حدود العقل و القلب











حدود العقل و القلب



و کان شديدا، قاصفا، مزمجرا، کالرعد في ليالي الويل!

و الينبوع هو الينبوع لا حساب في جريه لليل او نهار!

من تتبع سير العظماء الحقيقيين في التاريخ لا فرق بين شرقي منهم او غربي، و لا قديم و محدث، ادرک ظاهره لا تخفي و هي انهم، علي اختلاف ميادينهم الفکريه و علي تباين مذاهبم في موضوعات النشاط الذهني، ادباء موهوبون علي تفاوت في القوه والضعف. فهم بين منتج خلاق، و متذوق قريب التذوق من الانتاج والخلق. حتي لکان الحس الادبي، بواسع دنيواته و معانيه و اشکاله، يلزم کل موهبه خارقه في کل لون من الوان النشاط العظيم!

فنظره واحده الي الانبياء، مثلا، تکفي لتقرير هذه الظاهره في الاذهان. فما داود و سليمان و اشعيا و ارميا و ايوب و المسيح و محمد الا ادباء اوتوا من الموهبه الادبيه ما اوتوا من سائر المواهب الخاصه بهم. و هذا نابوليون القائد، و افلاطون الفيلسوف، و باسکال الرياضي، و باستور العالم الطبيعي، و الخيام الحساني، و نهر و رجل الدوله، و ديغول السياسي، و ابن خلدون المورخ، انهم جميعم ادباء لهم في الادب ما يجعلهم في مصاف ذوي الشان من اهله. فلکل منهم لون من الوان النشاط الفکري حد ده الطبع و الموهبه، ثم رعت النزعه الجماليه ما دخل منه في نطاق التعبير، فاذا هو من الادب الخالص.

هذه الحقيقه تترکز جليه واضحه في شخصيه علي بن ابي‏طالب، فاذا هو الامام في الادب، کما هو الامام في ما اثبت من حقوق و في ما علم و هدي، و آيته في ذلک «نهج‏البلاغه» الذي

[صفحه 8]

يقوم في اسس البلاغه العربيه في ما يلي القرآن من اسس، و تتصل به اساليب العرب في نحو ثلاثه عشر قرنا فتبني علي بنائه و تقتبس منه و يحيا جيدها في نطاق من بيانه الساحر.

اما البيان فقد و صل علي سابقه بلاحقه، فضم روائع البيان الجاهلي الصافي المتحد بالفطره السليمه اتحادا مباشرا، الي البيان الاسلامي الصافي المهذب المتحد بالفطره السليمه و المنطق القوي اتحادا لايجوز فيه فصل العناصر بعضها عن بعض. فکان له من بلاغه الجاهليه، و من سحر البيان النبوي، ما حدا بعضهم الي ان يقول في کلامه انه «دون کلام الخالق و فوق کلام المخلوق».

و لا عجب في ذلک، فقد تهيات لعلي جميع الوسائل التي تعده لهذا المکان بين اهل البلاغه. فقد نشاء في المحيط الذي تسلم فيه الفطره و تصفو، ثم انه عايش احکم الناس محمد بن عبدالله، و تلقي من النبي رسالته بکل ما فيها من حراره و قوه. اضف الي ذلک استعداداته الهائله و مواهبه العظيمه، فاذا باسباب التفوق تجتمع لديه من الفطره و من البيئه جميعا!

اما الذکاء، الذکاء المفرط، فتلقي له في کل عباره من «نهج البلاغه» عملا عظيما. و هو ذکاء حي، قادر، واسع، عميق، لا تفوته اغوار. اذا هو عمل في موضوع احاط به بعدا فما يفلت منه جانب و لا يظلم منه کثير او قليل، و غاص عليه عمقا، و قلبه تقليبا، و عرکه عرکا، و ادرک منه اخفي الاسباب و امعنها في الاختفاء کما ادرک اصدق النتائج المترتبه علي تلک الاسباب: ما قرب منها اشد القرب، و ما بعد اقصي البعد.

و من شروط الذکاء العلوي النادر هذا التسلسل المنطقي الذي تراه في النهج اني اتجهت. و هذا التماسک بين الفکره و الفکره حتي تکون کل منها نتيجه طبيعيه لما قبلها و عله لما بعدها. ثم ان هذه الافکار لاتجد فيها ما يستغني عنه في الموضوع الذي يبحث فيه. بل انک لاتجد فيها ما يستقيم البحث بدونه. و هو، لاتساع مداه، لا يستخدم لفظا الا و في هذا اللفظ ما يدعوک لان تتامل و تمعن في التامل، و لا عباره الا و تفتح امام النظر آفاقا وراءها آفاق.

فعن اي رحب وسيع من مسالک التامل و النظر يکشف لک قوله: «الناس اعداء ما جهلوا» او قوله: «قيمه کل امري‏ء ما يحسنه». او «الفجور دار حصن ذليل!».

[صفحه 9]

و اي ايجاز معجز هو هذا الايجاز: «من تخفف لحق!» و اي جليل من المعني في العبارات الاربع و ما تحويه من الفاظ قلائل فصلت تفصيلا، بل قل انزلت تنزيلا!

ثم عن اي حده في الذکاء و استيعاب للموضوع و عمق في الادراک، يشف هذا الکشف العجيب عن طبع الحاسد و صفه نفسه و حقيقه حاله: «ما رايت ظالما اشبه بمظلوم من الحاسد: نفس دائم و قلب هائم و حزن لازم. مغتاظ علي من لا ذنب له، بخيل بما لا يملک!»

و يستمر تولد الافکار في «نهج‏البلاغه» من الافکار، فاذا انت منها امام حشد لا ينتهي. و هي مع ذلک لا تتراکم، بل تتساوق و يترتب بعضها علي بعض. و لا فرق في ذلک بين ما يکتبه علي و ما يلقيه ارتجالا. فالينبوع هو الينبوع و لا حساب في جريه لليل او نهار.

ففي خطبه المرتجله معجزات من الافکار المضبوطه بضابط العقل الحکيم و المنطق القويم. و انک لتدهش، امام هذا المقدار من الاحکام والضبط العظيمين، حين تعلم ان عليا لم يکن ليعد خطبه و لو قبيل القائها بدقائق او لحظات.

فهي جائشه في ذهنه منطلقه علي لسانه عفو الخاطر لا عنت و لا اجهاد، کالبرق اذ يلمع و لا خبر ياخذه او يعطيه قبل و ميضه. و کالصاعقه اذ تزمجز و لا تهي‏ء نفسها لصعق او زمجره. و کالريح اذ تهب فتلوي و تميل و تکسح و تنصب علي غايه ثم الي مداورها تعود و لا يدفعها الي ان تروح و تجي‏ء الا قانون الحادثه و منطق المناسبه في حدودها القائمه، لا قبل و لا بعد!

و من مظاهر الذکاء الضابط القوي في نهج‏البلاغه تلک الحدود التي کان علي يضبط بها بها عواطف الحزن العميق اذ تهيج في نفسه و تعصف. فان عاطفته الشديده ما تکاد تغرقه في محيط من الاحزان و الکابات البعيده، حتي يبرز سلطان العقل في جلاء و مضاء، فاذا هو آمر مطاع.

و من ذکاء علي المفرط الشامل في نهجه کذلک انه نوع البحث و الوصف فاحکم في کل موضوع و لم يقصر جهده الفکري علي واحد من الموضوعات او سبل البحث. فهو يتحدث بمنطق الحکيم الخبير عن احوال الدنيا و شوون الناس، و طبائع الافراد و الجماعات. و هو يصف البرق و الرعد و الارض و السماء. و يسهب في القول في مظاهر الطبيعه الحيه فيصف

[صفحه 10]

خفايا الخلق في الخفاش و النمله و الطاووس و الجراده و ما اليها. و يضع للمجتمع دساتير و للاخلاق قوانين. و يبدع في التحدث عن خلق الکون و روائع الوجود. و انک لاتجد في في الادب العربي کله هذا المقدار الذي تجده في نهج‏البلاغه من روائع الفکر السليم و المنطق المحکم، في مثل هذا الاسلوب النادر.

اما الخيال في نهج‏البلاغه فمديد وسيع، خفاق الجوانح في کل افق. و بفضل هذا الخيال القوي الذي حرم منه کثير من حکماء العصور و مفکري الامم، کان علي ياخذ من ذکائه و تجاربه المعاني الموضوعيه الخالصه، ثم يطلقها زاهيه متحرکه في اطار تثبت علي جنباته الوان الجمال علي اروع ما يکون اللون. فالمعني مهما کان عقليا جافا، لايمر في مخيله علي الا و تنبت له اجنحه تقضي فيه علي صفه الجمود و تمده بالحرکه و الحياه.

فخيال علي نموذج للخيال العبقري الذي يقوم علي اساس من الواقع، فيحيط بهذا الواقع و يبرزه و يجليه، و يجعل له امتدادات من معدنه و طبيعته، و يصبغه بالوان کثيره من مادته و لونه، فاذا الحقيقه تزداد وضوحا، و اذا بطالبها يقع عليها او تقع عليه!

و قد تميز علي بقوه ملاحظه نادره، ثم بذاکره واعيه تخزن و تتسع. و قد مر من اطوار حياته بعواطف جرها عليه حقد الحاقدين و مکر الماکرين، و مر منها کذلک بعواطف کريمه احاطه بها وفاء الطيبين و اخلاص المخلصين. فتيسرت له من ذلک جميعا عناصر قويه تغذي خياله المبدع. فاذا بها تتعاون في خدمه هذا الخيال و تتساوق في لوحات رائعه حيه، شديده الروعه و الحيويه، تترکز علي واقعيه صافيه تمتد لها فروع و اغصان، ذات اوراق و اثمار!

و من ثم يمکنک، اذا انت شئت، ان تحول عناصر الخيال القوي في نهج‏البلاغه الي رسوم مخطوطه باللون، لشده واقعيتها و اتساع مجالها و امتداد اجنحتها و بروز خطوطها. الا ما اروع خيال الامام اذ يخاطب اهل البصره و کان بنفسه الم منهم بعد موقعه الجمل، قائلا: «لتغرقن بلدتکم حتي کانني انظر الي مسجدها کجوجو طير في لجه بحر!»[1].

[صفحه 11]

او في مثل هذا التشبيه الساحر: «فتن کقطع الليل المظلم».

او هذه الصوره المتحرکه: «و انما انا کقطب الرحي: تدور علي و انا بمکاني!»

او هذه اللوحه ذات الجلال التي يشبه فيها امتدادات بيوت اهل البصره بخراطيم الفيله، و تبدو له شرفاتهن کانها اجنحه النسور: «ويل لسکککم العامره، و الدور المزخرفه التي لها اجنحه کاجنحه النسور و خراطيم کخراطيم الفيله!»

و من مزايا الخيال الرحب قوه التمثيل. و التمثيل في ادب الامام وجه ساطع بالحياه. و ان شئت مثلا علي ذلک فانظر في حال صاحب السلطان الذي يغبطه الناس و يتمنون ما هو فيه من حال، ولکنه اعلم بموضعه من الخوف و الحذر، فهو و ان اخاف بمرکوبه الا انه يخشي ان يغتاله. ثم انظر بعد ذلک الي علي کيف يمثل هذا المعني يقول: «صاحب السلطان کراکب الاسد: يغبط بموقعه، و هو اعلم بموضعه.»

و ان شئت مثلا آخر فاستمع اليه يمثل حاله رجل رآه يسعي علي عدو له بما فيه اضرار بنفسه، فيقول: «انما انت کالطاعن نفسه ليقتل ردفه!» و الردف هو الراکب خلف الراکب. ثم اليک هذا النهج الرائع في تمثيل صاحب الکذب: «اياک و مصادقه الکذاب فانه کالسراب: يقرب عليک البعيد و يبعد عنک القريب!»

اما النظريه الفنيه القائله بان کل قبيح في الطبيعه يصبح جميلا في الفن، فهي ان صحت فانما الدليل عليها قائم في کلام ابن ابي‏طالب في وصف من فارقوا الدنيا. فما اهول الموت و ما ابشع وجهه. و ما اروع کلام ابن ابي‏طالب فيه و ما اجمل وقعه. فهو قول آخذ من العاطفه العميقه نصيبا کثيرا، و من الخيال الخصب نصيبا اوفر. فاذا هو لوحه من لوحات الفن العظيم لا تدانيها الا لوحات عباقره الفنون في اور و با ساعه صور والموت و هوله لونا و نغما و شعرا.

فبعد ان يذکر علي الاحياء بالموت و يقيم العلاقه بينهم و بينه، يوقظهم علي انهم دانون من منزل الوحشه بقول فيه من الغربه القاسيه لون قائم و نغم حزين: «فکان کل امري‏ء منکم قد بلغ من الارض منزل وحدته، فياله من بيت وحده، و منزل وحشه، و مفرد غربه!» ثم يهزهم بما هم مسرعون اليه و لا يدرون، بعبارات متقطعه متلاحقه و کان فيها دوي طبول تنذر تقول «ما اسرع الساعات في اليوم، و اسرع الايام في الشهر، و اسرع

[صفحه 12]

الشهور في السنه، واسرع السنين في العمر!» بعد ذلک يطلق في اذهانهم هذه الصوره الرائعه التي يامر بها العقل، و تشعلها العاطفه، و يجسم الخيال الوثاب عناصرها ثم يعطيها هذه الحرکات المتتابعه و هي بين عيون تدمع و اصوات تنوح و جوارح تئن، قائلا: «و انما الايام بينکم و بينهم بواک و نوائح عليکم». ثم يعود فيطلق لعاطفته و خياله العنان فاذا بهما يبدعان هذه اللوحه الخالده من لوحات الشعر الحي:

«ولکنهم سقوا کاسا بدلتهم بالنطق خرسا، و بالسمع صمما، و بالحرکات سکونا. فکانهم في ارتجال الصفه صرعي سبات!.[2] جيران لا يتانسون، و احباء لا يتزاورون، بليت بينهم عري التعارف، و انقطعت منهم اسباب الاخاء. فکلهم وحيد و هم جميع، و بجانب الهجر و هم اخلاء، لا يتعارفون لليل صباحا، و لا لنهار مساء. اي الجديدين[3] ظعنوا فيه کان عليهم سرمدا».[4].

ثم يقول هذا القول الرهيب: «لايعرفون من اتاهم، و لا يحفلون من بکاهم، و لا يجيبون من دعاهم!»

فهل رايت الي هذا الابداع في تصوير هول الموت و وحشه القبر و صفه سکانه في قوله: «جيران لا يتانسون و احباء لا يتزاورون!» ثم هل فطنت الي هذه الصوره الرهيبه لابديه الموت التي لا ترسمها الا عبقريه علي: «اي الجديدين ظعنوا فيه کان عليهم سرمدا!» و مثل هذه الروائع في «النهج» کثير.

هذا الذکاء الخارق و هذا الخيال الخصب في ادب الامام يتحدان اتحاد الطبيعه بالطبيعه، مع العاطفه الهادره التي تمدهما بوهج الحياه. فاذا الفکره تتحرک و تجري في عروقها الدماء سخيه حاره. و اذا بها تخاطب فيک الشعور بمقدار ما تخاطب العقل لانطلاقها من عقل تمده العاطفه بالدف‏ء. و قد يصعب علي المرء ان يعجب باثر من آثار الفکر او الخيال في

[صفحه 13]

ميادين الادب و سائر الفنون الرفيعه، ان لم تکن للعاطفه مشارکه فعاله في انتاج هذا الاثر. ذلک ان المرکب الانساني لا يرضيه، طبيعيا، الا ما کان نتاجا لهذا المرکب کله. و هذا الاثر الادبي الکامل، هو ما نراه في نهج‏البلاغه. و انک لتحس نفسک مندفعا في تيار جارف من حراره العاطفه و انت تسير في نهج‏البلاغه من مکان الي آخر.

افلا يشيع في قلبک الحنان و العطف شيوعا و انت تصغي الي علي يقول: «لو احبني جبل لتهافت» او «فقد الاحبه غربه!» او «اللهم اني استعديک علي قريش، فانهم قد قطعوا رحمي و اکفاوا انائي، و قالوا: «الا ان في الحق ان تاخذه و في الحق ان تمنعه، فاصبر مغموما اومت متاسفا! فنظرت فاذا ليس لي رافد و لا ذاب و لا مساعد الا اهل بيتي!»

و اليک کلاما له عند دفن السيده فاطمه، يخاطب به ابن عمه الرسول:

«السلام عليک يا رسول‏الله عني و عن ابنتک النازله في جوارک، و السريعه اللحاق بک! قل، يا رسول الله، عن صفيتک صبري، ورق عنها تجلدي، الا ان لي في التاسي بعظيم فرقتک و فادح مصيبتک موضع تعز!» و منه «اما حزني فسرمد، و اما ليلي فمسهد، الي ان يختار الله لي دارک التي انت بها مقيم!»

ثم اليک هذا الخبر:

روي احدهم عن نوف البکالي بصدد احدي خطب الامام علي قال:

خطبنا هذه الخطبه بالکوفه اميرالمومنين عليه‏السلام، و هو قائم علي حجاره نصبها له جعده بن هبيره المخزومي، و عليه مدرعه من صوف، و حمائل سيفه ليف، و في رجليه نعلان من ليف، فقال عليه‏السلام، في جمله ما قال:

«الا انه ادبر من الدنيا ما کان مقبلا، و اقبل منها ما کان مدبرا. و ازمع الترحال عبادالله الاخيار، و باعوا قليلا من الدنيا لايبقي بکثير من الاخره لايفني! ما ضر اخواننا الذين سفکت دماوهم و هم بصفين ان لايکونوا اليوم احياء يسيغون الغصص، و يشربون الرنق؟! قد، و الله، لقوا الله فوفاهم اجورهم و احلهم دار الامن بعد خوفهم! اين اخواني الذين رکبوا الطريق و مضوا علي الحق؟ اين عمار؟ و اين ابن التيهان؟ و اين ذو الشهادتين؟ و اين نظر او هم من اخوانهم الذين تعاقدوا علي النيه؟»

[صفحه 14]

قال: ثم ضرب بيده علي لحيته الشريفه فاطال البکاء!

و اخبر ضرار بن حمزه الضابي‏ء قال: فاشهد لقد رايته- يقصد الامام- في بعض مواقفه، و قد ارخي الليل سدوله و هو قائم في ظلامه قابض علي لحيته يتململ و يبکي بکاء الحزين و يقول: «يا دنيا يا دنيا، اليک عني! ابي‏تعرضت؟ ام الي تشوقت؟ لا حان حينک، هيهات! غري غيري، لا حاجه لي فيک، قد طلقتک ثلاثا لا رجعه فيها! فعيشک قصير، و خطرک يسير، و املک حقير! آه من قله الزاد و طول الطريق و بعد السفر و عظيم المورد!»

هذه العاطفه الحاره التي عرفها الامام في حياته، تواکبه اني اتجه في نهج‏البلاغه، و حيث سار. تواکبه في ما يحمل علي الغضب و السخط، کما تواکبه في ما يثير العطف و الرضا.

حتي اذ راي تخاذل انصاره عن مسانده الحق فيما يناصر الاخرون الباطل و يحيطونه بالسلاح و بالارواح، تالم و شکا، و وبخ و انب، و کان شديدا قاصفا، مزمجرا، کالرعد في ليالي الويل! و يکفيک ان تقرا خطبه الجهاد التي تبدا بقوله: «ايها الناس المجتمعه ابدانهم، المختلفه اهواوهم، کلامکم يوهي الصم الصلاب الخ»، لتدرک ايه عاطفه متوجعه ثائره هي تلک التي تمد هذه الخطبه بنبض الحياه و جيشانها!

و انه لمن المعيي ان نسوق الامثله علي تدفق العاطفه الحيه التي تبث الدف‏ء في ماثر الامام. فهي في اعماله، و في خطبه و اقواله، مقياس من المقاييس الاسس. و ما عليک الا ان تفتح هذا الکتاب، کي تقف علي الوان من عاطفه ابن ابي‏طالب، ذات القوه الدافقه و العمق العميق!

[صفحه 15]


صفحه 8، 9، 10، 11، 12، 13، 14، 15.








  1. الجوجو: الصدر.
  2. ارتجال الصفه: وصف الحال بلا تامل، فالواصف لهم باول النظر يظنهم صرعي من السبات، اي النوم.
  3. الجديدان: الليل و النهار.
  4. سرمد: ابدي.