تكافو الوجود











تکافو الوجود



و احس علي ان هذا الکون العظيم متعاون متکافل فکان من ذلک ان الريح اذا اشتدت حرکت الاغصان تحريکا شديدا، و اذا اجفلت قلعت الاشجار و هاجت لها العناصر، و انها اذا لانت و جرت فويق الارض جريا خفيفا سکرت بها صفحات الماء و سکنت تحتها الاشياء!

و ادرک کذلک ان قوه الوجود الشامله ترعي هشيم النبت بقانون ترعي به الورق الاخضر و الزرع الذي استوي علي سوقه و اهتز للريح!

و اسقط ابن ابي‏طالب نظريه التجار بقول تناوله من روح الوجود و کانه يشارک به الکون في التعبير عما في ضميره!

نظره واحده يلقيها المرء علي الکون الخارجي و احواله: علي النجوم الثابته في سعه الوجود و الکواکب السابحه في آفاق الابد، و علي الشمس المشرقه و السحاب العارض و الريح ذات الزفيف، و علي الجبال تشمخ و البحار تقصفها القواصف او يسجو علي صفحاتها الليل،

[صفحه 38]

تکفيه لان يثق بان للکون قانونا و ان لاحواله ناموسا واقعا کل منهما تحت الحواس و قائما بکل مقياس.

و نظره واحده يلقيها المرء علي ما يحيط به من الطبيعه القريبه و احوالها: علي الصيف اذ يشتد حره و تسکن ريحه، و الخريف اذ يکتئب غابه و تتناوح اهواوه و تعبس فيه اقطار السماء، و الشتاء اذ ترعد اجواوه و تضطرب بالبروق و تندفع امطاره عبابا يزحم عبابا و تختلط غيومه حتي لتخفي عليک معالم الارض و السماء، و الربيع يبسط لک الدنيا آفاقا نديه و انهارا غنيه و خصبا و رواء و جنانا ذات الوان، کافيه لان تجعله يثق بان لهذه الطبيعه قانونا و ان لاحوالها ناموسا واقعا کل منهما تحت الحواس و قائما بکل مقياس.

و نظره فاحصه واحده يلقيها المرء علي هذي و ذاک، کافيه لتدله علي ان هذه النواميس و القوانين صادقه ثابته عادله، يقوم منطقها الصارم بهذه الصفات، و فيها و حدها ما يبرر وجود هذا الکون العظيم!

القي ابن ابي‏طالب تلک النظره علي الکون فوعي وعيا مباشرا ما في نواميسه من صدق و ثبات و عدل، فهزه ما راي و ما وعي، و جري في دمه و مشي في کيانه و اصطخب فيه احساسا و فکرا، فتحرکت شفتاه تقولان: «الا و انه بالحق قامت السماوات و الارض». و لو حاولت ان تجمع الصدق و الثبات و العدل في کلمه واحده، لما وجدت لفظه تحويها جميعا غير لفظه «الحق». ذلک لما يتحد في مدلولها من جوهر الکلمات الثاث!

و ادرک ابن ابي‏طالب في اعماقه ان المقايسه تصح اصا و فرعا بين السماء و الارض اللتين قامتا بالحق و استوتا بوجوهه المتلازمه الثاثه: الصدق و الثبوت و العدل، و بين الدوله التي لا بد لها ان تکون صوره مصغره عن هذا الکون القائم علي ارکان سليمه ثابته، فاذا به يحيا في عقله و ضميره هذه المقايسه علي صوره عفويه لا مجال فيها لواغل من الشعور او لغريب من التفکير، ثم لا يلبث ان يقول:

«و اعظم ما افترض من تلک الحقوق حق الوالي علي الرعيه، و حق الرعيه علي الوالي فريضه فرضها الله لکل علي کل، فجعلها نظاما لالفتهم، فليست تصلح الرعيه الا بصاح الولاه، و لا يصلح الولاه الا باستقامه الرعيه. فاذا ادت الرعيه الي الوالي حقه،

[صفحه 39]

و ادي الوالي اليها حقها، عز الحق بينهم، و اعتدلت معالم العدل و جرت علي اذلالها السنن[1] فصلح بذلک الزمان و طمع في بقاء الدوله. و اذا غلبت الرعيه و اليها، او اجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالک الکلمه و ظهرت معالم الجور و ترکت محاج السنن فعمل بالهوي و عطلت الاحکام و کثرت علل النفوس، فا يستوحش لعظيم حق عطل[2] و لا لعظيم باطل فعل! فهنالک تذل الابرار و تعز الاشرار و تعظم تبعات الله عند العباد!»

و اوصيک خيرا بهذا الاحکام للروابط العامه الکبري بين عناصر الدوله علي لسان علي، ثم بين الاعمال الخيره المنتجه و بين ثبوت هذه العناصر علي اسس من الحق، او قل من الصدق و الثبوت و العدل: وجوه الحق الثلاثه التي تقوم بها السماوات و الارض.

و احس علي ان هذا الکون العظيم متعاون متکافل فکان من ذلک ان الريح اذا اشتدت حرکت الاغصان تحريکا شديدا، و اذا اجفلت قلعت الاشجار و هاجت لها العناصر، و انها اذا لانت و جرت فويق الارض جريا خفيفا سکرت بها صفحات الماء و سکنت تحتها الاشياء.

و احس ان الشمس اذا القت علي الارض نورها بدت معالم الارض للعيون و الاذهان، و اذا خلتها خلت عليها من الظلمه ستارا. و ان النبته تنمو و تزهو و تورق و قد تثمر، و هي شي‏ء يختلف في شکله و غايته عن اشعه النهار و جسم الهواء و قطره الماء و تراب الارض، و لکنها لا تنمو و لا تورق الا بهذه الاشعه و هذا الجسم و هذه القطره و هذا التراب.

و احس ان الماء الذي «تلاطم تياره و تراکم زخاره» کما يقول، انما «حمل علي متن الريح العاصفه و الزعزع القاصفه». و ان الريح التي «اعصف الله مجراها و ابعد منشاها» ماموره- علي بعد هذا المنشاء- «بتصفيق الماء الزخار و اثاره موج البحار، تعصف به

[صفحه 40]

عصفها بالفضاء و ترد اوله الي آخره، و ساجيه الي مائره[3] حتي يعب عبابه». و من زينه الارض و بهجه القلوب هذه النجوم و هذي الکواکب، و ضياء الثواقب[4] و السراج المستطير[5] و القمر المنير!

احس ابن ابي‏طالب من وراء ذلک جميعا ان هذا الکون القائم بالحق، انما ترتبط عناصره بعضها ببعض ارتباط تعاون و تساند، و ان لقواه حقوقا افترضت لبعضها علي بعض، و انها متکافئه في کل وجوهها متلازمه بحکم وجودها و استمرارها.

فادرک في اعماقه ان المقايسه تصح اصا و فرعا بين هذه العناصر المتعاونه المتکافئه، و بين البشر الذين لا بد لهم ان يکونوا متعاونين متکافئين بحکم وجودهم و استمرارهم، فهم من اشياء هذا الکون يجري عليهم ما يجري علي عناصره جميعا من عبقريه التکافل الذي يراه علي فرضا عليهم لا يحيون الا به و لا يبقون. فاذا به يلف عالم الطبيعه الجامده و عالم الانسان بومضه عقل واحده، و انتفاضه احساس واحده، ليستشف عداله الکون القائم علي وحده من الصدق و الثبات و العدل، مطقا هذا الدستور الذي يشارک به الکون في التعبير عن ضميره، قائلا:

«ثم جعل من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس علي بعض، فجعلها تتکافا في وجوهها، و يوجب بعضها بعضا، و لا يستوجب بعضها الا ببعض!»

و من هذا المعين ايضا قول له عظيم يقرر به ان دوام نعمه من النعم مرهون بما فرض علي صاحبها من واجب طبيعي نحو اخوانه البشر، و ان عدم القيام بهذا الواجب کاف وحده لان يزيلها و يفنيها:

«من کثرت النعم عليه کثرت الحوائج اليه. فمن قام فيها بما يجب عرضها للدوام و البقاء، و من لم يقم فيها بما يجب عرضها للزوال و الفناء».

[صفحه 41]

ففي هذين القولين من التعبير عن عداله الکون، و الناس من موجوداته، ما لا يحتاج الي کثير من الايضاح. فحقوق العباد- علي لسان علي- يکافي‏ء بعضها بعضا. فهي اشبه ما تکون بحق الماء علي الريح، و النبته علي الماء، و الماء علي الشمس، والشمس علي قانون الوجود. و هذه السنه التي تفرض علي الانسان الا يستحق شيئا من الحقوق الا بادائه حقوقا عليه، ليست الا سنه الکون العادله القائمه بهذا العدل.

و لينظر القاري‏ء في هذا الامر نظرا سديدا ثم ليقل رايه في ما راي. فانه ان فعل ادرک لا شک ان هذه القاعده التي بلغ ابن ابي‏طالب بها الي جذور العداله الکونيه، ثابته لا تغير نفسها و لا شذوذ ينقضها.

فعناصر هذا الکون لا تاخذ الا قدر ما تعطي، و لا يکسب بعضها الا ما يخسره بعضها الاخر. فاذا اخذت الارض من الشمس نورا و دف‏ءا، اعطت الوجود من عمرها قدر ما اخذت. و کذلک اذا اخذت من الليل ظلا يغمرها. و اذا تناولت الزهره من عناصر الکون الکثيره ما يحيها و ينميها و يعطيها عبيرا شهيا، فلسوف ياخذ النور و الهواء من لونها و عطرها بمقدار ما اعطياها، حتي اذا تکامل انعقادها و بلغت قمه حياتها، تعاظم مقدار ما تدفعه من عمرها، فاذا بالحياه و الموت يتنازعانها حتي تسلم اليه اوراقها و جذعها. اما الارض فتبتلع منها کل ما کانت قد منحتها اياه.

و البحر لا يستعيد الي جوفه الا ما اعطي السماء من غيوم و البر من امطار.

و کذلک الانسان في حياته الخاصه. فهو لا يحظي بلذه الا بفراق اخري يدفعها، قاصدا او غير قاصد، عوضا عما اخذ. و هو لا يولد الا و قد تقرر انه سيموت. يقول علي: «و مالک الموت هو مالک الحياه!»

و عن هذا التوازن الحکيم في قانون الکون برحابه و افلاکه، و ارضه و سمائه، و جامداته و احيائه، يعبر ابن ابي‏طالب بهذه الکلمه التي تجمع سداد الفکر الي عنف الملاحظه الي عبقريه البساطه: «و لا تنال نعمه الا بفراق اخري!»

و لينظر الناظرون في هذا القول فانهم ان فعلوا و ثقوا بانه الواقع الذي يرتسم کلمات هي اشبه بالقاعده الرياضيه التي لا يمکن الخروج عليها.

[صفحه 42]

اما في الحياه العامه، فليس بين شوون الانسان شان واحد يشذ عن هذه القاعده التي انتزعها علي بن ابي‏طالب من ماده الکون العظيم. فحقک علي مجتمعک هو ان يقيم هذا المجتمع ما تعطيه، کميه و نوعا، ثم ان تاخذ منه بمقدار ما اعطيت. اما اذا حصلت من المکافاه علي اقل مما اعطيت، فان نصيبک عند ذاک ذاهب الي سواک، و ان سواک يتمتع بخير انت صاحبه و لا شک، و انک في النتيجه مغصوب مظلوم. و اما اذا اخذت من المکافاه فوق ما اعطيت، فان نصيب غيرک منها ذاهب اليک، و ان سواک من الخلق يجوع بما اکلت، و انک بذلک غاصب ظالم. و وجود المظلوم و الظالم في المجتمع مفسده له و منقصه في موازين العداله الاجتماعيه التي لا تستقيم الا اذا دخلت في نطاق مريح من العداله الکونيه. و البطل لا يمکن ان يکون قاعده بل الحق هو القاعده. و «الحق لا يبطله شي‏ء» في قانون الکون! و هو کذلک في مذهب ابن ابي‏طالب.

و النظر في الساطع العظيم من مظاهر العداله الکونيه، لم يکن ليلهي عليا عن النظر في ما خفي منها و دق. و شانه في ذلک شان عباقره الشعراء الذين تولف دقائق الاشياء لديهم، في الماده و المعني، ما تولفه عظائمها فهم لا يفرقون فيها بين کبير و صغير، فهي بالمنشاء واحده و هي کذلک بالدلاله.

و ليس للذي يبهر الانظار حساب في عقولهم و قلوبهم يعلو علي حساب ما ينزوي في المخابي‏ء و بين الظلال. و رب نظره تجري من الاحاسيس في کيان هولاء ما لا تجريه ينابيع الکلام! و رب اشاره يدرکون فيها من التصريح ما لا يرونه بالف اعلان! و رب زهره في کنف صخره ينعمون لديها من الشعور بعظمه الوجود بما لا ينعمون به لدي الدوحه العاتيه. بل رب صغير في نظرهم اجل من کبير، و قليل اکثر من کثير! و اري من الموافق ان اذکر في هذا المجال نتفه من حديث طويل سقته بصدد الکلام علي موقف صاحب الاحساس العظيم و الفکر المحيط من الکون الذي يستوي خفيه و ظاهره في الدلاله علي ما فيه من جليل، قلت:

«و کاني بهذه الطبيعه تمثل للشاعر جمال الحريه التي يشتهي، اذ ترسل الريح حين تشاء و کيف تشاء لا يهمها اسخط الناس عليها ام رضوا قانعين! و تفجر الينابيع من

[صفحه 43]

الصخر، حين تروم، و من رخي التراب، و تجريها هادئه في السهل او تقذف بها من اعالي الجبال. و تبرز من صدرها اشجارا و صخورا و قمما و وديانا علي طريقتها التي تريد، لا يعنيها ان تنبت الزنابق الي جانب الشوک او تعلق ابر السم وردا اخضر العود طيب الريح. و لا تتقيد بمعرفه تقوم بتحقير الهشيم اليابس و تعظيم الاخضر الفينان، و بالسخريه من صغار الهوام تطل من ثقوب الصخور، تمجيدا لشراسه القوي من الوحش يفترس الضعيف».[6].

بهذه النظره و بهذا الشعور واجه ابن ابي‏طالب مظاهر الوجود الواحد في الطبيعتين الصامته و الحيه، و احس احساسا بديهيا و عميقا معا بان قوه الوجود الشامله ترعي هشيم النبت بقانون ترعي به الورق الاخضر و الزرع الذي استوي علي سوقه و اهتز للريح. و انها تعني بالفسيل[7] الضئيل من شجر الارض کما تعني بالعتي من الدوح العظيم. اما البهم و الحشرات و الغوغاء[8] و صغار الطير، فان الطبيعه لم تبذل في رعايثها نصيبا اقل مما تبذله في رعايه الهائل من الوحش و نسر الفضاء. فلکل من المخلوقات مکانه في سعه الوجود و لکل حقه بهذا الوجود. لذلک لم يمنع الطود الشامخ عن ابن ابي‏طالب رويه الحصاه و ذره التراب. و لم يفته و هو ينظر الي الطاووس ان يلتفت الي النمله المتواضعه الدابه في خفايا الارض بين حطامها و حصاها، فاذا هي في الوجود خلق جليل و شي‏ء کثير. و ما کان علي ليري في الطاووس و النمله اللذين يبسطهما النهار، شيئا يزيد في معني الوجود و في قيمته عما کان يراه في الخفافيش[9] التي جعل لها الليل نهارا و قبضها الضياء الباسط لکل شي‏ء. و انما کان يري من غوامض الحکمه فيها ما يراه في عظائم المخلوقات.

و يکفي هذا المخلوق، في نهج علي، ان يکون ذا رمق- اي ان يکون حيا- لتکفل له قوه الوجود الشامله کفلا اساسيا ما يقيه خطر الموت قبل حينه. فان العداله الکونيه ما اقامت حيا من الاحياء الا و عدلت وجوده بما يمسک عليه مده بقائه. و هذا ما يعنيه عبقري

[صفحه 44]

الملاحظه الدقيقه الضابطه علي بن ابي‏طالب بقوله: «و لکل ذي رمق قوت، و لکل حبه آکل».

اما اذا حيل بين ذي الرمق و قوته، و الحبه و آکلها، فان في هذا المنع اعتداء علي موازين العداله الکونيه و افتراء علي قيمه الحياه و معني الوجود. يقول علي: «والله لو اعطيت الاقاليم السبعه علي ان اعصي الله في نمله اسلبها لب شعيره، ما فعلت!»

اما الاعتداء علي موازين العداله الکونيه، فان العقاب عليه قائم بطبيعه هذه العداله العامه نفسها التي تقاضي الفاعل مقاضاه لا لين فيها و لا قسوه، و انما عدل و مجازاه.

و من ثم کانت النظره العلويه الجليله الي معني الحياه الواحده بکثيرها و قليلها، بکبيرها و صغيرها. فالعداله الکونيه التي و ازنت بين الاحياء و رعتهم في مختلف حالاتهم و اقامت بينهم اعمالا مشترکه و حقوقا متبادله و واجبات متعادله، لم تفرق بين مظهر من مظاهر الحياه و آخر، و لم تامر بان يعتد قوي علي ضعيف لما خص به القوي من اداه العتو، و لم تاذن للکثير بان يغبن القليل حقه بما خص به من صفات الکثره. و هي من ثم لا تغتفر ظلم القليل بحجه مصلحه الکثير. فاذي يغبن کائنا حيا في نهج ابن ابي‏طالب فکانما غبن الکائنات الحيه جميعا. و من قتل نفسا بغير حق فکانما قتل النفوس جمله. و من آذي ذا رمق فکانما آذي کل ذي رمق علي وجه الارض. فالحياه هي الحياه في نهجه و احترامها هو الاصل و عليه تنمو الفروع.

ففي نظريات عدد کبير من المفکرين و المشترعين، و في «آراء» معظم هولاء الذين يسمون انفسهم رجال سياسه، يجوز الاعتداء علي العدد القليل من الناس في سبيل العدد الکثير. و في حساب هولاء، لا يقاس الخير الا بسلامه العدد الکثير، ثم في بلوغه ما يصبو اليه من حال. فاذا قتل بحادث اعتداء الف من الخلق، فالامر فظيع. و اذا قتل الفان فالامر افظع. و هکذا دواليک. اما اذا قتل انسان واحد، بمثل هذا الحادث، فالقضيه هينه و الامر بسيط. فان دفاتر تجار الارواح عند ذاک لا يسقط منها الکثير. اما جداول الضرب و عمليات الجمع و القسمه، فن الميسور تعديلها بعمليه حساب بسيطه.

اما ابن ابي‏طالب فيسحق نظريات هولاء التجار، بقول يتناوله مباشره من روح الوجود الذي لا قيمه لديه للارقام في معني الحياه، بل للحياه نفسها:

[صفحه 45]

«فوالله لو لم يصيبوا من الناس الا رجلا واحدا معتمدين[10] لقتله، بلا جرم جره، لحل لي قتل ذلک الجيش کله».

و الواضح هنا ان الموضوع ليس «قتل الجيش کله» بل تمکين فکره احترام الحياه في اذهان اصحاب السلطه، و لفت انظارهم الي ان قتل نفس واحده، قصدا و اعتمادا، انما يساوي قتل الخلق جميعا.

و لو اننا قسنا نظره علي بن ابي‏طالب في هذا المجال بنظرات کثير من المفکرين الذين راوا ان موازين العداله لا تتحرک الا بالقوه و الکثره، لبدا لنا کيف ينحدرون حيث يسمو، و کيف يتزمتون و يغلظون حيث يرحب افقه و تعلو علي يديه قيم الحياه. ففيما يطبل بعض هولاء و يزمرون لما «اکتشفوه» من آراء و نظريات تبيح للقوي ان يعتز بقوته و حسب، و للکثير ان تتسع آماله بهذه الکثره وحدها - و في کل ذلک اعتداء علي قانون الحياه العادل، و علي اراده الانسان القادره المطوره الخيره- نري ابن ابي‏طالب يکشف عما هو اسمي بمقياس الحياه نفسها لانه حقيقه، و بمقياس الاراده الانسانيه لانه خير، فيقول ببساطه العظيم: «و رب يسير اغني من کثير!» ثم يوضح بقول اجل و اجمل:

«و ليس امرو، و ان عظمت في الحق منزلته، بفوق ان يعان علي ما حمله الله من حقه[11] و لا امرو، و ان صغرته النفوس و اقتحمته العيون[12] بدون ان يعين علي ذلک او يعان عليه!»

و في هذين القولين ينقل ابن ابي‏طالب للناس مظهرا من مظاهر العداله الکونيه الباديه حيث امعنت النظر، و يقرر حقيقه طالما خفيت عن العقول التي تحصر نفسها في اضيق نطاق.

يقرر علي ان المظاهر البراقه الفضفاضه ليست في حکم الواقع الوجودي الا غثا من الوجود تافها لا قيمه له و لا شان، و قد يبهر بها العاديون من الخلق و اهل الحماقات و الاغبياء

[صفحه 46]

و المصفقون لکل لماع تافه فارغ، ولکن هذا الانهيار لا يلبث ان يتلاشي فجاه حين تطل شمس الحقيقه، و حين يکنس نورها العظيم ما خاله العاديون نورا و هو غش للعيون، و حين تعصف رياح الوجود العادل بعصافه التبن الخفيف. و من التاريخ و الحاضر دلائل لا تحصي علي هذا الاضطراب في المقاييس لدي الافراد و الجماعات، و هو اضطراب يستلزم نتائج توذي الحضاره و الحياه و الانسان لما فيها من انحراف عن موازين العداله الکونيه.

فلو کنت تعيش في فتره من العصور الوسطي باوروبا، مثلا، لشاهدت في بعض ايامک مواکب من الناس تتلوها مواکب باحدي الساحات العامه من هذه المدينه او تلک، و ذلک قصد التهليل و التصفيق لمخلوق من الناس مزرکش الالبسه عاصب الراس بالزمرد و الزبرجد و الحجاره الکريمه المنظومه. و لشاهدت رجلا يسير علي الرصيف وحيدا، عصبي الخطوه عنيف النظره، لا يعنيه امر المهللين و لا يعنيهم امره. فهم يهتفون بحياه «عظيم» و هو اذ ذاک «ليس بعظيم». ثم اشرقت الشمس بعد زمن فطغت علي الظلمه و ابرزت الاشياء في مواضعها الحقيقيه. فماذا تري عند ذاک؟ تري ان هولاء الناس المهللين المصفقين- و هم بهذا المقام بمنزله اللاشي‏ء- انما کانوا يهتفون لمخلوق تافه يدعي لويس الرابع عشر مثلا، او لنذل من الانذال يدعي شارل الخامس، او لصغير کل الصغاره يدعي شارل الاول، او لغيرهم ممن يحملون اسماء تليها ارقام... دلاله علي الصغاره. ثم ماذا يتضح لک بعد ذاک؟ يتضح ان رجل الرصيف الذي لم يهلل له القوم و لم يهتفوا بحياته، انما هو عظيم حق يدعي موليير، او ملتون، او غاليليو. و تجري الايام، فاذا باصحاب الاسماء التي تليها الارقام، ليسوا الا التفاهه کلها. و اذا بالمشاه علي الرصيف و لا ارقام لاسمائهم، و لا مهللين لهم، ليسوا الا العظمه کلها. و يطوي النسيان التافهين، و يطوي معهم اولئک «اللاشي‏ء» من المصفقين الهاتفين. و يبرز هولاء علي هامه الوجود، و تنزلهم الانسانيه من نفسها منازل الشموس من الظلمات. و يبرز معهم نفر قليل من الخلق هم الذين فهموهم، و قدروهم قدرهم العظيم، و تدفاوا بحرارتهم کما تتدفا الارض بنور الظهيره، و ادرکوا ما ادرکه علي بن ابي‏طالب اذ قال: «رب يسير انمي من کثير!»

انها العداله الکونيه التي تزن کل حي بميزانها العظيم، و تضعه موضعه، لا غش في ذلک و لا خداع، و لا مجامله! العداله الکونيه التي لا تهون لديها قيمه و لا تعلو تفاهه!

[صفحه 47]

و ان ابن ابي‏طالب لم يسم هذا «اليسير» يسيرا الا لانه هکذا کان في انظار الناس بزمانه و في آرائهم. و لم يسم هذا «الکثير» کثيرا الا للعله ذاتها. و هو يعلم انهم مخطئون، و ان ما يرونه يسيرا قد لا يکون کذلک. و ان ما يرونه کثيرا قد يخف في ميزان الحق. اما هو، فقد کان يستشعر قيمه الحياه في قوه و جلاء، و يستشعر امکاناتها العظيمه بجميع الاحياء، و يستشعر ان للکون اراده عادله في تقييم الحياه حيث کانت، و في احترام الاحياء حيث هم، فيطلق العبارات الحکيمه التي اشرنا اليها. و يطلق الکثيرات غيرها. حتي اذا غالي المغالون و انکروا ان لليسير مثل هذه القيمه و هذه الامکانات علي النمو، توجه اليهم يقول: «و ان اکثر الحق في ما تنکرون!»

ثم ان حقيقه اخري يقررها علي بکلمته هذه: «... و ليس امرو و ان صغرته النفوس و اقتحمته العيون، بدون ان يعين علي ذلک او يعان عليه»، هي ان کل انسان يمکنه ان ينفع مجتمعه و ينتفع به، ايه کانت موهبته، و بالغه امکاناته ما بلغت من الضاله.

و في هذه النظره الي الانسان الضئيل الحظ من المواهب، توضيح لما في خاطر علي من الايمان العميق بالعداله الکونيه التي تجعل من قطرات الماء بحرا خضما و من ذريرات الرمال صحاري و فلوات، کما تجعل کل قليل داخلا في الکثير، و کل صغير مستندا للکبير.

و فيها توضيح لطبيعه الحياه الخيره تحنو علي ابنائها و تجعل کلا منهم في اطار من خيرها فلا تغبنه و لا تقسو عليه.

و فيها الدليل علي هذا الحنان العميق الذي کان علي يغمر به الاحياء فلا يري فيهم الا بشرا جديرين بان يحيوا الحياه کلها، و يفيدوا من خيرها، و يعاونوا و يعانوا.

و انک واجد صوره لهذه النظره العلويه الواثقه بعداله الکون و خير الحياه، المومنه بامکانات الانسان- ايا کان- علي ان يکون شيئا کريما، في ادب جان جاک روسو الذي يدور حول محور من الثقه بعداله الطبيعه و خير الحياه.

و کاني بابن ابي‏طالب قد خص هولاء الذين «تصغرهم النفوس و تقتحمهم العيون» بالسهم الاوفر من اهتمامه ساعه خاطب الناس قائلا: «ان الله لم يخلقکم عبثا» او ساعه

[صفحه 48]

ابدع في وصف ثقته بالطبيعه البشريه الخيره مواجها الخلق بهذا الراي الکريم: «و خلاکم ذم ما لم تشردوا». اي انکم، جميعا، خيرون و نافعون اصلا و فرعا، ما لم تميلوا عن الحق عامدين.

و تاکيدا لثبوت هذا الجانب من العداله الکونيه في مذهب ابن ابي‏طالب، و اعني به التسويه التامه في کل حق و واجب بين من قل و من کثر، و من صغر و من کبر، يشير الي ان مرکز هذه العداله انما يتساوي لديه الجميع لا فرق فيهم بين انسان و انسان. فصفتهم الانسانيه واحده، و قضيتهم بميزان الوجود واحده کذلک، و هم لا يتمايزون الا بما يعملون و ما ينفعون. اما من عمل و نفع فان قانون الوجود نفسه يثيبه. و اما من تبطل و بطر و اغتصب، فان هذا القانون نفسه يعاقبه بما يستحقه. يقول علي: «و لا يلويه شخص عن شخص، و لا يلهيه صوت عن صوت، و لا يشغله غضب عن رحمه، و لا تولهه رحمه من عقاب!»

و بهذا الصدد نعود بشي‏ء من التفصيل علي ما ذکرناه من ان علي ابن ابي‏طالب کشف النقاب عن العبقريه الوجوديه التي تجعل من طبيعه الاشياء ذاتها حاکما اعلي يعطي و يمنع و يعاقب و يثيب، فاذا الکائنات تحمل، بطبيعه تکونها، القدره علي ان تقاضي نفسها بنفسها امتثالا لاراده الکون العادله.

يري علي بن ابي‏طالب ان الوجود متکافي‏ء ما نقص منه شي‏ء هنا الا و زاد فيه شي‏ء هناک. و کلا النقص و الزياده متساويان لا زياده الا بمقدار النقص و لا نقص الا بقدر الزياده. و جدير بالقول ان النظريه القائله بهذا التکافو في اشياء الوجود، انما هي احدي النتائج الکبري التي بلغ اليها نشاط الفکر البشري في زحفه العظيم الي اکتشاف اسرار الکون، کما انها نقطه انطلاق في هذا المجال.

و جدير بالقول ايضا ان عددا من المفکرين الاوائل لم يتمکنوا من الالتفات الي هذه الحقيقه، و ان عددا انکروها، و ان هنالک فريقا من هولاء المفکرين راوها و ادرکوا کثيرا من تفاصيلها و آمنوا بها و دعوا اليها. و ابناء هذا الفريق يتفاوتون هم ايضا في قوه الملاحظه

[صفحه 49]

و قوه التمثيل ثم في قوه البيان عما شاهدوه و وثقوا به. فمنهم من لحظ هذا التکافو في بعض مظاهر الکائنات فاعلن عن ذلک اعلانا فيه بعض البيان عن الحقيقه. و منهم من رآه في مظاهر الکون الصامت جميعا و لکنه لم يستشعر له نتائج محسوسه في مجري الوجود و لم يجد له خطا موازيا في مظاهر الکون الحي. و منهم من لحظه في الطبيعه الصامته و استشعر له نتائج محسوسه في مجري الوجود و راي له خطا موازيا في الکائنات الحيه و اعلن عنه باجلي بيان و اوثق کلام. من هذا الفريق علي بن ابي‏طالب. بل قل انه في طليعه هذا الفريق من المفکرين الاوائل لانه کاد يثبت هذه النظريه علي نهج سليم قويم لا يتعارض و لا يتناقض و لا مهرب لبعضه من بعض. بل قل انه فعل ذلک و ابدع.

و لعل موقف ابن ابي‏طالب مما لحظه و رآه من مظاهر التکافو في الوجود اجل من مواقف زملائه المفکرين من الناحيه العمليه. و ذلک بما الح عليه من تاکيد لهذه الحقيقه، توصلا الي ما يترتب عليها من نتائج في حياه الناس افرادا و جماعه. و هذا الواقع ينسجم کل الانسجام مع محور الفلسفه العلويه الذي هو: الانسان.

قلنا ان عليا يري الوجود متکافئا ما نقص منه شي‏ء هنا الا و زاد فيه شي‏ء هناک، و ان هذا النقص و هذه الزياده يتساويان لا زياده الا بمقدار النقص و لا نقص الا بقدر الزياده. فيقول اول ما يقول، منبها الانسان الي هذه الحقيقه عن طريق الصق الاشياء به، اي عن طريق وجوده ذاته:

«و لا يستقبل يوما من عمره الا بفراق آخر من اجله!»

و هل من خاطره في ذهن انسان يمکنها ان تدحض هذه الحقيقه التي تعرض تعادليه الوجود بابسط ما يراه المرء من حال الوجود؟ ثم هل من قاعده رياضيه من قواعد الهندسه و الجبر الصق بالحقائق الثابته، و ادل علي الواقع المطلق، و او جز في تبيان الثابت و المطلق، من هذه الايه التي يصور بها ابن ابي‏طالب تعادليه الوجود من خلال الکائن الحي، و من ايامه؟

و اذا قال لي قائل ان هذه الفکره معلومه يعرفها الناس کل الناس، فعن ايه حقيقه جديده يکشف ابن ابي‏طالب في زعمک اذن؟ قلت: ان الکشف عن الحقائق الخافيه لا يستلزم السکوت عن الحقائق الظاهره اذا کانت هذه اصلا لتلک، او تلک اصلا لهذه،

[صفحه 50]

او اذا کان المنهج العام يستلزم ضبط التفاصيل سواء ما خفي منها و ما ظهر. فان علي بن ابي‏طالب الذي تتماسک آراوه في کل مذهب، ثم تتماسک مذاهبه جميعا في وحده فکريه رائعه، لم يقل هذا القول «المعلوم الذي يعرفه الناس کل الناس»، و لم يقل بمعناه قولا اروع و هو: «نفس المرء خطاه الي اجله»، الا ليعود و يبني علي ما قاله بناء مفصلا في اثبات نظريه تکافو الوجود.

فالذي قال «لا يستقبل يوما من عمره الا بفراق آخر من اجله» «و نفس المرء خطاه الي اجله»، انما قال ذلک ليعود الي الکشف عن حقيقه ابعد عن اذهان الناس و اخفي عن ملاحظتهم، و لکنها تجري من القولين السابقين: «و لا ينال الانسان نعمه الا بفراق اخري!»

و اراک استوضحت ما في هذا القول من قوه الملاحظه، و القدره علي الکشف، و صراحه الفکر، و جلاء البيان. و ضبطا لمضمون هذه العباره في صور و اشکال تختلف مظهرا و تتحد معني و جوهرا، يقول علي: «کم من اکله منعت اکلات» و «من ضيعه الاقرب اتيح له الابعد» و «رب بعيد هو اقرب من قريب» و «الموده قرابه مستفاده»

و «من حمل نفسه ما لا يطيق عجز» و «لن يضيع اجر من احسن عملا» و «ما کسبت فوق قوتک فانت فيه خازن لغيرک». فان في هذه العبارات، و في عشرات غيرها، ايجازا واضحا لتفاصيل نظريه التکافو الوجودي کما يراه علي بن ابي‏طالب. فهي علي اختلاف موضوعاتها القريبه، تدور في مداها و ماخذها القصي علي محور واحد من تعادليه الکون، فلا نقص هنا الا و تعدله زياده هناک. و العکس بالعکس.

ادرک ابن ابي‏طالب هذه الحقيقه الوجوديه في قوه و عمق. و عاشها، و اعلن عنها في کل فصل من حياته او قول من قوله، سواء اکان ذلک بالاسلوب المباشر او غير المباشر. و هو لا يدرک هذا الوجه من وجوه العداله الکونيه الا ليدرک وجها آخر يعکسه علي شکل خاص، او قل ينبثق عنه انبثاقا، و هو ما نحن بصدده من الکلام علي ان الطبيعه تحمل بذاتها المقياس فتعاقب او تثيب، و ليس بين مظاهر العداله الکونيه ما هو ابرز من هذا المظهر في الدلاله عليها.

راي علي ان شيئا واحدا من اشياء هذا الکون لم يوجد عبثا، بل ان لوجوده غايه

[صفحه 51]

و هدفا. و راي ان لکل من الکائنات وظيفه يقوم بها، و ان علي کل جارحه من جوارح الانسان فريضه يحتج بها الکون العادل عليه، و يساله عنها، و يحاسبه عليها. و بناء علي هذا الواقع، تکون اشياء الوجود متساويه بحکم وجودها. اما الصغيره و الکبيره فشبيهتان بهذا المقياس. يقول علي: «و يحاسبک علي الصغيره قبل الکبيره». و انما قال ذلک لان الاکثريه من الناس لا يابهون ل «الصغيره»، فاذا به يلفت انظارهم الي هذه الصغيره بتقديمها علي الکبيره في ما تستلزم من عقاب او ثواب، لکي يطمئن الي حدوث عمليه التسويه بينهما في الاذهان و القلوب.

اما اذا احتج الکون علي الانسان بما فرضه علي جوارحه، و ساله عنه، و حاسبه علي الصغيره و الکبيره، و جازاه بما عمل خيرا کان او شرا، فليس من الضروري في ملاحظه علي و في نهجه ان تتم عمليه الاحتجاج و المحاسبه و المجازاه هذه خارج نطاق الانسان نفسه. و ان هذه العمليه المرکبه، الواحده علي ما فيها من ترکيب، لتتم ابدا- کما يلحظ علي- في حدود الکائن ايا کان. و هکذا تتم في ما يتعلق بالانسان و هو احد الکائنات. يقول علي: «ان عليکم رصدا من انفسکم و عيونا من جوارحکم». و الرصد الرقيب. و هذا الرقيب لا يالو جهدا في ان يري و يسجل و يعاقب او يثيب.

و في لحظات فذه من تالق العقل المکتشف و الفکر النافذ، تبدو لعيني ابن ابي‏طالب الوان ساطعه من هذا الوجه من وجوه العداله الکونيه، لا يسعک ازاءها الا ان تعجب بهذا العقل و هذا الفکر. افلا ينطق ابن ابي‏طالب بلسان علماء العصر الحديث کما ينطق بلسان هذه العداله نفسها ساعه يقرر هذه الحقيقه: «من اساء خلقه عذب نفسه!» ثم، الا ينطق بهذين اللسانين معا اذ يقول: «يکاد المريب يقول: «خذوني» و اذ يقول ايضا: «فاکرم نفسک عن کل دنيه و ان ساقک رغب فانک تعتاض بما ابتذلت من نفسک!»

و مثل هذه الايات کثير کثير. و منها هذه الروائع: «موت الانسان بالذنوب اکثر من موته بالاجل» و «لا مروءه لکذوب و لا راحه مع حسد، و لا سودد مع انتقام، و لا صواب مع ترک المشوره». و «اذا کانت في رجل خله رائقه فانتظروا اخواتها!»

[صفحه 52]

و هکذا ادرک علي بن ابي‏طالب ان الکون واحد، عادل، ثابت في وحدته و عدله، جاعل في طبيعه الکائنات ذاتها قوه الحساب و القدره علي العقاب و الثواب. و هکذا عبر عما ادرکه اروع تعبير.

بيد ان وجوها غير هذه من وجوه العداله الکونيه تفحصها علي و ضبط اشکالها و الوانها. فما هي هذه الوجوه؟

[صفحه 53]


صفحه 38، 39، 40، 41، 42، 43، 44، 45، 46، 47، 48، 49، 50، 51، 52، 53.








  1. اذلال، جمع ذل- بکسر الذال- و ذل الطريق: محجته، و هي جادته، اي وسطه. و جرت السنن اذلالها، او علي اذلالها: جرت علي وجوهها.
  2. اي، اذا عطل الحق لا تاخذ النفوس و حشه او استغراب لتعودها تعطيل الحقوق و افعال الباطل، و لاستهانتها بما تفعل.
  3. الساجي: الساکن. و المائر: الذي يذهب و يجي‏ء، او المتحرک مطلقا. و عب عبابه: ارتفع عاه.
  4. الثواقب: المنيره المشرقه.
  5. المستطير: المنتشر الضياء. و الشراج المستطير: الشمس.
  6. باختصار عن کتاب «فاغنر و المراه» للمولف صفحه 164 -163.
  7. الفسيل: صغار الشجر.
  8. البهم: صغار اولاد الضان و المعز. الغوغاء: صغار الجراد.
  9. راجع، في هذا الکتاب، روائع علي في وصف الطاووس و الخفاش.
  10. معتمدين: قاصدين.
  11. بفوق ان يعان: اي باعلي من ان يحتاج الي الاعانه.
  12. اقتحمته العيون: حقرته. بدون ان يعين: باعجز من ان يساعد غيره.