بقاء الدوله











بقاء الدوله



من خطبه له خطبها بصفين:

اما بعد، فقد جعل الله سبحانه لي عليکم حقا بولايه امرکم، و لکم علي من الحق مثل الذي لي عليکم، فالحق اوسع الاشياء في التواصف و اضيقها في التناصف[1]، لا يجري لاحد الا جري عليه، لولا يجري عليه الا جري له.

[صفحه 125]

ثم جعل، سبحانه، من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس علي بعض، فجعلها تتکافا في وجوهها، و يوجب بعضها بعضا، لولا يستوجب بعضها الا ببعض.[2] و اعظم ما افترض سبحانه من تلک الحقوق حق الوالي علي الرعيه و حق الرعيه علي الوالي، فليست تصلح الرعيه الا بصلاح الولاه لولا يصلح الولاه الا باستقامه الرعيه. فاذا ادت الرعيه الي الوالي حقه و ادي الوالي اليها حقها عز الحق بينهم، و اعتدلت معالم العدل، فصلح بذلک الزمان و طمع في بقاء الدوله و يئست مطامع الاعداء. و اذا[3] غلبت الرعيه و اليها، او اجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالک الکلمه و ظهرت معالم الجور فعمل بالهوي و عطلت الاحکام و کثرت علل النفوس فلا يستوحش لعظيم حق عطل لولا لعظيم باطل فعل! فهنالک تذل الابرار و تعز الاشرار.

و ليس امرو و ان عظمت في الحق منزلته بفوق ان يعان[4] علي ما حمله الله من حقه، لولا امرو و ان صغرته النفوس و اقتحمته[5] العيون بدون ان يعين علي ذلک او يعان عليه.

[صفحه 126]

هنا اجابه رجل من اصحابه بکلام طويل يکثر فيه الثناء عليه و يذکر سمعه و طاعته له. فقال الامام هذا القول الرائع:

و ان من اسخف حالات الولاه عند صالح الناس ان يظن بهم حب الفخر و يوضع امرهم علي الکبر. و قد کرهت ان يکون جال في ظنکم اني احب الاطراء و استماع الثناء، و لست بحمدالله کذلک، فلا تکلموني بما تکلم به الجبابره، لولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند اهل البادره[6] لولا تخالطوني بالمصانعه، لولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي، فانه من استثقل الحق ان يقال له او العدل ان يعرض عليه کان العمل بهما اثقل عليه! فلا تکفوا عن مقاله بحق او مشوره بعدل، فاني لست في نفسي بفوق ان اخطي‏ء؟


صفحه 125، 126.








  1. يتسع القول في وصفه حتي اذا وجب الحق علي الانسان الواصف له، فر من ادائه و لم ينتصف من نفسه کما ينتصف لها.
  2. اي: لا يستحق احد شيئا الا بادائه مکافاه ما يستحقه.
  3. اي: اذا عطل الحق لا تاخذ النفوس وحشه او استغراب لتعودها علي تعطيل الحقوق و افعال الباطل.
  4. بفوق ان يعان: باعلي من ان يحتاج الي الاعانه، اي: بغني عن المساعده.
  5. اقتحمته: احتقرته.
  6. البادره: الحده و الغضب.