الکبر و التعصب و البغي
و لا تکونوا کالمتکبر علي ابن امه من غير ما فضل جعله الله فيه سوي ما الحقت العظمه بنفسه من عداوه الحسد، و قدحت الحميه في قلبه من نار الغضب، و نفخ الشيطان في انفه من ريح الکبر الذي اعقبه الله به الندامه. فالله الله في کبر الحميه و فخر الجاهليه، فانه منافخ الشيطان التي خدع بها الامم الماضيه و القرون الخاليه. و لا تطيعوا الادعياء الذين شربتم بصفوکم کدرهم، و ادخلتم في حقکم باطلهم، و هم اساس الفسوق اتخذهم ابليس مطايا ضلال و جندا بهم يصول علي الناس، و تراجمه ينطق علي السنتهم استراقا لعقولکم و دخولا في عيونکم و نفثا في اسماعکم، فجعلکم مرمي نبله و موطيء قدمه و ماخذ يده. فاعتبروا بما اصاب الامم المستکبرين من قبلکم من باس الله، و اتعظوا بمثاوي خدودهم[2] و مصارع جنوبهم. و استعيذوا بالله من لواقح الکبر[3] کما تستعيذون به من طوارق الدهر! [صفحه 144] و لقد نظرت فما وجدت احدا من العاملين يتعصب لشيء من الاشياء الا عن عله تحتمل تمويه الجهلاء او حجه تليط بعقول السفهاء، غيرکم، فانکم تتعصبون لامر لا يعرف له سبب و لا عله: اما ابليس فتعصب علي آدم لاصله، و طعن عليه في خلقته، فقال: «انا ناري و انت طيني!» و اما الاغنياء من مترفه الامم فتعصبوا لاثار مواقع النعم فقالوا: «نحن اکثر اموالا و اولادا و ما نحن بمعذبين!» فان کان لا بد من العصبيه فليکن تعصبکم لمکارم الخصال و محامد الافعال و محاسن الامور التي تفاضلت فيها المجداء و النجداء بالاخلاق الرغيبه و الاحلام العظيمه، فتعصبوا لخلال الحمد: من الحفظ للجوار و الوفاء بالذمام، و الطاعه للبر، و المعصيه للکبر، و الکف عن البغي، و الاعظام للقتل، و الانصاف للخلق، و الکظم للغيظ، و اجتناب الفساد في الارض. و احذروا ما نزل بالامم قبلکم من المثلات[4] بسوء الافعال و ذميم الاعمال، فتذکروا في الخير و الشر احوالهم و احذروا ان تکونوا امثالهم. الا و قد امرني الله بقتال اهل البغي و النکث[5] و الفساد في الارض: فاما الناکثون فقد قاتلت. و اما القاسطون فقد جاهدت.[6] و اما المارقه [صفحه 145] فقد دوخت. و اما شيطان الردهه[7] فقد کفيته بصعقه سمعت لها وجبه قلبه و رجه صدره. و بقيت بقيه من اهل البغي، و لئن اذن الله في الکره عليهم لاديلن منهم[8] الا ما يتشذر في اطراف البلاد البلاد تشذرا.[9]. و اني لمن قوم لا تاخذهم في الله لومه لائم: سيماهم سيما الصديقين، و کلامهم کلام الابرار، عمار الليل و منار النهار[10] لا يستکبرون و لا يعلون و لا يغلون[11] و لا يفسدون: قلوبهم في الجنان و اجسادهم في العمل.
من خطبه له طويله تسمي «القاصعه[1] »:
صفحه 144، 145.