اثر نهج البلاغه علي الادب العربي











اثر نهج‏البلاغه علي الادب العربي



و لسنا بعد هذا کله بحاجه الي کثير شرح من ان کلام الامام اميرالمومنين (ع) حظي بما لم يحظ به کلام غيره من البلغاء و العظماء من العنايه التامه و الاهتمام البالغ، فتراهم علي امتداد القرون بين جامع لحکمه، و راوو محدث لخطبه، و حافظ لاقواله و متاثر باسلوبه و ناظم لحکمه لانه (ع) فتح امام العلماء و الادباء جوانب فکريه واسعه و آفاق علميه غير متناهيه فصالوا علي کلامه، و اخذوا معاني اقواله، و مباني الفاظه و اخرجوها في اشعارهم، و لا احسب احد من البلغاء علي کثرتهم في الجاهليه و الاسلام حظي کلامه من العنايه مثل کلام الامام (ع) فقد دونوه علي عهده، و حفظوه في ايامه، و کتبوه ساعه انشاده، و تداولوه فيما بينهم بعده کما سمعوه.

قال ابوالحسن علي المسعودي المتوفي 346 في مروج الذهب 431:2: لم ليبس عليه‏السلام في ايامه ثوبا جديدا و لا اقتني ضيعه و لا ربعا الا شيئا کان له ( بينبع) مما تصدق به و حبسه و الذي حفظ الناس عنه من خطبه في سائر مقاماته اربعمائه خطبه و نيف و ثمانون خطبه يوردها علي البديهه و تداول الناس ذلک عنه قولا و عملا-.

و ذکر ابن واضح اليعقوبي المتوفي 284 في کتابه: مشاکله الناس لزمانهم- ص 15 ما نصه: کان علي بن ابي‏طالب مشتغلا ايامه کلها في الحرب الا انه لم يلبس ثوبا جديدا و لم يتخذ ضيعه و لم يعقد علي مال، الا ما کان (بينبع) و (البغبغه) مما يتصدق به، و حفظ الناس عنه الخطب فانه خطب باربعمائه خطبه حفظت عنه،

[صفحه 15]

و هي التي تدور بين الناس و يستعملونها في خطبهم-.

و قال قطب‏الدين الراوندي المتوفي 573: سمعت بعض العلماء بالحجاز يقول: اني وجدت في مصر مجموعا من کلام علي (ع) في نيف و عشرين مجلدا-. شرح ابن‏ميثم 101:1.

ان هذه النصوص ان دلت علي شي‏ء فانها تدل علي ان کلامه عليه‏السلام کان مدونا و محفوظا و مجموعا و متداولا بين الخاصه و العامه، و معروفا عندهم و الموجود في- نهج‏البلاغه- هو اقل بکثير مما ذکره المورخون.

و لا غرابه اذا ما وجدنا ائمه الادب و احبار النظم و النثر و علماء کلام العرب يندفعون نحو کلام الامام (ع) و يرتشفون من مناهله العذبه و موارده الرغده بعد ان وجدوا کلامه (ع) کما عبر عنه سبط ابن الجوزي البغدادي المتوفي 654 في کتابه- تذکره الخواص- ص 119 فقال: کان علي (ع) ينطق بکلام قد حف بالعصمه، و يتکلم بميزان الحکمه کلام القي الله عليه المهابه فکل من طرق سمعه راعه فهابه، و قد جمع الله له بين الحلاوه و الملاحه، و الطلاوه و الفصاحه، لم يسقط منه کلمه و لا بارت له بين الحلاوه و الملاحه، و الطلاوه و الفصاحه، لم يسقط منه کلمه و لا بارت له حجه اعجز الناطقين و حاز قصب السبق في السابقين، الفاظ يشرق عليها نور النبوه و يحير الافهام و الالباب.

ان کلام (ع) بکافه صوره و اشکاله و جوانبه دعامه قويه لتراث الحضاره الانسانيه و رکيزه قويمه للشخصيه الاسلاميه لا تستاثر به قبيله او مجموعه دون اخري، و لا يختص به اهل مله و نحله دون غيرها، و لا ينحصر في اهل مذهب دون غيرهم من اهل المذاهب، و انما کان مرجعا حيا و نبعا فکريا متدفقا لکل البشريه و الاجيال و القرون و الاحقاب، و اصبح ينبوعا صافيا و ثروه فکريه و مناعه علميه لکتاب اللغه العربيه و المتطلعين اليها قديما و حديثا ينتهلون من لغته و يقتبسون من معانيه الوهاجه و مبانيه المستقيمه ما يقوم لهم فنهم و ينمي من حصيلتهم في اللغه و الادب و الفکر.

[صفحه 16]

هذا و خلال دراستي لمجموعه من الکتب الادبيه کنت اقف علي بيت او ابيات لشاعر اخذ قوله من کلام الامام (ع) و ما اکثره في بطون المولفات و الدواوين، اسجله في محل خاص الي ان حصلت لدي و اجتمعت حصيله ادبيه خيره من هذا النوع من الشعر و شاءت الصدف و ما احلاها في بعض الاحايين طلبت- لجنه الموتمر الالفي لکتاب نهج‏البلاغه.... المنعقد في طهران... مني مشارکتهم علميا علي ان تکون الدراسه حول تاثير نهج‏البلاغه في الادب العربي.... حسب اختصاصي فاخرجت لهم هذا البحث القائم علي امهات المصادر فذکرت فيه اولا قول الامام اميرالمومنين (ع) مع شرح موجزله، ثم اردفته بالشعر الذي بني الشاعر من کلام الامام (ع) قوله.

فمن قوله عليه‏السلام: خير الناس في حالا النمط الاوسط فالزموه.

و قال ايضا: اليمين و الشمال مضله و الطريق الوسطي هي الجاده عليها باقي الکتاب و آثار النبوه.

ان ائمه الادب ذهبت الي ان التوسط في الامور و حتي في القول و الکلام مجانبه اللوعوره و خروج من سبيل من لا يحاسب نفسه، فالتشادق و التعمق و الاغراق في القول و التکلف و الاجتلاب في الاسلوب من السبل التي لا تعترف بها اهل المعرفه من البلغاء و اخذ الشاعر هذا المعني فقال:


عليک باوساط الامور فانها
نجاه و لا ترکب ذلولا و لا صعبا


و قال الاخر:


لا تذهبن في الامور فرطا
لا تسالن ان سالت شطا


و کن من الناس جميعا وسطا

و قال اعرابي: للامام الحسن (ع) علمني دينا و سوطا لا ذاهبا شطوطا و لا هابطا هبوطا، فقال له الحسن: لئن قلت ذاک ان خير الامور اوساطها-.

و قال علي (ع) ايضا: کن في الناس وسطا وامش جانبا. و قال عبدالله بن

[صفحه 17]

مسعود: و خير الامور اوساطها. و ما قل و کفي خير مما کثر و الهي. نفس تنجيها خير من اماره لا تحصيها.

و من حکمه عليه‏السلام قوله: ان الله ملکا ينادي في کل يوم: لدوا للموت و اجمعوا للفناء، و ابنوا للخراب-.

دعوه الي الزهد و الانصراف عن زخارف الدنيا و زينتها و عدم الاغترار بها و التوجه نحو الحقيقه و الحياه الروحيه و المدينه الفاضله فما قيمه الجمع اذا کان مهددا بالفناء او البناء اذا کانت عاقبته الخراب، فالجمع و البناء حسن في دار باقيه و حياه سرمديه و عيش ازلي يتمتع به الانسان من دون نهايه و يتنعم به من غير انقطاع.

و قد اخذ هذا المعني و اللفظ ابونواس الحسن بن هاني کما جاء في الحيوان: 51:3، و ديوان ابي‏نواس: 200، فقال:


لدوا للموت و ابنوا للخراب
فکلکم يصير الي التراب‏


الا ياموت لم ارمنک بدا
ابيت فما تحيف و لا تجابي‏


کانک قد هجمت علي مشيبي
کما هجم المشيب علي شبابي‏


و نسبت هذه الابيات في الاغاني 155:3 الي ابي‏العتاهيه السماعيل بن القاسم ابن سويد العيني المتوفي 211 کما نجدها ايضا في ديوانه 24 -23.

و قال صالح بن عبد القدوس المتوفي 855 ه


المرء يجمع و الزمان يفرق
و يظل يرقع و الخطوب تمزق‏


و لان يعادي عاقلا خير له
من ان يکون له صديق احمق‏


فاربا بنفسک ان تصادق احمقا
ان الصديق علي الصديق مصدق‏


وزن الکلام اذا نطقت فانما
يبدي عقول ذوي القول المنطق‏


و من الرجال اذا استوت اخلاقهم
من يستشار اذا استشير فيطرق‏

[صفحه 18]

حتي يحل بکل واد قلبه
فيري و يعرف ما يقول فينطق‏


ما الناس الا عاملان فعامل
قد مات من عطش و آخر يغرق‏


و الناس في طلب المعاش و انما
بالجد يرزق منهم من يرزق‏


لو يرزقون الناس حسب عقولهم
الفيت اکثر من ثري يتصدق‏


لکنه فضل المليک عليهم
هذا عليه موسع و مضيق‏


و قوله عليه‏السلام: انا بيضه البلد-.

لم تعرف العرب و لم يذکر في اقوالها هذا المثل قبل قول الامام به، و بعده اصبح من الامثال و جاء تاره في موضع المدح، و تاره في موضع الذم، ففي المدح يراد بيضه البلد واحدها الذي تجتمع اليه و تقبل قوله، کما قالت عمره ابنه عمرو بن عبدود ترثي اباها و تذکر قتل علي (ع) اياه:


لو کان قاتل عمرو غير قاتله
بکيته ما اقام الروح في جسدي‏


لکن قاتله من لا يعاب به
و کان يدعي قديما بيضه البلد


و اما التي يراد بها الذم فيشبه ببيضه البلد و يراد منها الانفراد و الذل و الضياع کقول الراعي:


تابي قضاعه لم تعرف لکم نسبا
و ابنانزار فانتم بيضه البلد


لو کنت من احديهجي‏ء هجوتکم
يا ابن الرقاع ولکن لست من احد


و کقول من قال:


لکنه حوض من اودي باخوته
ريب المنون فامسي بيضه البلد


و کقول شاعر:


اقبلت توضع بکر الاخطام لها
حسبت رهطک عندي بيضه البلد


و قوله عليه‏السلام: راي الشيخ احب الي من جلد الغلام-.

[صفحه 19]

لان الشيخ کثير التجارب وافر الامتحان فيبلغ من العد و برايه ما لا يبلغ بشجاعته الغلام الحدث غير المجرب لانه قد يغرر بنفسه فيهلک و يهلک اصحابه، و لا مشاحه ان الراي مقدم علي الشجاعه، و کان من وصايا ابرو يزالي ابنه شيرويه: لا تستعمل علي جيشک غلاما غمراتر فاقد کثرا عجابه بنفسه، و قلت تجاربه في غنره، و لا هرما کبيرا مدبرا قد اخذ الدهر من عقله، و عليک بالکهول ذوي الراي، اخذ هذا المعني ابوالطيب المتنبي فقال:


الراي قبل شجاعه الشجعان
هو اول و هي المحل الثاني‏


فاذا هما اجتمعا لنفس مره
بلغت من العلياء کل مکان‏


و لربما طعن الفتي اقرانه
بالراي قبل تطاعن الاقران‏


لولا العقول لکان ادني ضيغم
ادني الي شرف من الانسان‏


و لما تفاضلت الرجال و دبرت
ايدي الکماه عوالي المران‏


و قوله عليه‏السلام: ان من احب عبادالله اليه عبدا.... يقول فيفهم و يسکت فيسلم.

افصح عن هذا القول ابوعمرو حماد بن عمر بن يونس بن کليب السوائي المعروف بعجرد المتوفي 161 و هو شاعر کوفي من الموالي و من مخضرمي الدولتين الامويه و العباسيه قال:


قد سلم الساکت الصموت
کلام راعي الکلام قوت‏


لا تفش سرا الي جدار
فربما نمت البيوت‏


و اعجبا لامري‏ء ضحوک
مستيقن انه يموت‏


و سال عليه‏السلام غير مره في علل نالته فقيل له: کيف اصحبت؟ فقال: بشر- و المقصود ان العله في الواقع و ان کانت شر او موذيه، و فيها الالم و الاوجاع فان

[صفحه 20]

فيها دواء، و فيها عبره لمن فکر و اذاها محنه و اختبار فبالاختيار يطيع الناس و بالطاعه يدخلون الجنه، و قول الامام (ع) ماخوذ من قول الله تعالي: و عسي ان تکرهوا شيئا و هو خير لکم و عسي ان تحبوا شيئا و هو شر لکم والله يعلم و انتم لا تعلمون.[1].

و معناه و قد تکرهون شيئا في الحال و هو خير لکم في عاقبه امورکم، کما تکرهون القتال لما فيه من المخاطره بالروح و هو خير لکم، و قد تحبون ما هو شر لکم و هو القعود عن الجهاد لمحبه الحياه و هو شر لما فيه من الذل و الفقر في الدنيا، فاخذ هذا المعني ابوسهل بشر بن المعتمر البغدادي المتوفي 210 الفقيه الشاعر المعتزلي و اليه تنسب الطائفه الشريه، فقال في قصيدته:


و کلها شر وفي شرها
خير کثير عند من يدري‏


و قال شاعر آخر:


و ماثم الا الله في کل حاله
فلا تتکل يوما علي غير لطفه‏


فکم حاله تاتي و يکرهها الفتي
و خيرته فيها علي رغم انفه‏


و قوله عليه‏السلام: الهم نصف الهرم-.

من العوامل الاساسيه التي تهدم الفتوه و الشباب، و تدفع الشيب و الانحلال و تمکنه من الجسد الهم و الغموم و لذلک قال بعض الحکماء: الهم يشيب القلب، و يعقم القلب فلا يتولد معه راي و لا يصدق معه رويه، و هذا ما لا ريب فيه فان الهموم هي الباعثه علي دمار الشباب، و تسلط الهرم، و من هنا نجد علماء الطلب يحثون الناس علي دفع الهموم و عدم اعطاء مجال للغموم فاذا ما نفذت في الجسم نشات في ظلالها الاسقام و الداء. قال سفيان بن عيينه: الدنيا کلها هموم و غموم، فما کان منها سرورا فهو ربح. و اخذ هذه الاثاره ابوتمام الطائي حبيب بن

[صفحه 21]

اوس المتوفي 231 فقال:


شاب راسي و ما رايت مشيب الر
اس الا من فضل شيب الفواد


و لذاک القلوب في کل بوس
و نعيم طلائع الاجساد


طال انکاري البياض و لو
عمرت شيئاانکرت لون السداد


و قال الشاعر:


هموم قد ابت الا التباسا
تبث الشيب في راس الوليد


و تعقد قائما بشجا حشاه
و تطلق للقيام حبي القعود


و اصخت خاشعا منها نزار
مرکبه الر واجب في الخدود


و انشد ابوتمام ايضا:


شعله في المفارق استود عتني
في صميم الفواد ثکلا صميما


تستثير الهموم ما اکتن منها
صعدا و هي تستثير الهموما


غره مره الا انما کن
ت اغرا ايام کنت بهيما


دقه في الحياه تدعي جلالا
مثل ماسمي اللديغ سليما


حلمتني زعمتم و اراني
قبل هذا التحليم کنت حليما


و قوله عليه‏السلام حين دخل علي بعض الامراء فقال له: من في هذه البيوت، فلما قيل له: عقائل من عقائل العرب قال عليه‏السلام: من يطل هن ابيه ينتطق به-.

فذهب ائمه اللغه ان الاغراض يجب ان تناسب الالفاظ و لکل ضرب من الحديث ضرب من اللفظ، کما ان لکل نوع من المعاني نوع من الاسماء، فالجزال للجزل، و الافصاح في موضع الافصاح و الکنايه في موضع الکنايه، و الاسترسال في موضع الاسترسال.

علي ان بعض الناس اذا انتهي الي ذکر کلمات ارتدع و اظهر التباعد و التفزز و استعمل باب الورع، و اکثر من تجده کذلک فانما هو رجل ليس معه من العفاف و الکرم و النبل و الوقار الا بقدر هذا الشکل من التصنع و علي حد قول

[صفحه 22]

الجاحظ: و لم يکشف قط صاحب رياء و نفاق الا عن لوم مستعمل و نذاله متمکنه.

ان الامام (ع) استعمل کلمه- هن- و في نسخه- اير- في الجمله الانفه في موضع صارت دونها الامثال، و تحدثت بها الرکبان، و سجلتها الائمه لانه عليه‏السلام يعول في تنزيه اللفظ و تشريف المعاني و مقصوده من کثر اخوته اشتد ظهره و عزه بهم فاخذت العرب المعني هذا و نظموا فيه و اليه اشار الشاعر بقوله:


فلو شاء ربي کان اير ابيکم
طويلا کاير الحارث بن سدوس‏


قال الاصمعي: و کان للحارث بن سدوس احد و عشرون ذکرا.

و قوله عليه‏السلام: السخاء ما کان ابتداء، فاذا کان عن مساله فحياء و تذمم-

منهج قويم للمحبه و الاحسان، و قيم عاليه للانسانيه و العاطفه فليست المرونه و السخاء ان تعطي من سالک، و انما الشهامه و الرجوله البذل لمن لا يسالک، و قد نظم هذا المعني ابوالفتيان صفي‏الدوله محمد بن سلطان محمد ابن حيوس المتوفي بحلب سنه 473 فقال:


اني دعوت ندي الکريم فلم يجب
فلاشکرن ندي اجاب و ما دعي‏


و من العجائب و العجائب جمه
شکر بطي‏ء عن ندي المتسرع‏


و قال آخر:


ما اعتاض باذل وجهه بسواله
عوضا و لو نال الغني بسوال‏


و اذا النوال الي السوال قرنته
رحج السوال و خف کل نوال‏


و قوله عليه‏السلام: يا اهل الديار الموحشه.... اما الدور فقد سکنت، و اما الازواج فقد نکحت، و اما الاموال فقد قسمت.

خاطب الامام (ع) في ظهر الکوفه اصحاب القبور، و اعلمهم ان ديارکم سکنها غيرکم، و نساوکم تزوجت، و اموالکم التي جمعتموها قسمت بعدکم،

[صفحه 23]

فاخذه الشاعر و قال:


لا تامنن انثي حياتک و اعلمن
ان النساء و ما لهن مقسم‏


اليوم عندک دلها و حديثها
و غدا لغير کفها و المعصم‏


کالبيت يصبح خاليا من اهله
و يحل بعدک فيه من لا تعلم‏


و قال عليه‏السلام: ما اضمر احد شيئا الا ظهر في فلتات لسانه و صفحات وجهه-.

فکل ما يضمره الانسان من خير و شر و يجهد في اخفاءه و ستره فلا بد له من الظهور رغم التستر و الاخفاء، و کان يقال: العين و الوجه و اللسان اصحاب اخبار علي القلب. و قالوا ايضا: القلوب کالمرايا المتقابله اذا ارتسمت في احدا هن صوره ظهرت في الاخري.

قال في هذا المعني الشاعر:


تخبرني العينان ما القلب کاتم
و ما جن بالبغضاء و النظر الشزر


و قال آخر:


و في عينيک ترجمه اراها
تدل علي الضغائن و الحقود


و اخلاق عهدت اللين فيها
غدت و کانها زبر الحديد


و قد عاهدتني بخلاف هذا
و قال الله: اوفوا بالعهود


و قال عليه‏السلام: العفاف زينه الفقر و الشکر زينه الغني-.

الفقير من لا يستعفف من السوال و يبيع ماء وجهه لادني شيي‏ء و احتياج و للامام (ع) کلمات ذهبيه اخري غير ما ذکرناه في هذا المعني و اودعه الشاعر في قوله:


اذا کان باب الذل من جانب الغني
سموت الي العلياء من جانب الفقر

[صفحه 24]

صبرت و کان الصبر مني سجيه
و حسبک ان الله اثني علي الصبر


و انشد بعضهم:


اقسم بالله لمص النوي
و شر بماء القلب المالحه‏


احسن بالانسان من ذله
و من سوال الاوجه الکالحه‏


فاستغن بالله تکن ذاغني
مغبطا بالصفقه الرابحه‏


و قوله عليه‏السلام في خطبه الاشباح: و ارانا من ملکوت قدرته و عجائب ما نطقت به آثار حکمته و ظهرت في البدائع التي احدثها آثار صنعته و اعلام حکمته، فصار کل ما خلق حجه لا و دليلا عليه، و جعل شمسها آيه مبصره لنهارها و قمرها آيه ممحوه من ليلها-.

و في الخطبه هذه کلمات رصينه، و عبارات بليغه تدل علي ان الله واحد لا شريک له، فرد لا مثل له، صمد لا ند له، و ما من حرکه و سکون الا و له في ذلک حکمه داله علي وحدانيته، فاخذ هذا المعني ابوالعتاهيه فقال:


فيا عجبا کيف يعصي الاله
ام کيف يجحده الجاحد


و في کل شي‏ء له آيه
تدل علي انه الواحد


والله في کل تحريکه
و تسکينه في الوري شاهد


و قوله عليه‏السلام: جانبوا الکذب فانه مجانب للايمان، الصادق علي شرف منجاه و کرامه، و الکاذب علي شفا مهواه و مهانه-.

يذکر الامام (ع) عواقب الصدق و الکذب، و نتائجهما و ما تجره علي الانسان من النجاه و السعاده ان هو صدق، و من الافه و السقم ان کذب، قال، ابن ابي‏السمح المتوفي 140 و قد اخذ المعني هذا:


لا تغتر الکذب القبيح فانه
للمرء معيبه و باب لئام‏

[صفحه 25]

و اصدق بقولک حين تنطق انه
للصدق فضل فوق کل کلام‏


و اذا صدقت علي الرجال خصمتهم
و الصدق مقطعه علي الظلام‏


و اذا رماک غشوم قوم فارمه
بالد مشتغر المدي غشام‏


لا تعرضن علي العدو وسيله
و احذر عدوک عند کل مقام‏


اي لا تقاربه و لا تصانعه، و لا يکن بينک و بينه الا صدق العداوه.

و قوله عليه‏السلام: عبادالله ان تقوي الله حمت اولياء الله محارمه، و الزمت قلوبهم مخافته، حتي اسهرت لياليهم، و اظمات هواجرهم فاخذوا الراحه بالنصب و الري بالظماء-.

ان الحفاظ علي الصلاه و اقامتها من صفات المومنين و امتيازاتهم الروحيه، و کانت عليهم کتابا موقوتا سيما اذا لم تکن محصوره في الاوقات الخمس و انما کانت في کل آناء الليل و اطراف النهار و ما احلاها عند ما تنام العيون، و تهدء الاصوات، و ترقد الانفس فالامام- ع- يدعو الانسانيه الي منزله الاخلاص و العبوديه، و الخلوه بالحبيب... و اخيرا خشيه الله سبحانه و مراقبته في السر و العلن، لان الخشيه اصل الطاعات و قول الامام (ع): اسهرت لياليهم، و اظمات هواجرهم ماخوذ من قول العرب: نهاره صائم، و ليله قائم، نقلوا الفعل الي الظرف و هو من باب الاتساع الذي يجرون فيه الظرف مجري المفعول به، و نظم الکثيرون هذا المعني و منهم عبدالله بن المبارک بن واضح الحنظلي المفسر و المورخ و الاديب و النحوي و المتوفي 181 فقال:


اذا ما الليل اظلم کابدوه
فيسفر عنهم و هم رکوع‏


اطار الخوف نومهم فقاموا
و اهل الامن في الدنيا هجوع‏


و قوله عليه‏السلام: من نصب نفسه للناس اماما فليبدا بتعليم نفسه قبل تعليم

[صفحه 26]

غيره، وليکن تاديبه بسيرته قبل تاديبه بلسانه، و معلم نفسه و مودبها احق بالاجلال من معلم الناسو مودبهم.

الفروع تابعه للاصول فاذا کان الاصل معوجا استحال ان يکون الفرع مستقيما، فمن نصب نفسه للناس اماما و لم يکن قد علم نفسه ما انتصب ليعلمه الناس کان مثل من نصب نفسه ليعلم الناس الخط و السياقه و هو لا يحسنهما و هذا نوع من السفه بل هو السفه کله، ثم قال (ع) و ينبغي ان يکون تاديبه لهم بفعله و سيرته قبل تاديبه لهم بلسانه، و ذلک لان الفعل ادل علي حال الانسان من القول، و من علم نفسه محاسن الاخلاق فهو اعظم قدرا ممن تعاطي تعليم الناس ذلک و هو غير عامل بشي‏ء منه، فاما من علم نفسه و علم الناس فهو افضل و اجل ممن اقتصر علي تعليم نفسه فقط، و قد نظم هذا المعني الشاعر فقال:


يا ايها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسک کان ذا التعليم‏


تصف الدواء لذي السقام و ذي الضني
کيما يصح به و انت سقيم‏


و نراک تصلح بالرشاد عقولنا
ابدا و انت من الرشاد عديم‏


فهناک يقبل ما تقول و يهتدي
بالقول منک و ينفع التعليم‏


لاتنه عن خلق و تاتي مثله
عار عليک اذا فعلت عظيم‏


و قال آخر:


اذا عبت امرا فلا تاته
فذواللب مجتنب ما يعيب‏


و قوله عليه‏السلام في خطبه: و من توکل عليه کفاه، و من ساله اعطاه، و من اقرضه قضاه، و من شکره جزاه-.

الاتکال علي الله و تفويض الامور اليه سبحانه، من عوامل السعاده

[صفحه 27]

و النجاح فقد قال تعالي: و من يتوکل علي الله فهو حسبه و قال النبي (ص): لو توکلتم علي الله حق توکله لرزقکم کما يرزق الطير، و في القرآن و الاحاديث آيات و اخبار وافره تحث الانسان علي الاتکال و التوکل عليه سبحانه، فالعاقل کله تفويض الامور اليه، و الاتکال عليه، قال شهاب‏الدين محمد بن احمد الابشيهي المتوفي 850:


توکل علي الرحمن في الامر کله
فما خاب حقا من عليه توکل‏


و کن واثقا بالله و اصبر لحکمه
تفز بالذي ترجوه منه تفضلا


و قال عليه‏السلام: اللسان سبع ان خلي عنه عقر.

ذهب الحکماء ان النطق اشرف ما خص به الانسان، لانه صورته المعقوله التي باين بها سائر الحيوانات، و لذلک قيل: الانسان لولا اللسان الابهيمه مهمله او صوره ممثله، و الصمت من حيث هو صمت مذموم لانه من صفات الجمادات فضلا عن الحيوانات و کلام الامام (ع) في مدح الصمت محمول علي من يسي‏ء الکلام فتقع منه جنايات و خيانات في امور الدين و الدنيا کما ان السبع ان خلي عنه احدث من الفتک و السفک و القتل ما لا حد له و لا حصر، و قال بعضهم: مثل اللسان مثل السبع ان لم توثقه عدا عليک و لحقک شره.

و قد اخذ هذا المعني الشاعر فقال:


احفظ لسانک ايها الانسان
لا يلدغنک انه ثعبان‏


کم في المقابر من قتيل لسانه
کانت تهاب لقاءه الشجعان‏


و قال آخر:


احفظ لسانک لا تقول فتبتلي
ان البلاء موکل بالمنطق‏

[صفحه 28]

و قال آخر ايضا:


يموت الفتي من عثره بلسانه
و ليس يموت المرء من عثره الرجل‏


و قال ابوالفتح علي بن محمد البستي المتوفي حدود 400:


تکلم و سدد ما استطعت فانما
کلامک حي و السکوت جماد


فان لم تجد قولا سديدا تقوله
فصمتک عن غير السداد سداد


و قال عليه‏السلام: فاعل الخير خير منه، و فاعل الشر شر منه-.

الخير و الشر عاملان في الانسان، و هما دائما في صراع و احتدام يريد کل واحد منهما التغلب علي الاخر و اجتذاب الفرد نحوه، فاذا کانت القيم الانسانيه في الفرد قويمه و متينه تغلب عامل الخير علي عامل الشروا ما اذا کانت ضعيفه و موجبات المعاصي و السوء متغلغله فيه انتصر عامل الشر علي الخير، و لذلک اصبح فاعل الخير خيرا منه، و فاعل الشر شرا منه، و هنا لابن ابي‏الحديد المعتزلي توجيه آخر نصه: فان قلت کيف يکون فاعل الخير خيرا من الخير، و فاعل الشر شرا من الشر مع ان فاعل اخير انما کان ممدوحا لاجل الخير و فاعل الشر انما کان مذموما لاجل الشر فاذا کان الخير و الشر هما سببا المدح و الذم و هما الاصل في ذلک فکيف يکون فاعلا هما خيرا و شرا منهما؟ قلت: لان الخير و الشر ليسا عباره عن ذات حيه قادره و انما هما فعلان او فعل و عدم فعل او عدمان، فلو قطع النظر عن الذات الحيه القادره التي يصدر ان عنها لما انتفع احدبها و لا استضرفا لنفع و الضرر انما حصلا من الحي الموصوف بهمالا منهما علي انفراد هما فلذلک کان فاعل الخير خيرا منه، و فاعل الشر شرا من الشر.

و نظم الشاعر ابن ابي‏الحديد هذه الجمله فقال.


خير البضائع للانسان مکرمه
تنمي و تزکوا اذا بارت بضائعه‏


فالخير خير و خير منه فاعله
و الشر شر و شر منه صانعه‏

[صفحه 29]

و قال عليه‏السلام: اذا قدرت علي عدوک فاجعل العفو عنه شکرا للقدره عليه.

برنامج اخلاقي يدعو الي الحلم و الصفح و العفو و به يتمکن کل فردان يسود و يجعل المجتمع يکن له بالغ التجبيل و التکريم، و کان يقال: احسن افعال القادر العفو و اقبحها الانتقام، و سال معاويه يوما خالد بن المعمر السدوسي علي ماذا احببت عليا (ع) قال: علي ثلاث: اذا غضب، و صدقه اذا قال، و وفاوه اذا و اي.

و قد اخذ هذا المعني ابن ابي‏الحديد فقال:


ان الاماني اکساب الجهول فلا
تقنع بها و ارکب الاهوال و الخطرا


و اجعل من العقل جهلا و اطرح نظرا
في الموبقات و لا تستشعر الحذرا


و ان قدرت علي الاعداء منتصرا
فاشکر بعفوک عن اعدائک الظفرا


و قال عليه‏السلام: القناعه مال لا ينفد-.

منهج اقتصادي بديع، فاذا ما کان العبد في حياته قانعا لم يفتقر الي لئام الناس و قد قال الحکماء:

قاوم الفقر بالقناعه، و قاهر الغني بالتعفف، و طاول عناء الحسد بحسن الصنع، و غالب الموت بالذکر الجميل، و قال الشاعر:


و ما الناس الا واجد غير قانع
بارزاقه او طالب غير واجد


و قال آخر:


ان القناعه من يحلل بساحتها
لم يلق في ظلها هما يورقه‏


و قد کتب علي (ع) رساله في هذا الصدد قال فيها (دع الاسراف مقتصدا و اذکر في اليوم غدا و امسک من المال بقدر ضرورتک و قدم الفضل ليوم حاجتک اترجو ان يعطيک الله اجر المتواضعين و انت عنده من المتکبرين؟ او

[صفحه 30]

تطمع و انت متمرغ في نعيم تمنعه الضعيف و الارمله ان يوجب لک ثواب المتصدقين؟ و انما المرء مجزي بما اسلف و قادم علي ما قدم. والسلام).

و قوله عليه‏السلام: المراه ضلع عوجاء ان داريتها استمتعت بها و ان رمت تقويمها کسرتها-.

للامام (ع) في المراه کلمات وافره و تشبيهات مختلفه و امثال شتي، و منها ما ذکرناه و قد اخذ الشاعر هذا المعني و قال:


هي الضلع العوجاء لست تقيمها
الا ان تقويم الضلوع انکسارها


اتجمع ضعفا و اقتدارا علي الفتي
اليس عجيبا ضعفها و اقتدارها


و من قوله عليه‏السلام: فبادروا العمل و خافوا بغته الاجل، فانه لا يرجي من رجعه العمر ما يرجي من رجعه الرزق، ما فات من الرزق رجي غدا زيادته-.

يعني ان الانسان مرزوق علي کل حال، فان ابطا عنه رزقه فلا يحزن و لا يخاف لانه مقبل عليک و آت لا محاله، و قد افصح عن هذا الشعراء و في مقدمهم الامام الرضا عليه‏السلام المستشهد عام 202 فقال:


ما فاتک اليوم سياتي غدا
ما في الذي قدر من حيلته‏


و الرزق مضمون علي واحد
مفاتح الاشياء في قبضته‏


قد يرزق العاجز مع عجزه
و يحرم الکيس من فطنته‏


و انشد عروه بن اذينه بن مالک من بني‏الليث من شعراء اهل المدينه و من الفقهاء و المحدثين توفي 130:


لقد علمت و ما الاسراف من خلقي
ان الذي هو رزقي سوف ياتيني‏


اسعي له فيعينيني تطلبه
و لو قعدت اتاني لا يعنيني‏

[صفحه 31]

و قال عليه‏السلام: مقاربه الناس في اخلاقهم امن من غوائلهم-.

علي الفرد اينما يحل و يسکن ينبغي ان يتصف و يتحلي برسوم و تقاليد سکنه تلک المنطقه فيماشي الناس و يتشبه باخلاقهم و يتظاهر بها ليسلم من شرورهم و آثامهم، و لا يعلن المخالفه و التباين فيقع فيمالا تحمد عقباه، و ان کان مخالفا لهم في الباطن و قد قيل: اذا نزلت علي قوم فتشبه باخلاقهم، فان الانسان من حيث يوجد لا من حيث يولد. و الي هذا نظر ابوالطيب المتنبي في قوله:


و خله في جليس اتقيه بها
کيما يري اننا مثلان في الرهن‏


و کلمه في طريق خفت اعربها
فيهتدي لي فلم اقدر علي اللحن‏


و قال الشاعر:


و ما انا الا کالزمان اذا صحا
صحوت و ان ماق الزمان اموق‏


و قال آخر:


احامقه حتي يقال سجيه
و لو کان ذا عقل لکنت اعاقله‏


و قال ابوالعلاء المعري:


و لما رايت الجهل في الناس فاشيا
تجاهلت حتي ظن اني جاهل‏


و انشد آخر:


و للدهر اثواب فکن في لباسه
کلبسته يوما اجد و اخلقا


و کن اکيس الکيسي اذا کنت فيهم
و ان کنت في الحمقي فکن انت احمقا


و المعني فالبس مع الدهر لبوسه ان لبس الجديد فالبس ايضا انت الجديد و بالعکس.

و من حکمه عليه‏السلام قوله: القلب مصحف البصر-.

ان ما تراه و تبصره العين تنعکس علي القلب و تسجل علي صفحاته، فالقلب بمثابه آله تسجيل تسجل ما تشاهده العين، و قد افصح عن هذا المعني

[صفحه 32]

الشاعر فقال:


ان العيون لتبدي في تقلبها
ما في الضمائر من ودو من حق‏


و مثله قول آخر:


تخبرني العينان ما القلب کاتم
و ماجن بالبغضاء و النظر الشزر


و قوله عليه‏السلام: قيمه کل امري‏ء ما يحسنه-.

قال الشريف الرضي بعد ذکره لهذه الکلمه: و هذه الکلمه التي لا تصاب لها قيمه و لا توزن بها حکمه لا تقرن اليها کلمه.... فکل صاحب حرفه و مهنه محترم حسب علمه، و هو ماخوذ من قول النبي الاعظم (ص): المعروف علي قدر المعرفه- و کل ذي علم يعظم لعلمه مهما کان نوعه و اختصاصه، و قد افصح عن هذا ابن ابي‏بکر المقري المتوفي 875 فقال:


و قيمه المرء ما قد کان يحسنه
فاطلب لنفسک ما تعلوبه وصل‏


و کل علم جناه ممکن ابدا
الا اذا اعتصم الانسان بالکسل‏


و قوله عليه‏السلام: ازجر المسي‏ء، بثواب المحسن-.

الانسان عبيد الاحسان و بالمحبه و الجود تبتعد النفوس عن الاساءه و المنکر و تجتحم عن الذنوب و المعاصي، و قد افصح به ابوالعتاهيه في قوله:


اذا جازيت بالاحسان قوما
زجرت المذنبين عن الذنوب‏


فمالک و التناول من بعيد
و يمکنک التناول من قريب‏


و قوله عليه‏السلام: الظلم من کوامن النفوس، القوه تبديه و الضعف يخفيه-.

ان الطبيعه البشريه مجبوله علي الظلم و الشر و الاعتداء و لا مفر لانسان

[صفحه 33]

منها الا من عصمه الله تعالي و سواء في ذلک الظلم للاخر او ظلم الانسان نفسه، و کلاهما واحد کما صرحت به الايه الکريمه:

و دخل جنته و هو ظالم لنفسه[2] و قد اخذ هذا المتنبي احمد المتوفي 354 فقال:


و الظلم من شيم النفوس فان تجد
ذاعفه فلعله لا يظلم‏


و له ابيات اخري حکميه اخذها عن حکم اميرالمومنين (ع) و معانيها.

و ينسب الي علي بن ابي‏طالب (ع) هذه الابيات


اما والله ان الظلم شوم
و لا زال المسي‏ء هو الظلوم‏


الي الديان يوم الدين نمضي
و عندالله تجتمع الخصوم‏


ستعلم في الحساب اذا التقينا
غدا عند المليک من الملوم؟


ستنقطع اللذاذه عن اناس
من الدنيا و تنقطع الهموم‏


لامر ما تصرمت الليالي
لامر ما تحرکت النجوم‏


سل الايام عن ام تقضت
ستنبيک المعالم و الرسوم‏


تروم الخلد في دار الدنايا
فکم قد رام غيرک ما تروم‏


تنام و لم تنم عنک المنايا
تنبه للمنيه يا نووم‏


لهوت عن الفناء و انت تفني
فما شيي‏ء من الدنيا يدوم‏


و قال عليه‏السلام عند وقوفه علي قبر النبي (ص) ساعه دفن رسول‏الله (ص): ان الصبر لجميل الا عنک، و ان الجزع لقبيح الا عليک، و ان المصاب بک لجليل، و انه بعدک لقليل-.

کلمات في غايه الفصاحه، و منتهي المتانه و البلاغه و قد اخذت الشعراء

[صفحه 34]

هذه المعاني فقال بعضهم:


امست بجفني للدموع کلوم
حزنا عليک و في الخدود رسوم‏


و الصبر يحمد في المواطن کلها
الا عليک فانه مذموم‏


و قال ابوالطيب المتنبي:


اجد الجفاء علي سواک مروءه
و الصبر الا في نواک جميلا


اما قوله: و انه بعدک لقليل، يعني المصاب اي لا مبالاه بالمصائب بعد المصيبه بک، قال بعضهم:


قد قلت للموت حين نازله
و الموت مقدامه علي البهم‏


اذهب بمن شئت اذ ظفرت به
ما بعد يحيي للموت من الم‏


و قوله عليه‏السلام: لکل امري‏ء في ماله شريکان الوارث و الحوادث-.

و في روايه قال عليه‏السلام، في موضع آخر: بشر مال البخيل بحادث او وارث، و يقصد الامام (ع) ان ما يجمعه المري‏ء في حياته و يتلهف علي جمعه و حبسه، سينتقل بعد موته اما الي وراثه او تتلفه الحوادث، و قد اخذه الشريف الرضي محمد بن ابي‏احمد الطاهر فقال:


خذ من تراثک ما استطعت فانما
شر کاوک الايام و الوراث‏


لم يقض حق المال الا معشر
نظروا الرزمان يعيث فيه فعاثوا


و قوله عليه‏السلام في خطبته المعروفه بالشقشقيه لقوله (ع) فيها: شقشقه هدرت ثم قرت-: و لالفيتم دنياکم هذه ازهد عندي من عفطه عنز- و عفطه عنز ما نثره من الفها، و مقصود الامام (ع) ان الدنيا هذه او الرئاسه و الخلافه و القياده ليست بمهمه عندي و لا اعتد بها لتفاهتها و اصبح مثلا يضرب للشي‏ء يستخف به

[صفحه 35]

و بهلاکه، قال الشاعر:


فسيان عندي قتل الزبير
و عفطه عنز بذي الجحفه‏


و عزي قوما عن ميت مات لهم فقال عليه‏السلام: ان هذا الامر ليس لکم بداو لا اليکم انتهي و قد کان صاحبکم هذا يسافر؟ فقالوا نعم، قال: فعدوه في بعض سفراته فان قدم عليکم و الا قدمتم عليه-.

تذکر للموت و انه کان حتما مقضيا علي کل فرد او دابه و ان البقاء الله سبحانه، و الدوام له تعالي و لا يبقي الا وجهه، فهو امر لا بدمنه، و قد الم بهذا الکلام ابواسحاق ابراهيم بن المهدي العباسي الهاشمي المتوفي 224 اخوهارون الرشيد و ليس في اولاد الخلفاء قبله افصح منه لسانا و لا اجود شعرا، فقال في شعره الذي رثي به ولده:


يوب الي اوطانه کل غائب
و احمد في الغياب ليس يعود


تبدل دارا غير داري و جيره
سواي و احداث الزمان تنوب‏


اقام بها مستوطنا غير انه
علي طول ايام المقام غريب‏


و اني و قد قدمت قبلي لعالم
باني و ان ابطات عنک قريب‏


و ان صباحا نلتقي في مسائه
صباح الي قلبي الغداه حبيب‏


و قال شاعر:


في الذاهبين الاولين من
القرون لنا بصائر


لما رايت مواردا
للناس ليس لها مصادر


و رايت قومي نحوها
تمضي الاکابر و الاصاغر


لا يرجع الماضي الينا
و لا من الباقين غابر


ايقنت اني لا محاله
حيث صار القوم صائر

[صفحه 36]

و قوله عليه‏السلام: ما قال الناس لشي‏ء طوبي له، الا و قد خباله الدهر يوم سوء-.

مهما اوتي الانسان من حول و طول في الحياه و مهما جمع من عوامل الرغد و الهناء فان الدهر له بالمرصاد، و قد خباله من الاحداث و الاقدار المولمه ما لم يکن في الحسبان فيکدر صفو عيشه، و يجعله رهين الالام و الغموم، و لذلک کان من العبث الاغتدار و الاطمئنان بالحياه الفانيه، قال ابومحمد اسحاق بن ابراهيم بن ميمون الموصلي المعروف بابن النديم المتوفي 235:


هي المقادير تجري في اعنتها
فاصبر فليس لها صبر علي حال‏


يوما نريش خسيس الحال ترفعه
الي السماء و يوما تخفض العالي‏


و قال آخر:


رب قوم غبروا من عيشهم
في سرور و نعيم و غدق‏


سکت الدهر زمانا عنهم
ثم ابکاهم دما حين نطق‏


و من الشعر المنسوب الي محمد الامين من زبيده:


يا نفس قد حق الحذر
اين الفرار من القدر


کل امري‏ء مما يخا
ف و يرتجيه علي خطر


من يرتشف صفو الز
مان يغص يوما بالکدر


و قال ابوبکر بن دريد الازدي القحطاني البصري المتوفي 321 عالم فاضل اديب حفوظ شاعر نحوي لغوي و يعتبر من شعراء الشيعه المکثرين:


القي علي الدهر رجلا ويدا
و الدهر ما اصلح يوما افسدا


يفسد ما اصلحه اليوم غدا

و کتب ابوالفضل بديع الزمان الهمداني المتوفي 398 ه


اذا ما الدهر جر علي اناس
مصائبه اناخ باخرينا


فقل للشامتين بنا افيقوا
سيلقي الشامتون کما لقينا

[صفحه 37]

و قوله عليه‏السلام: تمام جمال المراه في خفها، و تمام جمال الرجل في کمته-. و في روايه: جمال الرجل في عمته و جمال المراه في خفها-.

فاخذ هذا المعني ائمه الشعر مع تباينهم في الراي عن جمال الرجل و المراه و اختلافهم فيه فقال مجنون بني‏عامر:


ااعقر من جرا کريمه ناقتي
و وصلي مفروش لوصل منازل‏


اذا جاء قعقمن الحلي و لم اکن
اذا جئت ارجو صوت تلک الصلاصل‏


و لم تغن سبحان العراقين نقره
و رقش القلنسي بالرجال الاطاول‏


فقد کان من عاده فرسان العرب في المواسم و الجموع و في اسواق العرب کايام عکاظ، و ذي المجاز، و ما اشبه ذلک التقنع و التعمم، کما ان اصحاب النبي (ص) کانوا ينهون نساءهم عن لبس الخفاف الحمروا لصفر، و يقولون: هو من زينه نساء آل‏فرعون. فالکمه القلنسوه و اشباهها مثل العمه اهيب للرجل، و لذلک نجد الرسول الاعظم (ص) اکثر الناس قناعا لان ذلک اهيب في الصدور و اجل في العيون.

و قوله عليه‏السلام: کم من اکله منعت اکلات.

منهج سليم للجسم و طريق للصحه و ابتعاد عن المرض و السقم، فالمقصود ان کم من اکله غير صحيحه و سليمه کانت سببا في دفع الجسم الي هاويه السقام لان الاکل وظيفه حياتيه ضروريه لحفظ قوامالجسم، فربما اکل الانسان اکله توفرت فيها المواد المعوضه للجسد و لم تتوفر فيها المواد المجدده للحراره او بالعکس، فيحصل اختلال في وظائف الجسم لا يدري منشاه، لان الجسد حسب تکوينه و نشاته يحتاج دائما لماده يعوض بها ما يفقد بالعمل من الجسم، و الي ماده تجدد له ما يضيعه من حرارته، و قد کتب علماء الصحه بحوثا مسهبه حول الاکل و کيفيته، و موارده و لا مجال هنا لسردها کما نظم الشعراء هذه الاثاره و ادخلوها في

[صفحه 38]

شعورهم فقال ابونواس:


شاع في الفناء سفلا و علوا
و اراني اموت عضوا فعضوا


ذهبت جندتي بطاعه نفسي
و تذکرت طاعه الله نضوا


فالنضوا بالکسر البعير المهزول من کثره السير، فشبه نفسه به.

و قال الاخر:


و کم من اکله منعت اخاها
بلذه ساعه اکلات دهر


و کم من طالب يسعي لشي‏ء
و فيه هلاکه لو کان يدري‏


و قد اخذ هذا المعني بعينه و لفظه ابومحمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان البصري الحريري المتوفي 516 صاحب (المقامات) فقال: يا رب اکله هاضت الاکل و منعته ماکل. کما اخذه ابوبکر الحسن بن علي بن احمد بن بشار بن زياد الضرير النهرواني المعروف بابن العلاف و المتوفي 318 نديم المعتضد بالله العباسي، فقال في رثاء الهر قصيدته المشتمله علي الحکم و المواعظ و منها قوله:


عشت حريصا يقوده طمع
و مت ذا قاتل بلاقود


اردت ان تاکل الفراخ و لا
ياکلک الدهر اکل مضطهد


يا من لذيذ الفراخ اوقعه
و يحک هلا قنعت بالقدر


لا بارک الله في الطعام اذا
کان هلاک النفوس في المعد


کم اکله خامرت حشاشره
فاخرجت روحه من الجسد


و قال عليه‏السلام: الرجل بلا اخ کشمال بلا يمين-.

الاخوه و التاخي سبب التالف، و التالف سبب القوه، و القوه سبب التقوي، و التقوي حصن منيع و رکن شديد بها يمنع الضيم و تنال الرغائب و تنجع المقاصد، و ليس مقصود الامام (ع) من الاخ هو من ابيک و امک، فرب اخ شفيق لک لم تلده امک، و لذلک آخي النبي الاقدس (ص) بين الصحابه.

[صفحه 39]

فقال الشاعر:


و ما المرء الا باخوانه
کما يقيض الکف بالمعصم‏


و لا خير في الکف مقطوعه
و لا خير في الساعد الاجذم‏


و انشد آخر:


اخاک اخاک من لا اخاله
کساع الي الهيجا بغير سلاح‏


و ان ابن عمر المرء فاعلم جناحه
و هل ينهض البازي بغير جناح‏


و قال عليه‏السلام: عند تناهي الشده تکون الفرجه و عند تضايق حلق البلاء يکون الرخاء-.

کان يقال اذا اشتد المضيق اتسعت الطريق، قال ابراهيم بن العباس و هو في مجلسه في ديوان الضياع:


و لرب نازله يضيق بها الفتي
ذرعا و عندالله منها مخرج‏


کملت فلما استحکمت حلقاتها
فرجت و کان بظنها لا تفرج‏


و قال آخر:


اذا بلغ الحوادث منتهاها
فرج بعيدها الفرج المطلا


فکم کرب تولي اذ توالي
و کم خطب تجلي حين جلا


و قال عليه‏السلام معزيا اشعث بن قيس عن ابن له مات: ان صبرت صبر الاکارم و الا سلوت سلو البهائم-.

و في روايه: من صبر صبر الاحرار و الا سلاسلو الاغمار- و فيه حث علي الصبر و السکينه عند الفوادح و الملمات، و قد حکي هذا المعني ابوتمام الطائي فقال:


و قال علي: في التعازي لاشعث
و خاف عليه بعض تلک الماتم‏

[صفحه 40]

اتصبر للبلوي عزاء و حسبه
فتوجر ام تسلو سلو البهائم‏


هذا بعض ما جمعته من تضاعيف الکتب الادبيه، و هناک الکثير و الکثير من امثال ما اوردته و الجدير بالذکر ان اثر نهج‏البلاغه.... لم يکن علي الادب العربي وحده، و انما نجد اثره التام ايضا في الادب الفارسي و في کتب القوم المزيد من الشعر الفارسي موشح بعيون ما نظمه ادباء الفرس و شعرائهم من کلام الامام اميرالمومنين (ع).



صفحه 15، 16، 17، 18، 19، 20، 21، 22، 23، 24، 25، 26، 27، 28، 29، 30، 31، 32، 33، 34، 35، 36، 37، 38، 39، 40.





  1. سوره البقره: 216.
  2. سوره الکهف: 35.