في أحوال يونس















في أحوال يونس‏



1/7903- علي بن إبراهيم القمي: سأل بعض اليهود أميرالمؤمنين عليه‏السلام عن سجن طاف أقطار الأرض بصاحبه؟ فقال [عليه‏السلام]: يايهودي أما السجن الذي طاف أقطار الأرض بصاحبه، فانه الحوت الذي حبس يونس في بطنه، فدخل في بحر القلزم ثم خرج إلي بحر مصر ثم دخل في بحر طبرستان ثم خرج في دجلة الغورا، ثم مرت به تحت الأرض حتي لحقت بقارون، وکان قارون هلک في أيام موسي، ووکَّل اللَّه به ملکاً يدخله في الأرض کل يوم قامة رجل، وکان يونس في بطن الحوت يسبح اللَّه ويستغفره، فسمع قارون صوته فقال للملک الموکَّل به: أنظرني فاني أسمع کلام آدمي، فأوحي اللَّه إلي الملک الموکَّل به انظره فأنظره، ثم قال قارون من أنت؟ قال يونس أنا المذنب الخاطي‏ء يونس بن متي، قال: فما فعل الشديد الغضب للَّه موسي ابن‏عمران؟ قال: هيهات هلک، قال: فما فعل الرؤوف الرحيم علي قومه هارون بن عمران؟ قال: هلک، قال: فما فعلت کلثم بنت عمران التي کانت سميت لي؟

[صفحه 16]

قال: هيهات ما بقي من آل عمران أحد، فقال قارون: واأسفاً علي آل عمران! فشکر اللَّه له ذلک، فأمر اللَّه الملک الموکَّل به أن يرفع عنه العذاب أيام الدنيا، فرفع عنه، فلما رأي يونس ذلک فنادي في الظلمات أن لا إله إلّا أنت سبحانک إني کنت من الظالمين، فاستجاب اللَّه له وأمر الحوت أن تلفظه فلفظته علي ساحل البحر، وقد ذهب جلده ولحمه، وأنبت اللَّه عليه شجرة من يقطين- وهي الدباء- فأظلته من الشمس فشکر، ثم أمر اللَّه الشجرة فتنحت عنه ووقع الشمس عليه فجزع، فأوحي اللَّه اليه يايونس لِمَ لم ترحم مائة ألف أو يزيدون وأنت تجزع من ألم ساعة، فقال: يارب عفوک عفوک، فرد عليه بدنه ورجع إلي قومه وآمنوا به وهو قوله: «فَلَوْلَا کَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا کَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلي حِينٍ».[1] [2].

2/7904- العياشي: عن أبي‏عبيدة الحذاء، عن أبي‏جعفر عليه‏السلام قال: سمعته يقول: وجدنا في بعض کتب أميرالمؤمنين عليه‏السلام قال: حدثني رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله أن جبرئيل عليه‏السلام حدثه أن يونس بن متي عليه‏السلام بعثه اللَّه إلي قومه وذکر حديثاً طويلاً يذکر فيه ما فعل قوم يونس، وخروج يونس وتنوخا العابد من بينهم ونزول العذاب عليهم وکشفه عنهم وفيه: فلما رأي قوم يونس أن العذاب قد صرف عنهم، هبطوا إلي منازلهم من رؤوس الجبال، وضموا اليهم نساءهم وأولادهم وأموالهم، وحمدوا اللَّه علي ما صرف عنهم، وأصبح يونس وتنوخا يوم الخميس في موضعهما الذي کانا فيه، لا يشکان أن العذاب قد نزل بهم وأهلکهم جميعاً لما خفيت أصواتهم عنهما، فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع طلوع الشمس ينظران إلي ما صار اليه القوم، فلما دنوا من القوم واستقبلتهم الحطابون والحمارة والرعاة بأعناقهم، ونظرا إلي أهل

[صفحه 17]

القرية مطمئنين، قال يونس لتنوخا: ياتنوخا کذبني الوحي وکذبت وعدي لقومي، لا وعزة ربي لا يرون لي وجهاً أبداً بعد ما کذبني الوحي، فانطلق يونس هارباً علي وجهه مغاضباً لربه، ناحية بحر أيلة متنکراً فراراً من أن يراه أحد من قومه، فيقول له: ياکذاب، فلذلک قال: «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ»[3] الآية، ورجع تنوخا إلي القرية.[4].

3/7905- محمد بن الحسن الصفار، حدثنا العباس بن معروف، عن سعدان بن مسلم، عن صباح المزني، عن الحارث بن حصيرة، عن حبة العوني، قال: قال أميرالمؤمنين عليه‏السلام: إن اللَّه عرض ولايتي علي أهل السماوات وعلي أهل الأرض، أقر بها من‏أقر،وأنکرها من‏أنکر،أنکرها يونس‏فحبسه‏اللَّه في بطن‏الحوت حتي أقرّ بها.[5].

تبيين: المراد بالانکار عدم القبول التام وما يلزمه من الاستشفاع والتوسل بهم.

4/7906- العياشي: عن أبي‏عبيدة الحذاء، عن أبي‏جعفر عليه‏السلام قال: سمعته يقول: وجدنا في بعض کتب أميرالمؤمنين عليه‏السلام قال: حدثني رسول‏اللَّه صلي الله عليه و آله أن جبرئيل عليه‏السلام حدثه أن يونس عليه‏السلام بعثه اللَّه إلي قومه وهو ابن‏ثلاثين سنة، وکان رجلاً تعتريه الحدّة، وکان قليل الصبر علي قومه والمداراة لهم، عاجزاً عمّا حُمّل من ثقل حمل أوقار النبوة وأعلامها وانه تفسخ تحتها کما يتفسخ الجذع تحت حمله، وانه أقام فيهم يدعوهم إلي الايمان باللَّه والتصديق به واتباعه ثلاثاً وثلاثين سنة، فلم يؤمن به ولم يتبعه من قومه إلّا رجلان: اسم أحدهما روبيل واسم الآخر تنوخا، وکان روبيل من أهل بيت العلم والنبوة والحکمة، وکان قديم الصحبة ليونس بن متي من قبل أن يبعثه اللَّه بالنبوة، وکان تنوخا رجلاً مستضعفاً عابداً زاهداً منهمکاً في العبادة،

[صفحه 18]

وليس له علم ولا حکمة، وکان روبيل صاحب غنم يرعاها ويتقوت منها، وکان تنوخا رجلاً حطاباً يحتطب علي رأسه ويأکل من کسبه، وکان لروبيل منزلة من يونس غير منزلة تنوخا، لعلم روبيل وحکمته وقديم صحبته، فلما رأي يونس أن قومه لا يجيبونه ولا يؤمنون ضجر وعرف من نفسه قلة الصبر، فشکي ذلک إلي ربه، وکان فيما يشکي أن قال: يارب انک بعثتني إلي قومي ولي ثلاثون سنة، فلبثت فيهم أدعوهم إلي الايمان والتصديق برسالاتي وأُخوفهم عذابک ونقمتک ثلاثاً وثلاثين سنة فکذبوني ولم يؤمنوا بي، وجحدوا نبوتي، واستخفوا برسالاتي وقد تواعدوني وخفت أن يقتلوني، فأنزل عليهم عذابک فانهم قوم لا يؤمنون. قال: فأوحي اللَّه إلي يونس:

أنّ فيهم الحمل والجنين والطفل والشيخ الکبير والمرأة الضعيفة والمستضعف المهين، وأنا الحکم العدل، سبقت رحمتي غضبي لا اُعذب الصغار بذنوب الکبار من قومک، وهم يايونس عبادي وخلقي وبريتي في بلادي وفي عيلتي، أحب أن أتأناهم وأرفق بهم وأنتظر توبتهم، وإنما بعثتک إلي قومک لتکون حيطاً عليهم، تعطف عليهم لسخاء الرحمة الماسة منهم، وتأناهم برأفة النبوة، فاصبر معهم بأحلام الرسالة، وتکون لهم کهيئة الطبيب المداوي العالم بمداواة الدواء، فخرقت بهم ولم تستعمل قلوبهم بالرفق ولم تسسهم بسياسة المرسلين، ثم سألتني عن سوء نظرک العذاب لهم عند قلة الصبر منک، وعبدي نوح کان أصبر منک علي قومه، وأحسن صحبة وأشد تأنياً في الصبر عندي، وأبلغ في العذر، فغضبت له حين غضب لي وأجبته حين دعاني.

فقال يونس: يارب إنما غضبت عليهم فيک، وإنما دعوت عليهم حين عصوک، فوعزتک لا أتعطف عليهم برأفة أبداً ولا أنظر اليهم بنصيحة شفيق بعد کفرهم وتکذيبهم إياي، وجحدهم نبوتي، فأنزل عليهم عذابک فانهم لا يؤمنون أبداً.

[صفحه 19]

فقال اللَّه: يايونس إنهم مائة ألف أو يزيدون من خلقي يعمرون بلادي ويلدون عبادي، ومحبتي أن أتاناهم للذي سبق من علمي فيهم وفيک، وتقديري وتدبيري غير علمک وتقديرک، وأنت المرسل وأنا الرب الحکيم، وعلمي فيهم يايونس باطن في الغيب عندي لا يعلم ما منتهاه، وعلمک فيهم ظاهر لا باطن له، يايونس قد أجبتک إلي ما سألت من إنزال العذاب عليهم، وما ذلک يايونس بأوفر لحظک عندي، ولا أجمل لشأنک، وسيأتيهم العذاب في شوال يوم الأربعاء وسط الشهر بعد طلوع الشمس فأعلمهم ذلک.

قال: فسر ذلک يونس ولم يسوءه ولم يدر ما عاقبته، وانطلق يونس إلي تنوخا العابد فأخبره بما أوصي اللَّه اليه من نزول العذاب علي قومه في ذلک اليوم، وقال له: انطلق حتي أعلمهم بما أوحي اللَّه إليّ من نزول العذاب، فقال تنوخا: فدعهم في غمرتهم ومعصيتهم حتي يعذبهم اللَّه، فقال له يونس: بلي نلقي روبيل فنشاوره فانه رجل عالم حکيم من أهل بيت النبوة، فانطلقا إلي روبيل فأخبره يونس بما أوحي اللَّه اليه من نزول العذاب علي قومه في شوال يوم الأربعاء في وسط الشهر بعد طلوع الشمس، فقال له: ما تري انطلق بنا حتي أعلمهم، فقال له روبيل: ارجع إلي ربک رجعة نبي حکيم ورسول کريم، واسأله أن يصرف عنهم العذاب فانه غني عن عذابهم وهو يحب الرفق بعباده وما ذلک بأضر لک عنده، ولا أسوء لمنزلتک لديه، ولعلّ قومک بعد ما سمعت رأيت من کفرهم وجحودهم، يؤمنون يوماً فصابرهم وتأناهم، فقال له تنوخا: ويحک ياروبيل ما أشرت علي يونس وأمرته به بعد کفرهم باللَّه وجحدهم لنبيه وتکذيبهم إياه وإخراجهم إياه من مساکنه، وما هموا به من رجمه، فقال روبيل لتنوخا: اسکت فانک رجل عابد لا علم لک.

ثم أقبل علي يونس، فقال: أرأيت يايونس إذا أنزل اللَّه العذاب علي قومک أنزله فيهلکهم جميعاً أو يهلک بعضاً ويبقي بعضاً؟ فقال له يونس: بل يهلکهم اللَّه

[صفحه 20]

جميعاً، وکذلک سألته ما دخلتني لهم رحمة تعطف فارجع إلي اللَّه فيهم وأسأله أن يصرف عنهم، فقال له روبيل: أتدري يايونس لعل اللَّه إذا أنزل عليهم فأحسوا به أن يتوبوا اليه ويستغفروه فيرحمهم فانه أرحم الراحمين ويکشف عنهم العذاب من بعد ما أخبرتهم عن اللَّه إنه ينزل عليهم العذاب يوم الأربعاء فتکون بذلک عندهم کذاباً.

فقال له تنوخا: ويحک ياروبيل لقد قلت عظيماً يخبرک النبي المرسل أنّ اللَّه أوحي اليه بأن العذاب ينزل عليهم فترد قول اللَّه وتشک فيه وفي قول رسوله؟! إذهب فقد حبط عملک، فقال روبيل لتنوخا: لقد فشل رأيک، ثم أقبل علي يونس فقال: أنزل الوحي والأمر من اللَّه فيهم علي ما أنزل عليک فيهم من إنزال العذاب عليهم، وقوله الحق، أرأيت إذا کان ذلک فهلک قومک کلهم وخربت قريتهم، أليس يمحو اللَّه اسمک من النبوة وتبطل رسالتک وتکون کبعض ضعفاء الناس، ويهلک علي يديک مائة ألف أو يزيدون من الناس، فأبي يونس أن يقبل وصيته. فانطلق ومعه تنوخا من القرية وتنحيّا عنهم غير بعيد، ورجع يونس إلي قومه فأخبرهم أن اللَّه أوحي اليه أنه منزل العذاب عليکم يوم الأربعاء في شوال في وسط الشهر بعد طلوع الشمس، فردوا عليه فکذبوه وأخرجوه من قريتهم إخراجاً عنيفاً.

فخرج يونس ومعه تنوخا من القرية وتنحيّا عنهم غير بعيد وأقاما ينتظران العذاب، وأقام روبيل مع قومه في قريتهم حتي إذا دخل عليهم شوال صرخ روبيل بأعلي صوته في رأس الجبل إلي القوم أنا روبيل شفيق عليکم الرحيم بکم إلي ربه، قد أنکرتم عذاب اللَّه، هذا شوال قد دخل عليکم وقد أخبرکم يونس نبيکم ورسول ربکم أن اللَّه أوحي اليه أن العذاب ينزل عليکم في شوال في وسط الشهر يوم الأربعاء بعد طلوع الشمس، ولن يخلف اللَّه وعده رسله، فانظروا ما أنتم صانعون، فأفزعهم کلامه ووقع في قلوبهم تحقيق نزول العذاب، فأجفلوا نحو

[صفحه 21]

روبيل، وقالوا: له ماذا أنت مشير به علينا ياروبيل؟ فانک رجل عالم حکيم لم نزل نعرفک بالرقة (والرأفة) علينا والرحمة لنا، وقد بلغنا ما أشرت به علي يونس فينا، فمرنا بأمرک وأشر علينا برأيک، فقال لهم روبيل: فاني أري لکم واُشير عليکم أن تنظروا وتعمدوا إذا طلع الفجر يوم الأربعاء في وسط الشهر أن تعزلوا الأطفال عن الاُمهات في أسفل الجبل في طريق الأودية، وتقفوا النساء في سفح الجبل وکل المواشي جميعاً عن أطفالها، ويکون هذا کله قبل طلوع الشمس، فاذا رأيتم ريحاً صفراء أقبلت من المشرق، فعجوا عجيج، الکبير منکم والصغير بالصراخ والبکاء والتضرع إلي اللَّه بالتوبة اليه والاستغفار له، وارفعوا رؤوسکم إلي السماء وقولوا: ربنا ظلمنا أنفسنا وکذبنا نبيک وتبنا اليک من ذنوبنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنکونن من الخاسرين المعذبين، فأقبل توبتنا وارحمنا ياأرحم الراحمين، ثم لا تملّوا من البکاء والصراخ والتضرع إلي اللَّه والتوبة اليه حتي تواري الشمس بالحجاب أو يکشف اللَّه عنکم العذاب قبل ذلک.

فأجمع رأي القوم جميعاً علي أن يفعلوا ما أشار به عليهم روبيل، فلما کان يوم الأربعاء الذي توقعوا فيه العذاب تنحي روبيل عن القرية حيث يسمع صراخهم ويري العذاب إذا نزل، فلما طلع الفجر يوم الأربعاء فعل قوم يونس ما أمرهم روبيل به، فلما بزغت الشمس أقبلت ريح صفراء مظلمة مسرعة لها صرير وحفيف وهدير، فلما رأوها عجوا جميعاً بالصراخ والبکاء والتضرع إلي اللَّه، وتابوا اليه واستغفروه، وصرخت الأطفال بأصواتها تطلب اُمهاتها، وعجت سخال البهائم تطلب الثدي، وعجت الأنعام تطلب الرعي، فلم يزالوا بذلک، ويونس وتنوخا يسمعان ضجيجهم (صيحتهم) وصراخهم ويدعوان اللَّه عليهم بتغليظ العذاب عليهم، وروبيل في موضعه يسمع صراخهم وعجيجهم ويري ما نزل وهو يدعو اللَّه بکشف العذاب عنهم.

[صفحه 22]

فلما أن زالت الشمس وفتحت أبواب السماء وسکن غضب الرب تعالي رحمهم الرحمن فاستجاب دعاءَهم وقبل توبتهم وأقالهم عثرتهم، وأوحي إلي إسرافيل عليه‏السلام أن اهبط إلي قوم يونس فانهم قد عجوا إليّ بالبکاء والتضرع وتابوا إليّ واستغفروني، فرحمتهم وتبت عليهم وأنا اللَّه التواب الرحيم، أسرع إلي قبول توبة عبدي التائب من الذنوب، وقد کان عبدي يونس ورسولي سألني نزول العذاب علي قومه وقد أنزلته عليهم، وأنا اللَّه أحق من وفي بعهده، وقد أنزلته عليهم، ولم يکن اشترط يونس حين سألني أن أنزل عليهم العذاب أن أهلکهم، فاهبط اليهم فاصرف عنهم ما قد نزل بهم من عذابي، فقال اسرافيل: يارب إن عذابک قد بلغ اکتافهم وکاد أن يهلکهم وما أراه إلّا وقد نزل بساحتهم فالي أين أصرفه؟ فقال اللَّه: کلا اني قد أمرت ملائکتي أن يصرفوه (يوقفوه) فلا ينزلوه عليهم حتي يأتيهم أمري فيهم وعزيمتي، فاهبط يااسرافيل واصرفهم عنهم واصرف به إلي الجبال بناحية مفاوض العيون ومجاري السيول في الجبال العادية المستطيلة علي الجبال فأذلها به ولينها حتي تصير ملينة حديد جامداً.

فهبط اسرافيل عليهم فنشر أجنحته فاستاق بها ذلک العذاب حتي ضرب به الجبال التي أوحي اللَّه اليه أن يصرفه اليها، قال أبوجعفر عليه‏السلام: وهي الجبال التي بناحية الموصل اليوم، فصارت حديداً إلي يوم القيامة، فلما رأي قوم يونس أن العذاب قد صرف عنهم، هبطوا إلي منازلهم من رؤوس الجبال، وضموا اليهم نساءهم وأولادهم وأموالهم، وحمدوا اللَّه علي ما صرف عنهم، وأصبح يونس وتنوخا يوم الخميس في موضعهما الذي کانا فيه لا يشکان أن العذاب قد نزل بهم وأهلکهم جميعاً، لما خفيت أصواتهم عنهما، فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع طلوع الشمس ينظرون إلي ما صار اليه القوم، فلما دنوا من القوم واستقبلتهم الحطابون والحمارة والرعاة بأغنامهم، ونظروا إلي أهل القرية مطمئنين، قال يونس

[صفحه 23]

لتنوخا: ياتنوخا کذبني الوحي وکذبت وعدي لقومي، لا وعزة ربي لا يرون لي وجهاً أبداً بعد ما کذبني الوحي.

فانطلق يونس هارباً علي وجهه مغاضباً لربه ناحية بحر أيلة متنکراً فراراً من أن يراه أحد من قومه، فيقول له: ياکذاب، فلذلک قال اللَّه: «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ»[6] الآية، ورجع تنوخا إلي القرية فلقي روبيل فقال له: ياتنوخا أي الرأيين کان أصوب وأحق أن يتبع رأيي أو رأيک؟ فقال له تنوخا: بل رأيک کان أصوب، ولقد کنت أشرت برأي الحکماء والعلماء، وقال له تنوخا: أما اني لم أزل أري أني أفضل منک لزهدي وفضل عبادتي، حتي استبان فضلک بفضل علمک وما أعطاک اللَّه ربک من الحکمة، مع أن التقوي أفضل من الزهد والعبادة بلا علم، فاصطحبا فلم يزالا مقيمين مع قومهما، ومضي يونس علي وجهه مغاضباً لربه، فکان من قصته ما أخبر اللَّه به في کتابه إلي قوله: «فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلي حِينٍ».[7] [8].

5/7907- أخرج ابن‏أبي‏شيبة في (المصنف) وعبدبن حميد، وابن‏مردويه، وابن‏عساکر، عن علي رضي الله عنه مرفوعاً: ليس لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متي، سبح اللَّه في الظلمات.[9].

[صفحه 24]


صفحه 16، 17، 18، 19، 20، 21، 22، 23، 24.








  1. يونس: 98.
  2. تفسير القمي 318:1، البحار 382:14، تفسير نور الثقلين 452:3.
  3. الأنبياء: 87.
  4. تفسير العياشي 129:2، تفسير نور الثقلين 453:3، البحار 392:14، تفسير البرهان 200:2.
  5. بصائر الدرجات: 95، البحار 391:14.
  6. الأنبياء: 87.
  7. الصّافات: 148.
  8. تفسير العياشي 129:2، تفسير البرهان 200:2، البحار 392:14، تفسير نور الثقلين 397:5، تفسير الصافي 421:2 (يونس: 98(.
  9. تفسير السيوطي 334:4.