حكمت 409











حکمت 409



[صفحه 490]

و قال العلامه- رحمه الله- في شرحه: التوبه هي الندم علي المعصيه لکونها معصيه و العزم علي ترک المعاوده في المستقبل لان ترک العزم يکشف عن نفي الندم. و هي واجبه بالاجماع، لکن اختلفوا فذهب جماعه من المعتزله الي انها تجب من الکبائر المعلوم کونها کبائر او المظنون فيها ذلک و لاتجب من الصغائر المعلوم انها صغائر، و قال آخرون: انها لاتجب من ذنوب تاب عنها من قبل، و قال آخرون: انها تجب من کل صغير و کبير من المعاصي او الاخلال بالواجب، سواء تاب منها قبل او لم يتب. و قد استدل المصنف علي وجوبها بامرين: الاول انها دافعه للضرر الذي هو العقاب او الخوف فيه، و دفع الضرر واجب. الثاني انا نعلم قطعا وجوب الندم علي فعل القبيح او الاخلال بالواجب، اذا عرفت هذا فنقول: انها تجب من کل ذنب لانها تجب من المعصيه لکونها معصيه و من الاخلال بواجب لکونه کذلک، و هذا عام في کل ذنب و اخلال بواجب. انتهي. اقول: ظاهر کلامه و جوب التوبه عن الذنب الذي تاب منه و لعله نظر الي ان الندم علي القبيح واجب في کل حال، و کذا ترک العزم علي الحرام واجب دائما، و فيه ان العزم علي الحرام ما لم يات به لايترتب عليه اثم کما دلت عليه الاخبار الکثيره الا ان ي

قول: ان العفو عنه تفضلا لاينافي کونه منهيا عنه کالصغائر المکفره، و اما الندم علي ما صدر عنه فلانسلم و جوبه بعد تحقق الندم سابقا و سقوط العقاب و ان کان القول بوجوبه اقوي. الثاني: اختلف المتکلمون في انه هل تتبعض التوبه ام لا، و الاول اقوي لعموم النصوص و ضعف المعارض. قال المحقق في التجريد: و يندم علي القبيح لقبحه و الا انتفت، و خوف النار ان کان الغايه فکذلک، و کذا الاخلال. فلاتصح من البعض و لايتم القياس علي الواجب، و لو اعتقد فيه الحسن صحت و کذا المستحقر، و التحقيق ان ترجيح الداعي الي الندم عن البعض يبعث عليه و ان اشترک الداعي في الندم علي القبيح کما في الداعي الي الفعل، و لو اشترک الترجيح اشترک وقوع الندم و به يتاول کلام اميرالمومنين و اولاده- عليهم‏السلام- و الالزم الحکم ببقاء الکفر علي التائب منه المقيم علي صغيره. و قال العلامه: اختلف شيوخ المعتزله هنا، فذهب ابوهاشم الي ان التوبه لاتصح من قبيح دون قبيح، و ذهب ابوعلي الي جواز ذلک، و المصنف- رحمه الله- استدل علي مذهب ابي‏هاشم بانا قد بينا بانه يجب ان يندم علي القبيح لقبحه و لو لا ذلک لم تکن مقبوله و القبح حاصل في الجميع، فلو تاب من قبيح دون قبيح کشف ذلک عن کون

ه تائبا عنه لا لقبحه. و احتج ابوعلي بانه لو لم تصح التوبه من قبيح دون قبيح لم يصح التيان بواجب دون واجب، و التالي باطل، بيان الشرطيه انه کما يجب عليه ترک القبيح لقبحه کذا يجب عليه فعل الواجب لوجوبه فلولزم من اشتراک القبائح في القبح عدم صحه التوبه من بعضها لزم من اشتراک الواجبات في الوجوب عدم صحه الاتيان بواجب دون آخر، و اما بطلان التالي فبالا جماع اذ لاخلاف في صحه صلاه من اخل بالصوم. و اجاب ابوهاشم بالفرق بين ترک القبيح لقبحه و فعل الواجب لوجوبه بالتعميم في الاول دون الثاني، فان من قال لا آکل الرمانه لحموضتها فانه لايقدم علي اکل کل حامض لاتحاد الجهه في المنع و لو اکل الرمانه لحموضتها لم يلزم ان ياکل کل رمانه حامضه فافترقا. و اليه اشار المصنف- رحمه الله- و لا يتم القياس علي الواجب اي لا يتم قياس ترک القبيح لقبحه علي فعل الواجب لوجوبه، و قد تصح التوبه من قبيح دون قبيح اذا اعتقد التائب في بعض القبائح انها حسنه و تاب عما يعتقده قبيحا، فانه تقبل توبته لحصول الشرط فيه و هو ندمه علي القبيح لقبحه. و اذا کان هناک فعلان احدهما عظيم القبح و الاخر صغيره و هو مستحقر بالنسبه اليه حتي لا يکون معتدا به و يکون وجوده بالنسبه ا

لي العظيم کعدمه حتي تاب فاعل القبيح عن العظيم فانه تقبل توبته. و مثال ذلک ان الانسان اذا قتل ولد غيره و کسرله قلما ثم تاب و اظهر الندم علي قتل الولد دون کسر القلم فانه تقبل توبته، و لايعتد العقلاء بکسر القلم و ان کان لابد من ان يندم علي جميع اسائته، و کما ان کسر القلم حال قتل الولد لايعد اسائه فکذا العزم. ثم قال- رحمه الله-: و لما فرغ من تقرير کلام ابي‏هاشم ذکر التحقيق في هذا المقام، و تقريره ان نقول: الحق انه يجوز التوبه عن قبيح دون قبيح لان الافعال تقع بحسب الدواعي و تنتفي الصوارف فاذا ترجح الداعي وقع الفعل. اذا عرفت هذا فنقول: يجوز ان يرجح فاعل القبائح دواعيه الي الندم علي بعض القبائح دون بعض و ان کانت القبائح مشترکه في ان الداعي يدعو الي الندم عليها، و ذلک بان يقترن ببعض القبائح قرائن زائده کعظم الذنب او کثره الزواجر عنه او الشناعه عند العقلاء عند فعله. و لاتقترن هذه القرائن ببعض القبائح فلايندم عليه و هذا کما في دواعي الفعل فان الافعال الکثيره قد تشترک في الدواعي ثم يوثر صاحب الدواعي بعض تلک الافعال علي بعض بان يترجح دواعيه الي ذلک الفعل بما يقترن به من زياده الدواعي فلااستبعاد في کون قبح الفعل داعيا ال

ي العدم ثم يقترن ببعض القبائح زياده الدواعي الندم عليه فيرحج لاجلها الداعي الي الندم علي ذلک البعض، و لو اشترکت القبائح في قوه الدواعي اشترکت في وقوع الندم عليها و لم يصح الندم علي البعض دون الاخر. و علي هذا ينبغي ان يحمل کلام اميرالمومنين علي- عليه‏السلام- و کلام اولاده کالرضا و غيره- عليهم‏السلام- حيث نقل عنهم نفي تصحيح التوبه عن بعض القبائح دون بعض، لانه لو لا ذلک لزم خرق الاجماع و التالي باطل فالمقدم مثله، بيان الملازمه ان الکافر اذا تاب عن کفره و اسلم و هو مقيم علي الکذب اما ان يحکم باسلامه و تقبل توبته من الکفر اولا، و الثاني خرق الاجماع لاتفاق المسلمين علي اجراء حکم المسلم عليه، و الاول هو المطلوب. و قد التزم ابوهاشم استحقاقه عقاب الکفر و عدم قبول توبته و اسلامه و لکن لايمتنع اطلاق اسم الاسلام عليه. الثالث: اعلم ان العزم علي عدم العود الي الذنب فيما بقي من العمر لابدمنه في التوبه کما عرفت، و هل امکان صدوره منه في بقيه العمر شرط، حتي لوزني ثم جب و عزم علي ان يعود الي الزنا علي تقدير قدرته عليه لم تصح توبته ام ليس بشرط فتصح؟ الاکثر علي الثاني بل نقل بعض المتکلمين اجماع السلف عليه، و اولي من هذا بصحه الت

وبه من تاب في مرض مخوف غلب علي ظنه الموت فيه و اما التوبه عند حضور الموت و تيقن الفوت و هو المعبر عنه بالمعاينه فقد انعقد الاجماع علي عدم صحتها، و قد مر ما يدل عليه من الايات و الاخبار. الرابع: في انواع التوبه، قال العلامه- رحه الله-: التوبه اما ان تکون من ذنب يتعلق به- تعالي- خاصه او يتعلق به حق الادمي. و الاول اما ان يکون فعلا قبيحا کشرب الخمر و الزنا او اخلالا بواجب کترک الزکاه و الصلاه، فالاول يکفي في التوبه منه الندم عليه و العزم علي ترک العود اليه. و اما الثاني فتختلف احکامه بحسب القوانين الشرعيه، فمنه ما لا بدمع التوبه من فعله اذاء کالزکاه و منه ما يجب معه القضاء کالصلاه و منه ما يسقطان عنه کالعيدين، و هذا الاخير يکفي فيه الندم و العزم علي ترک المعاوده کما في فعل القبيح. و اما ما يتعلق به حق الادمي فيجب فيه الخروج اليهم منه، فان کان اخذ مال وجب رده علي مالکه او ورثته ان مات و لو لم يتمکن من ذلک وجب العزم عليه، و کذا ان کان حد قذف، و ان کان قصاصا وجب الخروج اليهم منه بان يسلم نفسه الي اولياء المقتول فاما ان يقتلوه او يعفو عنه بالديه او بدونها و ان کان في بعض الاعضاء وجب تسليم نفسه ليقتص منه في ذلک العضو

الي المستحق من المجني عليه او الورثه، و ان کان اضلالا وجب ارشاد من اضله و رجوعه مما اعتقده بسببه من الباطل ان امکن ذلک. و اعلم ان هذه التوابع ليست اجزاء من التوبه فان العقاب سقط بالتوبه ثم ان قام المکلف بالتبعات کان ذلک اتماما للتوبه من جهه المعني لان ترک التبعات لايمنع من سقوط العقاب بالتوبه عما تاب منه بل يسقط العقاب و يکون ترک القيام بالتبعات بمنزله ذنوب مستانفه يلزمه التوبه منها، نعم التائب اذا فعل التبعات بعد اظهار توبته کان ذلک دلاله علي صدق الندم و ان لم يقم بها امکن جهله دلاله علي عدم صحه الندم. ثم قال- رحمه الله-: المغتاب اما ان يکون قد بلغه اغتيابه اولا، و يلزم الفاعل للغيبه في الاول الاعتذار عنه اليه لانه اوصل اليه ضرر الغم فوجب عليه الاعتذار منه و الندم عليه، و في الثاني لايلزمه الاعتذار و لا الاستحلال منه لانه لم يفعل به الما، و في کلا القسمين يجب الندم لله- تعالي- لمخالفه النهي و العزم علي ترک المعاوده. و قال المحقق في التجريد: و في ايجاب التفصيل مع الذکر اشکال. و قال العلامه: ذهب قاضي القضاه الي ان التائب ان کان عالما بذنوبه علي التفصيل وجب عليه التوبه عن کل واحده منها مفصلا و ان کان يعلمها عل

ي الاجمال وجب عليه التوبه کذلک مجملا و ان کان يعلم بعضها علي التفصيل و بعضها علي الاجمال وجب عليه التوبه عن المفصل بالتفصيل و عن المجمل بالاجمال، و استشکل المصنف- رحمه الله- ايجاب التفصيل مع الذکر لامکان الاجتزاء بالندم علي کل قبيح وقع منه و ان لم يذکره مفصلا. ثم قال المحقق- رحمه الله-: و في وجبوب التجديد اشکال. و قال العلامه- قدس سره-: اذا تاب المکلف عن معصيه ثم ذکرها، هل يجب عليه تجديد التوبه؟ قال ابوعلي: نعم، بناء علي ان المکلف القادر بقدره لاينفک عن الضدين: اما الفعل او الترک، فعند ذکر المعصيه اما ان يکون نادما عليها او مصرا عليها، و الثاني قبيح فيجب الاول. و قال ابوهاشم: لايجب لجواز خلو القادر بقدره عنهما. ثم قال المحقق: و کذا المعلول مع العله. و قال الشارح: اذا فعل المکلف العله قبل وجود المعلول هل يجب عليه الندم علي المعلول او علي العله او عليهما؟ مثاله الرامي اذا رمي قبل الاصابه، قال الشيوخ: عليه الندم علي الاصابه لانها هي القبيح و قد صارت في حکم الموجود لوجوب حصوله عند حصول السبب، و قال القاضي: يجب عليه ندمان: احدهما علي الرمي لانه قبيح و الثاني علي کونه مولدا للقبيح، و لايجوز ان يندم علي المعلول لان

الندم علي القبيح انما هو لقبحه و قبل وجوده لاقبح. الخامس: اعلم انه لاخلاف بين المتکلمين في وجوب التوبه سمعا، و اختلفوا في وجوبها عقلا. فاثبته المعتزله لدفعها ضرر العقاب. قال الشيخ البهائي- رحمه الله-: هذا لايدل علي وجوب التوبه عن الصغائر ممن يجتنب الکبائر لکونها مکفره و لهذا ذهبت البهشميه الي وجوبها عن الصغائر سمعا لا عقلا. نعم، الاستدلال بان الندم علي القبيح من مقتضيات العقل الصحيح يعم القسمين. و اما فوريه الوجوب، فقد صرح بها المعتزله فقالوا: يلزم بتاخيرها ساعه اثم آخر تجب التوبه منه ايضا حتي ان من اخر التوبه عن الکبيره ساعه واحده فقد فعل کبيرتين، و ساعتين اربع کبائر: الاولتان و ترک التوبه عن کل منهما، و ثلاث ساعات ثمان کبائر و هکذا. و اصحابنا يوافقونهم علي الفوريه، لکنهم لم يذکروا هذا التفصيل فيما رايته من کتبهم الکلاميه. السادس: سقوط العقاب بالتوبه مما اجمع عليه اهل الاسلام. و انما الخلاف في انه هل يجب علي الله حتي لوعاقب بعد التوبه کان ظلما او هو تفضل يفعله- سبحانه- کرما منه و رحمه بعباده؟ فالمعتزله علي الاول و الاشاعره علي الثاني، و الي الثاني ذهب شيخ الطائفه في کتاب الاقتصاد و العلامه الحلي- رحمه الله-

في بعض کتبه الکلاميه و توقف المحقق الطوسي- طاب ثراه- في التجريد. و مختار الشيخين هو الظاهر من الاخبار و ادعيه الصحيفه الکامله و غيرها، و هو الذي اختاره الشيخ الطبرسي- رحمه الله- و نسبه الي اصحابنا کما عرفت. و دليل الوجوب ضعيف مدخول کما لايخفي علي من تامل فيه. اقول: اثبتنا بعض اخبار التوبه في باب الاستغفار و باب صفات المومن و باب صفات خيار العباد و باب جوامع المکارم، و سياتي تحقيق الکبائر و الصغائر و الذنوب و انواعها و حبط الصغائر بترک الکبائر في ابوابها انشاءالله- تعالي-.


صفحه 490.