خلقه الخفاش
و من لطائف صنعته و عجائب حکمته ما ارانا من غوامض الحکمه في هذه الخفافيش التي يقبضها الضياء الباسط لکل شيء، و يبسطها الظلام القابض لکل حي، و کيف عشيت اعينها عن ان تستمد من الشمس المضيئه نورا تهتدي به في مذاهبها و تصل بعلانيه برهان الشمس الي معارفها، و ردعها تلالو ضيائها عن المضي في سبحات اشراقها[1] و اکنها في مکامنها عن الذهاب في بلج ائتلاقها[2] فهي مسدله الجفون بالنهار علي احداقها، و جاعله الليل سراجا تستدل به في التماس ارزاقها، فلا يرد ابصارها اسداف ظلمته[3]، و لا تمتنع من المضي فيه لغسق دجنته.[4] فاذا القت الشمس قناعها و بدت اوضاح نهارها، و دخل من اشراق نورها علي الضباب[5] في وجارها، اطبقت الاجفان علي مآقيها و تبلغت[6] بما اکتسبت من فيء ظلم لياليها. فسبحان من جعل الليل لها نهارا [صفحه 196] و معاشا، و النهار سکنا و قرارا، و جعل لها اجنحه من لحمها تعرج بها عند الحاجه الي الطيران کانها شظايا الاذان[7] غير ذوات ريش و لا قصب، الا انک تري مواضع العروق بينه اعلاما[8] لها جناحان لما يرقا فينشقا و لم يغلظا فيثقلا، تطير و ولدها لاصق بها لاجيء اليها: يقع اذا وقعت و يرتفع اذا ارتفعت، لا يفارقها حتي تشتد ارکانه و يحمله جناحه و يعرف مذاهب عيشه و مصالح نفسه. فسبحان الباري لکل شيء علي غير مثال خلا من غيره!
من خطبه له يذکر فيها خلقه الخفاش:
صفحه 196.