اثر نهجالبلاغه علي الادب العربي
قال ابوالحسن علي المسعودي المتوفي 346 في مروج الذهب 431:2: لم ليبس عليهالسلام في ايامه ثوبا جديدا و لا اقتني ضيعه و لا ربعا الا شيئا کان له ( بينبع) مما تصدق به و حبسه و الذي حفظ الناس عنه من خطبه في سائر مقاماته اربعمائه خطبه و نيف و ثمانون خطبه يوردها علي البديهه و تداول الناس ذلک عنه قولا و عملا-. و ذکر ابن واضح اليعقوبي المتوفي 284 في کتابه: مشاکله الناس لزمانهم- ص 15 ما نصه: کان علي بن ابيطالب مشتغلا ايامه کلها في الحرب الا انه لم يلبس ثوبا جديدا و لم يتخذ ضيعه و لم يعقد علي مال، الا ما کان (بينبع) و (البغبغه) مما يتصدق به، و حفظ الناس عنه الخطب فانه خطب باربعمائه خطبه حفظت عنه، [صفحه 15] و هي التي تدور بين الناس و يستعملونها في خطبهم-. و قال قطبالدين الراوندي المتوفي 573: سمعت بعض العلماء بالحجاز يقول: اني وجدت في مصر مجموعا من کلام علي (ع) في نيف و عشرين مجلدا-. شرح ابنميثم 101:1. ان هذه النصوص ان دلت علي شيء فانها تدل علي ان کلامه عليهالسلام کان مدونا و محفوظا و مجموعا و متداولا بين الخاصه و العامه، و معروفا عندهم و الموجود في- نهجالبلاغه- هو اقل بکثير مما ذکره المورخون. و لا غرابه اذا ما وجدنا ائمه الادب و احبار النظم و النثر و علماء کلام العرب يندفعون نحو کلام الامام (ع) و يرتشفون من مناهله العذبه و موارده الرغده بعد ان وجدوا کلامه (ع) کما عبر عنه سبط ابن الجوزي البغدادي المتوفي 654 في کتابه- تذکره الخواص- ص 119 فقال: کان علي (ع) ينطق بکلام قد حف بالعصمه، و يتکلم بميزان الحکمه کلام القي الله عليه المهابه فکل من طرق سمعه راعه فهابه، و قد جمع الله له بين الحلاوه و الملاحه، و الطلاوه و الفصاحه، لم يسقط منه کلمه و لا بارت له بين الحلاوه و الملاحه، و الطلاوه و الفصاحه، لم يسقط منه کلمه و لا بارت له حجه اعجز الناطقين و حاز قصب السبق في السابقين، الفاظ يشرق عليها نور النبوه و يحير الافهام و الالباب. ان کلام (ع) بکافه صوره و اشکاله و جوانبه دعامه قويه لتراث الحضاره الانسانيه و رکيزه قويمه للشخصيه الاسلاميه لا تستاثر به قبيله او مجموعه دون اخري، و لا يختص به اهل مله و نحله دون غيرها، و لا ينحصر في اهل مذهب دون غيرهم من اهل المذاهب، و انما کان مرجعا حيا و نبعا فکريا متدفقا لکل البشريه و الاجيال و القرون و الاحقاب، و اصبح ينبوعا صافيا و ثروه فکريه و مناعه علميه لکتاب اللغه العربيه و المتطلعين اليها قديما و حديثا ينتهلون من لغته و يقتبسون من معانيه الوهاجه و مبانيه المستقيمه ما يقوم لهم فنهم و ينمي من حصيلتهم في اللغه و الادب و الفکر. [صفحه 16] هذا و خلال دراستي لمجموعه من الکتب الادبيه کنت اقف علي بيت او ابيات لشاعر اخذ قوله من کلام الامام (ع) و ما اکثره في بطون المولفات و الدواوين، اسجله في محل خاص الي ان حصلت لدي و اجتمعت حصيله ادبيه خيره من هذا النوع من الشعر و شاءت الصدف و ما احلاها في بعض الاحايين طلبت- لجنه الموتمر الالفي لکتاب نهجالبلاغه.... المنعقد في طهران... مني مشارکتهم علميا علي ان تکون الدراسه حول تاثير نهجالبلاغه في الادب العربي.... حسب اختصاصي فاخرجت لهم هذا البحث القائم علي امهات المصادر فذکرت فيه اولا قول الامام اميرالمومنين (ع) مع شرح موجزله، ثم اردفته بالشعر الذي بني الشاعر من کلام الامام (ع) قوله. فمن قوله عليهالسلام: خير الناس في حالا النمط الاوسط فالزموه. و قال ايضا: اليمين و الشمال مضله و الطريق الوسطي هي الجاده عليها باقي الکتاب و آثار النبوه. ان ائمه الادب ذهبت الي ان التوسط في الامور و حتي في القول و الکلام مجانبه اللوعوره و خروج من سبيل من لا يحاسب نفسه، فالتشادق و التعمق و الاغراق في القول و التکلف و الاجتلاب في الاسلوب من السبل التي لا تعترف بها اهل المعرفه من البلغاء و اخذ الشاعر هذا المعني فقال: عليک باوساط الامور فانها و قال الاخر: لا تذهبن في الامور فرطا و کن من الناس جميعا وسطا و قال اعرابي: للامام الحسن (ع) علمني دينا و سوطا لا ذاهبا شطوطا و لا هابطا هبوطا، فقال له الحسن: لئن قلت ذاک ان خير الامور اوساطها-. و قال علي (ع) ايضا: کن في الناس وسطا وامش جانبا. و قال عبدالله بن [صفحه 17] مسعود: و خير الامور اوساطها. و ما قل و کفي خير مما کثر و الهي. نفس تنجيها خير من اماره لا تحصيها. و من حکمه عليهالسلام قوله: ان الله ملکا ينادي في کل يوم: لدوا للموت و اجمعوا للفناء، و ابنوا للخراب-. دعوه الي الزهد و الانصراف عن زخارف الدنيا و زينتها و عدم الاغترار بها و التوجه نحو الحقيقه و الحياه الروحيه و المدينه الفاضله فما قيمه الجمع اذا کان مهددا بالفناء او البناء اذا کانت عاقبته الخراب، فالجمع و البناء حسن في دار باقيه و حياه سرمديه و عيش ازلي يتمتع به الانسان من دون نهايه و يتنعم به من غير انقطاع. و قد اخذ هذا المعني و اللفظ ابونواس الحسن بن هاني کما جاء في الحيوان: 51:3، و ديوان ابينواس: 200، فقال: لدوا للموت و ابنوا للخراب الا ياموت لم ارمنک بدا کانک قد هجمت علي مشيبي و نسبت هذه الابيات في الاغاني 155:3 الي ابيالعتاهيه السماعيل بن القاسم ابن سويد العيني المتوفي 211 کما نجدها ايضا في ديوانه 24 -23. و قال صالح بن عبد القدوس المتوفي 855 ه المرء يجمع و الزمان يفرق و لان يعادي عاقلا خير له فاربا بنفسک ان تصادق احمقا وزن الکلام اذا نطقت فانما و من الرجال اذا استوت اخلاقهم [صفحه 18] حتي يحل بکل واد قلبه ما الناس الا عاملان فعامل و الناس في طلب المعاش و انما لو يرزقون الناس حسب عقولهم لکنه فضل المليک عليهم و قوله عليهالسلام: انا بيضه البلد-. لم تعرف العرب و لم يذکر في اقوالها هذا المثل قبل قول الامام به، و بعده اصبح من الامثال و جاء تاره في موضع المدح، و تاره في موضع الذم، ففي المدح يراد بيضه البلد واحدها الذي تجتمع اليه و تقبل قوله، کما قالت عمره ابنه عمرو بن عبدود ترثي اباها و تذکر قتل علي (ع) اياه: لو کان قاتل عمرو غير قاتله لکن قاتله من لا يعاب به و اما التي يراد بها الذم فيشبه ببيضه البلد و يراد منها الانفراد و الذل و الضياع کقول الراعي: تابي قضاعه لم تعرف لکم نسبا لو کنت من احديهجيء هجوتکم و کقول من قال: لکنه حوض من اودي باخوته و کقول شاعر: اقبلت توضع بکر الاخطام لها و قوله عليهالسلام: راي الشيخ احب الي من جلد الغلام-. [صفحه 19] لان الشيخ کثير التجارب وافر الامتحان فيبلغ من العد و برايه ما لا يبلغ بشجاعته الغلام الحدث غير المجرب لانه قد يغرر بنفسه فيهلک و يهلک اصحابه، و لا مشاحه ان الراي مقدم علي الشجاعه، و کان من وصايا ابرو يزالي ابنه شيرويه: لا تستعمل علي جيشک غلاما غمراتر فاقد کثرا عجابه بنفسه، و قلت تجاربه في غنره، و لا هرما کبيرا مدبرا قد اخذ الدهر من عقله، و عليک بالکهول ذوي الراي، اخذ هذا المعني ابوالطيب المتنبي فقال: الراي قبل شجاعه الشجعان فاذا هما اجتمعا لنفس مره و لربما طعن الفتي اقرانه لولا العقول لکان ادني ضيغم و لما تفاضلت الرجال و دبرت و قوله عليهالسلام: ان من احب عبادالله اليه عبدا.... يقول فيفهم و يسکت فيسلم. افصح عن هذا القول ابوعمرو حماد بن عمر بن يونس بن کليب السوائي المعروف بعجرد المتوفي 161 و هو شاعر کوفي من الموالي و من مخضرمي الدولتين الامويه و العباسيه قال: قد سلم الساکت الصموت لا تفش سرا الي جدار و اعجبا لامريء ضحوک و سال عليهالسلام غير مره في علل نالته فقيل له: کيف اصحبت؟ فقال: بشر- و المقصود ان العله في الواقع و ان کانت شر او موذيه، و فيها الالم و الاوجاع فان [صفحه 20] فيها دواء، و فيها عبره لمن فکر و اذاها محنه و اختبار فبالاختيار يطيع الناس و بالطاعه يدخلون الجنه، و قول الامام (ع) ماخوذ من قول الله تعالي: و عسي ان تکرهوا شيئا و هو خير لکم و عسي ان تحبوا شيئا و هو شر لکم والله يعلم و انتم لا تعلمون.[1]. و معناه و قد تکرهون شيئا في الحال و هو خير لکم في عاقبه امورکم، کما تکرهون القتال لما فيه من المخاطره بالروح و هو خير لکم، و قد تحبون ما هو شر لکم و هو القعود عن الجهاد لمحبه الحياه و هو شر لما فيه من الذل و الفقر في الدنيا، فاخذ هذا المعني ابوسهل بشر بن المعتمر البغدادي المتوفي 210 الفقيه الشاعر المعتزلي و اليه تنسب الطائفه الشريه، فقال في قصيدته: و کلها شر وفي شرها و قال شاعر آخر: و ماثم الا الله في کل حاله فکم حاله تاتي و يکرهها الفتي و قوله عليهالسلام: الهم نصف الهرم-. من العوامل الاساسيه التي تهدم الفتوه و الشباب، و تدفع الشيب و الانحلال و تمکنه من الجسد الهم و الغموم و لذلک قال بعض الحکماء: الهم يشيب القلب، و يعقم القلب فلا يتولد معه راي و لا يصدق معه رويه، و هذا ما لا ريب فيه فان الهموم هي الباعثه علي دمار الشباب، و تسلط الهرم، و من هنا نجد علماء الطلب يحثون الناس علي دفع الهموم و عدم اعطاء مجال للغموم فاذا ما نفذت في الجسم نشات في ظلالها الاسقام و الداء. قال سفيان بن عيينه: الدنيا کلها هموم و غموم، فما کان منها سرورا فهو ربح. و اخذ هذه الاثاره ابوتمام الطائي حبيب بن [صفحه 21] اوس المتوفي 231 فقال: شاب راسي و ما رايت مشيب الر و لذاک القلوب في کل بوس طال انکاري البياض و لو و قال الشاعر: هموم قد ابت الا التباسا و تعقد قائما بشجا حشاه و اصخت خاشعا منها نزار و انشد ابوتمام ايضا: شعله في المفارق استود عتني تستثير الهموم ما اکتن منها غره مره الا انما کن دقه في الحياه تدعي جلالا حلمتني زعمتم و اراني و قوله عليهالسلام حين دخل علي بعض الامراء فقال له: من في هذه البيوت، فلما قيل له: عقائل من عقائل العرب قال عليهالسلام: من يطل هن ابيه ينتطق به-. فذهب ائمه اللغه ان الاغراض يجب ان تناسب الالفاظ و لکل ضرب من الحديث ضرب من اللفظ، کما ان لکل نوع من المعاني نوع من الاسماء، فالجزال للجزل، و الافصاح في موضع الافصاح و الکنايه في موضع الکنايه، و الاسترسال في موضع الاسترسال. علي ان بعض الناس اذا انتهي الي ذکر کلمات ارتدع و اظهر التباعد و التفزز و استعمل باب الورع، و اکثر من تجده کذلک فانما هو رجل ليس معه من العفاف و الکرم و النبل و الوقار الا بقدر هذا الشکل من التصنع و علي حد قول [صفحه 22] الجاحظ: و لم يکشف قط صاحب رياء و نفاق الا عن لوم مستعمل و نذاله متمکنه. ان الامام (ع) استعمل کلمه- هن- و في نسخه- اير- في الجمله الانفه في موضع صارت دونها الامثال، و تحدثت بها الرکبان، و سجلتها الائمه لانه عليهالسلام يعول في تنزيه اللفظ و تشريف المعاني و مقصوده من کثر اخوته اشتد ظهره و عزه بهم فاخذت العرب المعني هذا و نظموا فيه و اليه اشار الشاعر بقوله: فلو شاء ربي کان اير ابيکم قال الاصمعي: و کان للحارث بن سدوس احد و عشرون ذکرا. و قوله عليهالسلام: السخاء ما کان ابتداء، فاذا کان عن مساله فحياء و تذمم- منهج قويم للمحبه و الاحسان، و قيم عاليه للانسانيه و العاطفه فليست المرونه و السخاء ان تعطي من سالک، و انما الشهامه و الرجوله البذل لمن لا يسالک، و قد نظم هذا المعني ابوالفتيان صفيالدوله محمد بن سلطان محمد ابن حيوس المتوفي بحلب سنه 473 فقال: اني دعوت ندي الکريم فلم يجب و من العجائب و العجائب جمه و قال آخر: ما اعتاض باذل وجهه بسواله و اذا النوال الي السوال قرنته و قوله عليهالسلام: يا اهل الديار الموحشه.... اما الدور فقد سکنت، و اما الازواج فقد نکحت، و اما الاموال فقد قسمت. خاطب الامام (ع) في ظهر الکوفه اصحاب القبور، و اعلمهم ان ديارکم سکنها غيرکم، و نساوکم تزوجت، و اموالکم التي جمعتموها قسمت بعدکم، [صفحه 23] فاخذه الشاعر و قال: لا تامنن انثي حياتک و اعلمن اليوم عندک دلها و حديثها کالبيت يصبح خاليا من اهله و قال عليهالسلام: ما اضمر احد شيئا الا ظهر في فلتات لسانه و صفحات وجهه-. فکل ما يضمره الانسان من خير و شر و يجهد في اخفاءه و ستره فلا بد له من الظهور رغم التستر و الاخفاء، و کان يقال: العين و الوجه و اللسان اصحاب اخبار علي القلب. و قالوا ايضا: القلوب کالمرايا المتقابله اذا ارتسمت في احدا هن صوره ظهرت في الاخري. قال في هذا المعني الشاعر: تخبرني العينان ما القلب کاتم و قال آخر: و في عينيک ترجمه اراها و اخلاق عهدت اللين فيها و قد عاهدتني بخلاف هذا و قال عليهالسلام: العفاف زينه الفقر و الشکر زينه الغني-. الفقير من لا يستعفف من السوال و يبيع ماء وجهه لادني شييء و احتياج و للامام (ع) کلمات ذهبيه اخري غير ما ذکرناه في هذا المعني و اودعه الشاعر في قوله: اذا کان باب الذل من جانب الغني [صفحه 24] صبرت و کان الصبر مني سجيه و انشد بعضهم: اقسم بالله لمص النوي احسن بالانسان من ذله فاستغن بالله تکن ذاغني و قوله عليهالسلام في خطبه الاشباح: و ارانا من ملکوت قدرته و عجائب ما نطقت به آثار حکمته و ظهرت في البدائع التي احدثها آثار صنعته و اعلام حکمته، فصار کل ما خلق حجه لا و دليلا عليه، و جعل شمسها آيه مبصره لنهارها و قمرها آيه ممحوه من ليلها-. و في الخطبه هذه کلمات رصينه، و عبارات بليغه تدل علي ان الله واحد لا شريک له، فرد لا مثل له، صمد لا ند له، و ما من حرکه و سکون الا و له في ذلک حکمه داله علي وحدانيته، فاخذ هذا المعني ابوالعتاهيه فقال: فيا عجبا کيف يعصي الاله و في کل شيء له آيه والله في کل تحريکه و قوله عليهالسلام: جانبوا الکذب فانه مجانب للايمان، الصادق علي شرف منجاه و کرامه، و الکاذب علي شفا مهواه و مهانه-. يذکر الامام (ع) عواقب الصدق و الکذب، و نتائجهما و ما تجره علي الانسان من النجاه و السعاده ان هو صدق، و من الافه و السقم ان کذب، قال، ابن ابيالسمح المتوفي 140 و قد اخذ المعني هذا: لا تغتر الکذب القبيح فانه [صفحه 25] و اصدق بقولک حين تنطق انه و اذا صدقت علي الرجال خصمتهم و اذا رماک غشوم قوم فارمه لا تعرضن علي العدو وسيله اي لا تقاربه و لا تصانعه، و لا يکن بينک و بينه الا صدق العداوه. و قوله عليهالسلام: عبادالله ان تقوي الله حمت اولياء الله محارمه، و الزمت قلوبهم مخافته، حتي اسهرت لياليهم، و اظمات هواجرهم فاخذوا الراحه بالنصب و الري بالظماء-. ان الحفاظ علي الصلاه و اقامتها من صفات المومنين و امتيازاتهم الروحيه، و کانت عليهم کتابا موقوتا سيما اذا لم تکن محصوره في الاوقات الخمس و انما کانت في کل آناء الليل و اطراف النهار و ما احلاها عند ما تنام العيون، و تهدء الاصوات، و ترقد الانفس فالامام- ع- يدعو الانسانيه الي منزله الاخلاص و العبوديه، و الخلوه بالحبيب... و اخيرا خشيه الله سبحانه و مراقبته في السر و العلن، لان الخشيه اصل الطاعات و قول الامام (ع): اسهرت لياليهم، و اظمات هواجرهم ماخوذ من قول العرب: نهاره صائم، و ليله قائم، نقلوا الفعل الي الظرف و هو من باب الاتساع الذي يجرون فيه الظرف مجري المفعول به، و نظم الکثيرون هذا المعني و منهم عبدالله بن المبارک بن واضح الحنظلي المفسر و المورخ و الاديب و النحوي و المتوفي 181 فقال: اذا ما الليل اظلم کابدوه اطار الخوف نومهم فقاموا و قوله عليهالسلام: من نصب نفسه للناس اماما فليبدا بتعليم نفسه قبل تعليم [صفحه 26] غيره، وليکن تاديبه بسيرته قبل تاديبه بلسانه، و معلم نفسه و مودبها احق بالاجلال من معلم الناسو مودبهم. الفروع تابعه للاصول فاذا کان الاصل معوجا استحال ان يکون الفرع مستقيما، فمن نصب نفسه للناس اماما و لم يکن قد علم نفسه ما انتصب ليعلمه الناس کان مثل من نصب نفسه ليعلم الناس الخط و السياقه و هو لا يحسنهما و هذا نوع من السفه بل هو السفه کله، ثم قال (ع) و ينبغي ان يکون تاديبه لهم بفعله و سيرته قبل تاديبه لهم بلسانه، و ذلک لان الفعل ادل علي حال الانسان من القول، و من علم نفسه محاسن الاخلاق فهو اعظم قدرا ممن تعاطي تعليم الناس ذلک و هو غير عامل بشيء منه، فاما من علم نفسه و علم الناس فهو افضل و اجل ممن اقتصر علي تعليم نفسه فقط، و قد نظم هذا المعني الشاعر فقال: يا ايها الرجل المعلم غيره تصف الدواء لذي السقام و ذي الضني و نراک تصلح بالرشاد عقولنا فهناک يقبل ما تقول و يهتدي لاتنه عن خلق و تاتي مثله و قال آخر: اذا عبت امرا فلا تاته و قوله عليهالسلام في خطبه: و من توکل عليه کفاه، و من ساله اعطاه، و من اقرضه قضاه، و من شکره جزاه-. الاتکال علي الله و تفويض الامور اليه سبحانه، من عوامل السعاده [صفحه 27] و النجاح فقد قال تعالي: و من يتوکل علي الله فهو حسبه و قال النبي (ص): لو توکلتم علي الله حق توکله لرزقکم کما يرزق الطير، و في القرآن و الاحاديث آيات و اخبار وافره تحث الانسان علي الاتکال و التوکل عليه سبحانه، فالعاقل کله تفويض الامور اليه، و الاتکال عليه، قال شهابالدين محمد بن احمد الابشيهي المتوفي 850: توکل علي الرحمن في الامر کله و کن واثقا بالله و اصبر لحکمه و قال عليهالسلام: اللسان سبع ان خلي عنه عقر. ذهب الحکماء ان النطق اشرف ما خص به الانسان، لانه صورته المعقوله التي باين بها سائر الحيوانات، و لذلک قيل: الانسان لولا اللسان الابهيمه مهمله او صوره ممثله، و الصمت من حيث هو صمت مذموم لانه من صفات الجمادات فضلا عن الحيوانات و کلام الامام (ع) في مدح الصمت محمول علي من يسيء الکلام فتقع منه جنايات و خيانات في امور الدين و الدنيا کما ان السبع ان خلي عنه احدث من الفتک و السفک و القتل ما لا حد له و لا حصر، و قال بعضهم: مثل اللسان مثل السبع ان لم توثقه عدا عليک و لحقک شره. و قد اخذ هذا المعني الشاعر فقال: احفظ لسانک ايها الانسان کم في المقابر من قتيل لسانه و قال آخر: احفظ لسانک لا تقول فتبتلي [صفحه 28] و قال آخر ايضا: يموت الفتي من عثره بلسانه و قال ابوالفتح علي بن محمد البستي المتوفي حدود 400: تکلم و سدد ما استطعت فانما فان لم تجد قولا سديدا تقوله و قال عليهالسلام: فاعل الخير خير منه، و فاعل الشر شر منه-. الخير و الشر عاملان في الانسان، و هما دائما في صراع و احتدام يريد کل واحد منهما التغلب علي الاخر و اجتذاب الفرد نحوه، فاذا کانت القيم الانسانيه في الفرد قويمه و متينه تغلب عامل الخير علي عامل الشروا ما اذا کانت ضعيفه و موجبات المعاصي و السوء متغلغله فيه انتصر عامل الشر علي الخير، و لذلک اصبح فاعل الخير خيرا منه، و فاعل الشر شرا منه، و هنا لابن ابيالحديد المعتزلي توجيه آخر نصه: فان قلت کيف يکون فاعل الخير خيرا من الخير، و فاعل الشر شرا من الشر مع ان فاعل اخير انما کان ممدوحا لاجل الخير و فاعل الشر انما کان مذموما لاجل الشر فاذا کان الخير و الشر هما سببا المدح و الذم و هما الاصل في ذلک فکيف يکون فاعلا هما خيرا و شرا منهما؟ قلت: لان الخير و الشر ليسا عباره عن ذات حيه قادره و انما هما فعلان او فعل و عدم فعل او عدمان، فلو قطع النظر عن الذات الحيه القادره التي يصدر ان عنها لما انتفع احدبها و لا استضرفا لنفع و الضرر انما حصلا من الحي الموصوف بهمالا منهما علي انفراد هما فلذلک کان فاعل الخير خيرا منه، و فاعل الشر شرا من الشر. و نظم الشاعر ابن ابيالحديد هذه الجمله فقال. خير البضائع للانسان مکرمه فالخير خير و خير منه فاعله [صفحه 29] و قال عليهالسلام: اذا قدرت علي عدوک فاجعل العفو عنه شکرا للقدره عليه. برنامج اخلاقي يدعو الي الحلم و الصفح و العفو و به يتمکن کل فردان يسود و يجعل المجتمع يکن له بالغ التجبيل و التکريم، و کان يقال: احسن افعال القادر العفو و اقبحها الانتقام، و سال معاويه يوما خالد بن المعمر السدوسي علي ماذا احببت عليا (ع) قال: علي ثلاث: اذا غضب، و صدقه اذا قال، و وفاوه اذا و اي. و قد اخذ هذا المعني ابن ابيالحديد فقال: ان الاماني اکساب الجهول فلا و اجعل من العقل جهلا و اطرح نظرا و ان قدرت علي الاعداء منتصرا و قال عليهالسلام: القناعه مال لا ينفد-. منهج اقتصادي بديع، فاذا ما کان العبد في حياته قانعا لم يفتقر الي لئام الناس و قد قال الحکماء: قاوم الفقر بالقناعه، و قاهر الغني بالتعفف، و طاول عناء الحسد بحسن الصنع، و غالب الموت بالذکر الجميل، و قال الشاعر: و ما الناس الا واجد غير قانع و قال آخر: ان القناعه من يحلل بساحتها و قد کتب علي (ع) رساله في هذا الصدد قال فيها (دع الاسراف مقتصدا و اذکر في اليوم غدا و امسک من المال بقدر ضرورتک و قدم الفضل ليوم حاجتک اترجو ان يعطيک الله اجر المتواضعين و انت عنده من المتکبرين؟ او [صفحه 30] تطمع و انت متمرغ في نعيم تمنعه الضعيف و الارمله ان يوجب لک ثواب المتصدقين؟ و انما المرء مجزي بما اسلف و قادم علي ما قدم. والسلام). و قوله عليهالسلام: المراه ضلع عوجاء ان داريتها استمتعت بها و ان رمت تقويمها کسرتها-. للامام (ع) في المراه کلمات وافره و تشبيهات مختلفه و امثال شتي، و منها ما ذکرناه و قد اخذ الشاعر هذا المعني و قال: هي الضلع العوجاء لست تقيمها اتجمع ضعفا و اقتدارا علي الفتي و من قوله عليهالسلام: فبادروا العمل و خافوا بغته الاجل، فانه لا يرجي من رجعه العمر ما يرجي من رجعه الرزق، ما فات من الرزق رجي غدا زيادته-. يعني ان الانسان مرزوق علي کل حال، فان ابطا عنه رزقه فلا يحزن و لا يخاف لانه مقبل عليک و آت لا محاله، و قد افصح عن هذا الشعراء و في مقدمهم الامام الرضا عليهالسلام المستشهد عام 202 فقال: ما فاتک اليوم سياتي غدا و الرزق مضمون علي واحد قد يرزق العاجز مع عجزه و انشد عروه بن اذينه بن مالک من بنيالليث من شعراء اهل المدينه و من الفقهاء و المحدثين توفي 130: لقد علمت و ما الاسراف من خلقي اسعي له فيعينيني تطلبه [صفحه 31] و قال عليهالسلام: مقاربه الناس في اخلاقهم امن من غوائلهم-. علي الفرد اينما يحل و يسکن ينبغي ان يتصف و يتحلي برسوم و تقاليد سکنه تلک المنطقه فيماشي الناس و يتشبه باخلاقهم و يتظاهر بها ليسلم من شرورهم و آثامهم، و لا يعلن المخالفه و التباين فيقع فيمالا تحمد عقباه، و ان کان مخالفا لهم في الباطن و قد قيل: اذا نزلت علي قوم فتشبه باخلاقهم، فان الانسان من حيث يوجد لا من حيث يولد. و الي هذا نظر ابوالطيب المتنبي في قوله: و خله في جليس اتقيه بها و کلمه في طريق خفت اعربها و قال الشاعر: و ما انا الا کالزمان اذا صحا و قال آخر: احامقه حتي يقال سجيه و قال ابوالعلاء المعري: و لما رايت الجهل في الناس فاشيا و انشد آخر: و للدهر اثواب فکن في لباسه و کن اکيس الکيسي اذا کنت فيهم و المعني فالبس مع الدهر لبوسه ان لبس الجديد فالبس ايضا انت الجديد و بالعکس. و من حکمه عليهالسلام قوله: القلب مصحف البصر-. ان ما تراه و تبصره العين تنعکس علي القلب و تسجل علي صفحاته، فالقلب بمثابه آله تسجيل تسجل ما تشاهده العين، و قد افصح عن هذا المعني [صفحه 32] الشاعر فقال: ان العيون لتبدي في تقلبها و مثله قول آخر: تخبرني العينان ما القلب کاتم و قوله عليهالسلام: قيمه کل امريء ما يحسنه-. قال الشريف الرضي بعد ذکره لهذه الکلمه: و هذه الکلمه التي لا تصاب لها قيمه و لا توزن بها حکمه لا تقرن اليها کلمه.... فکل صاحب حرفه و مهنه محترم حسب علمه، و هو ماخوذ من قول النبي الاعظم (ص): المعروف علي قدر المعرفه- و کل ذي علم يعظم لعلمه مهما کان نوعه و اختصاصه، و قد افصح عن هذا ابن ابيبکر المقري المتوفي 875 فقال: و قيمه المرء ما قد کان يحسنه و کل علم جناه ممکن ابدا و قوله عليهالسلام: ازجر المسيء، بثواب المحسن-. الانسان عبيد الاحسان و بالمحبه و الجود تبتعد النفوس عن الاساءه و المنکر و تجتحم عن الذنوب و المعاصي، و قد افصح به ابوالعتاهيه في قوله: اذا جازيت بالاحسان قوما فمالک و التناول من بعيد و قوله عليهالسلام: الظلم من کوامن النفوس، القوه تبديه و الضعف يخفيه-. ان الطبيعه البشريه مجبوله علي الظلم و الشر و الاعتداء و لا مفر لانسان [صفحه 33] منها الا من عصمه الله تعالي و سواء في ذلک الظلم للاخر او ظلم الانسان نفسه، و کلاهما واحد کما صرحت به الايه الکريمه: و دخل جنته و هو ظالم لنفسه[2] و قد اخذ هذا المتنبي احمد المتوفي 354 فقال: و الظلم من شيم النفوس فان تجد و له ابيات اخري حکميه اخذها عن حکم اميرالمومنين (ع) و معانيها. و ينسب الي علي بن ابيطالب (ع) هذه الابيات اما والله ان الظلم شوم الي الديان يوم الدين نمضي ستعلم في الحساب اذا التقينا ستنقطع اللذاذه عن اناس لامر ما تصرمت الليالي سل الايام عن ام تقضت تروم الخلد في دار الدنايا تنام و لم تنم عنک المنايا لهوت عن الفناء و انت تفني و قال عليهالسلام عند وقوفه علي قبر النبي (ص) ساعه دفن رسولالله (ص): ان الصبر لجميل الا عنک، و ان الجزع لقبيح الا عليک، و ان المصاب بک لجليل، و انه بعدک لقليل-. کلمات في غايه الفصاحه، و منتهي المتانه و البلاغه و قد اخذت الشعراء [صفحه 34] هذه المعاني فقال بعضهم: امست بجفني للدموع کلوم و الصبر يحمد في المواطن کلها و قال ابوالطيب المتنبي: اجد الجفاء علي سواک مروءه اما قوله: و انه بعدک لقليل، يعني المصاب اي لا مبالاه بالمصائب بعد المصيبه بک، قال بعضهم: قد قلت للموت حين نازله اذهب بمن شئت اذ ظفرت به و قوله عليهالسلام: لکل امريء في ماله شريکان الوارث و الحوادث-. و في روايه قال عليهالسلام، في موضع آخر: بشر مال البخيل بحادث او وارث، و يقصد الامام (ع) ان ما يجمعه المريء في حياته و يتلهف علي جمعه و حبسه، سينتقل بعد موته اما الي وراثه او تتلفه الحوادث، و قد اخذه الشريف الرضي محمد بن ابياحمد الطاهر فقال: خذ من تراثک ما استطعت فانما لم يقض حق المال الا معشر و قوله عليهالسلام في خطبته المعروفه بالشقشقيه لقوله (ع) فيها: شقشقه هدرت ثم قرت-: و لالفيتم دنياکم هذه ازهد عندي من عفطه عنز- و عفطه عنز ما نثره من الفها، و مقصود الامام (ع) ان الدنيا هذه او الرئاسه و الخلافه و القياده ليست بمهمه عندي و لا اعتد بها لتفاهتها و اصبح مثلا يضرب للشيء يستخف به [صفحه 35] و بهلاکه، قال الشاعر: فسيان عندي قتل الزبير و عزي قوما عن ميت مات لهم فقال عليهالسلام: ان هذا الامر ليس لکم بداو لا اليکم انتهي و قد کان صاحبکم هذا يسافر؟ فقالوا نعم، قال: فعدوه في بعض سفراته فان قدم عليکم و الا قدمتم عليه-. تذکر للموت و انه کان حتما مقضيا علي کل فرد او دابه و ان البقاء الله سبحانه، و الدوام له تعالي و لا يبقي الا وجهه، فهو امر لا بدمنه، و قد الم بهذا الکلام ابواسحاق ابراهيم بن المهدي العباسي الهاشمي المتوفي 224 اخوهارون الرشيد و ليس في اولاد الخلفاء قبله افصح منه لسانا و لا اجود شعرا، فقال في شعره الذي رثي به ولده: يوب الي اوطانه کل غائب تبدل دارا غير داري و جيره اقام بها مستوطنا غير انه و اني و قد قدمت قبلي لعالم و ان صباحا نلتقي في مسائه و قال شاعر: في الذاهبين الاولين من لما رايت مواردا و رايت قومي نحوها لا يرجع الماضي الينا ايقنت اني لا محاله [صفحه 36] و قوله عليهالسلام: ما قال الناس لشيء طوبي له، الا و قد خباله الدهر يوم سوء-. مهما اوتي الانسان من حول و طول في الحياه و مهما جمع من عوامل الرغد و الهناء فان الدهر له بالمرصاد، و قد خباله من الاحداث و الاقدار المولمه ما لم يکن في الحسبان فيکدر صفو عيشه، و يجعله رهين الالام و الغموم، و لذلک کان من العبث الاغتدار و الاطمئنان بالحياه الفانيه، قال ابومحمد اسحاق بن ابراهيم بن ميمون الموصلي المعروف بابن النديم المتوفي 235: هي المقادير تجري في اعنتها يوما نريش خسيس الحال ترفعه و قال آخر: رب قوم غبروا من عيشهم سکت الدهر زمانا عنهم و من الشعر المنسوب الي محمد الامين من زبيده: يا نفس قد حق الحذر کل امريء مما يخا من يرتشف صفو الز و قال ابوبکر بن دريد الازدي القحطاني البصري المتوفي 321 عالم فاضل اديب حفوظ شاعر نحوي لغوي و يعتبر من شعراء الشيعه المکثرين: القي علي الدهر رجلا ويدا يفسد ما اصلحه اليوم غدا و کتب ابوالفضل بديع الزمان الهمداني المتوفي 398 ه اذا ما الدهر جر علي اناس فقل للشامتين بنا افيقوا [صفحه 37] و قوله عليهالسلام: تمام جمال المراه في خفها، و تمام جمال الرجل في کمته-. و في روايه: جمال الرجل في عمته و جمال المراه في خفها-. فاخذ هذا المعني ائمه الشعر مع تباينهم في الراي عن جمال الرجل و المراه و اختلافهم فيه فقال مجنون بنيعامر: ااعقر من جرا کريمه ناقتي اذا جاء قعقمن الحلي و لم اکن و لم تغن سبحان العراقين نقره فقد کان من عاده فرسان العرب في المواسم و الجموع و في اسواق العرب کايام عکاظ، و ذي المجاز، و ما اشبه ذلک التقنع و التعمم، کما ان اصحاب النبي (ص) کانوا ينهون نساءهم عن لبس الخفاف الحمروا لصفر، و يقولون: هو من زينه نساء آلفرعون. فالکمه القلنسوه و اشباهها مثل العمه اهيب للرجل، و لذلک نجد الرسول الاعظم (ص) اکثر الناس قناعا لان ذلک اهيب في الصدور و اجل في العيون. و قوله عليهالسلام: کم من اکله منعت اکلات. منهج سليم للجسم و طريق للصحه و ابتعاد عن المرض و السقم، فالمقصود ان کم من اکله غير صحيحه و سليمه کانت سببا في دفع الجسم الي هاويه السقام لان الاکل وظيفه حياتيه ضروريه لحفظ قوامالجسم، فربما اکل الانسان اکله توفرت فيها المواد المعوضه للجسد و لم تتوفر فيها المواد المجدده للحراره او بالعکس، فيحصل اختلال في وظائف الجسم لا يدري منشاه، لان الجسد حسب تکوينه و نشاته يحتاج دائما لماده يعوض بها ما يفقد بالعمل من الجسم، و الي ماده تجدد له ما يضيعه من حرارته، و قد کتب علماء الصحه بحوثا مسهبه حول الاکل و کيفيته، و موارده و لا مجال هنا لسردها کما نظم الشعراء هذه الاثاره و ادخلوها في [صفحه 38] شعورهم فقال ابونواس: شاع في الفناء سفلا و علوا ذهبت جندتي بطاعه نفسي فالنضوا بالکسر البعير المهزول من کثره السير، فشبه نفسه به. و قال الاخر: و کم من اکله منعت اخاها و کم من طالب يسعي لشيء و قد اخذ هذا المعني بعينه و لفظه ابومحمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان البصري الحريري المتوفي 516 صاحب (المقامات) فقال: يا رب اکله هاضت الاکل و منعته ماکل. کما اخذه ابوبکر الحسن بن علي بن احمد بن بشار بن زياد الضرير النهرواني المعروف بابن العلاف و المتوفي 318 نديم المعتضد بالله العباسي، فقال في رثاء الهر قصيدته المشتمله علي الحکم و المواعظ و منها قوله: عشت حريصا يقوده طمع اردت ان تاکل الفراخ و لا يا من لذيذ الفراخ اوقعه لا بارک الله في الطعام اذا کم اکله خامرت حشاشره و قال عليهالسلام: الرجل بلا اخ کشمال بلا يمين-. الاخوه و التاخي سبب التالف، و التالف سبب القوه، و القوه سبب التقوي، و التقوي حصن منيع و رکن شديد بها يمنع الضيم و تنال الرغائب و تنجع المقاصد، و ليس مقصود الامام (ع) من الاخ هو من ابيک و امک، فرب اخ شفيق لک لم تلده امک، و لذلک آخي النبي الاقدس (ص) بين الصحابه. [صفحه 39] فقال الشاعر: و ما المرء الا باخوانه و لا خير في الکف مقطوعه و انشد آخر: اخاک اخاک من لا اخاله و ان ابن عمر المرء فاعلم جناحه و قال عليهالسلام: عند تناهي الشده تکون الفرجه و عند تضايق حلق البلاء يکون الرخاء-. کان يقال اذا اشتد المضيق اتسعت الطريق، قال ابراهيم بن العباس و هو في مجلسه في ديوان الضياع: و لرب نازله يضيق بها الفتي کملت فلما استحکمت حلقاتها و قال آخر: اذا بلغ الحوادث منتهاها فکم کرب تولي اذ توالي و قال عليهالسلام معزيا اشعث بن قيس عن ابن له مات: ان صبرت صبر الاکارم و الا سلوت سلو البهائم-. و في روايه: من صبر صبر الاحرار و الا سلاسلو الاغمار- و فيه حث علي الصبر و السکينه عند الفوادح و الملمات، و قد حکي هذا المعني ابوتمام الطائي فقال: و قال علي: في التعازي لاشعث [صفحه 40] اتصبر للبلوي عزاء و حسبه هذا بعض ما جمعته من تضاعيف الکتب الادبيه، و هناک الکثير و الکثير من امثال ما اوردته و الجدير بالذکر ان اثر نهجالبلاغه.... لم يکن علي الادب العربي وحده، و انما نجد اثره التام ايضا في الادب الفارسي و في کتب القوم المزيد من الشعر الفارسي موشح بعيون ما نظمه ادباء الفرس و شعرائهم من کلام الامام اميرالمومنين (ع).
و لسنا بعد هذا کله بحاجه الي کثير شرح من ان کلام الامام اميرالمومنين (ع) حظي بما لم يحظ به کلام غيره من البلغاء و العظماء من العنايه التامه و الاهتمام البالغ، فتراهم علي امتداد القرون بين جامع لحکمه، و راوو محدث لخطبه، و حافظ لاقواله و متاثر باسلوبه و ناظم لحکمه لانه (ع) فتح امام العلماء و الادباء جوانب فکريه واسعه و آفاق علميه غير متناهيه فصالوا علي کلامه، و اخذوا معاني اقواله، و مباني الفاظه و اخرجوها في اشعارهم، و لا احسب احد من البلغاء علي کثرتهم في الجاهليه و الاسلام حظي کلامه من العنايه مثل کلام الامام (ع) فقد دونوه علي عهده، و حفظوه في ايامه، و کتبوه ساعه انشاده، و تداولوه فيما بينهم بعده کما سمعوه.
نجاه و لا ترکب ذلولا و لا صعبا
لا تسالن ان سالت شطا
فکلکم يصير الي التراب
ابيت فما تحيف و لا تجابي
کما هجم المشيب علي شبابي
و يظل يرقع و الخطوب تمزق
من ان يکون له صديق احمق
ان الصديق علي الصديق مصدق
يبدي عقول ذوي القول المنطق
من يستشار اذا استشير فيطرق
فيري و يعرف ما يقول فينطق
قد مات من عطش و آخر يغرق
بالجد يرزق منهم من يرزق
الفيت اکثر من ثري يتصدق
هذا عليه موسع و مضيق
بکيته ما اقام الروح في جسدي
و کان يدعي قديما بيضه البلد
و ابنانزار فانتم بيضه البلد
يا ابن الرقاع ولکن لست من احد
ريب المنون فامسي بيضه البلد
حسبت رهطک عندي بيضه البلد
هو اول و هي المحل الثاني
بلغت من العلياء کل مکان
بالراي قبل تطاعن الاقران
ادني الي شرف من الانسان
ايدي الکماه عوالي المران
کلام راعي الکلام قوت
فربما نمت البيوت
مستيقن انه يموت
خير کثير عند من يدري
فلا تتکل يوما علي غير لطفه
و خيرته فيها علي رغم انفه
اس الا من فضل شيب الفواد
و نعيم طلائع الاجساد
عمرت شيئاانکرت لون السداد
تبث الشيب في راس الوليد
و تطلق للقيام حبي القعود
مرکبه الر واجب في الخدود
في صميم الفواد ثکلا صميما
صعدا و هي تستثير الهموما
ت اغرا ايام کنت بهيما
مثل ماسمي اللديغ سليما
قبل هذا التحليم کنت حليما
طويلا کاير الحارث بن سدوس
فلاشکرن ندي اجاب و ما دعي
شکر بطيء عن ندي المتسرع
عوضا و لو نال الغني بسوال
رحج السوال و خف کل نوال
ان النساء و ما لهن مقسم
و غدا لغير کفها و المعصم
و يحل بعدک فيه من لا تعلم
و ما جن بالبغضاء و النظر الشزر
تدل علي الضغائن و الحقود
غدت و کانها زبر الحديد
و قال الله: اوفوا بالعهود
سموت الي العلياء من جانب الفقر
و حسبک ان الله اثني علي الصبر
و شر بماء القلب المالحه
و من سوال الاوجه الکالحه
مغبطا بالصفقه الرابحه
ام کيف يجحده الجاحد
تدل علي انه الواحد
و تسکينه في الوري شاهد
للمرء معيبه و باب لئام
للصدق فضل فوق کل کلام
و الصدق مقطعه علي الظلام
بالد مشتغر المدي غشام
و احذر عدوک عند کل مقام
فيسفر عنهم و هم رکوع
و اهل الامن في الدنيا هجوع
هلا لنفسک کان ذا التعليم
کيما يصح به و انت سقيم
ابدا و انت من الرشاد عديم
بالقول منک و ينفع التعليم
عار عليک اذا فعلت عظيم
فذواللب مجتنب ما يعيب
فما خاب حقا من عليه توکل
تفز بالذي ترجوه منه تفضلا
لا يلدغنک انه ثعبان
کانت تهاب لقاءه الشجعان
ان البلاء موکل بالمنطق
و ليس يموت المرء من عثره الرجل
کلامک حي و السکوت جماد
فصمتک عن غير السداد سداد
تنمي و تزکوا اذا بارت بضائعه
و الشر شر و شر منه صانعه
تقنع بها و ارکب الاهوال و الخطرا
في الموبقات و لا تستشعر الحذرا
فاشکر بعفوک عن اعدائک الظفرا
بارزاقه او طالب غير واجد
لم يلق في ظلها هما يورقه
الا ان تقويم الضلوع انکسارها
اليس عجيبا ضعفها و اقتدارها
ما في الذي قدر من حيلته
مفاتح الاشياء في قبضته
و يحرم الکيس من فطنته
ان الذي هو رزقي سوف ياتيني
و لو قعدت اتاني لا يعنيني
کيما يري اننا مثلان في الرهن
فيهتدي لي فلم اقدر علي اللحن
صحوت و ان ماق الزمان اموق
و لو کان ذا عقل لکنت اعاقله
تجاهلت حتي ظن اني جاهل
کلبسته يوما اجد و اخلقا
و ان کنت في الحمقي فکن انت احمقا
ما في الضمائر من ودو من حق
و ماجن بالبغضاء و النظر الشزر
فاطلب لنفسک ما تعلوبه وصل
الا اذا اعتصم الانسان بالکسل
زجرت المذنبين عن الذنوب
و يمکنک التناول من قريب
ذاعفه فلعله لا يظلم
و لا زال المسيء هو الظلوم
و عندالله تجتمع الخصوم
غدا عند المليک من الملوم؟
من الدنيا و تنقطع الهموم
لامر ما تحرکت النجوم
ستنبيک المعالم و الرسوم
فکم قد رام غيرک ما تروم
تنبه للمنيه يا نووم
فما شييء من الدنيا يدوم
حزنا عليک و في الخدود رسوم
الا عليک فانه مذموم
و الصبر الا في نواک جميلا
و الموت مقدامه علي البهم
ما بعد يحيي للموت من الم
شر کاوک الايام و الوراث
نظروا الرزمان يعيث فيه فعاثوا
و عفطه عنز بذي الجحفه
و احمد في الغياب ليس يعود
سواي و احداث الزمان تنوب
علي طول ايام المقام غريب
باني و ان ابطات عنک قريب
صباح الي قلبي الغداه حبيب
القرون لنا بصائر
للناس ليس لها مصادر
تمضي الاکابر و الاصاغر
و لا من الباقين غابر
حيث صار القوم صائر
فاصبر فليس لها صبر علي حال
الي السماء و يوما تخفض العالي
في سرور و نعيم و غدق
ثم ابکاهم دما حين نطق
اين الفرار من القدر
ف و يرتجيه علي خطر
مان يغص يوما بالکدر
و الدهر ما اصلح يوما افسدا
مصائبه اناخ باخرينا
سيلقي الشامتون کما لقينا
و وصلي مفروش لوصل منازل
اذا جئت ارجو صوت تلک الصلاصل
و رقش القلنسي بالرجال الاطاول
و اراني اموت عضوا فعضوا
و تذکرت طاعه الله نضوا
بلذه ساعه اکلات دهر
و فيه هلاکه لو کان يدري
و مت ذا قاتل بلاقود
ياکلک الدهر اکل مضطهد
و يحک هلا قنعت بالقدر
کان هلاک النفوس في المعد
فاخرجت روحه من الجسد
کما يقيض الکف بالمعصم
و لا خير في الساعد الاجذم
کساع الي الهيجا بغير سلاح
و هل ينهض البازي بغير جناح
ذرعا و عندالله منها مخرج
فرجت و کان بظنها لا تفرج
فرج بعيدها الفرج المطلا
و کم خطب تجلي حين جلا
و خاف عليه بعض تلک الماتم
فتوجر ام تسلو سلو البهائم
صفحه 15، 16، 17، 18، 19، 20، 21، 22، 23، 24، 25، 26، 27، 28، 29، 30، 31، 32، 33، 34، 35، 36، 37، 38، 39، 40.