الاسلوب و العبقريه الخطابيه
و يندمج الشکل بالمعني اندماج الحراره بالنار و الضوء بالشمس و الهواء بالهواء، فما انت ازاءه الا ما يکون المرء قباله السيل اذ ينحدر و البحر اذ يتموج و الريح اذ تطوف! اما اذا تحدث اليک عن بهاء الوجود و جمال الخلق، فانما يکتب علي قلبک بمداد من نجوم السماء! و من اللفظ ما له و ميض البرق، و ابتسامه السماء في ليالي الشتاء،! هذا من حيث الماده. اما من حيث الاسلوب، فعلي بن ابيطالب ساحر الاداء. و الادب لا يکون الا باسلوب، فالمبني ملازم فيه للمعني، و الصوره لا تقل في شيء عن الماده. و اي فن کانت شروط الاخراج فيه اقل شانا من شروط الماده! [صفحه 26] و ان قسط علي بن ابيطالب من الذوق الفني، او الحس الجمالي، لمما يندر وجوده. و ذوقه هذا کان المقياس الطبيعي الضابط للطبع الادبي عنده. اما طبعه هذا فهو طبع ذوي الموهبه و الاصاله الذين يرون فيشعرون و يدرکون فتنطلق السنتهم بما تجيش به قلوبهم و تنکشف عنه مدارکهم انطلاقا عفويا. لذلک تميز ادب علي بالصدق کما تميزت به حياته. و ما الصدق الا ميزه الفن الاولي و مقياس الاسلوب الذي لا يخادع. و ان شروط البلاغه، التي هي موافقه الکلام لمقتضي الحال، لم تجتمع لاديب عربي کما اجتمعت لعلي بن ابيطالب. فانشاوه مثل اعلي لهذه البلاغه، بعد القرآن. فهو موجز علي وضوح، قوي جياش، تام الانسجام لما بين الفاظه و معانيه و اغراضه من ائتلاف، حلو الرنه في الاذن موسيقي الوقع. و هو يرفق و يلين في المواقف التي لاتستدعي الشده. و يشتد و يعنف في غيرها من المواقف، و لا سيما ساعه يکون القول في المنافقين و المراوغين و طاب الدنيا علي حساب الفقراء و المستضعفين و اصحاب الحقوق المهدوره. فاسلوب علي صريح کقلبه و ذهنه، صادق کطويته، فلا عجب ان يکون نهجا للبلاغه. و قد بلغ اسلوب علي من الصدق حدا ترفع به حتي السجع عن الصنعه و التکلف. فاذا هو علي کثره ما فيه من الجمل المتقاطعه الموزونه المسجعه، ابعد ما يکون عن الصنعه، و اقرب ما يکون من الطبع الزاخر. فانظر الي هذا الکلام المسجع و الي مقدار ما فيه من سلامه الطبع: «يعلم عجيج الوحوش في الفلوات، و معاصي العباد في الخلوات، و اختلاف النينان في البحار الغامرات، و تلاطم الماء بالرياح العاصفات!» او الي هذا القول من احدي خطبه: «و کذلک السماء و الهواء، و الرياح و الماء، فانظر الي الشمس و القمر، و النبات و الشجر، و الماء و الحجر، و اختلاف هذا الليل و النهار، و تفجر هذه البحار، و کثره الجبال، و طول هذه القال، و تفرق هذه اللغات، و الالسن المختلفات الخ...» و اوصيک خيرا بهذا السجع الجاري مع الطبع: «ثم زينها بزينه الکواکب، و ضياء الثواقب[1] و اجري فيها سراجا مستطيرا[2] و قمرا [صفحه 27] منيرا، في فلک دائر، و سقف سائر الخ». فانک لو حاولت ابدال لفظ مسجوع في هذه البدائع جميعا، بآخر غير مسجوع، لعرفت کيف يخبو اشراقها، و يبهت جمالها، و يفقد الذوق فيها اصالته و دقته وهما الدليل و المقياس. فالسجع في هذه الاقوال العلويه ضروره فنيه يقتضيها الطبع الذي يمتزج بالصناعه امتزاجا حتي لکانهما من معدن واحد يبعث النثر شعرا له اوزان و انغام ترفق المعني بصور لفظيه من جوها و من طبيعتها. و من سجع الامام آيات ترد النغم علي النغم ردا جميا، و تذيب الوقع في الوقع علي قرارات لا اوزن منها علي السمع و لا احب ترجيعا. و مثال ذلک ما ذکرناه من سجعاته منذ حين، ثم هذه الکلمات الشهيات علي الاذن و الذوق جميعا: «انا يوم جديد، و انا عليک شهيد، فاعمل في خيرا، و قل خيرا!» و اذا قلنا ان اسلوب علي تتوفر فيه صراحه المعني و بلاغه الاداء و سامه الذوق، فانما نشير الي القاريء بالرجوع الي «روائع نهجالبلاغه» هذا ليري کيف تتفجر کلمات علي من ينابيع بعيده القرار في مادتها، و بايه حله فنيه رائعه الجمال تمور و تجري. و اليک هذه التعابير الحسان في قوله: «المرء مخبوء تحت لسانه» و في قوله: «الحلم عشيره» او في قوله: «من لان عوده کثفت اغصانه» او في قوله: «کل وعاء يضيق بما جعل فيه الا وعاء العلم فانه يتسع» او في قوله ايضا: «لو احبني جبل لتهافت». او في هذه الاقوال الرائعه: «العلم يحرسک و انت تحرس المال. رب مفتون بحسن القول فيه. اذا اقبلت الدنيا علي احد اعارته محاسن غيره، و اذا ادبرت عنه سلبته محاسن نفسه. ليکن امر الناس عندک في الحق سواء. افعلوا الخير و لا تحقروا منه شيئا فان صغيره کبير و قليله کثير. هلک خزان المال و هم احياء. ما متع غني الا بما جاع به فقير!». ثم استمع الي هذا التعبير البالغ قمه الجمال الفني و قد اراد به ان يصف تمکنه من التصرف بمدينه الکوفه کيف شاء، قال: «ما هي الا الکوفه اقبضها و ابسطها...» فانت تري ما في اقواله هذه من الاصاله في التفکير و التعبير، هذه الاصاله التي تلازم الاديب الحق بصوره مطلقه و لا تفوته الا اذا فاتته الشخصيه الادبيه ذاتها. [صفحه 28] و يبلغ اسلوب علي قمه الجمال في المواقف الخطابيه، اي في المواقف التي تثور بها عاطفته الجياشه، و يتقد خياله فتعتلج فيه صور حاره من احداث الحياه التي تمرس بها. فاذا بالبلاغه تزخر في قلبه و تتدفق علي لسانه تدفق البحار. و يتميز اسلوبه، في مثل هذه المواقف، بالتکرار بغيه التقرير والتاثير، و باستعمال المترادفات و باختيار الکلمات الجزله ذات الرنين. و قد تتعاقب فيه ضروب التعبير من اخبار الي استفهام الي تعجب الي الي استنکار. و تکون مواطن الوقف فيه قويه شافيه للنفس. و في ذلک ما فيه من معني البلاغه و روح الفن. و اليک مثلا علي هذا خطبه الجهاد المشهوره، و قد خطب علي بها الناس لما اغار سفيان بن عوف الاسدي علي مدينه الانبار بالعراق و قتل عامله عليها: «هذا اخوغامد[3] قد بلغت خيله الانبار و قتل حسان بن حسان البکري و ازال خيلکم عن مسالحها و قتل منکم رجالا صالحين. «و قد بلغني ان الرجل منهم کان يدخل علي المراه المسلمه، و الاخري المعاهده، فينزع حجلها، و قلبها، و رعاثها، ثم انصرفوا وافرين ما نال رجا منهم کلم، و لا اريق لهم دم، فلو ان امرءا مسلما مات من بعد هذا اسفا، ما کان به ملوما، بل کان به عندي جديرا. «فيا عجبا! والله يميت القلب و يجلب الهم اجتماع هولاء علي باطلهم و تفرقکم عن حقکم. فقبحا لکم حين صرتم غرضا يرمي: يغار عليکم و لا تغيرون، و تغزون و لا تغزون، و يعصي الله و ترضون!» فانظر الي مقدره الامام في هذه الکلمات الموجزه. فانه تدرج في اثاره شعور سامعيه حتي و صل بهم الي ما يصبو اليه. و سلک الي ذلک طريقا تتوفر فيه باغه الاداء و قوه التاثير. فانه اخبر قومه بغزو سفيان بن عوف الانبار، و في ذلک ما فيه من عار يلحق بهم. ثم اخبرهم بان هذا المعتدي انما قتل عامل اميرالمومنين في جمله ما قتل، و بان هذا المعتدي لم يکتف بذلک بل اغمد سيفه في نحور کثيره من رجالهم و اهليهم. [صفحه 29] و في الفقره الثانيه من الخطبه توجه الامام الي مکان الحميه من السامعين، الي مثار العزيمه والنخوه من نفس کل عربي، و هو شرف المراه. و علي يعلم ان من العرب من لا يبذل نفسه الا للحفاظ علي سمعه امراه و علي شرف فتاه، فاذا هو يعنف هولاء القوم علي القعود دون نصره المراه التي استباح الغزاه حماها ثم انصرفوا آمنين، ما نالت رجا منهم طعنه و لا اريق لهم دم. ثم انه ابدي ما في نفسه من دهش و حيره من امر غريب: «فان اعداءه يتمسکون بالباطل فيناصرونه، و يدينون بالشر فيغزون الانبار في سبيله، فيما يقعد انصاره حتي عن مناصره الحق فيخذلونه و يفشلون عنه. و من الطبيعي ان يغضب الامام في مثل هذا الموقف، فاذا بعبارته تحمل کل ما في نفسه من هذا الغضب، فتاتي حاره شديده مسجعه مقطعه ناقمه: فقبحا لکم حين صرتم غرضه يرمي: يغار عليکم و لا تغيرون، و تغزون و لا تغزون. و يعصي الله و ترضون!» و قد تثور عاطفته و تتقطع فاذا بعضها يزحم بعضا علي مثل هذه الکلمات المتقطعه المتاحقه: «ما ضعفت، و لا جبنت، و لا خنت، و لا وهنت!» و قد تصطلي هذه العاطفه بالم ثائر ياتيه من قوم اراد لهم الخير و ما اردوه لانفسهم لغفله في مدارکهم و وهن في عزائمهم، فيخطبهم بهذا القول الثائر الغاضب، قائا: «مالي اراکم ايقاظا نوما، و شهودا غيبا، و سامعه صماء، و ناطقه بکماء الخ» و الخطباء العرب کثيرون، و الخطابه من الاشکال الادبيه التي عرفوها في الجاهليه و الاسام و لا سيما في عصر النبي و الخلفاء الراشدين لما کان لهم بها من حاجه. اما خطيب العهد النبوي الاکبر فالنبي لا خاف في ذلک. اما في العهد الراشدي، و في ما تاه من العصور العربيه قاطبه، فان احدا لم يبلغ ما بلغ اليه علي بن ابيطالب في هذا النحو. فالنطق السهل لدي علي کان من عناصر شخصيته و کذلک البيان القوي بما فيه من عناصر الطبع و الصناعه جميعا. ثم ان الله يسر له العده الکامله لما تقتضيه الخطابه من مقومات اخري علي ما مر بنا. فقد ميزه الله بالفطره السليمه، و الذوق الرفيع، و البلاغه الاسره، ثم بذخيره [صفحه 30] من العلم انفرد بها عن اقرانه، و بججه قائمه، و قوه اقناع دامغه، و عبقريه في الارتجال نادره. اضف الي ذلک صدقه الذي لا حدود له و هو ضروره في کل خطبه ناجحه، و تجاربه الکثيره المره التي کشفت لعقله الجبار عن طبائع الناس و اخاقهم و صفات المجتمع و محرکاته. ثم تلک العقيده الصلبه التي تصعب مداراتها و ذلک الالم العميق الممزوج بالحنان العميق، و بطهاره القلب و سامه الوجدان و شرف الغايه. و انه من الصعب ان تجد في شخصيات التاريخ من اجتمعت لديه کل هذه الشروط التي تجعل من صاحبها خطيبا فذا، غير علي بن ابيطالب و نفر من الخلق قليل، و ما عليک الا استعراض هذه الشروط، ثم استعراض مشاهير الخطباء في العالمين الشرقي و الغربي، لکي تدرک ان قولنا هذا صحيح لا غلو فيه. و ابن ابيطالب علي المنبر رابط الجاش شديد الثقه بنفسه و بعدل القول. ثم انه قوي الفراسه سريع الادراک يقف علي دخائل الناس و اهواء النفوس و اعماق القلوب، زاخر جنانه بعواطف الحريه و الانسانيه و الفضيله، حتي اذا انطلق لسانه الساحر بما يجيش به قلبه ادرک القوم بما يحرک فيهم الفضائل الراقده و العواطف الخامده. اما انشاوه الخطابي فا يجوز و صفه الا بانه اساس في البلاغه العربيه. يقول ابوالهال العسکري صاحب «الصناعتين»: ليس الشان في ايراد المعاني- وحدها- و انما هو في جوده اللفظ، ايضا، و صفائه و حسنه و بهائه و نزاهته و نقائه و کثره طاوته و مائه مع صحه السبک و الترکيب و الخلو من اود النظم و التاليف. من الالفاظ ما هو فخم کانه يجر ذيول الارجو ان انفه و تيها. و منها ما هو ذو قعقعه کالجنود الزاحفه في الصفيح. و منها ما هو کالسيف ذي الحدين. و منها ما هو کالنقاب الصفيق يلقي علي بعض العواطف ليستر من حدتها و يخفف من شدتها. و منها ما له ابتسامه السماء في ليالي الشتاء! من الکلام ما يفعل کالمقرعه، و منه ما يجري کالنبع الصافي. کل ذلک ينطبق علي خطب علي في مفرداتها و تعابيرها. هذا بالاضافه الي ان الخطبه تحسن اذا انطبعت بهذه الصفات اللفظيه علي راي صاحب الصناعتين، فکيف بها اذا کانت، [صفحه 31] کخطب ابن ابيطالب، تجمع روعه هذه الصفات في اللفظ الي روعه المعني و قوته و جاله! و اليک شيئا مما قلناه في الجزء الثالث من کتابنا «الامام علي صوت العداله الانسانيه» بصدد بيان الامام، لا سيما ما کان منه في خطبه: نهجالبلاغه آخذ من الفکر والخيال والعاطفه ايات تتصل بالذوق الفني الرفيع ما بقي الانسان و ما بقي له خيال و عاطفه و فکر، مترابط باياته متساوق، متفجر بالحس المشبوب و الادراک البعيد، متدفق بلوعه الواقع و حراره الحقيقه و الشوق الي معرفه ما وراء هذا الواقع، متالف يجمع بين جمال الاخراج الموضوع و جمال الاخراج حتي ليندمج التعبير بالمدلول، او الشکل بالمعني، اندماج الحراره بالنار و الضوء بالشمس و الهواء بالهواء، فما انت ازاءه الا ما يکون المرء قباله السيل اذ ينحدر و البحر اذ يتموج و الريح اذ تطوف. او قباله الحدث الطبيعي الذي لابد له ان يکون بالضروره علي ما هو کائن عليه من الوحده لا تفرق بين عناصرها الا لتمحو وجودها و تجعلها الي غير کون! بيان لو نطق بالتقريع لانقض علي لسان العاصفه انقضاضا! و لو هدد الفساد و المفسدين لتفجر براکين لها اضواء و اصوات! و لو انبسط في منطق لخاطب العقول و المشاعر فاقفل کل باب علي کل حجه غير ما ينبسط فيه! و لو دعا الي تامل لرافق فيک منشا الحس و اصل التفکير، فساقک الي ما يريده سوقا، و وصلک بالکون وصا، و وحد فيک القوي لاکتشاف توحيدا. و هو لو راعاک لادرکت حنان الاب و منطق الابوه و صدق الوفاء الانساني و حراره المحبه التي تبدا و لا تنتهي! اما اذا تحدث اليک عن بهاء الوجود و جمالات الخلق و کمالات الکون، فانما يکتب علي قلبک بمداد من نجوم السماء! بيان هو بلاغه من البلاغه، و تنزيل من التنزيل. بيان اتصل باسباب البيان العربي ما کان منه و ما يکون، حتي قال احدهم في صاحبه ان کلامه دون کام الخالق و فوق کلام المخلوق! [صفحه 32] و خطب علي جميعا تنضح بدلائل الشخصيه حتي لکان معانيها و تعابيرها هي خوالج نفسه بالذات، و احداث زمانه التي تشتعل في قلبه کما تشتعل النار في موقدها تحت نفخ الشمال. فاذا هو يرتجل الخطبه حسا دافقا و شعورا زاخرا و اخراجا بالغا غايه الجمال. و کذلک کانت کلمات علي بن ابيطالب المرتجله، فهي اقوي ما يمکن للکلمه المرتجله ان تکون من حيث الصدق، و عمق الفکره، و فنيه التعبير، حتي انها ما نطقت بها شفتاه ذهبت مثا سائرا. فمن روائعه المرتجله قوله لرجل افرط في مدحه بلسانه و افرط في اتهامه بنفسه: «انا دون ما تقول و فوق ما في نفسک». و من ذلک انه لما اعتزم ان يقوم وحده لمهمه جليله تردد فيها انصاره و تخاذلوا، جاءه هولاء و قالوا له و هم يشيرون الي اعدائه: يا اميرالمومنين نحن نکفيکهم. فقال من فوره: «ما تکفونني انفسکم فکيف تکفونني غيرکم؟ ان کانت الرعايا قبلي لتشکو حيف رعاتها، فانني اليوم لاشکو حيف رعيتي، کانني المقود و هم القاده». و لما قتل اصحاب معاويه محمدا بن ابيبکر فبلغه خبر مقتله قال: «ان حزننا عليه قدر سرورهم به، الا انهم نقصوا بغيضا و نقصنا حبيبا». و سئل: ايهما افضل: العدل ام الجود؟ فقال: «العدل يضع الامور مواضعها، و الجود يخرجها من جهتها، و العدل سائس عام، و الجود عارض خاص، فالعدل اشرفهما و افضلهما». و قال في صفه المومن، مرتجا: «المومن بشره في وجهه، و حزنه في قلبه، اوسع شيء صدرا، و اذل شيء نفسا. يکره الرفعه، و يشنا السمعه، طويل غمه، بعيد همه، کثير صمته، مشغول وقته، شکور صبور، سهل الخليقه، لين العريکه!» و ساله جاهل متعنت عن معضله، فاجابه علي الفور: «اسال تفقها و لا تسال تعنتا فان الجاهل المتعلم شبيه بالعالم، و ان العالم المتعسف شبيه بالجاهل المتعنت!» [صفحه 33] و الخاصه ان علي بن ابيطالب اديب عظيم نشا علي التمرس بالحياه و علي المرانه باساليب البلاغه فاذا هو مالک ما يقتضيه الفن من اصاله في شخصيه الاديب، و من ثقافه خاصه تنمو بها الشخصيه و تترکز الاصاله. اما اللغه، لغتنا العربيه الحبيبه التي قال فيها مرشلوس في المجلد الاول من کتابه «رحله الي الشرق» هذا القول الذکي: «اللغه العربيه هي الاغني و الافصح و الاکثر و الالطف وقعا بين سائر لغات الارض. بتراکيب افعالها تتبع طيران الفکر و تصوره بدقه، و بانغام مقاطعها الصوتيه تقلد صراخ الحيوانات و رقرقه المياه الهاربه و عجيج الرياح و قصف الرعد»، اما هذه اللغه، بما ذکر مرشلوس من صفاتها و بما لم يذکر، فانک واجد اصولها و فروعها، و جمال الوانها و سحر بيانها، في ادب الامام علي! و کان ادبا في خدمه الانسان و الحضاره! [صفحه 35]
بيان لو نطق بالتقريع لا نقض علي لسان العاصفه انقضاضا! و لو هدد الفساد و المفسدين لتفجر براکين لها اضواء و اصوات! و لو دعا الي تامل لرافق فيک منشا الحس و اصل التفکير فساقک الي ما يريده سوقا و وصلک بالکون وصا!
صفحه 26، 27، 28، 29، 30، 31، 32، 33، 35.