حكمت 278











حکمت 278



[صفحه 436]

بيان: طوبي کلمه تستعمل في مقام المدح و الاستحسان و التعجب من حسن الشي‏ء و کماله. و خبات الشي‏ء اخبوه اخفيته. يوم سوء بالفتح اي يوم نقص و بليه و زوال. و اخفاء الدهر ذلک اليوم کنايه عن جهل الناس باسبابه و انه ياتيهم بغته، او غفلتهم عن عدم ثبات زخارف الدنيا و سرعه زوالها. ثم انه يحتمل ان يکون ما ورد في هذا الخبر و الخبر السابق اشاره الي تاثير العيون کما مر، او الي ان من لوازم الدنيا انه اذا انتهت فيها حال شخص في الرفعه و العزه الي غايه الکمال فلابد ان يرجع الي النقص و الزوال، فقولهم طوبي له و استحسانهم اياه و رفع ابصارهم اليه من شواهد الرفعه و الکمال، و هو علامه الاخذ في الهبوط و الاضمحلال. و قد يخطر بالبال ان ما ورد في العين و تاثيرها يمکن ان يکون اشاره الي هذا المعني، و ان کان بعيدا من بعض الايات و الاخبار، و يمکن تاويلها اليه و تطبيقها عليه کما لايخفي علي اولي الابصار. و ما ورد من ذکر الله و الدعاء عند ذلک لاينافيه بل يويده، فان امثال ذلک موجبه لدوا النعمه و استمرارها، و الله يعلم حقائق الامور و دقائق الاسرار. نقل و تحقيق (في حقيقه السحر) اعلم ان اصحابنا و المخالفين اختلفوا في حقيقه السحر، و انه

هل له حقيقه او محض توهم. و لنذکر بعض کلماتهم في ذلک. قال الشيخ- قدس سره- في الخلاف: السحر له حقيقه، و يصح منه ان يعقد و يوثر و يسحر فيقتل و يمرض و يکوع الايدي و يفرق بين الرجل و زوجته، و يتفق له ان يسحر بالعراق رجلا بخراسان فيقتله عند اکثر اهل العلم و ابي‏حنيفه و اصحابه و مالک و الشافعي. و قال ابوجعفر الاستر آبادي: لا حقيقه له، و انما هو تخييل و شعبده. و به قال المغربي من اهل الظاهر، و هو الذي يقوي في نفسي. و يدل عليه قوله- تعالي-: فاذا حبالهم- الايه و ذلک ان القوم جعلوا من الحبال کهيئات الحيات و طلوا عليها الزيبق و اخذوا الموعد علي وقت تطلع فيه الشمس حتي اذا وقعت علي الزيبق تحرک فخيل لموسي- عليه‏السلام- انها حيات و لم يکن لها حقيقه، و کان هذا في اشد وقت الحر فالقي موسي عصاه فابطل عليهم السحر فامنوا به. و ايضا فان الواحد منا لايصح ان يفعل في غيره و ليس بينه و بينه اتصال و لا اتصال يتصل بما يفعل فيه، فکيف يفعل من هو ببغداد فيمن هو بالحجاز و ابعد منها؟! و لاينفي هذا قوله- تعالي-: و لکن الشياطين کفروا يعلمون الناس السحر لان ذلک لانمنع منه، و انما الذي منعنا منه ان يوثر الساحر الذي يدعونه، فاما ان يفعلوا ما يتخي

ل عنه اشياء، فلا نمنع منه. و رووا عن عائشه... اقول: ثم ذکر نحوا مما مر من سحر اليهودي النبي- صلي الله عليه و آله- ثم قال: و هذه اخبار آحاد لايعمل عليها في هذا المعني. و قد روي عن عائشه انها قالت: سحر رسول‏الله- صلي الله عليه و آله- فما عمل فيه السحر و هذا معارض ذلک. ثم قال- قدس سره-: اذا اقر انه سحر قتل بسحره متعمدا لايجب عليه القود، و به قال ابوحنيفه، و قال الشافعي: يجب عليه القود. دليلنا ان الاصل برائه الذمه، و ان هذا مما يقتل به يحتاج الي دليل. و ايضا فقد بينا ان الواحد لايصح ان يقتل غيره بما لايباشره به الا ان يسقيه ما يقتل به علي العاده مثل السم، و ليس السحر بشي‏ء من ذلک. و قد روي اصحابنا ان الساحر يقتل، و الوجه فيه ان هذا فساد في الارض و السعي فيها به فلاجل ذلک وجب فيه القتل. و قال العلامه- نور الله مرقده- في التحرير: السحر عقد و رمي کلام يتکلم به او يکتبه او يعمل شيئا يوثر في بدن المسحور او قلبه او عقله من غير مباشره، و قد يحصل به القتل و المرض و التفريق بين الرجل و المراه و بغض احدهما لصاحبه و محبه احد الشخصين للاخر. و هل له حقيقه‏ام لا؟ فيه نظر. ثم قال و السحر الذي يجب فيه القتل هو ما يعد في العرف س

حرا، کما نقل الاموي في مغازيه ان النجاشي دعا السواحر فنفخن في احليل عماره بن الوليد فهام مع الوحش، فلم يزل معها الي اماره عمر بن الخطاب فامسکه انسان، فقال: خلني و الامت، فلم يخله فمات من ساعته. و قيل: ان ساحره اخذها بعض الامراء فجاء زوجها کالهائم، فقال: قولوا لها تخل عني! فقالت: ائتوني بخيوط و باب! فاتوا بذلک فجلست و جعلت تعقد فطاربها الباب فلم يقدروا عليها، و امثال ذلک. و اما الذي يعزم علي المصروع و يزعم انه يجمع الجن و ياسرها فتطيعه، فلايتعلق به حکم، و الذي يحل السحر بشي‏ء من القرآن و الذکر و الاقسام فلا باس به و ان کان بالسحر حرم علي اشکال. و قال في موضع آخر منه: الذي اختاره الشيخ- رحمه الله- انه لاحقيقه للسحر، و في الاحاديث ما يدل علي ان له حقيقه. فعلي ما ورد في الاخبار لو سحره فمات بسحره ففي القود اشکال، و الاقرب الديه... الي آخر ما قال. و قال في المنتهي نحوا من اول الکلام ثم قال: و اختلف في انه له حقيقه ام لا. قال الشيخ- رحمه الله- لاحقيقه له و انما هو تخييل، و هو قول بعض الشافعيه، و قال الشافعي: له حقيقه. و قال اصحاب ابي‏حنيفه: ان کان يصل الي بدن المسحور کدخان و نحوه جاز ان يحصل منه ما يوثر في نفس المس

حور من قتل او مرض او اخذ الرجل عن امراته فيمنعه وطيها او يفرق بينهما او يبغض احدهما الي الاخر او يحببه اليه. فاما ان يحصل المرض و الموت من غير ان يصل الي بدنه شي‏ء فلايجوز ذلک. ثم ذکر- رحمه الله- احتجاج الطرفين بايه يخيل اليه و سوره الفلق، ثم قال: و روي الجمهور عن عائشه ان النبي- صلي الله عليه و آله- سحر حتي يري انه يفعل الشي‏ء و لايفعله، و انه قال لها ذات يوم: اشعرت ان الله- تعالي- افتاني فيما استفتيته انه اتاني ملکان فجلس احدهما عند راسي و الاخر عند رجلي، فقال: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب. قال: من طبه؟ قال: لبيد بن اعصم اليهودي في مشط و مشاطه في جف طلعه في بئرذي ازوان. رواه البخاري. و جف الطلعه وعاوها، و المشاطه الشعر الذي يخرج من شعر الراس و غيره اذا مشط، فقد اثبت لهم سحرا. و هذا القول عندي باطل، و الروايات ضعيفه خصوصا روايه عائشه لاستحاله تطرق السحر الي الانبياء- عليهم السلام-. ثم قال: ان کان للسحر حقيقه فهو ما يعد في العرف سحرا، ثم ذکر القصتين للنجاشي و الساحره، ثم قال: فهذا و امثاله مثل ان يعقد الرجل المزوج فلايطيق و طي امراته هو السحر المختلف فيه، فاما الذي يقال من العزم علي المصروع فلايدخل تحت هذا الحک

م، و هو عندي باطل لاحقيقه له و انما هو من الخرافات. و قال الشهيد- رفع الله درجته- في الدروس: تحرم الکهانه و السحر بالکلام و الکتابه و الرقيه و الدخنه بعقاقير الکواکب و تصفيه النفس و التصوير و العقد و النفث و الاقسام و العزائم بما لايفهم معناه و يضر بالغير فعله. و من السحر الاستخدام للملائکه و الجن و استنزال الشياطين في کشف الغائب و علاج المصاب، و منه الاستحضار بتلبيس الروح ببدن منفعل کالصبي و المراه و کشف الغائب عن لسانه. و منه النير نجات، و هي اظهار غرائب خواص الامتزاجات و اسرار النيرين، و تلحق به الطلسمات، و هي تمزيج القوي العاليه الفاعله بالقوي السافله المنفعله ليحدث عنها فعل غريب. فعمل هذا کله و التکسب به حرام، و الاکثر علي انه لا حقيقه له، بل هو تخييل. و قيل: اکثره تخييل و بعضه حقيقي، لانه- تعالي- وصفه بالعظمه في سحره فرعون، و من التخييل احداث خيالات لاوجود لها في الحس المشترک للتاثير في شي‏ء آخر و ربما ظهر الي الحس. و تلحق به الشعبذه، و هي الافعال العجيبه المرتبه علي سرعه اليد بالحرکه فيلبس علي الحس و قيل: الطلسمات کانت معجرات للانبياء. و اما الکيمياء فيحرم المسمي بالتکليس بالزيبق وا لکبريت و الزاج و ا

لتصديه و بالشعر والبيض و المرار و الادهان کما تفعله الجهال، اما سلب الجواهر خواصها و افادتها خواص اخري بالدواء المسمي بالاکسيرا و بالنار الملينه الموقده علي اصل الفلزات او لمراعاه نسبها في الحجم و الوزن، فهذا مما لايعلم صحته هو تجنب ذلک کله اولي و احري. و قال الشهيد الثاني- رفع الله مقامه-: السحر هو کلام او کتابه او رقيه او اقسام و عزائم و نحوها يحدث بسببها ضرر علي الغير و منه عقد الرجل عن زوجته بحيث لايقدر علي وطيها و القاء البغضاء بينهما، و منه استخدام الملائکه و الجن و استنزال الشياطين في کشف الغائبات و علاج المصاب، و استحضارهم و تلبسهم ببدن صبي او امراه و کشف الغائب علي لسانه، فتعلم ذلک و اشباهه و عمله و تعليمه کله حرام و التکسب به سحت و يقتل مستحله. و لو تعلمه ليتوقي به او ليدفع به المتنبي بالسحر فالظاهر جوازه و ربما وجب علي الکفايه کما هو خيره الدورس. و يجوز حله بالقرآن و الاقسام کما ورد في روايه القلا. و هل له حقيقه او هو تخييل؟ الاکثر علي الثاني و يشکل بوجدان اثره في کثير من الناس علي الحقيقه، و التاثر بالوهم انما يتم لو سبق للقابل علم بوقوعه، و نحن نجد اثره فيمن لايشعر به اصلا حتي يضربه. و لو حمل تخي

يله علي ما تظهر من تاثيره في حرکات الحيات و الطيران و نحوهما امکن، لا في مطلق التاثير و احضار الجان و شبه ذلک فانه امر معلوم لايتوجه دفعه. ثم قال: و الکهانه عمل يوجب طاعه بعض الجان له و اتباعه (له) بحيث ياتيه بالاخبار و هو قريب من السحر. ثم قال: و الشعبذه عرفوها بانها الحرکات السريعه التي تترتب عليها الافعال العجيبه، بحيث يتلبس علي الحس الفرق بين الشي‏ء و شبهه لسرعه الانتقال منه الي شبهه. اقول: و نحو ذلک قال المحقق الاردبيلي- روح الله روحه- في شرح الارشاد و قال: الظاهر ان له حقيقه بمعني انه يوثر بالحقيقه لا انه انما يتاثر بالوهم فقط و لهذا نقل تاثيره في شخص لم يعرف و لايشعر بوقوعه فيه، نعم يمکن ان لا حقيقه له بمعني ان لايوجد حيوان بفعله، بل يتخيل کقوله- تعالي-: يخيل اليه من سحرهم انها تسعي مع انه لاثمره في ذلک، اذلا شک في عقابه و لزوم الديه و عوض ما يفوت بفعل الساحر عليه. و قال ابن‏حجر في فتح الباري في العين: تقول: عنت الرجل اصبته بعينک فهو معيون و معين و رجل عاين و معيان و عيون. و العين يضر باستحسان مشوب بحسد من حيث الطبع يحصل للمبصور منه ضرر. و قد استشکل ذلک علي بعض الناس فقال: کيف يعمل العين من بعد حتي يح

صل الضرر للمعيون؟ و الجواب ان طبائع الناس تختلف، فقد يکون ذلک من سم يصل من عين العاين في الهواء الي بدن المعيون. و قد نقل عن بعض من کان معيانا انه قال: اذا رايت شيئا يعجبني وجدت حراره تخرج من عيني! و يقرب ذلک بالمراه الحائض تضع يدها في اناء اللبن فيفسد و لو وضعتها بعد طهرها لم يفسد، و کذا تدخل البستان فتضر بکثير من العروش من غير ان تمسها. و من ذلک ان الصحيح قد ينظر الي العين الرمد فيرمد و يتثاب بحضرته فيتثاب هو، اشار الي ابن‏بطال. و قال الخطابي: في الحديث ان للعين تاثيرا في النفوس و ابطال قول الطباعيين انه لا شي‏ء الا ما تدرکه الحواس الخمس و ما عدا ذلک لا حقيقه له. و قال المازري: زعم بعض الطباعيين ان العاين تنبعث من عينه قوه سميه تتصل بالمعين فيهلک او يفسد و هو کاصابه السم من نظر الافعي، و اشار الي منع الحصر في ذلک مع تجويزه و ان الذي يتمشي علي طريقه اهل السنه ان العين انما تضر عند نظر العاين بعاده اجراها الله- تعالي- ان يحدث الضر عند مقابله شخص لاخر، و هل ثم جواهر خفيه اولا؟ هو امر محتمل لايقطع باثباته و لا نفيه. و من قال ممن ينتمي الي الاسلام من اصحاب الطبائع بالقطع بان جواهر لطيفه غير مرئيه تنبعث من العاي

ن فتتصل بالمعيون و تتخلل مسام جسمه فيخلق الباري الهلاک عندها کما يخلق الهلاک عند شرب السموم. فقد اخطا بدعوي القطع، و لکنه جائز ان يکون عاده ليست ضروره و لا طبيعه. انتهي. و هو کلام سديد و قد بالغ ابن‏العربي في انکاره فقال: ذهبت الفلاسفه الي ان الاصابه بالعين صادره عن تاثير النفس بقوتها فيه، فاول ما يوثر في نفسها ثم يوثر في غيرها. و قيل: انما هو سم في عين العاين يصيبه بلفحه عند التحديق اليه، کما يصيب لفح سم الافعي من يتصل به. ثم رد الاول بانه لو کان کذلک لما تخلفت الاصابه في کل حال، و الواقع بخلافه، و الثاني بان سم الافعي جزء منها و کلها قاتل، و العاين ليس يقتل منه شي‏ء في قولهم الا بصره و هو معني خارج عن ذلک. قال: و الحق ان الله يخلق عند بصر العاين اليه و اعجابه (به) اذا شاء ما شاء من الم او هلکه، و قد يصرفه قبل و قوعه بالاستعاذه او بغيرها و قد يصرفه بعد وقوعه بالرقيه او بالاغتسال او بغير ذلک. انتهي کلامه. و فيه: (بعض) ما يتعقب، فان الذي مثل بالافعي لم يرد انها تلامس المصاب حتي يتصل به من سمها و انما اراد ان جنسا من الافاعي اشتهر انها اذا وقع بصرها علي الانسان هلک، فکذلک العاين. و ليس مراد الخطابي بالتاثير الم

عني الذي تذهب اليه الفلاسفه، بل ما اجري الله به العاده من حصول الضرر للمعيون. و قد اخرج البزاز بسند حسن عن جابر رفعه قال: اکثر من يموت بعد قضاء الله و قدره بالنفس، قال الرواي: يعني بالعين. و قد اجري الله العاده بوجود کثير من القوي و الخواص في الاجسام و الارواح، کما يحدث لمن ينظر اليه من يحتشمه من الخجل فتري في وجهه حمره شديده لم تکن قبل ذلک و کذا الاصفرار عند رويه من يخافه، و کثير من الناس يسقم بمجرد النظر اليه و يضعف قواه. و کل ذلک بواسطه ما خلق الله- تعالي- في الارواح من التاثيرات و لشده ارتباطها بالعين نسب الفعل الي العين و ليست هي الموثره، و انما التاثير للروح. و الارواح مختلفه في طبائعها و قواها و کيفياتها و خواصها، فمنها ما يوثر في البدن بمجرد الرويه من غير اتصال به لشده خبث تلک الروح و کيفيتها الخبيثه. و الحاصل ان التاثير باراده الله- تعالي- و خلقه ليس مقصورا علي الاتصال الجسماني، بل يکون تاره به و تاره بالمقابله و اخري بمجرد الرويه و اخري بتوجه الروح کالذي يحدث من الادعيه و الرقي و الالتجاء الي الله- تعالي- و تاره يقع ذلک بالتوهم و التخيل. و الذي يخرج من عين العاين سهم معنوي ان صادف بدنا لا وقايه له

اثر فيه و الا لم ينفذ السهم بل ربما رد علي صاحبه کالسهم الحسي سواء. و قال في بيان السحر: قال الراغب و غيره: السحر يطلق علي معان: احدها: مادق و لطف، و منه سحرت الصبي خدعته و استملته، فکل من استمال شيئا فقد سحره، و منه اطلاق الشعراء سحر العيون لاستمالتها النفوس، و منه قول الاطباء: الطبيعه ساحره، و منه قوله- تعالي-: بل نحن قوم مسحورون اي مصروفون عن المعرفه، و منه حديث: ان من البيان لسحرا. الثاني: ما يقع بخداع و تخييلات لا حقيقه لها، نحو ما يفعله المشعبد من صرف الابصار عما يتعاطاه بخفه يده، و الي ذلک الاشاره بقوله- تعالي-: يخيل اليه من سحرهم انها تسعي و قوله- تعالي-: سحروا اعين الناس. و من هناک سموا موسي- عليه‏السلام- ساحرا و قد يستعان في ذلک بما يکون فيه خاصيه کحجر المقناطيس. الثالث: ما يحصل بمعاونه الشياطين بضرب من التقرب اليهم، و الي ذلک الاشاره بقوله- تعالي-: ولکن الشياطين کفروا يعلمون الناس السحر. الرابع: ما يحصل بمخاطبه الکواکب و اشتراک روحانياتها بزعمهم، قال ابن‏حزم: و منه ما يوخذ من الطلسمات کالطابع المنقوش فيه صوره عقرب في وقت کون القمر في العقرب فينفع من لدغه العقرب، و قد يجمع بعضهم بين الامرين: الاستع

انه بالشياطين و مخاطبه الکواکب، فيکون ذلک اقوي بزعمهم. ثم السحر يطلق و يراد به الاله التي يسحر بها، و يطلق و يراد به فعل الساحر و الاله تاره تکون معني من المعاني فقط کالرقي و النفث، و تاره تکون من المحسوسات کتصوير صوره علي صوره المسحور، و تاره يجمع الامرين الحسي و المعنوي و هو ابلغ. و اختلف في السحر فقيل: هو تخييل فقط و لاحقيقه له، و قال النووي: و الصحيح ان له حقيقه و به قطع الجمهور و عليه عامه العلماء و يدل عليه الکتاب و السنه امشهوره. انتهي. لکن محل النزاع انه: هل يقع بالسحر انقلاب عين اولا؟ فمن قال انه تخييل فقط منع من ذلک، و من قال له حقيقه اختلفوا (في انه) هل له تاثير فقط بحيث يغير المزاج فيکون نوعا من الامراض او ينتهي الي الا حاله بحيث يصير الجماد حيوانا مثلا و عکسه؟ فالذي عليه الجمهور هو الاول، و ذهبت طائفه قليله الي الثاني. فان کان بالنظر الي القدره الالهيه فمسلم و ان کان بالنظر الي الواقع فهو محل الخلاف، فان کثير ممن يدعي ذلک لايستطيع اقامه البرهان عليه. و نقل الخطابي ان قوما انکروا السحر مطلقا و کانه عني القائلين بانه تخييل فقط و الا فهي مکابره. و قال المازري: جمهور العلماء علي اثبات السحر و ان له ح

قيقه و نفي بعضهم حقيقته و اضاف ما يقع منه الي خيالات باطله، و هو مردود لو ورود النقل باثبات السحر و لان العقل لاينکر ان الله- تعالي- قد يخرق العاده عند نطق الساحر بکلام ملفق و ترکيب اجسام او مزج بين قوي علي ترتيب مخصوص، و نظير ذلک ما يقع من حذاق الاطباء من مزج العقاقير ببعض حتي ينقلب الضار منها بمفرده فيصير بالترکيب نافعا. و قيل: لايزيد تاثير السحر علي ما ذکر الله- تعالي- في قوله: ما يفرقون به بين المرء و زوجه لکون المقام مقام تهويل، فلو جاز ان يقع اکثر من ذلک لذکره. قال المازري: و الصحيح من جهه العقل انه يجوز ان يقع به اکثر من ذلک، قال: و الايه ليست نصا في منع الزياده و لو قلنا انه ظاهره في ذلک. ثم قال: و الفرق بين السحر و المعجزه و الکرامه ان السحر يکون بمعاناه اقوال و افعال حتي يتم للساحر ما يريد، و الکرامه لا تحتاج الي ذلک بل انما تقع غالبا اتفاقا، و اما المعجزه فتمتاز من الکرامه بالتحدي. و نقل امام الحرمين الاجماع علي ان السحر لايظهر الا عن فاسق و الکرامه لاتظهر عن الفاسق. و نقل النووي في زيادات الروضه عن المستولي نحو ذلک و ينبغي ان يعتبر بحال من يقع الخارق منه، فان کان متمسکا بالشريعه متجنبا للموبقات ف

الذي يظهر علي يده من الخوارق کرامه و الا فهو سحر لانه ينشا عن احد انواعه کاعانه الشياطين. و قال القرطبي: السحر حيل صناعيه يتوصل اليها بالاکتساب غير انها لدقتها لايتوصل اليها الا آحاد الناس. و مادتها الوقوف علي خواص الاشياء و العلم بوجوه ترکيبها و اوقاته، و اکثرها تخييلات بغير حقيقه و ايهامات بغير ثبوت فيعظم عند من لايعرف ذلک، کما قال الله- تعالي- عن سحره فرعون: و جاووا بسحر عظيم، مع ان حبالهم و عصيهم لم تخرج عن کونها جبالا و عصيا. ثم قال: و الحق ان لبعض اصناف السحر تاثيرا في القلوب کالحب و البغض و القاء الخير و الشر في الابدان بالالم و السقم، و انما المنکر ان الجماد ينقلب حيوانا و عکسه بسحر الساحر و نحو ذلک. انتهي. و قال شارح المقاصد: السحر اظهار امر خارق للعاده من نفس شريره خبيثه بمباشره اعمال مخصوصه يجري فيها التعلم و التلمذ، و بهذين الاعتبارين يفارق المعجره و الکرامه و بانه لايکون بحسب اقتراح المعترض و بانه يختص ببعض الازمنه او الامکنه او الشرائط و بانه قد يتصدي لمعارضته و يبذل الجهد في الاتيان بمثله و بان صاحبه ربما يعلن بالفسق و يتصف بالرجس في الظاهر و الباطن و الخزي في الدنيا و الاخره... الي غير ذلک من

وجوه المفارقه. و هو عند اهل الحق جائز عقلا ثابت سمعا و کذلک الاصابه بالعين. و قالت المعتزله: هو مجرد ارائه مالا حقيقه له منزله الشعبده التي سببها خفه حرکات اليد او خفاء وجه الحيله فيه. لنا علي الجواز ما مر في الاعجاز، من امکان الامر في نفسه و شمول قدره الله له فانه هو الخالق و انما الساحر فاعل و کاسب، و ايضا اجماع الفقهاء و انما اختلفوا في الحکم. و علي الوقوع وجوه: منها قوله- تعالي-: يعلمون الناس السحر و ما انزل علي الملکين ببابل هاروت و ماروت- الي قوله- فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء و زوجه و ما هم بضارين به من احد الا باذن لله. و فيه اشعار بانه ثابت حقيقه، ليس مجرد ارائه و تمويه و بان الموثر و الخالق هو الله- تعالي- وحده. و منها سوره الفلق، فقد اتفق جمهور المسلمين علي انها نزلت فيما کان من سحر لبيد بن اعصم اليهودي لرسول‏الله- صلي الله عليه و آله- حتي مرض ثلاث ليال. و منها ما روي ان جاريه سحرت عايشه و انه سحر ابن‏عمر حتي تکوعت يده. فان قيل: لوصح السحر لاضرت السحره بجميع الانبياء و الصالحين و لحصلوا لانفسهم الملک العظيم، و کيف يصح ان يسحر النبي- صلي الله عليه و آله- و قد قال الله: و الله يعصمک من النا

س- و لايفلح الساحر حيث اتي. و کانت الکفره يعيبون النبي- صلي الله عليه و آله- بانه مسحور، مع القطع بانهم کاذبون. قلنا: ليس الساحر يوجد في کل عصر و زمان و بکل قطر و مکان و لاينفذ حکمه کل اوان و لا له يدفي کل شي‏ء و النبي- صلي الله عليه و آله- معصوم من ان يهلکه الناس او يوقع خللا في نبوته لا ان يوصل ضررا و الما الي بدنه، و مراد الکفار بکونه مسحورا انه مجنون ازيل عقله بالسحر حيث ترک دينهم. فان قيل: قوله- تعالي- في قصه موسي- عليه‏السلام- يخيل اليه من سحرهم انها تسعي يدل علي انه لا حقيقه للسحر، و انما هو تخييل و تمويه. قلنا: يجوز ان يکون سحرهم ايقاع ذلک التخيل و قد تحقق، و لو سلم فکون اثره في تلک الصوره هو التخييل لايدل علي انه لاحقيقه له اصلا. و اما الاصابه بالعين و هو ان يکون لبعض النفوس خاصيه انها اذا استحسنت شيئا لحقه الافه، فثبوتها يکاد يجري مجري المشاهدات التي لاتفتقر الي حجه، و قد قال النبي- صلي الله عليه و آله-: العين حق يدخل الرجل القبر و الجمل القدر. و قد ذهب کثير من المفسرين الي ان قوله- تعالي-: و ان يکاد الذين کفروا ليز لقونک بابصارهم لما سمعوا الذکر و يقولون- الايه نزلت في ذلک. و قالوا: کان العين في بن

ي‏اسد، فکان الرجل منهم يتجوع ثلاثه ايام فلايمربه شي‏ء يقول فيه: لم ارکاليوم الا عانه، فالتمس الکفار من بعض من کانت له هذه الصنعه ان يقول في رسول‏الله- صلي الله عليه و آله- ذلک، فعصمه الله. و اعترض الجبائي ان القوم ما کانوا ينظرون الي النبي- صلي الله عليه و آله- نظر استحسان بل مقت و نقص. و الجواب انهم کانوا يستحسنون منه الفصاحه و کثيرا من الصفات و ان کانوا يبغضونه من جهه الدين. ثم للقائلين بالسحر و العين اختلاف في جواز الاستعانه بالرقي و العوذ و في جواز تعليق التمائم و في جواز النفث و المسح. و لکل من الطرفين اخبار و آثار، و الجواز هو الارجح و المساله بالفقيهات اشبه. انتهي. و اقول: الذي ظهر لنا مما مضي من الايات و الاخبار و الاثار ان للسحر تاثيرا ما في بعض الاشخاص و الابدان کاحداث حب او بغض او هم او فرح، و اما تاثيره في احياء شخص او قلب حقيقه الي اخري کجعل الانسان بهيمه فلاريب في نفيهما و انهما من المعجزات. و کذا في کل ما يکون من هذا القبيل کابراء الاکمه و الابرص و اسقاط يد بغير جارحه او وصل يد مقطوع او اجراء الماء الکثير من بين الاصابع او من حجر صغير و اشباه ذلک. و الظاهر ان الاماته ايضا کذلک، فانه بعيد ان يق

در الانسان علي ان يقتل رجلا بغير ضرب و جرح و سم و تاثير ظاهر في بدنه و ان امکن ان يکون الله- تعالي- جعل لبعض الاشياء تاثيرا في ذلک و نهي عن فعله، کما انه- سبحانه- جعل الخمر مسکرا و نهي عن شربه و جعل الحديد قاطعا و منع من استعماله في غير ما احله، و کذا التمريض، لکنه اقل استبعادا. فان قيل: مع تجويز ذلک يبطل کثير من المعجزات، و يحتمل فيه السحر. قلنا: قد مر ان المعجزه تحدث عند طلبها بلا آلات و ادوات و مرور زمان يمکن فيه تلک الاعمال بخلاف السحر، فانه لايحصل الا بعد استعمال تلک الامور و مرور زمان. و ايضا الفرق بين السحر و المعجز(ه) بين عند العارف بالسحر و حقيقته و لذا حکم بعض الاصحاب بوجوب تعلمه کفايه. و يروي عن شيخنا البهائي- قدس الله روحه- انه لو کان خروج الماء من بين اصابع النبي- صلي الله عليه و آله- مع قبض يده و ضم اصابعه الي کفه کان يحتمل السحر و اما مع بسط الاصابع و تفريجها فلا يحتمل السحر، و ذلک واضح عند من له دربه في صناعه السحر. و ايضا معجزات الانبياء لاتقع علي وجه تکون فيه شبهه لاحد الا ان يقول معاند بلسانه ما ليس في قلبه، فان الساحر ربما يخيل و يظهر قطرات من الماء من بين اصابعه او کفه او من حجر صغير و ا

ما ان يجري انهار کبيره بمحض ضرب العصا او يروي کثيرا من الناس و الدواب بما يجري من بين اصابعه بلا معاناه عمل او استعانه باله، فهذا مما يعرف کل عاقل انه لايکون من السحر، و کذا اذا دعا علي احد فمات او مرض من ساعته، فان مثل هذا لايکون سحرا بديهه. و اما جهه تاثيره، فما کان من قبيل التخييلات و الشعبده فاسبابها ظاهره عند العاملين بها تفصيلا و عند غيرهم اجمالا، کما مرفي سحر سحره فرعون و استعانتهم بالزئبق او ارادئتهم اشياء بسرعه اليد لاحقيقه لها. و اما حدوث الحب و البغض و الهم و امثالها، فالظاهر ان الله- تعالي- جعل لها تاثيرا و حرمها کما او مانا اليه و هذا مما لاينکره العقل، و يحتمل ان يکون للشياطين ايضا مدخلا في ذلک. و يقل او يبطل تاثيرها بالتوکل و الدعاء و الايات و التعويذات. و لذا کان شيوع السحر و الکهانه و امثالها في الفترات بين الرسل و خفاء آثار النبوه و استيلاء الشياطين اکثر و تضعف و تخفي تلک الامور عند نشر آثار الانبياء و سطوع انوارهم کامثال تلک الازمنه، فانه ليس من دارو لابيت الا و فيه مصاحف کثيره و کتب جمه من الادعيه و الاحاديث و ليس من احد الا و معه مصحف او عوذه او سوره شريفه و قلوبهم و صدورهم مشحونه بذلک، ف

لذا لانري منها اثرا بينا في تلک البلاد الا نادرا في البلهاء و الضعفاء و المنهمکين في المعاصي، و قد نسمع ظهور بعض آثارها في اقاصي البلاد لظهور آثار الکفر و ندور انوار الايمان فيها، کاقاصي بلاد الهند و الصين و الترک. و اما تاثير السحر في النبي و الامام- صلوات الله عليهما- فالظاهر عدم وقوعه و ان لم يقم برهان علي امتناعه اذا لم ينته الي حد يخل بغرض البعثه کالتخبيط و التخليط، فانه اذا کان الله- سبحانه- اقدر الکفار لمصالح التکليف علي حبس الانبياء و الاوصياء- عليهم‏السلام- و ضربهم و جرحهم و قتلهم باشنع الوجوه، فاي استحاله علي ان يقدروا علي فعل يوثر فيهم هما و مرضا؟ لکن لما عرفت ان السحر يندفع بالعوذ و الايات و التوکل و هم- عليهم‏السلام- معادن جميع ذلک، فتاثيره فيهم مستبعد و الاخبار الوارده في ذلک اکثرها عاميه و او ضعيفه و معارضه بمثلها، فيشکل التعويل عليها في اثبات مثل ذلک. و اما ما يذکر من بلاد الترک انهم يعملون ما يحدث به السحب و الامطار، فتاثير اعمال مثل هولاء الکفره في الاثار العلويه و ما به نظام العالم مما يابي عنه العقول السليمه و الافهام القويمه و لم يثبت عندنا بخبر من يوثق بقوله. و اما العين، فالظاهر من الا

يات و الاخبار ان لها تحققا ايضا، اما بان جعل الله- تعالي- لذلک تاثيرا و جعل علاجه التوکل و التوسل بالايات و الادعيه الوارده في ذلک او بان الله- تعالي- يفعل في المعين فعلا عند حدوث ذلک لضرب من المصلحه، و قد او مانا الي وجه آخر فيما مر. و بالجمله لايمکن انکار ذلک راسا لما يشاهد من ذلک عينا و ورود الاخبار به مستفيضا، و الله يعلم و حججه- عليهم‏السلام- حقائق الامور.


صفحه 436.