قصة أصحاب الرس















قصة أصحاب الرس‏



1/7928- الصدوق، حدثنا أحمد بن محمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، قال: حدثنا أبوالصلت عبدالسلام بن صالح الهروي، قال: حدثنا علي بن موسي الرضا عليه‏السلام، عن أبيه، موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي عليهم‏السلام قال: أتي علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشراف تميم يقال له: عمرو، فقال: ياأميرالمؤمنين، أخبرني عن أصحاب الرس في أي عصر کانوا؟ وأين کانت منازلهم؟ ومن کان ملکهم؟ وهل بعث اللَّه اليهم رسولاً أم لا؟ وبماذا أهلکوا؟ فاني أجد في کتاب اللَّه عزّوجلّ ذکرهم ولا أجد غيرهم؟

فقال له علي عليه‏السلام: لقد سألتني عن حديث ما سألني عنه أحد قبلک، ولا يحدثک به أحد بعدي إلّا عني، وما في کتاب اللَّه عزّوجلّ آية إلّا وأنا أعرفها وأعرف

[صفحه 42]

تفسيرها، وفي أي مکان نزلت من سهل أو جبل، وفي أي وقت من ليل أو نهار، وإن ههنا لعلماً جماً وأشار إلي صدره ولکن طلابه يسير، وعن قليل يندمون لو فقدوني.

کان من قصتهم ياأخا تميم: انهم کانوا قوماً يعبدون شجرة صنوبرة يقال لها: شاه درخت، وکان يافث بن نوح غرسها علي شفير عين يقال لها: دوشاب، کانت انبطّت لنوح عليه‏السلام بعد الطوفان، وإنما سموا أصحاب الرس، لأنهم رسوا بينهم في الأرض، وذلک بعد سليمان بن داود عليه‏السلام، وکانت لهم اثنتا عشر قرية علي شاطي‏ء نهر يقال لها: الرس من بلاد المشرق، وبهم سمي ذلک النهر، ولم يکن يومئذ في الأرض نهراً أغزر منه، ولا أعذب منه، ولا قري أکثر منها ولا أعمر منها، تسمي إحداهن أبان، والثانية آذر، والثالثة دي، والرابعة بهمن، والخامسة اسفندارا، والسادسة فروردين، والسابعة أردي بهشت، والثامنة خرداد، والتاسعة مرداد، والعاشرة تير، والحادية عشر مهر، والثانية عشر شهريور، وکانت أعظم مداينهم اسفندارا وهي التي ينزلها ملکهم، وکان يسمي ترکوذ بن غابور بن پارش بن سازن بن نمرود بن کنعان فرعون إبراهيم عليه‏السلام، وبها العين والصنوبرة، وقد غرسوا في کل قرية منها حبة من طلع تلک الصنوبرة، فنبتت الحبة، وصارت شجرة عظيمة، وحرموا ماء العين والأنهار فلا يشربون منها ولا أنعامهم، ومن فعل ذلک قتلوه، ويقولون: هو حياة آلهتنا فلا ينبغي لأحد أن ينقص من حياتها، ويشربون وأنعامهم من نهر الرس الذي عليه قراهم، وقد جعلوا في کل شهر من السنة في کل قرية عيداً يجتمع اليه أهلها، فيضربون علي الشجرة التي بها کلّة (من حرير) فيها من أنواع الصور، ثم يأتون بشاة وبقر فيذبحونها قرباناً للشجرة، ويشعلون فيها النيران بالحطب، فاذا سطع دخان تلک الذبائح وقتارها في الهواء، وحال بينهم وبين النظر إلي السماء، خروا للشجرة سجداً يبکون ويتضرعون إليها أن ترضي عنهم،

[صفحه 43]

فکان الشيطان يجي‏ء ويحرک أغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبي، ويقول: قد رضيت عنکم عبادي فطيبوا نفساً وقروا عيناً، فيرفعون رؤسهم عند ذلک ويشربون الخمر ويضربون بالمعازف، ويأخذون الدستبند فيکون علي ذلک يومهم وليلتهم، ثم ينصرفون.

وإنما سمت العجم شهورها بآبان ماه وآذر ماه وغيرهما إشتقاقاً من أسماء تلک القري لقول أهلها بعضهم لبعض: هذا عيد شهر کذا، وعيد شهر کذا حتي إذا کان عيد شهر قريتهم العظمي، اجتمع اليه صغيرهم وکبيرهم فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقاً من ديباج عليه من أنواع الصور، له إثنا عشر باباً کل باب لأهل قرية منهم، ويسجدون للصنوبرة خارجاً من السرادق، ويقربون لها الذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة التي في قراهم، فيجئ إبليس عند ذلک فيحرک الصنوبرة تحريکاً شديداً، ويتکلم من جوفها کلاماً جهورياً ويعدهم ويمنّيهم بأکثر ما وعدتهم ومنّتهم الشياطين کلها، فيرفعون رؤوسهم من السجود وبهم من الفرح والنشاط ما لا يفيقون ولا يتکلمون من السرور والفرح (الشرب والعزف)، فيکونون علي ذلک اثني عشر يوماً ولياليها بعدد أعيادهم سائر السنة ثم ينصرفون.

فلما طال کفرهم باللَّه عزّوجلّ وعبادتهم غيره، بعث اللَّه عزّوجلّ اليهم نبياً من بني إسرائيل من ولد يهود بن يعقوب فلبث فيهم زماناً طويلاً، يدعوهم إلي عبادة اللَّه عزّوجلّ ومعرفة ربوبيته، فلا يتبعونه، فلما رأي شدة تماديهم في الغي والضلال، وترکهم قبول ما دعاهم اليه من الرشد والنجاح، وحضر عيد قريتهم العظمي، قال: يارب إن عبادک أبوا إلّا تکذيبي والکفر بک، وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع ولا تضر، فأيبس شجرهم أجمع، وأرِهم قدرتک وسلطانک فأصبح القوم وقد يبس شجرهم، فهالهم ذلک، وقطع بهم، وصاروا فرقتين: فرقة قالت: سحر آلهتکم هذا

[صفحه 44]

الرجل الذي يزعم أنه رسول رب السماء والأرض اليکم، ليصرف وجوهکم عن آلهتکم إلي الهه، وفرقة قالت: لا، بل غضبت آلهتکم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيها ويدعوکم إلي عبادة غيرها، فحجبت حسنها وبهاءها لکي تغضبوا لها فتنتصروا منه، فأجمع رأيهم علي قتله، فاتخذوا أنابيب طوالاً من رصاص واسعة الأفواه، ثم أرسلوها في قرار العين إلي أعلا الماء، واحدة فوق الاُخري مثل البرابخ ونزحوا ما فيها من الماء، ثم حفروا في قرارها بئراً ضيقة المدخل عميقة، وأرسلوا فيها نبيهم وألقموا فاها صخرة عظيمة، ثم أخرجوا الأنابيب من الماء، وقالوا: نرجوا الآن أن ترضي عنها آلهتنا، إذ رأت أنا قد قتلنا من کان يقع فيها، ويصدّ عن عبادتها، ودفناه تحت کبيرها يتشفي منه فيعود لنا نورها ونضارتها کما کان.

فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم عليه‏السلام وهو يقول: سيدي قد تري ضيق مکاني وشدة کربي، فارحم ضعف رکني وقلة حيلتي، وعجل بقبض روحي ولا تؤخر إجابة دعوتي حتي مات عليه‏السلام فقال اللَّه عزّوجلّ لجبرئيل عليه‏السلام ياجبرئيل أنظر عبادي هؤلاء الذين غرهم حلمي، وأمنوا مکري، وعبدوا غيري، وقتلوا رسولي أن يقوموا لغضبي ويخرجوا من سلطاني، کيف وأنا المنتقم ممن عصاني ولم يخش عقابي، واني حلفت بعزتي وجلالي لأجعلنهم عبرة ونکالاً للعالمين، فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلک إلّا بريح عاصف شديد الحمرة، فتحيروا فيها وذعروا منها وانضم بعضهم إلي بعض، ثم صارت الأرض تحتهم کحجر کبريت يتوقد، وأظلتهم سحابة سوداء، فألقت عليهم کالقبة جمراً يلتهب، فذابت أبدانهم في النار کما يذوب الرصاص في النار، فنعوذ باللَّه تعالي ذکره من غضبه ونزول نقمته، ولا حول ولا قوة إلّا باللَّه العلي العظيم.[1].

[صفحه 45]


صفحه 42، 43، 44، 45.








  1. عيون أخبار الرضا عليه‏السلام 205:1، علل الشرائع: 40، تفسير البرهان 166:3، تفسير الصافي 13:4، البحار 148:14 و109:59.