس، حدّثنا أحمد بن محمّد المحدود، عن الحسن بن عبيدبن عبدالرحمان الکندي، عن محمّد بن سليمان، عن خالد بن السيري الأودي، عن النضر بن الياس، عن عامر بن وائلة، قال: خطبنا أميرالمؤمنين عليه‏السلام علي منبر الکوفة، فحمد اللَّه وأثني عليه وذکر اللَّه لما هو أهله، وصلّي علي نبيّه، ثمّ قال: أيّها الناس سلوني فواللَّه لا تسألوني عن آية من کتاب اللَّه إلّا حدّثتکم عنها بما نزلت بليلٍ أو بنهار، أو في مقام أو في مسير، أو سهل أو في جبل، أفي مؤمن أو منافق، وما عني بها أخاص أم عامة، ولئن فقدتموني لا يحدّثکم أحد حديثي، فقام إليه ابن‏الکوّاء فلما بصر به قال: متعنّتاً لا يسأل تعلّماً، هات سل فإذا سألت فاعقل ما تسأل عنه، فقال: يا أميرالمؤمنين أخبرني عن قول اللَّه جلّ وعزّ «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولئِکَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»[24] فسکت أميرالمؤمنين عليه‏السلام فأعادها عليه ابن‏الکوّا، فسکت فأعادها الثالثة، فقال علي عليه‏السلام ورفع صوته: ويحک يابن الکوّا اُولئک نحن وأتباعنا يوم القيامة غر المحجلين (غرّاً محجّلين) رواء مرويّين يعرفون بسيماهم.[25].

[صفحه 411]

12/8624- عن أبي‏عون، قال: سمعت أباصالح الحنفي، قال: قال علي عليه‏السلام ذات يوم: سلوني، فقال ابن‏الکوّا: أخبرني عن بنت الأخ من الرضاعة، وعن المملوکتين الاُختين؟ فقال عليه‏السلام: إنّک لذاهب في التيه سل عمّا يعنيک أو ما ينفعک، فقال ابن‏الکوّا: إنّما نسألک عمّا لا نعلم، فأمّا ما نعلم فلا نسألک عنه، ثمّ قال عليه‏السلام: أمّا الاُختان المملوکتان أحلّتهما آية وحرّمتهما آية، ولا اُحلّه ولا اُحرّمه ولا أفعله أنا ولا واحد من أهل بيتي.[26].

13/8625- الحافظ أبونعيم، حدّثنا الحسين بن علي، قال: حدّثنا القاسم بن إسماعيل، قال: ثنا الهيثم بن خالد، قال: ثنا حفص بن عمر أبوإسماعيل الأبلي، قال: ثنا شعبة ومسعر، قالا: ثنا أبوعون (الثقفي عن أبي‏صالح الحنفي) قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول علي المنبر: سلوني عمّا شئتم! فقال له رجل يقال له ابن‏الکوّا: يا أميرالمؤمنين ما تقول في الاُختين يتّخذهما الرجل؟ فقال له علي: إنّک لذاهب في التيه، سل عمّا يعنيک ولا تسأل عمّا لا يعنيک، فقال له ابن‏الکوّا: يا أميرالمؤمنين إنّما نسألک عمّا لا نعلم، فأمّا ما نعلم فلا نسألک عنه، فقال له علي رضي الله عنه: حرّمتهما آية من کتاب اللَّه (أراه قال: وأحلّتهما آية من کتاب اللَّه تعالي) قوله تعالي: «وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ»[27] وقوله تعالي: «وَمَا مَلَکَتْ أَيْمَانُکُمْ»[28] فقال له ابن‏الکوّا: وما تقول في ابنة الأخ من الرضاعة، أيتزوّجها الرجل؟ قال: لا، إنّي کنت أخرجت ابنة حمزة بن عبدالمطّلب من بين مشرکي مکّة علي خوف شديد و غزو شديد، فأتيت بها المدينة فعرضتها علي رسول‏اللَّه صلي الله عليه وسلم فذکرت له حالها وجمالها وهيئتها وحسن خلقها، فقال لي رسول‏اللَّه صلي الله عليه وسلم: إنّها لا تحلّ لي، إنّها ابنة أخي من

[صفحه 412]

الرضاعة.[29].

14/8626- عن الصادق عليه‏السلام، عن أبيه الباقر عليه‏السلام قال: لم يجد جدي أميرالمؤمنين عليه‏السلام حملة لعلمه حتّي کان يتنفّس الصعداء أو يقول علي المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني فإنّ بين الجوانح منّي علماً جمّاً، هاه هاه ألا لا أجد من يحمله، ألا وإنّ عليکم من اللَّه الحجّة البالغة، فلا تتولّوا قوماً غضب اللَّه عليهم قد يئسوا من الآخرة کما يئس الکفّار من أصحاب القبور.[30].

15/8627- محمّد بن العباس، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد الجعفي، عن محمّد بن القاسم الأکفائي، عن عليّ بن محمّد بن مروان، عن أبيه، عن أبان بن أبي‏عياش، عن سليم بن قيس، قال: خرج علينا عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام ونحن في المسجد فاحتوشناه، فقال: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن القرآن فإنّ في القرآن علم الأوّلين والآخرين، لم يدع لقائل مقالاً، ولا يعلم تأويله إلّا اللَّه والراسخون في العلم، وليسوا بواحد، ورسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله کان واحداً منهم، علّمه اللَّه سبحانه إيّاه، وعلّمنيه رسول‏اللَّه، صلي الله عليه و آله ثمّ لا يزال في عقبه إلي يوم تقوم الساعة (القيامة)، ثمّ قرأ: «وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَکَ آلُ مُوسَي وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِکَةُ»[31] فأنا من رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله بمنزلة هارون من موسي إلّا النبوّة، والعلم في عقبنا إلي أن تقوم الساعة، ثمّ قرأ: «وَجَعَلَهَا کَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقَبِهِ»[32] ثمّ قال: کان رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله عقب إبراهيم عليه‏السلام ونحن أهل البيت عقب إبراهيم وعقب محمّد صلي الله عليه و آله.[33].

16/8628- العياشي: عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن

[صفحه 413]

جدّه عليهم‏السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه‏السلام في خطبته: «أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فإنّ بين جوانحي علماً جمّاً، فسلوني قبل أن تشغر برجلها فتنة شرقيّةتطأ في خطامها، ملعون ناعقها ومولّيها وقائدها وسائقها والمتحرّز فيها، فکم عندها من رافعة ذيلها يدعو بوليها دخله أو حولها، لا مأوي يکنّها ولا أحد يرحمها، فإذا استدار الفلک قلتم مات أو هلک وأيّ وادٍ سلک، فعندها توقّعوا الفرج وهو تأويل هذه الآية «ثُمَّ رَدَدْنَا لَکُمُ الْکَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاکُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاکُمْ أَکْثَرَ نَفِيراً»[34] والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ليعيش إذ ذاک ملوک ناعمين، ولا يخرج الرجل منهم من‏الدنيا حتّي يولد لصلبه ألف ذکرآمنين من کلّ بدعة وآفة والتنزيل، عاملين بکتاب اللَّه وسنّة رسوله، قد اضمحلّت عنهم الآفات والشبهات.[35].

17/8629- فرات، قال: حدّثني عليّ بن محمّد بن عمر الزهري، قال: حدّثني القاسم بن إسماعيل الأنباري، قال: حدّثني حفص بن عاصم ونصر بن مزاحم وعبداللَّه بن المغيرة، عن محمّد بن مروان السدي، قال: حدّثني أبان بن عياش، عن سليم بن قيس، قال: خرج عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام ونحن قعود في المسجد بعد رجوعه من صفين، وقيل يوم النهروان، فقعد علي واحتوشناه، فقال له رجل: يا أميرالمؤمنين أخبرنا عن أصحابک؟ فقال عليه‏السلام: سل، فذکر قصة طويلة، فقال: إنّي سمعت رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله يقول في کلام له طويل: إنّ اللَّه أمرني بحبّ أربعة رجال من أصحابي، وأخبرني أنّه يحبّهم وأنّ الجنّة تشتاق إليهم، فقيل: من هم يا رسول‏اللَّه؟ فقال: عليّ بن أبي‏طالب ثمّ سکت، فقالوا: من هم يا رسول‏اللَّه؟ فقال: علي ثمّ سکت، فقالوا: من هم يا رسول‏اللَّه؟ فقال: علي وثلاثة معه هو إمامهم وقائدهم ودليلهم وهاديّهم، لا ينثنون ولا يضلّون ولا يرجعون ولا يطول عليهم الأمد

[صفحه 414]

فتقسو قلوبهم: سلمان، وأبوذر، والمقداد، فذکر قصة طويلة، ثمّ قال: اُدعوا لي علياً، فأکببت عليه فأسرّني ألف باب يفتح کلّ باب ألف باب.

ثمّ أقبل علينا أميرالمؤمنين عليه‏السلام وقال: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة انّي لأعلم بالتوراة من أهل التوراة، وانّي لأعلم بالانجيل من أهل الانجيل، وانّي لأعلم بالقرآن من أهل القرآن، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما من فئة تبلغ ثمانين رجل إلي يوم القيامة إلّا وأنا عارف بقائدها وسائقها، وسلوني من القرآن فإنّ في القرآن بيان کلّ شي‏ء، فيه علم الأوّلين والآخرين، وإنّ القرآن لم يدع لقائل مقالاً «وَلَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»[36] ولا يعلم تأويله إلّا اللَّه والراسخون في العلم، ليس بواحد، رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله منهم أعلمه اللَّه إيّاه، فعلّمنيه رسول‏اللَّه ثمّ لا تزال في عقبنا إلي يوم القيامة، ثمّ قرأ أميرالمؤمنين: «بَقِيَّةً مِمَّا تَرَکَ آلَ مُوسَي وَآلَ هَارُونَ»[37] وأنا من رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله بمنزلة هارون من موسي، والعلم في عقبنا إلي أن تقوم الساعة.[38].

18/8630- روي أنّ علياً عليه‏السلام خطب يوماً، فقال: سلوني قبل أن تفقدوني فأنا نمط الحجاز، وأنا عيبة رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله وأنا فقأت عين الفتنة بباطنها وظاهرها، سلوا من عنده علم البلايا والمنايا والوصايا وفصل الخطاب، سلوني فأنا يعسوب المؤمنين حقّاً، وما من فئة تهدي مائة أو تضلّ مائة إلّا وقد أتيت بقائدها وسائقها، والذي نفسي بيده لو طويت لي الوسادة فأجلس عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الانجيل بانجيلهم، ولأهل الزبور بزبورهم، ولأهل الفرقان بفرقانهم.[39].

[صفحه 415]

19/8631- عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم‏السلام، عن علي صلوات اللَّه عليه، قال: سلوني عن کتاب اللَّه عزّوجلّ، فواللَّه ما نزلت آية من کتاب اللَّه في ليل ونهار، ولا مسير ولا مقام، إلّا وقد أقرأنيها رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله وعلّمني تأويلها، فقام إليه ابن‏الکوّا فقال: يا أميرالمؤمنين فما کان ينزل عليه وأنت غائب عنه؟

قال: کان يحفظ عليّ رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله ما کان ينزل عليه من القرآن وأنا غائب عنه، حتّي أقدم عليه، فيقرأنيه ويقول لي: يا علي أنزل اللَّه عليَّ بعدک کذا وکذا، وتأويله کذا وکذا، فيعلّمني تنزيله وتأويله.[40].

20/8632- الصفار، حدّثنا أحمد بن محمّد، عن الحسن بن العباس بن الحريش، قال: قال أبوعبداللَّه عليه‏السلام، قال علي صلوات اللَّه عليه في صبح ليلة القدر التي کانت بعد رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله: سلوني فواللَّه لأخبرنّکم بما يکون إلي ثلاثمائة وستين يوماً من الذر فما دونها فما فوقها، ثمّ لأخبرنّکم بشي‏ء من ذلک لا بتکلّف ولا برأي ولا بادّعاء في علمٍ إلّا من علم اللَّه وتعليمه، واللَّه لا يسألني أهل التوراة ولا أهل الانجيل ولا أهل الزبور ولا أهل الفرقان إلّا فرّقت بين کلّ أهل کتاب بحکم ما في کتابهم.[41].

21/8633- خطب أميرالمؤمنين عليه‏السلام فقال: سلوني فإنّي لا اُسئل عن شي‏ء دون العرش إلّا أجبت فيه، لا يقولها بعدي إلّا جاهل مدّعٍ أو کذّاب مفترٍ، فقام رجل من جانب مسجده (مجلسه) في عنقه کتاب کالمصحف، وهو رجل آدم ضرب طوال جعد الشعر کأنّه من يهود العرب، فقال رافعاً صوته لعليّ: أيّها المدّعي ما لا يعلم والمقلّد ما لا يفهم أنا أسألک فأجب.

[صفحه 416]

قال: فوثب به أصحابه وشيعته من کلّ ناحية، وهمّوا به، فنهرهم علي عليه‏السلام فقال لهم: دعوه ولا تعجلوه! فإنّ العجلة والبطش والطيش لا تقوم به حجج اللَّه، ولا باعجال السائل تظهر براهين اللَّه، ثمّ التفت إلي السائل فقال: سل بکلّ لسانک وما بلغ علمک اُجيبک، إنّ شاء اللَّه بعلم لا يختلج به الشکوک ولا يهيّجنه دنس ريب المزيغ ولا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم.

قال الرجل: کم بين المشرق والمغرب؟ قال علي عليه‏السلام: مسافة الهواء، قال الرجل: وما مسافة الهواء؟ قال علي عليه‏السلام: دوران الفلک، قال الرجل: وما قدر دوران الفلک؟ قال عليه‏السلام: مسيرة يوم للشمس، قال الرجل: صدقت، قال: فمتي القيامة؟ قال علي: عند حضور المنيّة، وبلوغ الأجل، قال الرجل: صدقت، فکم عمر الدنيا؟ قال علي: سبعة ثمّ لا تجديد (يقال سبعة آلاف ثمّ لا تحديد)، قال الرجل: صدقت، فأين بکّة من مکّة؟ قال علي: مکّة أکناف الحرم، وبکّة موضع البيت، قال الرجل: صدقت، قال: فلم سمّيت (مکّة) مکّةً؟ قال: لأنّ اللَّه مدّ الأرض من تحتها، قال: فلم سمّيت بکّة؟ قال: لأنّها بکّت رقاب الجبّارين وعيون المذنبين، قال: صدقت، وأين کان اللَّه قبل أن يخلق عرشه؟ قال علي: سبحان من لا تدرکه الأبصار ولا تدرک کنه صفته حملة العرش علي قرب ربواتهم من کرسيّ کرامته، ولا الملائکة من زاخر رشحات جلاله.

قال: ويحک لا يقال للَّه أين، ولا بم، ولا فيم، ولا لِمَ، ولا أنّي، ولا حيث، ولا کيف، قال الرجل: صدقت، فکم مقدار ما لبث عرشه علي الماء من قبل أن يخلق الأرض والسماء؟ قال: أتحسن أن تحسب؟ قال: نعم، قال: لعلّک لا تحسن أن تحسب، قال: بلي إنّي لأحسن أن أحسب، قال علي عليه‏السلام: أفرأيت ان صبّ خردل في الأرض (حتي) سدّ الهواء، وما بين الأرض والسماء، ثمّ إذن لک علي ضعفک أن تنقله حبّة حبّة من مقدار المشرق إلي المغرب، ومد في عمرک واُعطيت القوّة علي ذلک

[صفحه 417]

حتّي تنقله وأحصيته، لکان ذلک أيسر من إحصاء عدد أعوام ما لبث عرشه علي الماء من قبل أن يخلق الأرض والسماء، وإنّما وصفت لک منتقض عشر عشر العشر من جزء من مائة ألف جزء، وأستغفر اللَّه من التقليل والتحديد، قال: فحرّک الرجل رأسه (وشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأنّ محمّداً رسول‏اللَّه)، وأنشأ يقول:

أنت أهل العلم يا ذا الهدي
تجلو من الشک الغياهيبا


حزت أقاصي کلّ علمٍ فما
تبصر أن غولبت مغلوبا


لا تنثني عن کلّ اُشکولة
تبدي إذا حلّت أعاجيبا


للَّه درّ العلم من صاحب
يطلب إنساناً ومطلوباً[42].


22/8634- کتاب أبي‏بکر الشيرازي: إنّ أميرالمؤمنين عليه‏السلام خطب في جامع البصرة فقال فيها: معاشر المؤمنين والمسلمين إنّ اللَّه عزّوجلّ أثني علي نفسه فقال: هو الأوّل والآخر- يعني قبل کلّ شي‏ء- والآخر- يعني بعد کلّ شي‏ء- والظاهر علي کلّ شي‏ء والباطن لکلّ شي‏ء سواء علمه عليه، سلوني قبل أن تفقدوني، فأنا الأوّل وأنا الآخر وأنا الباطن وأنا الظاهر وأنا بکلّ شي‏ءٍ عليم، وأنا عين اللَّه وأنا جنب اللَّه وأنا أمين اللَّه علي المرسلين، بنا عُبد اللَّه ونحن خزّان اللَّه في أرضه وسمائه، وأنا اُحيي واُميت وأنا حيٌّ لا أموت.

فتعجّب الأعرابي من قوله.

فقال عليه‏السلام: أنا الأوّل أوّل من آمن برسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله، وأنا الآخر آخر من نظر فيه لمّا کان في لحده، وأنا الظاهر فظاهر الإسلام، وأنا الباطن بطين من العلم، وأنا بکلّ شي‏ء عليم فإنّي عليم بکلّ شي‏ء أخبر اللَّه به نبيّه فأخبرني به، فأمّا عين اللَّه فأنا عينه علي المؤمنين والکفرة، وأمّا جنب اللَّه «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَي عَلَي مَا فَرَّطْتُ

[صفحه 418]

فِي جَنْبِ اللَّهِ»[43] ومن فرّط فيّ فقد فرّط في اللَّه، ولم يجز لنبيّ نبوّة حتّي يأخذ خاتماً من محمّد، فلذلک سمّي خاتم النبيّين محمّد سيّد النبيّين، فأنا سيّد الوصيّين، وأمّا خزّان اللَّه في أرضه، فقد علّمنا ما علّمنا رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله بقولٍ صادق، وأنا اُحيي اُحيي سنّة رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله، وأنا اُميت اُميت البدعة، وأنا حيّ لا أموت لقوله تعالي: «وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ».[44] [45].

23/8635- المفيد، عن عليّ بن عباس، عن صالح بن حمزة، عن الحسن بن عبداللَّه، عن الصادق عليه‏السلام قال: خطب أميرالمؤمنين عليه‏السلام فقال فيما يقول: أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني أيّها الناس أنا قلب اللَّه الواعي، ولسانه الناطق، وأمينه علي سرّه، وحجّته علي خلقه، وخليفته علي عباده، وعينه الناظرة في بريّته، ويده المبسوطة بالرأفة والرحمة، ودينه الذي لا يصدّقني إلّا من محض الايمان محضاً، ولا يکذّبني إلّا من محض الکفر محضاً.[46].

24/8636- الحسين بن إبراهيم بن عبداللَّه بن منصور، قال: حدّثنا محمّد بن يوسف، قال: حدّثنا الحسن بن علي بن عبدالکريم الزعفراني، قال: قال إبراهيم بن محمّد بن سعيد الثقفي، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبان، قال: حدّثنا عبدالغفار بن القاسم بن قيس بن فهد من أصحاب رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله، قال: حدّثنا المنصور بن عمرو، عن زرّ بن حبيش، وعن أحمد بن عمران بن محمّد بن أبي‏ليلي، عن أبيه، عن ابن‏أبي‏ليلي، عن المنهال بن عمرو، عن زرّ بن حبيش، قال: خطب علي عليه‏السلام بالنهروان، فحمد اللَّه وأثني عليه ثمّ قال:

أيّها الناس أمّا بعد أنا فقأت عين الفتنة، لم يکن أحدٌ ليتجري عليها غيري‏

[صفحه 419]

- وفي حديث ابن‏أبي‏ليلي لم يکن ليفقأها أحد غيري-، ولو لم أکُ فيکم ما قوتل أصحاب الجمل ولا أهل صفين ولا أهل النهروان، وأيم اللَّه لولا أن تتکلّموا (تنکلوا) وتدعوا العمل لحدّثتکم بما قضي اللَّه علي لسان نبيّکم صلي الله عليه و آله لمن قاتلهم مبصراً لضلالتهم عارفاً للهدي الذي نحو عليه.

ثمّ قال: سلوني قبل أن تفقدوني، (سلوني عمّا شئتم) إنّي ميّتٌ أو مقتول بل قتلاً، ما ينتظر أشقاها أن يخضّبها من فوقها بدم، وضرب بيده إلي لحيته، والذي نفسي بيده لا تسألوني عن شي‏ء فيما بينکم وبين الساعة، ولا عن فئة تضلّ مائة أو تهدي مائة إلّا أنبأتکم بناعقها وسائقها.

فقام إليه رجل فقال: حدّثنا يا أميرالمؤمنين عن البلاء، قال عليه‏السلام: إنّکم في زمان إذا سأل سائل فليعقل، وإذا سئل مسؤول فليثبت، ألا وإنّ من ورائکم اُموراً أتتکم جللاً مُزوجاً وبلاءً مکلِحاً مبلحاً، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة أن لو فقدتموني ونزلت (بکم) کرائه الاُمور وحقائق البلاء لقد أطرق کثير من السائلين وفشل کثير من المسؤولين، وذلک اذا قلصت حربکم وشمّرت عن ساق، وکانت الدنيا بلاء عليکم وعلي أهل بيتي حتّي يفتح اللَّه لبقيّة الأبرار، فانصرفوا (قوماً) أقواماً کانوا أصحاب رايات يوم بدر ويوم حنين تُنصروا وتُؤجروا، ولا تسبقوهم فتصرعکم البليّة.

فقام إليه رجل فقال: يا أميرالمؤمنين حدّثنا عن الفتن، قال: إنّ الفتنة إذا أقبلت شبّهت وإذا أدبرت نبهت، يشبهن مقبلات ويعرفن مدبرات، إنّ الفتن تحوم کالريّاح يصبن بلداً، ويخطين اُخري، ألا إنّ أخوف الفتن عندي عليکم فتنة بني اُميّة، إنّها فتنة عمياء مظلمة مطينة، عمّت فتنتها وخصّت بليّتها وأصاب البلاء من أبصر فيها وأخطأ البلاء من عمي عنها، يظهر أهل باطلها علي أهل حقّها حتّي تملأ الأرض عدواناً وبدعاً، وإنّ أوّل من يضع جبروتها ويکسر عمدها وينزع أوتادها

[صفحه 420]

اللَّه ربّ العالمين، وأيم اللَّه لتجدنّ بني اُميّة أرباب سوء لکم بعدي کالناب الضروس، تعضّ بفيها وتخبط بيديها وتضرب برجليها وتمنع درّها، لا يزالون بکم حتّي لا يترکوا في مصرکم إلّا تابعاً لهم أو غير ضار، ولا يزال بلاؤهم بکم حتّي لا يکون انتصار أحدکم منهم إلّا مثل انتصار العبد من ربّه، إذا رآه أطاعه وإذا تواري عنه شتمه، وأيم اللَّه لو فرّقوکم تحت کلّ حجر لجمعکم اللَّه شرّ يوم لهم.

ألا إنّ من بعدي جمّاع شتّي، ألا إن قبلتکم واحدة، وحجّکم واحد، وعمرتکم واحدة، والقلوب مختلفة، ثمّ أدخل أصابعه بعضها في بعض.

فقام رجل فقال: ما هذا يا أميرالمؤمنين؟

قال: هذا هکذا يقتل هذا هذا، ويقتل هذا هذا، قطعاً جاهلية ليس فيها هديً ولا علم يري، نحن أهل البيت منها بنجاة ولسنا فيها بدعاة.

فقام إليه رجل فقال: يا أميرالمؤمنين ما نصنع في ذلک الزمان؟

قال عليه‏السلام: اُنظروا أهل بيت نبيّکم فإن لبدوا فالبدوا، وإن استصرخوکم فانصروهم تؤجروا، ولا تسبقوهم فتصرعکم البليّة.

فقام إليه رجل آخر فقال: ثمّ ما يکون بعد هذا يا أميرالمؤمنين؟

قال عليه‏السلام: ثمّ إنّ اللَّه يفرج الفتن برجل منّا أهل البيت کتفريج الأديم، بأبي واُمّي ابن‏خيرة الاماء يسومهم خسفاً ويسقيهم بکأس مصبّرة، ولا يعطيهم إلّا السيف هرجاً هرجاً، يضع السيف علي عاتقه ثمانية أشهر، ودّت قريش عند ذلک بالدنيا وما فيها لو يروني مقاماً واحداً قدر حلب شاة أو جزر جزور، لا قبل منهم بعض الذي يرد عليهم، حتّي تقول قريش: لو کان هذا من ولد فاطمة لرحمنا، فيغريه اللَّه ببني اُميّة فجعلهم «مَلْعُونِينَ أَيْنََما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدُ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً».[47] [48].

[صفحه 421]

25/8637- أخرج ابن‏أبي‏شيبة، وابن‏المنذر، وابن‏أبي‏حاتم، والبيهقي في سننه، عن علي رضي الله عنه أنّه قال علي المنبر: سلوني، فقال ابن‏الکوّا: تؤتي النساء في أعجازهنّ، فقال علي رضي الله عنه: سفلت سفّل اللَّه بک، ألم تسمع إلي قوله: «أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَکُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ».[49] [50].

26/8638- عن أبي‏المعتمر مسلم بن أوس، وجارية بن قدامة السعدي، أنّهما حضرا عليّ بن أبي‏طالب [عليه‏السلام] يخطب، وهو يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فإنّي لا اُسئل عن شي‏ء دون العرش إلّا أخبرت عنه.[51].

27/8639- ابن‏عساکر، أخبرنا أبوالقاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبوالقاسم بن مسعدة، أنبأنا أبوالقاسم السهمي، أنبأنا عبداللَّه بن عدي، أنبأنا محمّد بن مهدي، أنبأنا الحسن بن سعيد بن عثمان، أنبأنا أبي، أنبأنا أبومريم يعني عبدالغفار بن القاسم، أنبأنا حمران بن أعين، أنبأنا أبوالطفيل عامر بن وائلة، قال: خطب عليّ بن أبي‏طالب في عامه (کذا) فقال: يا أيّها الناس إنّ العلم يقبض قبضاً سريعاً، وإنّي أوشک أن تفقدوني فاسألوني، فلن تسألوني عن آية من کتاب اللَّه إلّا نبأتکم بها وفيما اُنزلت، وإنّکم لن تجدوا أحداً من بعدي يحدّثکم.[52].

28/8640- وعنه، أخبرنا أبومحمّد بن طاووس، أنبأنا أبوالغنائم بن أبي‏عثمان، أنبأنا محمّد بن أحمد بن محمّد بن رزقويه إملاءاً، أنبأنا محمّد بن عبداللَّه بن إبراهيم البزاز، أنبأنا محمّد بن غالب بن حرب الضبيّ، أنبأنا أبوسلمة، أنبأنا ربعي بن عبداللَّه بن الجارود بن أبي‏سبرة، حدّثني سيف بن وهب، قال:

دخلت علي رجل بمکّة يکنّي أباالطفيل، فقال: أقبل عليّ بن أبي‏طالب ذات

[صفحه 422]

يوم حتّي صعد المنبر فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال: يا أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فواللَّه ما بين لوحي المصحف آية تخفي عليّ فيما اُنزلت، ولا أين نزلت، ولا ما عني بها.[53].

[صفحه 423]


صفحه 396، 397، 398، 399، 400، 401، 402، 403، 404، 405، 406، 407، 408، 409، 410، 411، 412، 413، 414، 415، 416، 417، 418، 419، 420، 421، 422، 423.








  1. الرعد: 39.
  2. أمالي الصدوق، المجلس 280:55؛ الاحتجاج 610:1 ح138؛ توحيد الصدوق، باب إثبات حدوث العالم: 295؛ إرشاد القلوب 374:2؛ مناقب ابن شهر آشوب، باب المسابقة إلي العلم 28:2؛ البحار 117:10؛ فرائد السمطين 341:1.
  3. شرح النهج لابن أبي الحديد 208:1؛ البحار 125:10؛ مناقب ابن شهر آشوب، في إخباره عليه‏السلام بالمنايا والبلايا 269:2.
  4. نهج البلاغة: خطبة 93؛ شرح النهج لابن أبي الحديد 174:2.
  5. المعارج: 40.
  6. الرحمن: 17.
  7. الشعراء: 28.
  8. فاطر: 10.
  9. الإسراء: 12.
  10. الکهف: 103.
  11. الاحتجاج 612:1 ح 139؛ تفسير البرهان 358:3؛ البحار 121:10.
  12. الاسراء: 12.
  13. کنز العمال 565: 2 ح4740؛ فرائد السمطين 354:1.
  14. البحار 108:39؛ أنوار النعمانية 32:1.
  15. بصائر الدرجات، باب انّهم اُعطوا علم المنايا والبلايا: 222؛ البحار 345:39.
  16. کمال الدين 2 باب 525:47؛ البحار 192:52؛ کنز العمال 612:14 ح39709؛ دستور الحکم ومأثور مکارم الشيم: 104.
  17. الرعد: 7.
  18. الإسراء: 6.
  19. سبأ: 51.
  20. البقرة: 222.
  21. الأنبياء: 15.
  22. البحار 272:52.
  23. الغيبة لعبد الحميد النيلي: 65؛ البحار 234:100.
  24. البيّنة: 7.
  25. سعد السعود: 109؛ البحار 190:36.
  26. تفسير العياشي 232:1؛ البحار 336:103؛ البرهان 358:1.
  27. النساء: 23.
  28. النساء: 36، الأحزاب: 50.
  29. حلية الأولياء 366:4.
  30. تفسير مجمع البيان 566:5.
  31. البقرة: 248.
  32. الزخرف: 28.
  33. تأويل الآيات الظاهرة: 540؛ تفسير البرهان 139:4؛ البحار 179:24.
  34. الإسراء: 6.
  35. تفسير العياشي 282:2؛ البحار 57:51؛ تفسير البرهان 408:2.
  36. آل عمران: 7.
  37. البقرة: 248.
  38. تفسير فرات: 67 ح38.
  39. احياء الاحياء 204:4؛ مناقب ابن شهر آشوب 38:2.
  40. احتجاج الطبرسي 617:1 ح140؛ أمالي الطوسي، مجلس 523:18 ح1158؛ البحار 125:10؛ بشارة المصطفي: 127.
  41. بصائر الدرجات، باب ما يُلقي إلي الأئمة في ليلة القدر: 242؛ تفسير نور الثقلين 641:5.
  42. ارشاد القلوب 377:2؛ البحار 126:10.
  43. الزمر: 56.
  44. آل عمران: 169.
  45. مناقب ابن شهر آشوب، في قضاياه عليه‏السلام بعد بيعة العامة له 385:2.
  46. الاختصاص: 248.
  47. الأحزاب: 61 تا 62.
  48. الغارات 2:1؛ منهاج البراعة 93:7؛ البحار 606:8.
  49. الأعراف: 80.
  50. تفسير السيوطي 100:3.
  51. کنز العمال 165:13 ح36502.
  52. تاريخ ابن عساکر في مجلد ترجمة علي 24:3.
  53. تاريخ ابن‏عساکر في مجلد ترجمة علي 24:3.