خطبه 228-در توحيد











خطبه 228-در توحيد



[صفحه 227]

بيان: قال بعض شراح النهج في قوله- عليه‏السلام- (و لتجزا کنهه) اشاره الي نفي الجوهر افرد. و قال: قوله - عليه‏السلام- (و لکان له وراء اذ کان له امام) يوکد ذلک لان من اثبته يصح ان تحله الحرکه و لا يکون احد و جهيه غير الاخر. فائده اعلم ان الطبيعيين و الرياضيين اتفقوا علي ان الارض واحده، فالماء ليس بتام الاستدراه بل هو علي هيئه کره مجوفه قطع بعض منها و ملئت الارض علي وجه صارت الارض مع الماء بمنزله کره واحده، و مع ذلک ليس شي‏ء من سطحيه صحيح الاستدراه، اما المحدب فلما فيه من الامواج، و اما المقعر فللتضاريس فيه من الارض. و قد اخرج الله- تعالي- قريبا من الربع من الارض من الماء بمحض عنايته الکامله، او لبعض الاسباب المتقدمه لتکون مسکنا للحيوانات المتنفسه و غيرها من المرکبات المحوجه الي غلبه العنصر اليابس الصلب لحفظ الصور والاشکال و ربط الاعضاء و الاوصال. و مما يدل علي کرويه الارض ما او مانا اليه سابقا من طلوع الکواکب و غروبها في البقاع الشرقيه قبل طلوعها و غروبها في الغربيه بقدر ما تقتضيه ابعاد تلک البقاع في الجهتين علي ما علم من ارصاد کسوفات بعينها لا سيما القمريه في بقاع مختلفه، فان ذلک ليس في ساعات متسا

ويه البعد من نصف النهار علي الوجه المذکور، و کون الاختلاف متقدرا بقدر الابعاد دليل علي الاستدراه المتشابهه السائره بحدبتها المواضع التي يتلو بعضها بعضا علي قياس واحد بين الخافقين، و ازدياد ارتفاع القطب و الکواکب الشماليه و انحطاط الجنوبيه للسائرين الي الشمال و بالعکس للسائرين الي الجنوب بحسب سيرهما دليل علي استدراتها بين الجنوب و الشمال، و ترکب الاختلافين يعطي الاستداره في جميع الامتدادات. و يويده مشاهده استداره اطراف المنکسف من القمر الداله علي ان الفصل المشترک بين المستضي‏ء من الارض و ما ينبعث منه الظل دائره، وکذلک اختلاف ساعات النهر الطوال و القصار في مساکن متفقه الطول الي غير ذلک. و لو کانت اسطوانيه قاعدتاها نحو القطبين لم يکن لساکني الاستداره کوکب ابدي الظهور، بل اما الجميع طالعه غاربه او کانت کواکب يکون من کل واحد من القطبين علي بعد تستره القاعدتان ابديه الخفاء و الباقيه طالعه غاربه و ليس کذلک، و ايضا فالسائر الي الشمال قد يغيب عنه دائما کواکب کانت تظهر له، و تظهر له کواکب کانت تغيب عنه بقدر امعانه في السير، و ذلک يدل علي استدارتها في هاتين الجهتين ايضا. و مما يدل علي استداره سطح الماء الواقف طلوع رووس

الجبال الشامخه علي السائرين في البحر اولا ثم مايلي رووسها شيئا بعد شي‏ء في جميع الجهات. و قالوا: التضاريس التي علي وجه الارض من جهه الجبال و الاغوار لا تقدح في کرويتها الحسيه، اذ ارتفاع اعظم الجبال و ارفعها علي ما و جدوه فرسخان و ثلث فرسخ، و نسبتها الي جرم الارض کنسبه جرم سبع عرض شعيره الي کره قطرها ذراع بل اقل من ذلک. و يظهر من کلام اکثر المتاخيرين ان عدم قدح تلک الامور في کرويتها الحسيه معناه انها لا تخل بشکل جملتها کالبيضه الزقت بها حبات شعير لم يقدح ذلک في شکل جملتها. و اعترض عليه بان کون الارض او البيضه حينئذ علي الشکل الکروي او البيضي عند الحس ممنوع، و کيف يمکن دعوي ذلک مع ما يري علي کل منهما ما يخرج به الشکل مما اعتبروا فيه و عرفوه به؟ و ربما يوجه بوجه آخر و هو ان الجبال و الوهاد الواقعه علي سطح الارض غير محسوسه عاده عند الاحساس بجمله کره الارض علي ما هي عليه في الواقع. بيانه ان رويه الاشياء تختلف بالقرب و البعد، فيري القريب اعظم مما هو الواقع و البعيد اصغر منه و هو ظاهر، و قد اطبق القائلون بالانطباع و بخروج الشعاع کلهم علي ان هذا الاختلاف في رويه المرئي بسبب القرب و البعد انما هو تابع لاختلاف الزاويه

الحاصله عند مرکز الجليديه في راس المخروط الشعاعي بحسب التوهم او بحسب الواقع عند انطباق قاعدته علي سطح المرئي، فکلما قرب المرئي عظمت تلک الزاويه، و کلما بعد صغرت. و قد تقرر ايضا بين محققيهم ان رويه الشي‏ء علي ما هو عليه انما هو في حاله يکون البعد بين الرائي و المرئي علي قدر يقتضي ان تکون الزاويه المذکوره قائمه. فبناء علي ذلک اذا فرضت الزاويه المذکوره بالنسبه الي مرئي قائمه يجب ان يکون البعد بين راس المخروط و قاعدته المحيطه بالمرئي بقدر نصف قطر قاعدته علي ما تقرر في الاصول. فلما کان قطر الارض ازيد من الفي فرسخ بلا شبهه لا تکون مرئيه علي ما هي عليه من دون الف فرسخ، و معلوم ان الجبال و الوهاد المذکوره غير محسوسه عاده عند هذا البعد من المسافه فلا يکون لها قدر محسوس عند الارض بالمعني الذي مهدنا. ثم انهم استعلموا بزعمهم مساحه الارض و اجزائها و دوائرها في زمان المامون و قبله فوجدوا مقدار محيط الدائره العظمي من الارض ثمانيه الاف فرسخ، و قصرها الفين و خمسمائه و خمسه و اربعين فرسخا و نصف فرسخ تقريبا، و مضروب القطر في المحيط مساحه سطح الارض و هي عشرون الف الف و ثلاثمائه و ستون الف فرسخ و ربع ذلک مساحه الربع المسکون من ا

لارض. و اما القدر المعمور من الربع المسکون و هو ما بين خط الاستواء و الموضع الذي عرضه بقدر تمام اليل الکلي فمساحته ثلاثه آلاف الف و سبعمائه و خمسه و ستين الفا و اربعمائه و عشرين فرسخا و هو قريب من سدس سطح جميع الارض و سدس عشره. و الفرسخ ثلاثه اميال بالاتفاق، و کل ميل اربعه آلاف ذراع عند المحدثين، و ثلاثه آلاف عند القدماء، و کل ذراع اربع و عشرون اصبعا عند المحدثين، و اثنان و ثلاثون عند القدماء. و کل اصبع بالتفاق مقدارست شعيرات مضمومه بطون بعضها الي ظهور بعض من الشعيرات المعتدله. و ذکروا ان للارض ثلاث طبقات: الاولي الارض الصرفه المحيطه بالمرکز، الثانيه الطبقه الطينيه و هي المجاوره للماء، الثالثه الطبقه المنکشفه من الماء و هي التي تحتبس فيها الابخره و الادخنه و تتولد منها المعادن و النباتات و الحيوانات. و زعموا ان البسائط کلها شفاقه لا تحجب عن ابصار ماورائها ماعدا الکواکب، و ان الارض الصرفه المتجاوزه للمرکز ايضا شفاقه، و الطبقتان الاخريان ليستا بسيطتين فهما کثيفتان. فالارض جعل الله الطبقه الظهاره منها ملونه کثيفه غبراء لتقبل الضياء و خلق ما فوقها من العناصر مشفه لطيفه بالطباع لينفذ فيها و يصل الي غيرها ساطع الش

عاع، فان الکواکب و سيما الشمس و القمر اکثر تاثيراتها في العوالم السفلي بوسيله اشعتها المستقيمه و المنعطفه و المنعکسه باذن الله- تعالي-. و قالوا: الارض في وسط السماء کالمرکز في الکره فينطبق مرکز حجمها علي مرکز العالم، و ذلک لتساوز ارتفاع الکواکب و انحطاطها مده ظهورها و ظهور النصف من الفلک دائما و تطابق اظلال الشمس في وقتي طلوعها و غروبها عند کونها علي المدار الذي يتساوي فيه زمان ظهورها و خفائها علي خط مستقيم، او عند کونها في جزئين متقابلين من الدائره التي يقطعها بسيرها الخاص بها، و انخساف القمر في مقاطراته الحقيقيه للشمس، فان الاول يمنع ميلها الي احد الخافقين، والثاني الي احد السمتين، الراس و القدم، و الثالث الي احد القطبين، و الرابع الي شي‏ء منها او من غيرها من الجهات کما لا يخفي. و کما ان مرکز حجمها منطبق علي مرکز العالم فکذا مرکز ثقلها، و ذلک لان الثقال تميل بطبعها الي الوسط کما دلت عليه التجربه، فهي اذن لا تتحرک عن الوسط، بل هي ساکنه فيه متافعه باجزائها من جميع الجوانب الي المرکز تافعا متساويا، فلا محاله ينطبق مرکز ثقلها الحقيقي المتحد بمرکز حجمها التقريب علي مرکز العالم و مستقرها عند وسط العالم لتکافو الق

وي بلا تزلزل و اضطراب بحدث فيها لثباتها بالسبب المذکور، و لکون الاثقال المنتقله من جانب منها الي الاخر في غايه الصغر بالقياس اليها لا يوجب انتقال مرکز ثقلها من نقطه الي اخري بحرکه شي‏ء منها، و کذا الاجزاء المبائنه لها تهوي اليها و هي تقبلها من جميع نواحيها من دون اضطراب. هذا ما ذکروه في هذا المقام، و لا نعرف من ذلک الا کون الجميع بقدره القادر العليم و اراده المدبر الحکيم کما ستعرف ذلک ان شاء الله- تعالي-. و قال الشيخ المفيد- قدس سره - في کتاب المقالات: اقول: ان العالم هو السماء و الارض و ما بينهما و فيهما من الجواهر و الاعرض، و لست اعرف بين اهل التوحيد خلافا في ذلک. اقول: لعل مراده- قدس سره- بالسماوات ما يشمل العرض و الکرسي و الحجب، و غرضه نفي الجواهر المجرده التي تقول بها الحکماء. ثم قال- رحمه الله-: و اقول: ان الفلک هو المحيط بالارض الدائر عليها و فيه الشمس و القمر و سائر النجوم، و الارض في وسطه بمنزله النقطه في وسط الدائره، و هذا مذهب ابي‏القاسم البلخي و جماعه کثيره من اهل التوحيد، و مذهب اکثر القدماء و المنجمين و قد خالف فيه جماعه من بصريه المعتزله و غيرهم من اهل النحل. و اقول: ان المتحرک من الفلک انما ي

تحرک حرکه دو ريه کما يتحرک الدائر علي الکره، و الي هذا ذهب البلخي و جماعه من اهل التوحيد، و الارض علي هيئه الکره في وسط الفلک و هي ساکنه لا تتحرک، و عله سکونها انها في المراکز، و هو مذهب ابي‏القاسم و اکثر القدماء و المنجمين، و قد خالف فيه الجبائي و ابنه و جماعه غير هما من اهل الاراء و المذاهب من المقلده و المتکلمين. ثم قال: و اقول: ان العالم مملوئه من الجواهر و انه لا خلافيه و لو کان فيه خلا لما صح فرق بين المجتمع و المتفرق من الجواهر و الاجسام و هو مذهب ابي‏القاسم خاصه من البغداديين، و مذهب اکثر القدماء من المتکليمن و خالف فيه الجبائي و ابنه و جماعه متکلمي اهل الحشو و الجبر و التشبيه. ثم قال: و اقول: ان المکان هو ما احاط بالشي‏ء من جميع جهاته، و لا يصح تحرک الجواهر الا في الاماکن، و الوقت هو ما جعله الموقت وقتا للشي‏ء و ليس بحادث مخصوص و الزمان اسم يقع علي حرکات الفلک فلذلک لم يکن الفعل محتاجا في وجوده الي وقت و لا زمان، و علي هذا القول سائر الموحدين. و سئل السيد المرتضي- رحمه الله-: الفراغ له نهايه؟ و القديم - تعالي- يعلم منتهي نهايته؟ و هذا الفراغ اي شي‏ء هو؟ و کذلک الطبقه الثامنه من الارض و الثامنه من ال

سماء نقطع ان هناک فراغا ام لا؟ فان قلت: لا، طالبتک بما وراء الملا، القديم - تعالي- يعلم ان هناک نهايه. فان قلت: نعم، طالبتک اي شي‏ء وراء النهايه؟ فاجاب- رحمه الله-: ان الفراغ لا يوصف بانه منته، و لا انه غير منته علي وجه الحقيقه، و انما يوصف بذلک مجازا و اتساعا. و اما قوله (و هذا الفراغ اي شي‏ء هو؟) فقد علمنا انه لا جوهر و لا عرض و لا قديم و لا محدث و لا هو ذات و لا هو معلوم کالمعلومات. و اما الطبقه الثامنه من الارض فما نعرفها، و الذي نطق به القرآن: (سبع سموات طباقا و من الارض مثلهن) فاما غير ذلک فلا سبيل للقطع به من عقل و لا شرع. انتهي. و اقول: بسط الکلام في هذه الامور خروج عن مقصود الکتاب، و محله علم الکلام. (ايضاح:) (لا تصحبه الاوقات) يحتمل وجهين: احد هما نفي المصاحبه علي الدوام بل وجوده سابق علي الزمان کالزمانيات کما قال: (سبق الاوقات کونه). و ثانيهما نفي الزمانيه عنه- سبحانه- مطلقا کما ذهب اليه الحکماء من ان الزمان نسبه المتغير الي المتغير و لا يکون فيما لا تغير فيه اصلا، فالمراد بسبق کونه علي الاوقات عدم لحوقها له و امتناع مقارنته- سبحانه- لها، و ربما يويد ذلک بقوله- عليه‏السلام- (و کيف يجري عليه ما هو ا

جراه؟). فانه- عليه‏السلام- استدل علي عدم جريان السکون و الحرکه عليه بانه موجدهما فلا يکونان من صفاته الکماليه، لان الفعل لا يکون کمالا للفاعل و اتصافه بهما لا علي وجه الکمال يوجب التغير او النقص و هذا جار في الزمان ايضا. و کذا قوله (و يعود فيه ما هو ابداه) اي اظهره، فقيل: المعني انه - سبحانه- اظهر الحرکه و السکون فکانا متاخرين عنه ذاتا، فلو کانا من صفاته لزم ان يعود المتاخر و يصير مقتدما لان صفاته- سبحانه- عين ذاته فلا يجوز خلوه عنها في مرتبه الاظهار و الايجاد. (و يحدث فيه ما هو احدثه) لان الشي‏ء لا يکون فاعلا و قابلا لشي‏ء واحد، او لمامر من لزوم الاستکمال بغيره و النقص في ذاته. (اذا لتفاوتت ذاته) اي حص الاختلاف و التغير في ذاته. (و لتجز اکنهه) اي کانت حقيقته ذات اجزاء و ابعاض، لان الحرکه و السکون مستلزمان للتحيز المستلزم للجسميه، او لکان فيه ما به بالقوه و ما به بالفعل. (و لا متنع من الازل معناه) اي ذاته المقصوده من اسمائه الحسني، و الامتناع من الازل للجسميه و حدوث ما لا ينفک عن الحرکه و السکون.

[صفحه 233]

(لا بصوت يقرع) اي يقرع الاسماع، و (القرع) الدق، و في بعض النسخ علي بناء المجهول اي يحصل من قرع شي‏ء (و مثله) اي اقامه، و قيل: الباري- تعالي- مثل القرآن لجبرئيل - عليه‏السلام- بالکتابه في اللوح، و يقال: (مثلته بين يدي) اي احضرته. فلما کان الله- تعالي- فعل القرآن واضحا بينا کان قد مثله للمکلفين. انتهي. و الظاهر ان المراد ان قوله (- تعالي-:) (کن فيکون) ليس المراد به الکلام الحقيقي الذي له صوت بل کنايه عن تعلق الاراده و تمثيل لحصول الاشياء بمحض ارادته بلا تاخر و لا توقف علي امر. (و لو کان قديما لکان الها ثانيا) هذا صريح في ان الامکان لا يجامع القدم و ان الايجاد انما يکون لما هو مسبوق بالعدم، فالقول بتعدد القدماء مع القول بامکان بعضها قول بالنقيضين.

[صفحه 234]

(فتجري) علي (بناء) المعلوم و في بعض النسخ علي (بناء) المجهول. (عليه الصفات المحدثات) في اکثر النسخ (الصفات) معرفه باللام، فالمحدثات صفه له و في بعضها بدن اللام علي الاضافه و هو انسب، اي لو کان محدثا لجرت عليه صفات الاجسام المحدثه فلم يکن بينه و بينها فرق. و (الفصل) القطع، و الحاجز بين الشيئين. و (المبتدع) في بعض النسخ علي صيغه الفاعل، و في بعضها علي صيغه المفعول، فعلي الاول (البديع) بمعني المبدع علي بناء المفعول، و علي الثاني بمعني (المبدع) علي بناء الفاعل. (علي غير مثال خلا) اي مضي و سبق. (من غير اشتغال) اي لم يشغله امساکها عن غيره من الامور. و (ارساها) اي اثبتها (علي غير قرار) اي مقر يتمکن عليه بل قامت بامره لا علي شي‏ء. (بغير قوائم) اي لا کدابه تقوم بقوائمها. و (الدعامه) بالکسر، عماد البيت الذي يقوم عليه. و (حصنه تحصينا) اي جعله منيعا. و (الاود) بالتحريک، الاعوجاج، و العطف للتفسير. و (التهافت) التساقط قطعه قطعه. (اوتادها) اي جبالها التي هي للارض بمنزله الاوتاد. (و ضرب اسدادها،) (السد) بالفتح و بالضم الجبل و الحاجز بين الشيئين، و قيل: بالضم ما کان مخلوقا لله- تعالي- و بالفتح ما کان من فعلنا. و

(ضرب الاسداد) نصبها، يقال: (ضربت الخيمه) اي نصبتها، او تعيينها کضرب الخراج. و لعل المعني خلق الجبال فيها و الانهار التي هي کالحدود لها ليتميز بعضها عن بعض علي حسب اقتضاء الحکمه الکامله. و قال الجوهري: (السد) ايضا واحد السدود و هي السحائب السود، عن ابي‏زيد. (و استفاض عيونها) اي جعلها فائضه جاريه. (و خد اوديتها) اي شقها و منها (الاخدود) اي الحفرات المستطيله في الارض. (حتي يصير موجودها کمفقودها) لعل المراد بالمفقود ما لم يوجد اصلا اي حتي يصير کان لم يکن، و يحتمل ان تکون الکاف زائده.

[صفحه 234]

و قوله - عليه‏السلام- (کما کان قبل ابتدائها) الي آخر الکلام صريح في حدوث ما سوي الله- تعالي- و ظاهره نفي الزمان ايضا قبل العالم و عدم زمانيته- سبحانه- الي ان يحمل علي الازمنه المعينه من الليالي و الايام و الشهور و السنين و يدل علي فناء جميع اجزاء الدنيا بعد الوجود. و هذا ايضا ينافي القدم لانهم اطبقوا علي ان ما ثبت قدمه امتنع عدمه، و اقاموا عليه البراهين العقليه. (لم يتکاده) في اکثر النسخ علي صيغه التفاعل و في بعضها علي صيغه التفعل، و کلاهما بمعني نفي المشقه. و في بعض النسخ: (لم يتکاره) علي صيغه التفاعل من الکره، يقال: فعل الامر علي تکره و تکاره اي علي تسخط و عدم الرضا به. و الغرض انه - سبحانه- لم يکن مجبورا مکرها في خلق الاشياء. و (آده الامر يوده) اثقله. و (براه) اي خلقه. و (تشديد السلطان) احکام السلطنه و حفظها عن تطرق الخلل فيها. و (الند) بالکسر، المثل، قالوا: و لا يکون الند الا مخالفا. و (المکاثره) المغالبه بالکثره. و (الضد) باکسر، النظير و الکفو، و قيل: مثل الشي‏ء و خلافه، و هو من الاضداد. و (الثور) بالفتح، الهيجان و الوثب، و (ثاوره) اي و اثبه. و (الشرک) بالکسر، الاسم من (شرکته - کعلمت- في ال

بيع و الميراث شرکه)، و في النسخ: (في شرکه) بالتاء موضع الضمير. (و الاستئناس) اتخاذ الانيس ضد الاستيحاش. و (السام) بالتحريک، الملال. و (التصريف) التغيير و تحويل الشي‏ء من حال الي حال و من وجه الي وجه. و (الثقل) بالکسر کما في بعض النسخ و کعنب کما في بعضها، ضد الخفه. و (لم يمله) علي صيغه الافعال، اي لم يجعله سئما، و في بعض النسخ: (و لا يمله). و ذکر السرعه لان الافناء لا يستدعي زمانا طويلا اذا کان عن قدره کاملا، او لانه اذا کان عن ملاله من البقاء يکون بسرعه. و (اتقنها) احکمها. و (الالتماس) الطلب، و المراد طلب علم مجهول. و (الضعه) بالفتح کما في النسخ و بالکسر، انحطاط الدرجه ضد الرفعه. و الضمير في قوله- عليه‏السلام- (يعيدها) راجع الي الدنيا کالضمائر السابقه، و جوز بعض شارحي النهج عودها الي (الامور) في قوله- عليه‏السلام- (اليه مصير جميع الامور)، و علي اي حال ظاهره انعدام جميع المخلوقات حتي الارواح و الملائکه ثم عودها فيدل علي جواز اعاده المعدوم، و قد سق الکلام فيه في المجلد الثالث. اقول: قد مرت الخطبه بتمامها و شرحها في کتاب التوحيد. تتميم: اعلم ان ظاهر هذا الخبر فناء جميع الخلوقات عند انقضاء العالم کما هو مذهب جما

عه من المتکلمين، قال شارح المواقف: قد سبقت في مباحث الجسم اشاره الي ان الاجسام باقيه غير متزايله علي ما يراه النظام، و قابله للفناء غير دائمه البقاء علي ما يراه الفلاسفه قولا بانها ازليه ابديه، و الجاحظ و جمع من الکراميه قولا بانها ابديه غير ازليه، و توقف اصحاب ابي‏الحسين في سحه الفناء، و اختلف القائلون بها في ان الفناء باعدام معدم او بحدوث ضد او بانتفاء شرط. اما الاول فذهب القاضي و بعض المعتزله الي ان الله- تعالي- يعدم العالم بلا واسطه فيصير معدوما کما او جده کذلک فصار موجودا، و ذهب ابوالهذيل الي انه- تعالي- يقول له: افن فيفني، کما قال له: کن فکان. و اما الثاني فذهب جمهور المعتزله الي ان فناء الجوهر بحدوث ضد له هو الفناء، فذهب ابن احشيد الي ان الفناء و ان لم يکن متحيزا لکنه يکون حاصلا في جهه معينه، فاذا احدثه الله- تعالي- فيها عدمت الجواهر باسرها، و ذهب ابن‏شبيب الي ان الله- تعالي- يحدث في کل جوهر فناء ثم ذلک الفناء يقتضي عدم الجوهر في الزمان الثاني، و ذهب ابوعلي و اتباعه الي انه يخلق بعدد کل جوهر فناء لا في محل فتفني الجواهر، و قال ابوهاشم و اشياعه: يخلق فناء واحد لا في محل فيفني به الجواهر باسرها. و اما ال

ثالث و هو ان فناء الجوهر بانقطاع شرط وجوده فزعم بشر ان ذلک الشرط بقاء يخلقه الله- تعالي- لا في محل، فاذا لم يخلقه الله- تعالي- عدم الجوهر. و ذهب الاکثرون من اصحابنا و الکلبي من المعتزله الي انه بقاء قائم به يخلقه الله حالا فحالا، فاذا لم يخلقه الله- تعالي- فيه انتفي الجوهر. و قال اما الحرمين: انها الاعراض التي يجب اتصاف الجسم بها، فاذا لم يخلقها الله - تعالي- فيه فني. و قال القاضي في احد قوليه: هو الاکوان التي يخلقها الله في الجسم حالا فحالا، فمتي لم يخلقها الله فيه انعدم و قال النظام: انه ليس بباق بل يخلق الله حالا فحالا فمتي لم يخلق فني. و اکثر هذه الاقاويل من قبيل الاباطيل، سيما القول بکون الفناء امرا محققا في الخارج ضدا للبقاء قائما بنفسه او بالجوهر، و کون البقاء موجودا لا في محل، و لعل وجه البطلان غني عن البيان. ثم القائلون بصحه الفناء و بحقيه حشر الاجساد اختلفوا في ان ذلک بالايجاد بعد الفناء او بالجمع بعد تفرق الاجزائ؟ و الحق التوقف، و هو اختيار اما الحرمين حيث قال: يجوز عقلا ان تعدم الجواهر ثم تعاد، و ان تبقي و تزول اعراضها المعهوده ثم تعاد بنيتها و لم يدل قاطع سمعي علي تعيين احد هما، فلا يبعد ان يغير

اجساد العباد علي صفه اجسام التراب، ثم يعاد ترکيبها الي ما عهد، و لا يحيل ان يعدم منها شي‏ء ثم يعاد، و الله اعلم. احتج الاولون بوجوه: الاول: الاجماع علي ذلک قبل ظهور المخالفين کبعض المتاخرين من المعتزله و اهل السنه. ورد بالمنع کيف و قد اطبقت معتزله بغداد علي خلافه؟ نعم کان الصحابه يجمعون علي بقاء الحق و فناء الخلق بمعني هلاک الاشياء و موت الاحياء و تفرق الاجزاء لا بمعني انعدام الجواهي بالکليه لان الظاهر انهم لم يکونوا يخوضون في هذه التدقيقات. الثاني: هو قوله- تعالي-: (هو الاول و الاخر) اي في الوجود، و لا يتصور ذلک الا بانعدام ما سواه، و ليس بعد القيامه و فاقا فيکون قبلها، و اجيب بانه يجوز ان يکون المعني: هو مبدء کل موجود و غايه کل مقصود، او هو المتوحد في الالوهيه، او في صفات الکمال، کما اذا قيل لک: هذا اول من زارک او آخرهم؟ فتقول: هو الاول و الاخر، و تريد انه لا زائر سواه، او هو الاول و الاخر بالنسبه الي کل حي، بمعني انه يبقي بعد موت جميع الاحياء، او هو الاول خلقا و الاخر رزقا، کما قال (- تعالي-): (خلقکم ثم رزقکم). و بالجمله فليس المراد انه آخر کل شي‏ء بحسب الزمان للاتفاق علي ابديه الجنه و من فيها. الثالث: قو

له- تعالي-: (کل شي‏ء هالک الا وجهه) فان المراد به الانعدام، لا الخروج عن کونه منتفعا به لان الشي‏ء بعد التفرق يبقي دليلا علي الصانع، و ذلک من اعظم المنافع. و اجيب بان المعني انه هالک في حد ذاته لکونه ممکنالا يستحق الوجود الا بالنظر الي العله، او المراد بالهلاک الموت، او الخروج عن الانتفاع المقصود به اللائق بحاله، کما يقال: هلک الطعام اذا لم يبق صالحا للاکل و ان صلح لمنفعه اخري. و معلوم ان ليس مقصود الباري - تعاي- من کل جوهر الدلاله عليه و ان صلح لذلک کما ان من کتب کتابا ليس مقصوده بکل کلمه الدلاله علي الکاتب. او المراد الموت کما في قوله- تعالي-: (ان امرو هلک)، و قيل: معناه: کل عمل لم يقصد به وجه الله- تعالي- فهو هالک اي غير مثاب عليه. الرابع: قوله- تعالي-: (و هو الذي يبدو الخلق ثم يعيده) (و قوله- تعالي-:) (کما بد انا اول خلق نعيده). و البدو من العدم فکذا العود، و المراد بابداء الخلق الايجاد و الاخراج عن العدم، بل الجمع و الترکيب علي ما يشعر به قوله - تعالي-: (و بدا خلق الانسان من طين). و لهذا يوصف بکونه مرئيا مشاهدا کقوله- تعالي-: (اولم يروا کيف يبدي الله الخلق (ثم يعيده، ان ذلک علي الله يسير)- قل سيروا في ال

ارض فانظروا کيف بدا الخلق). و اما القول بان الخلق حقيقه في الترکيب تمسکا بمثل قوله- تعالي- (خلقکم من تراب) اي رکبکم (و قوله- تالي-) (و تخلقون افکا) اي ترکبونه، فلا يکون حقيقه في الايجاد دفعا للاشتراک، فضعيف جدا لاطباق اهل اللغه علي انه احداث و ايجاد مع تقدير، سواء کان عن ماده کما في خلقکم من تراب او بدونه کما في خلق الله العالم. الخامس: قوله- تعالي-: (کل من عليها فان) و الفناء هو العدم. و اجيب بالمنع بل هو خروج الشي‏ء من الصفه التي ينتفع به عندها کما يقال: فني زاد القوم و فني الطعام و الشراب. و لذا يستعمل في الموت مثل افناهم الحرب. و قيل: معني الايه: کل من علي وجه الارض من الاحياء فهو ميت. قال الامام: و لو سلم کون الفناء و الهلاک بمعني العدم فلابد في الايتين من تاويل، اذلو حملتا علي ظاهر هما لزم کون الکل هالکا فانيا في الحال و ليس کذلک، و ليس التاويل بکونه آئلا الي العدم علي ما ذکرتم اولي من التاويل بکونه قابلا له، و هذه منه اشاره الي ما اتفق عليه ائمه العربيه من کون اسم الفاعل و نحوه مجازا في الاستقبال، و انه لابد من الاتصاف بالمعني المشتق منه. و انما الخلاف في انه هل يشترط بقاء ذلک المعني؟ و قد توهم صاحب ا

لتلخيص انه کالمضارع يشترک بين الحال و الاستقبال، فاعترض بان حمله علي الاستقبال ليس تاويلا و صرفا عن الظاهر. و احتج الاخرون بوجوه: الاول: انه لو کان کذلک لما کان الجزاء و الصلا الي مستحقه، و اللازم باطل عندنا سمعا للنصوص الوارده في ان الله لا يضيع اجر من احسن عملا، و عقلا عند المعتزله لما سبق من وجوب ثواب المطيع و عقاب العاصي. و بيان اللزوم ان المنشا لا يکون هو المبتدا بل مثله لا متناع اعاده المعدوم بعينه. و رد بالمنع و قد مر بيان ضعف ادلته، و لو سلم فلا يقوم من يقول ببقاء الروح او الاجزاء الاصليه و اعدام البواقي ثم ايجادها و ان لم يکن الثاني هو الاول بعينه بل مغايرا له في وصفه الابتداء و الاعاده او باعتبار آخر، و لا شک ان العمده في الاستحقاق هو الروح علي ما مر، و قد يقرر بانها لوعدمت لما علم ايصال الجزاء الي مستحقه لانه لا يعلم ان ذلک المشحور هو الاول اعيد بعينه ام مثل له خلق علي صفته. اما علي تقدير الفناء بالکليه فظاهر، و اما علي تقدير بقاء الروح و الاجزاء الاصليه فلا نعدام الترکيب و الهيئات و الصفات التي بها يتمايز المسلمون سيما علي قول من يجعل الروح ايضا من قبيل الاجسام، و اللازم منتف لان الادله قائمه علي

وصول الجزاء الي المستحق. لا يقال: لعل الله يحفظ الروح و الاجزاء الاصليه عن التفرق و الانحلال، بل الحکمه تقتضي ذلک ليعلم وصول الحق الي المستحق لانا نقول: المقصود ابطال راي من يقول بفناء الاجساد بجميع الاجزاء بل اجسام العالم باسرها ثم الايجاد و قد حصل و لو سلم فقد علمت ان العمده في الحشر هو الاجزاء الاصليه لا الفضليه و قد سلمتم انها لا تتفرق فضلا عن الانعدام بالکليه، بل الجواب ان المعلوم بالادله هو ان الله - تعالي- يوصل الجزاء الي المستحق و لا دلاله علي انا نعلم ذلک عند الايصال البته و کفي بالله عليما. و لو سلم فلعل الله - تعالي- يخلق علما ضروريا او طريقا جليا جزئيا او کليا. الثاني: و هو للمتزله ان فعل الحکيم لابد ان يکون لغرض لامتناع العبث عليه و لا يتصور له غرض في الاعدام اذ لا منفعه فيه لاحد لانها انما تکون مع الوجود بل الحياه، و ليس به ايضا جزاء المستحق کالعذاب و السوال و الحساب و نحو ذلک و هذا ظاهر. ورد بمنع انحصار الغرض في المنفعه و الجزاء، فلعل لله في ذلک حکما و مصالح لا يعلمها غيره، علي ان في الاخبار بالاعدام لطفا للمکلفين و اظهارا لغايه العظمه و الاستغناء و التفرد بالدوام و البقاء، ثم الاعدام تحقيق لذل

ک و تصديق. الثالث: النصوص الداله علي کون النشور بالاحياء بعد الموت و الجمع بعد التفيرق کقوله- تعالي- (و اذ قال ابراهيم رب ارني کيف تحيي الموتي- الايه) و کقوله- تعالي-: (او کالذي مر علي قريه و هي خاويه علي غروشها قال اني يحيي هذه الله بعد موتها)- الي قوله-: (و انظر الي العظام کيف ننشزها ثم نکسوها لحما) و کقوله- تعالي-: (کذلک النشور) (و قوله- تعالي-:) (و کذلک تخرجون) و (قوله- تعالي-:) (کما بداکم تعودون) بعد ما ذکر بدء الخلق من الطين و علي وجه نري و نشاهد مثل (قوله- تعالي-:) (او لم يروا کيف يبدي الله الخلق (ثم يعيده، ان ذلک علي الله يسير)- قل سيروا في الارض فانظروا کيف بدا الخلق)، و کقوله- تعالي-: (يوم يکون الناس کالفراش المبثوث و تکون الجبال کالعهن المنفوش). الي غير ذلک من الايات المشعره بالتفريق دون الاعدام. و الجواب انها لا تنفي الانعدام و ان لم تدل عليه، و انما سيقت لکيفيه الاحياء بعد الموت و الجمع بعد التفريق لان السوال وقع عن ذلک، و لانه اظهر في بادي النظر و الشواهد عليه اکثر، ثم هي معارضه بالايات المشعره بالاعدام و الفناء. انتهي کلامه. و الحق انه لا يمکن الجزم في تلک المساله باحد الجانبين لتعارض الظواهر

فيها، و علي تقدير ثبوته لا يتوقف انعدامها علي شي‏ء سوي تعلق اراده الرب- تعالي- باعدامها، و اکثر متکلمي الاماميه علي عدم الانعدام بالکليه لا سيما في الاجساد. قال المحقق الطوسي- رحمه الله- في التجريد: و السمع دل عليه و يتاول في المکلف بالتفريق کما في قصه ابراهيم- عليه‏السلام-. انتهي. و اما الصور فيجب الايمان به علي ما ورد في النصوص الصريحه، و تاويله بانه جمع للصوره کما مرمن الطبرسي و قد سبقه الشيخ المفيد- رحمه الله- فهو خروج عن ظواهر الايات بل صريحها، اذ لا يتاتي ذلک في النفخه الاولي، و يابي عنه ايضا توحيد الضمير في قوله - تعالي-: (و نفخ فيه اخري) و اطراح للنصوص الصيحه الصريحه من غير حاجه. و قد قال سيد الساجدين- صلوات الله عليه- في الدعاء الثالث من الصحيفه الکامله: و اسرافيل صاحب الصور الشاخص الذي ينتظر منک الاذن و حلول الامر فينبه بالنفخه صرعي رهائن القبور.


صفحه 227، 233، 234، 234.