خطبه 001-آغاز آفرينش آسمان و...











خطبه 001-آغاز آفرينش آسمان و...



[صفحه 23]

بيان: الفقره الاولي اقرار بالعجز عن الحمد باللسان کما ان الثانيه اعتراف بالقصور عن الشکر بالجنان، و الثاثه عن العمل بالارکان. و الهمه القصد و الاراده و بعدها علوها و تعلقها بالامور العاليه، اي لا تدرکه الهمم العاليه المتعرضه لصعاب الامور الطائره الي ادراک عوالي الامور. و الفطن بکسر الفاء و فتح الطاء- جمع فطنه بالکسر-، الحذق وجوده استعداد الذهن لتصور ما يرد عليه، اي لا يصل الي کنه حقيقته الفطن الغائصه في بحار الافکار. قوله- عليه‏السلام- الذي ليس لصفته اي لا يدخل في صفاته الحقيقيه حد محدود من الحدود و النهايات الجسمانيه، و يحتمل ان يکون الصفه بمعني التوصيف اي لا يمکن توصيفه بحد. و وصف الحد بالمحدود اما لان کل حد من الحدود الجسمانيه فله حد ايضا کالسطح ينتهي الي الخطوط مثلا، او علي المبالغه کقولهم: شعر شاعر. و يمکن ان يقرا علي الاضافه و ان کان خلاف ما هو المضبوط، و يمکن ان يکون المعني: انه ليس لتوصيفه- تعالي- بصفات کماله حد ينتهي اليه بل محامده اکثر من ان تحصي. و لا يوصف ايضا بنعت موجود اي بالصفات الزائده ردا علي الاشعري، و انما قيد بقوله موجود اذ لا ضير في توصيفه بالصفات الاعتباريه و الاضافيه، و يحت

مل ان يکون المراد نعت موجود في المخلوقين، او يکون الموجود من الوجدان اي نعت يحيط به العقل. و احتمال الاضافه فيها و في قرينتيها باق مع بعده. و لا يمکن وصفه ايضا بالوقت و الاجل، و الفرق بينهما باعتبار الابتداء و الانتهاء اي ليس له وقت معدود من جهه الازل و لا اجل موجل ممدود من جهه الابد. و قال ابن ابي الحديد: يعني بصفته ههنا کنهه و حقيقته، يقول: ليس لکنهه حد فيعرف بذلک الحد قياسا علي الاشياء المحدوده لانه ليس بمرکب و کل محدود مرکب. ثم قال: و لا نعت موجود اي لا يدرک بالرسم کما يدرک الاشياء برسومها و هو ان يعرف بلازم من لوازمها و صفه من صفاتها. ثم قال: و لا وقت معدود و لا اجل ممدود. و فيه اشاره الي الرد علي من قال: انا نعلم کنه الباري- تعالي- لا في هذه الدنيا بل في الاخره. و قال ابن ميثم: المراد انه ليس لمطلق ما يعتبره عقولنا له من الصفات السلبيه و الاضافيه نهايه معقوله تقف عندها فيکون حدا له، و ليس لمطلق ما يوصف به ايضا وصف موجود يجمعه فيکون نعتا له و منحصرا فيه. ثم قال: ليس لصفته حد اي ليس لها غايه بالنسبه الي متعلقاتها کالعلم بالنسبه الي المعلومات، و القدره الي المقدورات. انتهي. و لا يخفي بعد تلک الوجوه. و (ال

فطر) الابتداع، و (الخلائق) جمع خليقه بمعني المخلوق او الطبيعه، و الاول اظهر. (و نشر الرياح) اي بسطها برحمته اي بسبب المطر او الاعم، و يويد الاول قوله- تعالي-:(هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته). (وتد بالصخور) يقال: وتد اي ضرب الوتد في حائط او غيره، و الصخور حجاره العظام. و الميدان بالتحريک، الحرکه بتمائل و هو الاسم من ما ديميد ميدا و هو من اضافه الصفه الي موصوفها و التقدير: (و تد بالصخور ارضه المائده)، و انما اسند الي الصفه لانها العله في ايجاد الجبال کما قال- تعالي-: (و القي في الارض رواسي ان تميد بکم) و قال: (و الجبال اوتادا) ثم اعلم انهم اختلفوا في انه لم صارت الجبال سببا لسکون الارض علي اقوال: الاول: ان السفينه اذا القيت علي وجه الماء فانها تميل فاذا وضعت فيها اجرام ثقيله استقرت، و لعل غرضهم ان الارض اذا لم توتد بالجبال لامکن ان تتحرک بتموج الهواء و نحوه حرکه قسريه. الثاني: ما ذکره الفخر الرازي حيث قال: قد ثبت ان الارض کره و ان هذه الجبال بمنزله خشونات و تضريسات علي وجه الکره فلو فرضنا ان الارض کانت کره حقيقه لتحرکت بالاستداره بادني سبب لان الجرم البسيط المستدير يجب کونه متحرکا علي نفسه بادني سبب و

ان لم تجب حرکته بنفسه عقلا، اما اذا حصل علي سطحها هذه الجبال فکل واحد انما يتوجه بطبعه الي المرکز فيکون بمنزله الاوتاد، و لا يخفي ما فيه من التشويش و الفساد. الثالث: ما يخطر بالبال و هو ان يکون مدخليه الجبال لعدم اضطراب الارض بسبب اشتباکها و اتصال بعضها ببعض في اعماق الارض بحيث تمنعها عن تفتت اجزائها و تفرقها فهي بمنزله الاوتاد المغروزه المثبته في الابواب المرکبه من قطع الخشب الکثيره بحيث تصير سببا لا لتصاق بعضها ببعض و عدم تفرقها، و هذا معلوم ظاهر لمن حفر الابار في الارض فانها تنتهي عند المبالغه في حفرها الي الاحجار الصلبه. الرابع: ما اول بعضهم الايه به و هو ان المراد بالاوتاد الانبياء و العلماء و بالارض الدنيا فانهم سبب استقرار الدنيا، و لا يخفي انه لو استقام هذا الوجه في الايه لا يجري في کلامه- عليه‏السلام- الا بتکلف لا يرتضيه عاقل. الخامس: ان يقال: المراد بالارض قطعاتها و بقاعها لا مجموع کره الارض و يکون الجبال اوتادا لها انها حافظه لها عن الميدان و الاضطراب بالزلزله و نحوها، اما لحرکه البخارات المحتقنه في داخلها باذن الله- تعالي- او لغير ذلک من الاسباب التي يعلمها مبدعها و منشئها، و يويده ماسياتي من خبر

ذي القرنين، و سياتي تمام القول في ذلک في کتاب السماء و العالم. قد مضي شرح اکثر فقرات هذه الخطبه في کتاب التوحيد و نشير هنا الي بعض ما يناسب المقام: (المدحه) بالکسر، الحاله التي تکون المادح عليها في مدحه، و الاضافه للاختصاص الخاص اي المدحه اللائقه بعزه جلاله، و لعل المراد عجز جميع القائلين و ان اجتمعوا. و (الاجتهاد) السعي البليغ، العباده. و ظاهر قوله (و لا وقت معدود و لا اجل ممدود نفي الزمان مطلقا عنه- تعالي- کالمکان و يمکن حملهما علي الازمنه المعدوده المتناهيه، و لعل الاول للماضي و الثاني للمستقبل. و (الفطر) الابتداء و الاختراع، و اصله الشق. و نشر الرياح بسطها، و کل ما جاء في القرآن بلفظ الرياح فهو للرحمه و ما ورد في العذاب فهو بلفظ المفرد، و لعله اشاره الي قله العذاب و سعه الرحمه، و يمکن ان يراد بالرحمه هذا المطر، کما قال- سبحانه-: (و هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته). و قري بالباء و النون، و قيل: زعمت العرب ان السحاب لا تلقح الا من رياح مختلفه، فيمکن ان يکون المراد بالنشر ذلک. و قال الفراء: (النشر) من الرياح الطيبه اللينه التي تنشي السحاب، و التعميم اولي لان رياح الرحمه کثيره منها اللواقح و مهيجه الس

حب الماطره و الحابسه لها بين السماء و الارض و العاصره لها حتي تمطر و المجريه للجواري في البحار و غيرها. و (وتد الشي‏ء) بالتخيف، اي جعله محکما مثبتا بالوتد. و (الصخور) جمع الصخره، و هي الحجر العظيم الصلب. و (الميدان) بالتحريک، التحرک و الاضطراب، و قد مر تحقيق ذلک و سياتي بعضه.

[صفحه 26]

قوله- عليه‏السلام- و کمال معرفته التصديق به الفرق بينهما اما بحمل المعرفه علي الاذعان بثبوت صانع في الجمله، و التصديق علي الاذعان بکونه واجب الوجود او مع سائر الصفات الکماليه او بحمل الاول علي المعرفه الفطريه و الثاني علي الاذعان الحاصل بالدليل، او لاول علي المعرفه الناقصه و الثاني علي التامه التي وصلت حد اليقين. و انما قال- عليه السلام- و کمال التصديق به توحيده لان من لم يوحده و اثبت له شريکا فقد حکم بما يستلزم امکانه فلم يصدق به بل بممکن غيره. فمن وصف الله-اي بالصفات الزائده- فقد قرنه اي جعل له شيئا يقارنه دائما. و من حکم بذلک فقد ثناه اي حکم باثنينيه الواجب اذ القديم لا يکون ممکنا، و من حکم بذلک فقد حکم بانه ذو اجزاء لترکبه مما به الاشتراک و ما به الامتياز، او لان التوصيف بالاوصاف الزائده الموجوده المتغايره لا يکون الا بسبب الاجزاء المتغايره المختلفه، او لان اله العالم و مبدعه اما ان يکون ذاته- تعالي- فقط مع قطع النظر عن هذه الصفات او ذاته معها، و الاول باطل لان الذات الخاليه عنها لا تصلح للالهيه، و کذا الثاني لان واجب الوجود اذا يصير عباره عن کثره مجتمعه من امور موجوده فکان مرکبا فکان ممکنا.

قوله- عليه السلام- (و من اشار اليه) اي بالاشاره الحسيه فقد حده بالحدود الجسمانيه او بالاشاره العقليه فقد حده بالحدود العقلانيه. و من حده فقد عده اي جعله ذا عدد و اجزاء، و قيل: (عده من الممکنات) و لا يخفي بعده. و کمال الاخلاص له نفي الصفات عنه لعل مناسبه الاخلاص لنفي الصفات ان الاخلاص في العباده بالنظر الي عامه الخلق هو ان لا يقصدوا في عبادتهم غيره- تعالي- من المخلوقين، و بالنظر الي الخواص ان يعرفوا الله بحسب وسعهم و طاقتهم بالوحدانيه ثم يعبدونه، فمن عبد الله وحده بزعمه و زعم ان له صفات زائده فلم يعبد الها واحدا بل آلهه کثيره، بل لم يعبد الله اصلا کما مر في الخبر: من عبد الاسم دون المعني فقد کفر، و من عبد الاسم و المعني فقد اشرک، و من عبد المعني بايقاع الاسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه و نطق به لسانه في سر امره و علانيته فاولئک اصحاب اميرالمومنين حقا. و قال ابن ميثم: المراد بالمعرفه المعرفه التامه التي هي غايه العارف في مراتب السلوک، و اوليتها في العقل لکونها عله غائيه، و بين الترتيب بان المعرفه تزاد بالعباده و تلقي الاوامر بالقبول، فيستعد السالک اولا بسببها للتصديق بوجوده يقينا ثم لتوحيده

ثم للاخلاص له ثم لنفي ما عداه عنه فيغرق في تيار بحار العظمه، و کل مرتبه کمال لما قبلها الي ان تتم المعرفه المطلوبه له بحسب ما في وسعه، و بکمال المعرفه يتم الدين و ينتهي السفر الي الله- تعالي-. و ما ذکرنا انسب کما لا يخفي.

[صفحه 27]

قوله- عليه‏السلام- (و لا يستوحش) کان کلمه (لا) تاکيد للنفي السابق، اي و لا سکن يستوحش لفقده او زائده کما في قوله- تعالي-: (ما منعک ان لا تسجد). و يحتمل کون الجمله حاليه. قوله- عليه‏السلام- (و الزمها اشباحها) الضمير المنصوب في قوله (الزمها) اما راجع الي الغرائز او الي الاشياء، فعلي الاول المراد بالاشباح الاشخاص اي جعل الغرائز و الصبائع لازمه لها، و علي الثاني فالمراد بها اما الاشخاص اي الزم الاشياء بعد کونها کليه اشخاصها، او الارواح اذ يطلق علي في الاخبار عالم الاشباح، و في بعض النسخ (اسناخها) اي اصولها. قوله- عليه‏السلام- (بقرائنها) اي بما يقترن بها. و (الاحناء) جمع حنو و هو الجانب و الناحيه. ج: في خطبه اخري له- عليه‏السلام- (اول عباده الله معرفته، و اصل معرفته توحيده، و نظام توحيده نفي الصفات عنه، جل ان تحله الصفات لشهاده العقول ان کل من حلته الصفات مصنوع، و شهاده العقول انه- جل جلاله- صانع ليس بمصنوع، فصنع الله يستدل عليه، و بالعقول يعقد معرفته، و بالفکر تثبت حجته، جعل الخلق دليلا عليه فکشف به عن ربوبيته، هو الواحد الفرد في ازليته، لا شريک في الهيته، و لا ندله في ربوبيته، بمضادته بين الاشياء ا

لمتضاده علم ان لا ضد له و بمقارنه بين الامور المقترنه علم ان لا قرين له. شا: ابوالحسن الهزلي عن الزهري و عيسي بن زيد عن صالح بن کيسان، ان امير المومنين- عليه‏السلام- قال في الحث علي معرفه الله- سبحانه- و التوحيد له: اول عباده الله معرفته.... الي آخر الخبر. (کائن لا عن حدث موجود لاعن عدم ظاهره الاختصاص به- سبحانه- و حدوث ما سواه، و کذا قوله- عليه‏السلام- (متوحد اذا لاسکن يستانس به) يدل علي حدوث العالم. و (الانشاء) الخلق، و الفرق بينه و بين الابتداء بان الانشاء کالخلق اعم من الابتداء، قال- تعالي-: (خلق الانسان من صلصال). و (الابتداء) الخلق من غير سبق ماده و مثال و ان لم يفهم هذا الفرق من اللغه لحسن التقابل حينئذ و ان امکن التاکيد. و (همامه النفس) اهتمامها بالامور و قصدها اليها. و (الاضطراب) الحرکه، و (الحرکه في الهمامه) الانتقال من راي الي راي او من قصد امر الي قصد امر آخر بحصول صوره، و في بعض النسخ (و لا همه نفس) بالکسر.

[صفحه 31]

(احال الاشياء لاوقاتها) في اکثر النسخ بالحاء المهمله اما من الاحاله بمعني التحويل اي نقل کلا منها الي وقتها، فاللام بمعني الي و التعليل- کما قيل- بعيد، و اما من قولهم (حال في متن فرسه) اي وثب، فعدي بالهمزه اي اقر الاشياء في اوقاتها کمن احال غيره علي فرسه- کما قيل- و لا يخفي بعده، و لعله بمعني الحواله المعروفه اظهر، و في بعض النسخ الصحيحه بالجحيم کانه- سبحانه- حرک الاشياء و رد دها في العدم حتي حضر وقتها، و في الاحتجاج:(اجل) بالجيم المشدده اي اخر. (و لام بين مختلفاتها) اي جعلها ملتئمه موتلفه کما الف بين العناصر المتخالفه في الطباع و بين النفوس و الابدان. (و غرز غرائزها و الزمها اسناخها)، (الغريزه) الخلق و الطبيعه، و (السنخ) بکسر السين و سکون النون، الاصل، و في بعض النسخ (اشباحها) جمع الشبح محرکه اي اشخاصها، و (تغريز الغرائز) ايجادها او تخصيص کال بغريزه خاصه لها او من (تغريز العود في الارض ليثمر) علي ما قيل، و الضمير المنصوب في (الزمها) راجع الي (الاشياء) کالسوابق و المعني: جعلها بحيث لا يفارقها اصولها، او جعل الاشخاص لازمه للکليات علي النسخه الاخيره، او راجع الي (الغرائز) اي جعل کل ذي غريزه او کل ش

خص بحيث لا تفارقه غريزته غالبا او مطلقا. (عالما بها قبل ابتدائها) العامل في (عالما) و ما بعدها اما (الزم) او الافعال الثلاثه الاخيره علي الترتيب او الاربعه، او العامل في الجميع قوله (انشا و ابتدء) بقرينه قوله (قبل ابتدائها). (محيطا حدودها و انتهائها) لعل المراد بالحدود الاطراف و التشخصات او الحدود الذهنيه، و بالانتهاء الانتهاء اللازم للمحدود او انقطاع الوجود. (عارفا بقرائنها) اي ما يقترن بها علي وجه الترکيب او المجاوره او العروض. و (احنائها) هي جمع (حنو) اي الجانب، و (احناء الوادي) معاطفه، و يدل علي جواز اطلاق العارف عليه- سبحانه- و منعه بعضهم.

[صفحه 32]

(ثم انشاء- سبحانه- فتق الاجواء و شق الارجاء و سکائک الهواء)، (الفتق) بالفتح، الشق و (الجو) ما بين السماء و الارض و قيل: الفضاء الواسع و (الارجاء) جمع (الرجا) مقصورا، و هي الناحيه و (السکاک و السکاکه) بضمهما، الهواء الملاقي عنان السماء. و قال في النهايه: السکاک و السکاکه الجو، و هو ما بين السماء و الارض، و منه حديث علي- عليه‏السلام- شق الارجاء و سکائک الهواء. و (سکائک) جمع (سکاکه) کذوابه و ذوائب. و (الهواء) بالمد، ما بين السماء و الارض، و يقال: کل خال هواء، و منه قوله- تعالي-: (و افئدتهم هواء). و کلمه (ثم) هنا اما للترتيب الذکري و التدرج في الکلام يکون لوجوه منها الانتقال من الاجمال الي التفصيل، و منها الاهتمام بتقديم الموخر او المقارن لوجه آخر، و يستعمل الفاء ايضا کذلک کما مر مرارا، و اما بمعني الواو المفيده لمطلق الجمع کما قيل في قوله- تعالي-: ثم اهتدي. و علي التقديرين لا ينافي کون الماء اول المخلوقات کما سياتي، و المراد بفتق الاجواء ايجاد الاجسام في الامکنه الخاليه بناء علي وجود المکان بمعني البعد و جواز الخلاء او المراد بالجو البعد الموهوم، او احد العناصر بناء علي تقدم خلق الهواء کما هو الظاهر

مما سنورده من تفسير علي بن ابراهيم، و هذا الکلام لا تصريح فيه بالصادر الاول و سياتي الکلام فيه ان شاء الله. و قوله (و شق الارجاء) کالتفسير لفتق الاجواء او المراد بالارجاء الا مکنه و الافضيه و بالاجواء عنصر الهواء. و قوله (و سکائک الهواء) بالنصب کما في کثير من النسخ معطوف علي (فتق الاجواء) اي انشاء- سبحانه- سکائک الهواء، و الجر کما في بعض النسخ اظهر عطفا علي الاجواء اي انشا فتق سکائک الهواء. قال ابن ميثم: فان قلت: ان الاجواء و الارجاء و سکائک الهواء امور عدميه فکيف تصح نسبتها الي الانشاء عن القدره؟ قلت: ان هذه الاشياء عباره عن الخلا و الاحياز، و الخلاف في ان الخلا و الحيز و المکان هل هي امور وجوديه او عدميه مشهور، فان کانت وجوديه کانت نسبتها الي القدره ظاهره و يکون معني فتقها و شقها شق العدم عنها، و ان کانت عدميه کان معني فتقها و شقها و نسبتها الي القدره تقديرها و جعلها احيازا للماء و مقرا لها لانه لما کان تميزها عن مطلق الهواء و الخلاء بايجاد الله فيها الماء صار تعينها بسبب قدرته- تعالي- فتصح نسبتها الي انشائه، فکان- سبحانه- شقها و فتقها بحصول الجسم فيها. و روي ان زراره و هشاما اختلافا في الهواء اهو مخلوق ام

لا، فرفع بعض موالي جعفر بن محمد- عليهماالسلام- اليه ذلک فقال له: اني متحير و اري اصحابنا يختلفون فيه. فقال- عليه‏السلام-: ليس هذا بخلاف يودي الي الکفر و الضلال. و اعلم انه- عليه‏السلام- انما اعرض عن بيان ذلک لان اولياء الله الموکلين بايضاح سبله و تثبيت خلقه علي صراطه المستقيم لا يلتفتون بالذات الا الي احد امرين: احدهما ما يودي الي الهدي اداء ظاهرا واضحا. و الثاني ما يصرف عن الضلال و يرد الي سواء السبيل. و بيان ان الهواء مخلوق او غير مخلوق لا يفيد کثيره فائده في امر المعاد فلا يکون الجهل به مما يضر في ذلک، فکان ترکه و الاشتغال بما هو اعم منه اولي. (انتهي کلام ابن ميثم- رحمه الله-). (فاجري فيها ماء متلاطما تياره متراکما زخاره)، (اللطم) في الاصل، الضرب علي الوجه بباطن الراحه، و تلاطمت الامواج ضرب بعضها بعضا کانه يلطمه، و (التيار) موج البحر و لجته، و (تراکم الشي‏ء) اجتمع، و (زخر البحر) مد و کثره ماوه و ارتفعت امواجه، اي انه- سبحانه- خلق الماء المتلاطم الزخار في الامواج و خلاه و طبعه اولا فجري في الهواء ثم امر الريح برده و شده کما يدل عليه قوله- عليه‏السلام- بعد ذلک (حتي تظهر قدرته). (حمله علي متن الريح العاصفه و

الزعزع القاصفه)، (المتن من کل شي‏ء) ما ظهر منه، و (المتن من الارض) ما ارتفع منه و صلب، و (عصفت الريح) اشتد هبوبها، و (الزعزعه) تحريک الشي‏ء ليقلعه و يزيله، و (ريح زعزع و زعازع) اي يزعزع الاشياء، و (قصفه- کضر به- قصفا) کسره، (قصف الرعد و غيره) اشتد صوته اي جعل الريح حال قصفهاحامله له فکان متحرکا بحرکتها، او جعل الريح التي من شانها العصف و القصف. و هذه الريح غير الهواء المذکور اولا کما سياتي في قول الصادق- عليه‏السلام- في جواب الزنديق (الريح علي الهواء و الهواء تمسکه القدره)، فيمکن ان تکون مقدمه في الخلق عليه او متاخره عنه او مقارنه له، و يمکن ان يکون المراد بها ما تحرک منه کما هو المشهور. (فامرها برده و سلطها علي شده و قرنها الي حده) اي امر الريح ان تحفظ الماء و ترده بالمنع عن الجري الذي سبقت الاشاره اليه بقوله (فاجري فيها ماء) فکان قبل الرد قد خلي و طبعه اي عن الجري الذي يقتضيه طبعه و قواها علي ضبطه کالشي‏ء المشدود و جعلها مقرونه الي انتهائه محيطه به. و لعل المراد بالامر هنا الامر التکويني کما في قوله- (تعالي)-: (کن فيکون) و قوله (تعالي): (کونوا قرده). قال الکيدري: قوله (فامرها) مجاز لان الحکيم لا يامر الجما

د به. (الهواء من تحتها فتيق و الماء من فوقها دفيق اي الهواء الذي هو محل الريح مفتوق اي مفتوح منبسط من تحت الريح الحامله للماء، و (الماء دفيق من فوقها) اي (مصبوب) مندفق، و الغرض انه- سبحانه- بقدرته ضبط الماء المصبوب بالريح الحامله له کما ضبط الريح بالهواء المنبسط و هو موضع العجب. (ثم انشا- سبحانه- ريحا اعتقم مهبها و ادام مر بها) الظاهر ان هذه الريح غير ما جعلها الله محلا للماء بل هي مخلوقه من الماء کما سياتي في الروايه، و (الاعتقام) ان تحفر البئر فاذا قربت من الماء احتفرت بئرا صغيرا بقدر ما تجد طعم الماء، فان کان عذبا حفرت بقيتها و يکون (اعتقم) بمعني صار عقيما، و منه: (الريح العقيم) و في العين: (الاعتقام) الدخول في الامر. و قال ابن ميثم تبعا للکيدري: (الاعتقام) الشد و العقد. و لم نجده في کتب اللغه. و (المهب) مصدر بمعني الهبوب او اسم مکان، و علي الاول في الاسناد توسع، و (رب) ياتي بمعني جمع و زاد و لزم و اقام، قيل: المعني ان الله- تعالي- ارسلها بمقدار مخصوص تقتضيه الحکمه و لم يرسلها مطلقا بل جعل مهبها ضيقا کما يحتفر البئر الصغير في الکبيره، و قيل: المعني جعلها عقيمه لا تلقح و هذا انما يصح لو کان الاعتقام بهذا ا

لمعني متعديا، او کان مهبها و مرفوعا و في النسخ منصوب، و قيل: و روي (اقم) فيصح، و يحتمل ان يکون بمعني شد مهبها و عقده علي ما تقتضيه الحکمه و المصلحه، و قيل: علي تقدير کون (اعتقم) بالتاء، المراد انه اخلي مهبها من العوائق و انه ارسلها بحيث لا يعرف مهبها من مربها. و هو کما تري و معني ادامه مربها جعلها ملازمه لتحريک الماء و ادامه هبوبها، و في بعض النسخ (مدبها) بالدال، اي جريها. و (اعصف مجراها) اي جريانها، او اسند الي المحل مجازا. (و ابعد منشاها) اي انشاها من مبدا بعيد، و لعله ادخل في شدتها و (المنشا) في بعض النسخ بالهمزه علي الاصل و في بعضها بالالف للازدواج. (فامرها بتصفيق الماء الزخار)، (الصفق) الضرب الذي يسمع له صوت، و (التصفيق) ايضا کذلک لکن مع شده. (و اثاره موج البحار) اي تهييجه. (فمخضته مخض السقاء)، (المخض) تحريک السقاء الذي فيه اللبن ليخرج زبده. (عصفها بالفضاء) اي عصفا شديدا لان العصف بالفضاء يکون اشد لعدم المانع. و (الساجي) الساکن. و (المائر) المتحرک، يقال: (مار الشي‏ء مورا) اي تحرک و جاء و ذهب، و به فسر قوله- تعالي-: (يوم تمور السماء مورا). و قال الضحاک: اي تموج موجا. و العباب بالضم، معظم الماء و کثرته و ا

رتفاعه، و عب عبابه اي ارتفع، و عب النبت اذا طال. و رکام الماء بالضم، ما تراکم منه و اجتمع بعضه فوق بعض. فرفعه في هواء منفتق اي رفع الله ذلک الزبد بان جعل بعضه دخانا في هواء مفتوق مفتوح بخلق ما خلق سابقا، او برفع ذلک الدخان. و في جو منفهق، و الانفهاق الاتساع و الانفتاح. قال ابن ميثم: ان القرآن الکريم نطق بان السماء تکونت من الدخان، و کلامه- عليه‏السلام- ناطق بانها تکونت من الزبد، و ماورد في الخبر ان ذلک الزبد هو الذي تکونت منه الارض، فلا بد من بيان وجه الجمع بين هذه الاشارات، فنقول: وجه الجمع بين کلامه- عليه‏السلام- و بين لفظ القرآن الکريم ما ذکره الباقر- عليه‏السلام- و هو قوله: فخرج من ذلک الموج و الزبد دخان ساطع من وسطه من غير نار فخلق منه السماء. و لا شک ان القران الکريم لا يريد بلفظ الدخان حقيقته لادن ذلک انما يکون عن النار، و اتفق المفسرون علي ان هذا الدخان لم يکن عن نار بل عن تنفس الماء و تبخيره بسبب تموجه فهو اذا استعاره للبخار الصاعد من الماء، و اذا کان کذلک فنقول: ان کلامه- عليه‏السلام- مطابق للفظ القرآن الکريم و ذلک ان الزبد بخار يتصاعد علي وجه الماء لم ينفصل فانه يخص باسم الزبد و ما لطف و غلب عليه

الاجزا الهوائيه فانفصل خص باسم البخار و اذا کان الزبد بخارا و البخار هو المراد بالدخان في القرآن الکريم کان مقصده و مقصد القران واحدا، فکان البخار المنفصل هو الذي تکونت عنه الارض و هو الزبد، و اما وجه المشابهه بين الدخان و البخار الذي صحت لاجله استعاره لفظه له فهو امران: احدهما حسي و هو الصوره المشاهده من الدخان و البخار حتي لا يکاد يفرق بينهما في الحس البصري، و الثاني معنوي و هو کون البخار اجزاء مائيه خالطت الهواء بسبب لطافتها عن حراره الحرکه کما ان الدخان کذلک و لکن عن حراره النار، فان الدخان ايضا اجزاء مائيه انفصلت عن جرم المحترق بسبب لطافتها عن حر النار فکان الاختلاف بينهما ليس الا بالسبب، فلذلک صح استعاره اسم احدهما للاخر (و بالله التوفيق). (انتهي کلام ابن ميثم- رحمه الله-). جعل سفلا هن موجا مکفوفا و عليا هن سقفا محفوظا و سمکا مرفوعا، الکف المنع، و السقف معروف، و قال الجوهري و غيره: السقف اسم للسماء. و المعروف ههنا انسب، و سمک البيت سقفه، و سمک الله السماء سمکا رفعها، و المسموکات السماوات، اي جعل السماء السفلي موجا ممنوعا من السيلان اما بامساکه بقدرته او بان خلق تحته و حوله جسما جامدا يمنعه عن الانتشار

و السيلان، او بان اجمدها بعد ما کانت سياله. و ظاهر هذا الکلام و غيره من الاخبار اختصاص الحکم بالسماء الدنيا. قال الکيدري- رحمه الله-: شبه السماء الدنيا بالموج لصفائها و ارتفاعها، او اراد انها کانت في الاول موجا ثم عقدها، و المکفوف الممنوع من السقوط. و قال ابن ميثم: شبهها بالموج في الارتفاع و اللون الموهوم، و قيل: شبهت به لارتعاد الکواکب حسا، و لعل المراد بحفظ العليا امساکها عن النقص و الهدم و السقوط و الخرق الا بامره- سبحانه-. و قال اکثر الشارحين: اي عن الشياطين و هو لا يناسب العليا بل السفلي، و يناسب ان يکون المراد بقوله- تعالي-: و جعلنا السماء سقفا محفوظا السماء العليا، و يخطر بالبال وجه آخر و هو ان يکون المراد انه- تعالي- جعل الجهه السفلي من کل من السماوات مواجه متحرکه واقعا او في النظر، و الجهه العليا منها سقفا محفوظا تستقر عليه الملائکه و لا يمکن للشياطين خرقها، فيکون ضمير زينها و سائر الضمائر راجعه الي المجموع، فيناسب الايه المتقدمه و هو قوله- سبحانه-: و حفظا من کل شيطان مارد. و قد يمر بالخاطر وجه آخر يناسب قواعد الهيئه و هو انه- عليه‏السلام- شبه السماء الدنيا بالموج المکفوف لکون الحرکه الخاصه للقمر اسر

ع من جميع الکواکب، فکانه دائما في الموج و مع ذلک لا تسقط، و وصف العليا بالمحفوظيه لانه ابطاها بالحرکه الخاصه فکانها محفوظه ثابته، و علي الطريقه السابقه يمکن ان يکون المراد بالسفلي من کل منها خوارج مراکزها و تداويرها و بالعليا منها ممثلاتها، فالاول مواجه لسرعه حرکتها و البواقي محفوظه لبطوها. لکن هذان الوجهان بعيدان عن لسان الشرع و مقاصد اهله، و الوجه الاول مما ابدعنا لا يخلو من قوه و لطافه. بغير عمد يدعمها و لا دسار ينظمها، العمد بالتحريک، جمع کثره لعمود البيت و کذا العمد بضمتين و جمع القله اعمده و قال الخليل في العين: العمد بضمتين، جمع عماد و الاعمده جمع عمود من حديد او خشب. و يظهر من تذکير الفعل انه من اسماء الجمع. و الدعم بالفتح، ان يميل الشي‏ء فتدعمه بدعام کما تدعم عروش الکرم و نحوه ليصير له مساکا، و الدعامه الخشبه التي يدعم بها، و في اکثر النسخ علي بناء المجرد مفتوحه العين و هو اظهر، و في بعضها يدعمها بتشديد الدال علي بناء الافتعال من الادعام بمعني الاتکاء. و الدسار بالکسر، المسمار و جمعه دسر، و نظم اللولو جمعه في السلک، و في بعض النسخ ينتظمها و هو ايضا جاء متعديا، و الضميران المنصوبان راجعان الي السماوا

ت او الي العليا او الي السفلي بقرينه قوله ثم زينها بزينه الکواکب حيث ان الظاهر ارجاع الضمير فيه الي السفلي ليکون اوفق بقوله- تعالي-: انا زينا السماء الدنيا بزينه الکواکب، لکنه بعيد لفظا. و ارجاع الضمير الي الجميع اظهر و تزيين البعض تزيين للجميع، و هذا مما يقرب الوجه الذي ذکرنا اولا. و الزينه اما مصدر او اسم ما يزان به کالليقه لما يلاق به اي يصلح به المداد. قال في الکشاف: قوله- تعالي- بزينه الکواکب يحتملهما، فعلي الاول اما من اضافه المصدر الي الفاعل بان تکون الکواکب مزينه للافلاک، او الي المفعول بان زين الله الکواکب و حسنها لانها انما زينت السماء لحسنها في انفسها، و علي الثاني فاضافتها الي الکواکب بيانيه. (انتهي کلام الزمخشري). و تنوين الزينه کما قرئت الايه به ليس موجودا في النسخ. و زينه الکواکب للسماء اما لضوئها او للاشکال الحاصله منها کالثريا و الجوزاء و نحوهما او باختلاف اوضاعها بحرکتها او لرويه الناس اياها مضيئه في الليله الظلماء او للجميع. و قوله- تعالي-: بمصابيح في موضع آخر مما يويد بعض الوجوه، و سياتي القول في محال الکواکب في محله. و ضياء الثواقب المراد بها اماالکواکب، فيکون کالتفسير لزينه الکواکب و ال

کواکب ثواقب اي مضيئه کانها تثقب الظلمه بضوئها، او الشهب التي ترمي بها الشياطين فتثقب الهواء بحرکتها و الظلمه بنورها. فاجري فيها سراجا مستطيرا و قمرا منيرا و في بعض النسخ و اجري بالواو، و المراد بالسراج الشمس، کما قال- تعالي-: سراجا و قمرا منيرا. قيل: لما کان الليل عباره عن ظل الارض و کانت الشمس سببا لزواله کان شبيها بالسراج في ارتفاع الظلمه به. و المستطير المنتشر الضوء، و استطار تفرق و سطح. و انار الشي‏ء و استنار اي اضاء. و قيل: ما بالذات من النور ضوء، و ما بالعرض نور. کما قال- سبحانه-: هو الذي جعل الشمس ضياء و القمر نورا. و قيل: لان النور اضعف من الضوء، و الاحتمالات في الضمائر السابقه جاريه هنا و ان کان الاظهر عند الاکثر رجوعه الي السفلي. في فلک دائر الظرف اما بدل عن فيها فيفيد حرکه السفلي او العليا او الجميع علي تقادير ارجاع الضمير بالحرکه اليوميه او الخاصه او الاعم، و اما في موضع حال عن المنصوبين، فيمکن ان يکون المراد بالفلک الدائر الافلاک الجزئيه. و الفلک بالتحريک، کل شي‏ء دائر، و منه فلکه المغزل بالتسکين و يقال: فلک ثدي المراه تفليکا اذا استدار. و سقف سائر و رقيم مائر، الرقيم في الاصل، الکتاب، فعيل بمعني

مفعول، قال ابن الاثير: منه حديث علي- رضي الله عنه- في صفه السماء (سقف سائر و رقيم مائر يريد به و شي الساء بالنجوم. و المائر المتحرک، و ليس هذرا بالمومر الذي قال الله- تعالي- يوم تمور السماء مورا. و هاتان الفقرتان ايضا تدلان علي حرکه السماء لکن لا تنافي حرکه الکواکب بنفسها ايضا کما هو ظاهر الايه.

[صفحه 40]

ثم فتق ما بين السماوات العلي فملا هن اطوارا من ملائکته الظاهر ان کلمه ثم للترتيب المعنوي، فيکون فتق السماوات بعد خلق الشمس و القمر بل بعد جعلها سبعا و خلق الکواکب فيه، و يحتمل ان يکون للترتيب الذکري و الظاهر ان المراد بفتقها فصل بعضها عن بعض فيويد بعض محتملات الايه کما اشرنا اليه سابقا. و يدل علي بطلان ما ذهبت الفلاسفه اليه من تماس الافلاک و عدم الفصل بينها بهواء و نحوه. و الاطوار جمع طور بالفتح، و هو في الاصل التاره، قال الله- تعالي-: و قد خلقکم اطوارا. قيل: اي طورا نطفه و طورا علقه و طورا مضغه. و قيل: اي حالا بعد حال. و قيل اي خلقکم مختلفين في الصفات: اغنياء و فقراء، و زمني و اصحاء. و لعل الاخيرهنا انسب. و لو کانت الملائکه مخلوقه قبل السماوات کما ظاهر بعض الاخبار الاتيه فقبل فتقها کانوا في مکان آخر يعلمه الله. منهم سجود لا يرکعون، و رکوع لا ينصبون، و صافون لا يتزايلون و مسبحون لا يسامون السجود و الرکوع هنا جمع ساجد و راکع و فاعل الصفه يجمع علي فعول اذا جاء مصدره عليه ايضا. و الانتصاب القيام. و الصف ترتيب الجمع علي خط کالصف في الصلوه و الحرب. و قال ابوعبيده: کل شي‏ء بين السماء و الارض لم يضم قطر

يه فهو صاف، و منه قوله- تعالي-: و الطير صافات اي نشرت اجنحتها، و بالوجهين فسر قوله- تعالي- و الصافات صفا، و التزايل التباين و التفارق. و السامه الملاله و الضجر. لا يغشاهم نوم العيون، و لا سهو العقول، و لا فتره الابدان و لا غفله النسيان، غشيه- کعلمه- اذا جائه اي لا يعرضهم. و الفتره الانکسار و الضعف، و ظاهر الکلام اختصاص الاوصاف بهذا الصنف و يمکن ان يکون التخصيص بها جميعا او ببعضها لامر آخر غير الاختصاص. و منهم امناء علي وحيه الوحي في الاصل ان يلقي الانسان الي صاحبه شيئا بالاستتار و الاخفاء، و يکون بمعني الکتابه و الاشاره و الرساله. و السنه الي رسله اي رسلا اليهم، کما قال- تعالي-: الله يصطفي من الملائکه رسلا. و مختلفون بقضائه اي مقتضياته کما ياتون به في ليله القدر و غيرها. و امره اي احکامه او الامور المقدره، کما قال- تعالي-: باذن ربهم من کل امر، فالاحکام داخله في السابقتين، و يمکن تخصيص الاخير بغير الوحي اي يختلفون لتمشيه قضائه و امره و تسبيب اسبابهما. و منهم الحفظه لعباده لعل المراد غير الحافظين عليهم الذين ذکرهم الله في قوله و ان عليکم لحافظين کراما کاتبين، بل من ذکر هم بقوله- سبحانه-: له معقبات من بين يديه

و من خلفه يحفظونه من امر الله. و يمکن ان يکون المراد في کلامه الکاتبين للاعمال بتقدير مضاف، و ربما يفهم من بعض الاخبار اتحاد الصنفين. و السدنه لابواب الجنان هم المتولون لامور الجنان و فتح ابوابها و اغلاقها. و اصل السدانه في الکعبه و بيت الاصنام. و منهم الثابته في الارضين السفلي اقدامهم و في بعض النسخ في الارض اقدامهم و هو اظهر. و الجمع علي الاول اما باعتبار القطعات و البقاع، او لان کلا من الارضين السبع موضع قدم بعضهم، و الوصف علي الاول بالقياس علي سائر الطبقات، و علي الثاني بالقياس الي السماء. و المارقه اي الخارجه، يقال: مرق السهم من الرميه اذا خرج من الجانب الاخر. من السماء العليا اي السابعه. و الخارجه من الاقطار اي من جوانب الارض او جوانب السماء العليا اي السابعه. و الخارجه من الاقطار اي من جوانب الارض او جوانب السماء ارکانهم اي جوارحهم. فهذا بيان لضخامتهم و عرضتهم. و المناسبه لقوائم العرش اکتافهم لعل المراد بالمناسبه القرب و الشباهه في العظم، و يمکن ان يراد بها التماس، فالمراد بهم حمله العرش. ناکسه دونه اي دون العرش ابصارهم، و الناکس المطاطي راسه، و في اسناده الي الابصار دلاله علي عدم التفاتهم في النکس يمي

نا و شمالا. متلفعون تحته باجنحتهم، اللفاع ثوب يجلل به الجسد کله کساء کان او غيره و تلفع بالثوب اذا اشتمل به. و بين من دونهم اي سائر الملائکه او البشر او الجن او الاعم، و في بعض النسخ ناکسه و مضروبه و متلفعين بنصب الجميع. لا يتوهمون ربهم بالتصوير اي بان يثبتوا لله صوره، و الغرض تقديس الملائکه عن اثباتهم لوازم الجسميه و الامکان له- سبحانه- و التعريض و التوبيخ للمشبهين من البشر، و النظائر جمع نظيره و هي المثل و الشبه في الاشکال و الاخلاق و الافعال، و النظير المثل في کل شي‏ء، و في بعض النسخ بالنواظر اي بالابصار اي لا يجوزون عليه الرويه، و في بعضها بالمواطن اي الامکنه.

[صفحه 44]

الحزن بالفتح، المکان الغيظ الخشن. و السهل ضده. و سن الماء صبه عن غير تفريق. و خصلت اي صارت طينه خالصه، و في بعض النسخ خضلت بالخاء المعجمه و الضاد المعجمه المکسوره اي ابتلت. و لا طها بالبله اي جعلها ملتصقا بعضها ببعض بسبب البله. و لزبت بالفتح اي لصقت کما قال- تعالي-: انا خلقنا هم من طين لازب. و جبل بالفتح اي خلق. و الاحناء الاطراف جمع حنو بالکسر. و الوصول هي الفصول، و الاعتبار مختلف. و اجمدها اي جعلها جامده. و اصلدها اي صيرها صلبه. و صلصلت اي صارت صلصالا. و اللام في قوله- عليه السلام- لوقت اما متعلق بجبل اي خلقها لوقت نفخ الصور او ليوم القيامه او بمحذوف اي کائنه لوقت فينفخ حينئذ روحه فيه، و يحتمل ان يکون الوقت مده الحياه و الاجل منتهاها او يوم القيامه. و مثلت بضم الثاء و فتحها، اي قامت منتصبا. و انسانا منصوب بالحاليه. و يختدمها اي يستخدمها. و قوله- عليه‏السلام- معجونا صفه لقوله انسانا او حال عنه. و طينه الانسان خلقته و جبلته. و لعل المراد بالالوان الانواع.

[صفحه 45]

و استادي وديعته اي طلب ادائها. و الخنوع الذل و الخضوع. و المراد بقوله- عليه‏السلام- و قبيله اما ذريته بان يکون له في السماء نسل و ذريه و هو خلاف ظواهر الاثار، او طائفه خلقها الله في السماء غير الملائکه، او يکون الاسناد الي القبيل مجازيا لرضاهم بعد ذلک بفعله. و اعترتهم اي غشيتهم. و الشقوه بالکسر، نقيض السعاده. والتعزز التکبر. و النظره بکسر الظاء، التاخير و الامهال. و البليه الابتلاء. و انجاز عدته اعطاوه ما وعده من الثواب علي عبادته، و قيل: قد وعده الله الابقاء. بسط مقال لرفع شبهه و اشکال اعلم انه اجمعت الفرقه المحقه واکثر المخالفين علي عصمه الملائکه- صلوات الله عليهم اجمعين- من صغائر الذنوب و کبائرها، و سياتي الکلام في ذلک في کتاب السماء و العالم، و طعن فيهم بعض الحشويه بانهم قالوا: اتجعل و الاعتراض علي الله من اعظم الذنوب و ايضا نسبوا بني آدم الي القتل و الفساد و هذا غيبه و هي من الکبائر، و مدحوا انفسهم بقولهم: و نحن نسبح بحمدک و هو عجب، و ايضا قولهم: لا علم لنا الا ما علمتنا اعتذار و العذر دليل الذنب، و ايضا قوله (تعالي)، ان کنتم صادقين دل علي انهم کانوا کاذبين فيما قالوه، و ايضا قوله- الم اقل ل

کم- يدل علي انهم کانو مرتابين في علمه- تعالي- بکل المعلومات، و ايضا علمهم بالافساد و سفک الدماء اما بالوحي و هو بعيد و الا لم يکن لاعاده الکلام فائده، و اما بالاستنباط و الظن و هو منهي عنه. و اجيب عن اعتراضهم علي الله بان غرضهم من ذلک السوال لم يکن هو الانکار و لا تنبيه الله علي شي‏ء لا يعلمه، و انما المقصود من ذلک امور: منها: ان الانسان اذا کان قاطعا بحکمه غيره ثم رآه يفعل فعلا لا يهتدي ذلک الانسان الي وجه الحکمه فيه استفهم عن ذلک متعجبا فکانهم قالوا: اعطاء هذه النعم العظام من يفسد و يسفک لا تفعله الا لوجه دقيق و سر غامض، فما ابلغ حکمتک! و منها: ان ابداء الاشکال طلبا للجواب غير محظور، فکانه قيل: الهنا انت الحکيم الذي لا تفعل السفه البته، و تمکين السفيه من السفه قبيح من الحکيم، فيکف يمکن الجمع بين الامرين؟ او ان الخيرات في هذا العالم غالبه علي شرورها، و ترک الخير الکثير لاجل الشر القليل شر کثير، فالملائکه نظروا الي الشرور، فاجابهم الله- تعالي- بقوله: اني اعلم ما لا تعلمون اي من الخيرات الکثيره التي لا يترکها الحکيم لاجل الشرور القليله. و منها: ان سوالهم کان علي وجه المبالغه في اعظام الله- تعالي- فان العبد ال

مخلص لشده حبه لمولاه يکره ان يکون له عبد يعصيه. و منها ان قولهم: اتجعل مساله منهم ان يجعل الارض او بعضها لهم ان کان ذلک صلاحا، نحو قول موسي: اتهلکنا بما فعل السفهاء منا اي لا تهلک، فقال- تعالي-: اني اعلم ما لا تعلمون من صلاحکم و صلاح هولاء، فبين انه اختار لهم السماء و لهولاء الارض ليرضي کل فريق بما اختار الله له. و منها: ان هذا الاستفهام خارج مخرج الايجاب کقول جرير الستم خير من رکب المطايا اي انتم کذلک و الا لم يکن مدحا، فکانهم قالوا: انک تفعل ذلک و نحن مع هذا نسبح بحمدک، لانا نعلم في الجمله انک لا تفعل الا الصواب و الحکمه، فقال- تعالي-: اني اعلم ما لا تعلمون فانتم علمتم ظاهرهم و هو الفساد والقتل، و انا اعلم ظاهر هم و ما في باطنهم من الاسرار الخفيه التي يقتضي اتخاذهم. و الجواب عن الغيبه ان من اراد ايراد السوال وجب ان يتعرض لمحل الاشکال، فلذلک ذکروا الفساد و السفک مع ان المراد ان مثل تلک الافعال يصدر عن بعضهم، و مثل هذا لا يعد غيبه، و لو سلم فلا نسلم ذلک في حق من لم يوجد بعد، و لو سلم فيکون غيبه للفساق و هي مجوزه، و لو سلم فلا نسلم ان ذکر مثل ذلک لعلام الغيوب يکون محرما لا سيما من الملائکه الذين جماعه منهم مام

ورون بتفتيش احوال الخلائق و اثباتها في الصحف و عرضها علي الباري- جل اسمه-. و عن العجب بان مدح النفس غير ممنوع منه مطلقا، کما قال- تعالي-: و. اما بنعمه ربک فحدث علي انهم انما ذکروه لتتمه تقرير الشبهه. و عن الاعتذار بانه لا يستلزم الذنب بل قد يکون لترک الاولي. ثم ان العلماء ذکروا في اخبار الملائکه عن الفساد و السفک وجوها. منها: انهم قالوا ذلک ظنا لما راوا من حال الجن الذين کانوا قبل آدم- عليه‏السلام- في الارض، و هو المروي عن ابن عباس و الکلبي، و يويده ما رويناه عن تفسير الامام- عليه السلام- سابقا، او انهم عرفوا خلقته و علموا انه مرکب من الارکان المتخالفه والاخلاط المتنافيه الموجبه للشهوه التي منها الفساد و الغضب الذي منه سفک الدماء. و منها انهم قالوا ذلک علي اليقين، لما يروي عن ابن مسعود و غيره انه- تعالي- لما قال للملائکه: اني جاعل في الارض خليفه قالوا: ربنا و ما يکون الخليفه؟ قال: ربنا اتجعل فيها، او انه- تعالي- کان قد اعلم الملائکه انه اذا کان في الارض خلق عظيم افسدوا فيها و يسفک الدماء او انه لما کتب القلم في اللوح ما هو کائن الي يوم القيامه فلعلهم طالعوا اللوح فعرفوا ذلک، او لان معني الخليفه اذا کان النائ

ب عن الله في الحکم و القضاء، و الاحتياج انما يکون عند التنازع و التظالم کان الاخبار عن وجود الخليفه اخبار عن وقوع الفساد و الشر بطريق الالتزام. و قيل: لما خلق الله النار خافت الملائکه خوفا شديدا فقالو: لم خلقت هذه النار؟ قال: لمن عصاني من خلقي. و لم يکن يومئذ لله خلق الا الملائکه، فلما قال: اني جاعل في الارض خليفه عرفوا ان المعصيه منهم. و جمله القول في ذلک انه لما ثبت بالنصوص و اجماع الفرقه المحقه عصمه الملائکه لابد من تاويل مايوهم صدورالمعصيه منهم علي نحو ما مر في عصمه الانبياء- عليهم السلام-. (هذا بيان آخر في صفه خلق آدم- عليه‏السلام-:) توضيح: استادي وديعته اي طلب ادائها، و الوديعه اشاره الي قوله- تعالي-: و اذ قال ربک للملائکه اني خالق بشرا. و الخنوع الخضوع. و القبيل في الاصل، الجماعه تکون من الثلاثه فصاعدا من قوم شتي، فان کانوا من اب واحد فهم قبيله، و ضم القبيل هنا الي ابليس غريب فانه لم يکن له في هذا الوقت ذريه و لم يکن اشباهه في السماء فيمکن ان يکون المراد به اشباهه من الجن في الارض بان يکونوا مامورين بالسجود ايضا، و عدم ذکرهم في الايات و سائر الاخبار لعدم الاعتناء بشانهم، او المراد به طائفه خلقها الله-

تعالي- في السماء غير الملائکه، و يمکن ان يکون المراد بالقبيل ذريته و يکون اسناد عدم السجود اليهم لرضاهم بفعله کما قال- عليه‏السلام- في موضع آخر: انما يجمع الناس الرضا و السخط و انما عقر ناقه ثمود رجل واحد فعمهم الله بالعذاب لما عموه بالرضا فقال - سبحانه- فعقروها فاصبحوا نادمين (الشعراء: 157( اعترتهم اي غشيتهم. والتعزز التکبر. و استوهنه اي عده وهنا ضعيفا. نفاسه اي بخلا.

[صفحه 45]

و ارغد عيشته اي جعلها رغدا و الرغد من العيش الواسع الطيب. و المحله مصدر قولک: حل بالمکان و الاسناد مجازي. و اغتره اي طلب غفلته و اتاه علي غره و غفلته منه. و نفست عليه الشي‏ء و بالشي‏ء بالکسر، نفاسه اذا لم تره له اهلا. و نفست به بالکسر ايضا، اي بخلت به. و المقام بالضم، الاقامه. و قيل: في بيع اليقين بالشک وجوه: الاول: ان معيشه آدم في الجنه کانت علي حال يعلمها يقينا و ما کان يعلم کيف يکون معاشه بعد مفارقتها. الثاني ان ما اخبره الله من عداوه ابليس بقوله: ان هذا عدو لک و لزوجک کان يقينا فباعه بالشک في نصح ابليس اذ قال: اني لکما لمن الناصحين. الثالث: ان هذا مثل قديم للعرب لمن عملا عمل لا ينفعه و ترک ما ينبغي له ان يفعله. الرابع: ان کونه في الجنه کان يقينا فباعه بان اکل من الشجره فاهبط الي دار التکليف التي من شانها الشک في ان المصير منها الي الجنه اوالي النار. و جذل کفرح لفظا و معني، و سيتضح لک ما تضمنته الخطبه في الابواب الاتيه.

[صفحه 50]

علي الوحي اي علي ادائه. و اجتالتهم اي ادارتهم تاره هکذا و تاره هکذا. و واتر اليهم اي ارسلهم وترا بعد وتر. و الاضافه في دفائن العقول بتقدير في اي العلوم الکامنه في العقول، او بيانيه اي العقول المغموره في الجهالات. و الاوصاب الارض. و الاحداث المصائب.

[صفحه 51]

علي ذلک نسلت اي درجت و مضت. الضمير في عدته راجع الي الله، و في نبوته الي الرسول، و يحتمل ارجاعهما الي الرسول بان يکون الاضافه في عدته اضافه الي المفعول، کما يحتمل ارجاعهما الي الله بان يکون المراد بقوله: نبوته النبوه التي سنها و قدرها لاصلاح الخلق. و السمه العلامه. و الميلاد وقت الولاده. و الطرائق المذاهب. و التشتت التفرق و الانتشار. قوله ملحد في اسمه اي يطلق عليه و ينسب اليه ما لا يليق به، او يطلق اسمه علي غيره. قوله او مشير الي غيره کالدهريه و عبده الاصنام. و في قوله ملل و ما بعده تقدير مضاف اي ذووا ملل، او الحمل علي المبالغه، او يقدر المضاف في المبتدا و بعضها موکده لبعض، و يمکن الفرق بوجه.


صفحه 23، 26، 27، 31، 32، 40، 44، 45، 45، 50، 51.