استحباب اشتغال الإنسان بعيب نفسه عن عيب غيره















استحباب اشتغال الإنسان بعيب نفسه عن عيب غيره‏



1/4536- الحسن بن عليّ بن شعبة، عن أميرالمؤمنين عليه‏السلام أنّه قال: لا تکن ممّن يرجو الآخرة بغير عمل، ويرجئ التوبة بطول الأمل، إلي أن قال: يستکثر من معصية غيره ما يستقلّ أکثر منه من نفسه، ويستکثر من طاعته ما يحتقر من غيره، يخاف علي غيره بأدني من ذنبه ويرجو لنفسه بأدني من عمله، فهو علي الناس طاعن ولنفسه مداهن.[1].

2/4537- عن أميرالمؤمنين عليه‏السلام أنّه قال في وصيّته للحسين عليه‏السلام: واعلم أي بُني أنّه من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره، إلي أن قال: أي بني من نظر في عيوب الناس ورضي نفسه بها فذاک الأحمق بعينه[2].

3/4538- عليّ بن إبراهيم، عن أميرالمؤمنين عليه‏السلام أنّه قال: أيّها الناس طوبي لمن

[صفحه 382]

شغله عيبه عن عيوب الناس، وتواضع من غير منقصة.[3].

4/4539- عن أميرالمؤمنين عليه‏السلام أنّه قال: اشتغالک بمعائب نفسک يکفيک العار، وقال: الکيّس من کان غافلاً عن غيره ولنفسه کثير التقاضي، وقال: أفضل الناس من شغلته معائبه عن عيوب الناس، وقال: أکبر العيب أن تعيب غيرک بما هو فيک، وقال: شرّ الناس من کان متتبّعاً لعيوب الناس عمياً عن معائبه، وقال: عجبت لمن ينکر عيوب الناس ونفسه أکثر شي‏ء معاباً ولا يبصرها، وقال: عجبت لمن يتصدّي لصلاح الناس ونفسه أشدّ شي‏ء فساداً فلا يصلحها ويتعاطي اصلاح غيره، وقال: کفي بالمرء شغلاً بمعائبه عن معائب الناس، وقال: کفي بالمرء غباوة أن ينظر من عيوب الناس ما خفي عليه من عيوبه، وقال: کفي بالمرء جهلاً أن يجهل عيوب نفسه ويطعن علي الناس بما لا يستطيع التحوّل عنه، وقال: لينهک عن ذکر معائب الناس ما تعرف من معائبک، وقال: ليکفّ من علم منکم عن عيب غيره ما يعرف من عيب نفسه، وقال: من أبصر عيب نفسه لم يعب أحداً، وقال: من بحث عن عيوب الناس فليبدأ بنفسه، وقال: من أنکر عيوب الناس ورضيها لنفسه فذاک الأحمق، وقال: لا تتبعنّ عيوب الناس فإنّ لک من عيوبک إن عقلت ما يشغلک أن تعيب أحداً[4].

5/4540- محمّد بن عليّ بن الحسين بإسناده، قال أميرالمؤمنين عليه‏السلام في وصيته لابنه محمّد بن الحنفية رضي الله عنه: يا بني لا تقل ما لا تعلم؛ بل لا تقل کلّ ما تعلم، فإنّ اللَّه تبارک وتعالي قد فرض علي جوارحک کلّها فرائض يحتجّ بها عليک يوم القيامة، ويسألک عنها وذکرها ووعظها وحذرها وأدبها ولم يترکها سدي، فقال اللَّه عزّ وجلّ: «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ کُلُّ اُولئِکَ کانَ عَنْهُ

[صفحه 383]

مَسْؤُولاً».[5] وقال اللَّه عزّوجلّ: «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِکُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِکُمْ مَا لَيْسَ لَکُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ».[6].

ثمّ استعبدها بطاعته فقال عزّوجلّ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْکَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّکُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ».[7] فهذه فريضة جامعة واجبة علي الجوارح، وقال: «وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً»-.[8] يعني المساجد الوجه واليدين والرکبتين والإبهامين-، وقال عزّوجلّ: «وَمَا کُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْکُمْ سَمْعُکُمْ وَلَا أَبْصَارُکُمْ وَلَا جُلُودُکُمْ»-.[9] يعني بالجلود الفروج-.

ثمّ خصّ کلّ جارحة من جوارحک بفرض، ونصّ عليها، ففرض علي السمع أن لا يصغي إلي المعاصي، فقال عزّوجلّ: «وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْکُمْ فِي الْکِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُکْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّي يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ»،[10] ثمّ استثني عزّوجلّ موضع النسيان فقال: «وَإِمَّا يُنْسِيَنَّکَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّکْرَي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ».[11]. وقال عزّوجلّ: «فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحَسَنَهُ أُولئِکَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولئِکَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبَابِ».[12] وقال عزّوجلّ: «وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا کِرَاماً»[13] وقال عزّوجلّ: «وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ

[صفحه 384]

أَعْرَضُوا عَنْهُ».[14] فهذا ما فرض اللَّه عزّوجلّ علي السمع وهو عمله.

وفرض علي البصر أن لا ينظر به إلي ما حرّم اللَّه عليه، فقال عزّوجلّ: «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ».[15] فحرّم أن ينظر أحد إلي فرج غيره.

وفرض علي اللسان الإقرار والتعبير عن القلب بما عقد عليه، فقال عزّ وجلّ: بسم الله الرحمن الرحيم «قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا».[16] الآية، وقال عزّوجلّ: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً».[17].

وفرض علي القلب وهو أمير الجوارح الذي به تعقل وتفهم وتصدر عن أمره ورأيه، فقال عزّوجلّ: «إلَّا مَنْ أُکْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ».[18] الآية، وقال عزّوجلّ حين أخبر عن قوم أعطوا الايمان بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، فقال: «الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ».[19] وقال عزّوجلّ: «أَلَا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ».[20] وقال عزّوجلّ: «وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْکُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ».[21].

وفرض علي اليدين أن لا تمدّهما إلي ما حرّم اللَّه عزّوجلّ عليک، وأن تستعملهما بطاعته، فقال عزّوجلّ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَيْدِيَکُمْ إِلَي الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ وَأَرْجُلَکُمْ إِلَي الْکَعْبَيْنِ».[22] وقال

[صفحه 385]

عزّوجلّ: «فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ کَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ».[23].

وفرض علي الرجلين أن تنقلهما في طاعته وأن لا تمشي بهما مشية عاص، فقال عزّ وجلّ: «وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّکَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً کُلَّ ذلِکَ کَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّکَ مَکْرُوهاً».[24] وقال عزّوجلّ: «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَي أَفْوَاهِهِمْ وَتُکَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا کَانُوا يَکْسِبُونَ»[25] فأخبر اللَّه عنها أنّها تشهد علي صاحبها يوم القيامة.

فهذا ما فرض اللَّه علي جوارحک، فاتّق اللَّه يا بُني واستعملها بطاعته ورضوانه، وإيّاک أن يراک اللَّه تعالي ذکره عند معصيته أو يفقدک عند طاعته فتکون من الخاسرين، وعليک بقراءة القرآن والعمل بما فيه ولزوم فرائضه وشرايعه وحلاله وحرامه وأمره ونهيه، والتهجّد به وتلاوته في ليلک ونهارک، فإنّه عهد من اللَّه تبارک وتعالي إلي خلقه، فهو واجب علي کلّ مسلم أن ينظر کلّ يوم في عهده ولو خمسين آية، واعلم أنّ درجات الجنّة علي عدد آيات القرآن، فإذا کان يوم القيامة يُقال لقارئ القرآن: اقرأ وارقَ، فلا يکون في الجنّة بعد النبيّين والصدّيقين أرفع درجة منه.[26].

[صفحه 386]


صفحه 382، 383، 384، 385، 386.








  1. تحف العقول: 106؛ مستدرک الوسائل 312:11 ح 13131.
  2. تحف العقول:58؛ مستدرک الوسائل 313:11 ح 13133.
  3. تفسير القمي 70:2؛ مستدرک الوسائل 314:11 ح 13136.
  4. مستدرک الوسائل 314:11 ح 13138؛ عن غررالحکم ودررالکلم.
  5. الإسراء: 36.
  6. النور: 15.
  7. الحج: 77.
  8. الجن: 18.
  9. فصلت: 22.
  10. النساء: 140.
  11. الأنعام: 68.
  12. الزمر: 17 تا 18.
  13. الفرقان: 72.
  14. القصص: 55.
  15. النور: 30.
  16. البقرة:136.
  17. البقرة: 83.
  18. النحل: 106.
  19. المائدة: 41.
  20. الرعد: 28.
  21. البقرة: 284.
  22. المائدة: 6.
  23. محمد: 4.
  24. الإسراء:37 تا 38.
  25. يس: 65.
  26. من لا يحضره الفقيه 626:2 ح 3215؛ وسائل الشيعة 128:11.