المدخل...











المدخل...



لم يشتهر بعد القرآن الکريم... في مملکه الادب و عاصمه الفکر کتاب کاشتهار- نهج‏البلاغه- ذلک الکتاب العربي المجيد الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه... فکان علي امتداد التاريخ و عبر القرون و الاحقاب و تطاول الاجيال، کاشتهار الشمس في الظهيره، و قد جمع بين دفتيه 242 خطبه و کلاما و 78 کتابا و رساله و 498 کلمه من يواقيت الحکمه و دررالبيان و جوامع الکلم، و کلها من وضع و انشاء عملاق البلاغه و عبقري الفصاحه و معلم الادب و سيد البيان الامام اميرالمومنين علي بن ابي‏طالب عليه‏السلام، فکان من لفظه الحرالرصين، و کلماته الساميه و اخيرا ما جادت به عبقريته الفياضه و براعته الدفاقه.

لقد کانت الخطب و الکتب و الکلمات هذه منذ انشادها و تصنيفها و قبل مبادره الشريف الرضي محمد بن ابي‏احمد المتوفي 406 ه. الي جمعها و ترتيبها و تاليفها بسنين طويله، معروفه لدي العلماء و متداوله بين الادباء و محفوظه و مسجله علي صفحات الصدور و مطبوعه في الاذهان تتلي من علي الاعواد و المنابر و تلقي في الانديه و المحافل، و تتسابق احبار التاريخ الي حفظها و الاستشهاد بها حسب مقتضيات بحوثهم، و متطلبات دراساتهم لترکيزها و دعمها لان الکتاب هذا حفظ الکثير من التراث الفکري الاسلامي و العربي، و الاحداث و القضايا الکبري الهامه التي نجد الاجيال و البشريه مفتقره اليها و لم تزل محتاجه

[صفحه 3]

اليها مادامت الحياه و مادام الانسان يتدرج علي وجه الطبيعه يفتش عن الحق و الواقع، و يتخطي نحو العلم و الفضيله و يسعي للسعاده و الخلود.

و الجدير بالذکر ان الکتاب حوي فنون متنوعه و جمع علوم متشعبه و لا غرابه لانه عليه‏السلام باب مدينه علم النبي الاقدس- ص- و هو الذي علم الناس النحو و العربيه و الفقه و التفسير و الاجتماع و الاخلاق و السياسه، و علم الطريقه و الحقيقه فاملي جوامع العلوم و اصول الفنون عليهم، و الواقع ان علمه عليه‏السلام يکاد يلحق بامعجزات لان القوه البشريه و الطاقه الانسانيه لا تفي عند الحصر و لا تنهض بهذه العلوم الا من ابن ابي‏طالب... ذلک الامام الذي لم تکن تخفي لاي احد منذ عهد النبي- ص- فضائله و ملکاته و روحياته و طيب عنصره و طهاره محتده، و قداسه مولده و عظمه شانه، و بعد شاوه في حزمه و عزمه و سبقه في الاسلام و تفانيه في ذات الله و افضليته في العلم و الفضائل کلها.

ذلک الامام العظيم الذي اجمعت جماهير اهل السنه و الجماعه و اعتقدت من انه کان في الخصائص الخلقيه و الفضائل النفسيه و المعارف الفکريه، و المثل و القيم الساميه ابن جلاها و طلاع ثناياها، و الشجاع الذي ما فرقط و لا ارتاع من کتيبه و لا بارز احدا الا قتله، و لا ضرب ضربه قط فاحتاجت الاولي الي ثانيه.

اجل لقد کانت خطب الامام عليه‏السلام و حکمه و اقواله الکريمه موضع عنايه العلماء و اهتمام الادباء و تقديرهم الکامل، و تحتل الصداره بين المواضيع، و تقع في الرعيل الاول من قائمه و مناهجهم الدراسيه و محفوظاتهم، فقدا جمع المورخون ان اباغالب عبدالحميد بن يحيي بن سعد الکاتب مولي بني‏عامر بن لوي و المقتول في بوصير سنه 132، الاديب البليغ الکاتب سکن الشام و سهل سبيل البلاغه و اختص بمروان بن محمد آخر ملوک بني‏اميه في المشرق، و کان

[صفحه 4]

يعقوب بن داود وزير المهدي يکتب علي يديه و عليه تخرج قال: حفظت سبعين خطبه من خطب الاصلع ففاضت ثم فاضت-.

و هکذا الخطيب المصري عبدالرحيم بن محمد بن اسماعيل بن نباته الفارقي المتوفي 374 ه صاحب الخطب المعروفه رزق السعاده في خطبه و فيها دلاله علي غزاره علمه وجوده قريحته، و هو مناهل ميافارقين و کان خطيب حلب و بها اجتمع بخدمه سيف‏الدوله الحمداني و اکثر خطبه في الجهاد و فيها يحض الناس عليه قال: حفظت من خطب الامام علي کنز الا يزيده الا نفاق الا سعه و کثره و حفظت مائه فصل من مواعظ علي بن ابي‏طالب-.

و في هذا الصدد قال ابوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفي 255: في شان خطب الامام اميرالمومنين في کتابه- البيان و التبيين- و في غيره من کتبه بعد ان نقل الکثير من خطبه و اقواله جاء ما نصه: و قال علي رحمه‏الله: قيمه کل امري‏ء ما يحسن- فلو لم نقف من هذا الکتاب الا علي هذه الکلمه لوجدناها شافيه کافيه و مجزئه و مغنيه بل لوجدناها فاضله عن الکفايه و غير مقصره عن الغايه، و احسن الکلام ما کان قليله يغنيک عن کثيره، و معناه في ظاهر لفظه، و کان الله عز و جل قد البسه من الجلاله و غشاه من نور الحکمه علي حسب نيه صاحبه، و تقوي قائله، فاذا کان المعني شريفا و اللفظ بليغا و کان صحيح الطبع بعيدا من الاستکراه و منزها عن الاختلال، مصونا عن التکلف صنع في القلوب صنيع الغيث في التربه الکريمه و متي فصلت الکلمه علي هذه الشريطه و نفذت من قائلها علي هذه الصفه اصحبها الله من التوفيق و منحها من التاييد ما لا يمتنع معه من تعظيمها صدور الجبابره و لا يذهل عن فهمها معه عقول الجهله-.

و ابوعبدالله محمد بن عبدالملک الفارقي الخطيب الزاهد البغدادي و کان

[صفحه 5]

يعظ الناس و يذکر من کلفه و للناس فيه اعتقاد، و هو صاحب کرامات و احوال و مجاهدات و مقامات عاش ثمانين سنه و توفي ام 564 فقد ذکره ابن‏کثير في البدايه و النهايه 260:12 و قال: انه کان يحفظ نهج‏البلاغه و يعبر الفاظه، و کامن فصيحا بليغا يکتب کلامه و يروي عنه کتاب يعرف بالحکم الفارقيه-.

و قال الشيخ منتجب الدين علي بن ابي‏القاسم عبيدالله ابن ابي‏محمد الحسن المعروف بحسکا الرازي و المتوفي سنته 585 في فهرسته: و من حفظه نهج‏البلاغه في قرب عهد المولف القاضي جمال‏الدين محمد بن الحسين محمد القاساني فانه کان يکتب نهج‏البلاغه من حفظه.

هذا و في بطون المعاجم رجال نجدهم کانوا يهتمون بحفظه و هم من حمله العلم في العصور السالفه حتي اليوم، و يتبرکون بذل کحفظ القرآن الکريم و ليس هذا بغريب ففي الفهارس و التراجم نجد الکثير من الذين يحفظون متون عشرات المولفات و منهم علي سبيل المثال کما جاء في- الغدير- 186:4 الحافظ العاملي و العالم المورخ الشاعر الشيخ محمد حسين مروه العاملي فانه کان يحفظ تمام قاموس اللغه، و شرح نهج‏البلاغه لابن ابي‏الحديد، و اربعين الف قصيده، و الکامل لابن الاثير من اوله الي آخره، و ذلک فضل الله يوتيه من يشاء.



صفحه 3، 4، 5.