اصناف الناس











اصناف الناس



من خطبه له في سوء طباع الناس بزمانه:

ايها الناس، انا قد اصبحنا في دهر عنود و زمن کنود[1] يعد فيه المحسن مسيئا، و يزداد الظالم عتوا، لا ننتفع بما علمنا و لا نسال عما جهلنا و لا نتخوف قارعه حتي تحل بنا.[2] فالناس علي اربعه اصناف:

[صفحه 179]

منهم من لا يمنعهم الفساد الا مهانه نفسه و کلاله حده و نضيض و فره.[3] و منهم المصلت لسيفه و المعلن بشره، قد اشرط نفسه و اوبق دينه لحطام ينتهزه او مقنب يقوده او منبر يفرعه.[4] و لبئس المتجر ان تري الدنيا لنفسک ثمنا. و منهم من يطلب الدنيا بعمل الاخره، و لا يطلب الاخره بعمل الدنيا: قد طامن من شخصه و قارب من خطوه و شمر من ثوبه و زخرف من نفسه للامانه، و اتخذ ستر الله ذريعه الي المعصيه. و منهم من ابعده عن طلب الملک ضووله نفسه و انقطاع سببه، فقصرته الحال علي حاله فتحلي باسم القناعه و تزين بلباس اهل الزهاده!

و بقي رجال غض ابصارهم ذکر المرجع و اراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد ناد و خائف مقموع و ساکت مکعوم و داع مخلص و ثکلان موجع.[5] قد اخملتهم التقيه[6] و شملتهم الذله.

[صفحه 180]

و قد وعظوا حتي ملوا و قهروا حتي ذلوا و قتلوا حتي قلوا. فاتعظوا بمن کان قبلکم، قبل ان يتعظ بکم من بعدکم، و ارفضوها ذميمه فانها رفضت من کان اشغف بها منکم!


صفحه 179، 180.








  1. العنود: الجائر. الکنود: الکفور.
  2. القارعه: الخطب.
  3. اي: لا يقعد بهم عن طلب الاماره و السلطان الا حقاره نقوسهم و ضعف سلاحهم و قله مالهم.
  4. اصلت السيف: امتشقه. اشرط نفسه: هياها و اعدها للشر و الفساد في الارض. اوبق دينه: اهلکه. الحطام، هنا: المال. ينتهزه: يغتنمه او يختلسه. المقنب: طائفه من الخيل، و انما يطلب قود المقنب تعززا علي الناس و کبرا. فرع المنبر: علاه.
  5. ناد: هارب من الجماعه الي الوحده. المقموع: المقهور. المکعوم، من کعم البعير، اي: شد فاه لئلا ياکل او يعض. الثکلان: الحزين.
  6. اخمله: اسقط ذکره حتي لم يبق له بين الناس نباهه. التقيه: اتقاء الظلم باخفاء الحال.