منطقهم الصواب و مشيهم التواضع











منطقهم الصواب و مشيهم التواضع



روي ان صاحبا لابن ابي‏طالب يقال له «همام» قال له: يا اميرالمومنين، صف لي المتقين حتي کاني انظر اليهم! فتثاقل الامام عن جوابه قليلا، ثم قال في صفه المتقين قولا رائعا کثيرا، هذا بعضه:

اما بعد، فان الله سبحانه و تعالي خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم، لانه لا تضره معصيه من عصاه و لا و لا تنفعه طاعه من اطاعه، فقسم بينهم معايشهم و وضعهم من الدنيا مواضعهم، فالمتقون فيها هم اهل الفضائل: منطقهم الصواب و ملبسهم الاقتصاد و مشيهم التواضع، غضوا ابصارهم عما حرم الله عليهم و وقفوا اسماعهم علي العلم النافع لهم، نزلت انفسهم منهم في البلاء کما نزلت في الرخاء[1]، و لولا الاجل الذي کتب عليهم لم تستقر ارواحهم في اجسادهم طرفه عين.

لا يرضون من اعمالهم القليل و لا يستکثرون الکثير، فهم لانفسهم

[صفحه 184]

متهمون، و من اعمالهم مشفقون[2]، اذا زکي احدهم[3] خاف مما يقال له، فيقول: انا اعلم بنفسي من غيري، و ربي اعلم بي مني بنفسي. اللهم لا تواخذني بما يقولون، و اجعلني افضل مما يظنون، و اغفر لي ما لا يعلمون!

فمن علامه احدهم: انک تري له حزما في لين، و ايمانا في يقين، و قصدا في غني[4]، و خشوعا في عباده، و تجملا في فاقه، و صبرا في شده، و نشاطا في هدي، و تحرجا عن طمع.[5] يمزج الحلم بالعلم و القول بالعمل. الخير منه مامول، و الشر منه مامون. يعفو عمن ظلمه و يعطي من حرمه و يصل من قطعه، بعيدا فحشه لينا قوله حاضرا معروفه، لا يحيف علي من يبغض و لا ياثم في من يحب. يعترف بالحق قبل ان يشهد عليه. لا ينابز بالالقاب[6] و لا يضار بالجار و لا يشمت بالمصائب و لا يدخل في الباطل و لا يخرج من الحق. نفسه منه في عناء و الناس منه في راحه. بعده عمن تباعد عنه زهد و نزاهه، و دنوه ممن دنا منه لين و رحمه. ليس تباعده بکبر و عظمه و لا دنوه بمکر و خدعه.

[صفحه 185]


صفحه 184، 185.








  1. اي انهم اذا کانوا في بلاء کانوا بالامل في الله کانهم في رخاء لا يجزعون و لا يهنون، و اذا کانوا في رخاء کانوا من خوف الله و حذر النقمه کانهم في بلاء، لا يبطرون و لا يتجبرون.
  2. اي: خائفون من التقصير فيها.
  3. زکي: مدحه احد.
  4. قصدا: اقتصادا.
  5. التحرج، هنا: التباعد.
  6. اي: لا يدعو غيره باللقب الذي يکرهه و يشمئز منه.