ومن مناجاته















ومن مناجاته‏



إلهي کأنّي بنفسي قد أضجعت في حفرتها وانصرف عنها المشيّعون من جيرتها، وبکي الغريب عليها لغربتها، وجاد عليها المشفقون من جيرتها (عشيرتها)، وناداها من شفير القبر ذو مودّتها، ورحمها المعادي لها في الحياة عند صرعتها، ولم يخف علي الناظرين ضرّ فاقتها، ولا علي من رآها قد توسّدت الثري وعجز حيلتها، فقلتَ ملائکتي فريدٌ نأي عنه الأقربون، وبعيدٌ جفاه الأهلون، نزل بي قريباً وأصبح في اللحد غريباً، وقد کان لي في دار الدنيا داعياً، ولنظري له في هذا اليوم راجياً، فيحسنُ عند ذلک ضيافتي، وتکون أشفق عليّ من أهلي وقرابتي.[1].

[صفحه 310]

6/1565- الإمام القاضي أبي‏عبداللَّه محمّد بن سلامة القضاعي، قال: أخبرني أبوعبداللَّه محمّد بن منصور بن شِيکان التستري مُجيزاً، قال: أخبرنا محمّد بن الحسن بن غُراب، قال: حدّثنا القاضي أحمد بن محمّد، قال: حدّثنا القاضي موسي ابن‏إسحاق، قال: حدّثنا عبداللَّه بن أبي‏شيبة، قال: حدّثنا محمّد بن فُضَيل، عن عبداللَّه الأسدي، قال: کان أميرالمؤمنين عليه‏السلام يقول في مناجاته:

إلهي لولا ما جَهِلتُ من أمري ما شکوتُ عثراتي، ولولا ما ذکرتُ من الإفراط ما سفحَتْ عبراتي.

إلهي فامحُ مثبتات العثرات بمرسلات العبرات، وهَب کثير السيّئات لقليل الحسنات.

إلهي إن کنتَ لا ترحم إلّا المجدّين في طاعتک فإلي مَن يفزع المقصّرون، وإن کنتَ لا تقبل إلّا من المجتهدين فإلي مَن يَلتجئ المخطِئون، وإن کنتَ لا تُکرم إلّا أهل الاحسان فکيف يصنع المُسيئون، وإن کان لا يفوز يوم الحشر إلّا المتّقون فبمن يستغيث المذنبون.

إلهي إن کان لا يجوز علي الصراط إلّا مَن أجازته براءةُ عمله فأنّي بالجواز لمن لم يتُب إليک قبل حلول أجله.

إلهي إن حُجِبَ عن مُوحّديک نَظَرُ تعمّدٍ لجناياتهم أوقَعَهم غضبک بين المشرکين في کُرُباتهم.

إلهي فأوجِب لنا بالإسلام مَذخورَ هِباتک، واستصفِ لنا ما کدّرته الجرائم بصفحِ صِلاتِک.

إلهي ارحم غُربتنا إذا تضمّنتنا بطونُ لحودنا، وعميت علينا باللّبن

[صفحه 511]

سقوف بيوتنا، واُضجِعنا علي الإيمان في قبورنا، وخُلِّفنا فرادي في أضيق المضاجِع، وصَرَعتنا المنايا في أنکر المصارع، وصِرنا في ديار قوم کأنها مأهُولَةٌ وهي منهم بلاقِع.

إلهي فإذا جئناک عُراة مُغبرّة من ثري الأجداث رؤوسنا، وشاحِبةً من تُراب الملاحِدِ وجوهُنا، وخاشعة من أهوال القيامة أبصارنا، وجائعةً من طول القيام بطوننا، وبادية هناک للعيون سَوآتنا، ومثقلةً من أعباء الأوزار ظهورنا، ومشغولين بما قد دَهانا عن أهلينا وأولادنا، فلا تُضاعِف علينا المصائب بإعراض وجهک الکريم عنّا، وسلبِ عائدة ما مثّله الرجاء منّا.

إلهي ما حَنّت هذه العيونُ إلي بکائها، ولا جادت مُتَسرّبةً بمائها، ولا شَهرتَ بنحيب المثکلات فقدَ عزائها، إلّا لما سلف من نفورها وإبائها، وما دعاها إليه عواقب بلائها، وأنت القادر يا کريم علي کشف غمائها. إلهي ثبّت حلاوة ما يستعذبُه لساني من النطق في بلاغته بزهادة ما يرفعه قلبي من النُصح في دلالته.

إلهي أمرت بالمعروف وأنت أولي به من المأمورين، وأمرت بصَلَةِ السؤال وأنت خير المسؤولين.

إلهي کيف يقبِلُ بنا اليأسُ عن الإمساک کما لَهِجنا بطِلابه، وقد ادّرعنا من تأميلنا إيّاک أسبغَ أثوابِهِ.

إلهي إذا تلونا من صفاتک شديدَ العقاب أشفقنا، وإذا تلونا منها الغفور الرحيم فرحنا فنحن بين أمرين: لا يؤمّنا سخطُک ولا تؤيسنا رحمتُک.

[صفحه 512]

إلهي إن قَصَّرَت بنا مساعينا عن استحقاق نظرک فما قصّرت رحمتُک بنا عن دفاع نِقمتک.

إلهي کيف تفرح بصحبة الدنيا صدورنا، وکيف تلتئم في عمرانها اُمورنا، وکيف يخلُصُ فيها سرورنا، وکيف يملکُنا باللهو واللعب غرورنا، وقد دعتنا باقتراب آجالنا قبورنا.

إلهي کيف نبتهجُ بدار حُفِرَت لنا فيها حفائر صرعتها، وقلّبتنا بأيدي المنايا حبائل غدرتها، وجرّعتنا مکرَهين جرع مرارتها، ودلّتنا العِبرُ علي انقطاع عيشتها.

إلهي فإليک نلتجئ من مکائد خدعَتِها، وبک نستعين علي عبور قنطرتها، وبک تستعصم الجوارح علي خلاف شهوتها، وبک نستکشف جلابيب حيرتها، وبک يقوم من القلوب استِصعابُ جهالتها.

إلهي کيف للدور أن تمنع من فيها من طوارق الرزايا وقد اُصيبَ في کلّ دار سهمٌ من أسهم المنايا.

إلهي ما نفجعُ بأنفسنا عن الديار إن لم توحِشنا هناک من مرافقة الأبرار.

إلهي ما تضرّنا فُرقة الإخوان والقرابات إذا قرّبتنا منک يا ذا العَطيّات.

إلهي ارحمني إذا انقطع من الدنيا أثري وامَّحي من المخلوقين ذکري، وصِرتُ في المنسيين کمن قد نُسِيَ.

إلهي کبر سِنّي ودَقّ عظمي ورقّ جلدي، ونال الدهرُ منّي واقترب أجلي، ونَفِدَت أيامي، وذهبت شهوتي، وبقيت تبعتي، وامتحت

[صفحه 513]

محاسني، وبُليَ جسمي، وتقطّعت أوصالي، وتفرّقت أعضائي.

إلهي فارحمني، إلهي أفحَمتني ذنوبي، وانقطعت مقالتي، فلا حجة لي ولا عذرَ، فأنا المُقِرُّ بجرمي والمعترف بإساءتي، والأسيرُ بذنبي، والمرتهن بعملي، المُتهوّرُ في خطيئتي، المُتحيّر عن قصدي المنقطع بي. إلهي فصلّ علي محمّد وآل محمّد وارحمني برحمتک وتجاوز عنّي.

إلهي إن کان صَغُرَ في جنب طاعتک عملي، فقد کَبُرَ في جنب رجائک أملي.

إلهي کيف أنقلبُ بالخيبة من عندک محروماً، وکان ظنّي بجودک أن تقلُبني مرحوماً، کلّا إنّي لم اُسلّط علي حسن ظنّي بک قنوطَ ظنّ الآيسين، فلا تبطل صدق رجائي بک بين الأملين، إلهي إن کنّا مرحومين فإنّا نبکي علي ما ضيّعناه في طاعتک ما تَستَوجبه، وإن کنّا محرومين فإنّا نبکي إذا فاتنا من جوارک ما نطلبه.

إلهي عظمَ جُرمي إذ کنتَ المبارزَ به، وکَبُرَ ذنبي إذ کنتَ المطالِبَ به، ألا إنّي إذا ذکرتُ کثرة ذنوبي وعظيمَ غُفرانک، وجدتُ الحاصلَ لي بينهما عَفْوَ رضوانک.

إلهي إن أوحشتني الخطايا من محاسن لُطفک فقد آنسني اليقينُ بمکارم عطفک.

إلهي إن أنامَتني الغفلةُ عن الإستعداد للقائک فقد أنبهتني المعرفةُ بکريم آلائک.

إلهي إن عَزَبَ لُبّي عن تقويم ما يصلِحني فما عَزَبَ إيقاني بنظرک لي فيما ينفعني.

[صفحه 514]

إلهي جئتک ملهوفاً قد اُلبِستُ عدمي وفاقتي، وأقامني مقام الأذلّين بين يديک ذُلُّ حاجتي.

إلهي کرمتَ فأکرمني إن کنت من سؤالک، وجُد بمعروفکَ وأخلِطني بأهل نوالِکَ.

إلهي أصبحتُ علي بابٍ من أبواب منحک سائلاً، وعن التعرّض لغيرک بالمسألة عادلاً، وليس من جميل امتنانک أن تردّ سائلاً ملهوفاً، ومضطرّاً لانتظار أمرک مألوفاً.

إلهي أقمتُ علي قنطرة الأخطار، مَبلوّاً بالأعمال وبالإعتبار، فأنا الهالکُ إن لم تُعِن عليها بتخفيف الآصار.

إلهي أمِن أهل الشقاء خلقتني فاُطيل بکائي، أم من أهل السعادة فاُبشِّرَ رجائي.

إلهي لو لم تَهدني إلي الإسلام ما اهتديتُ، ولو لم تُطلِقُ لساني بدعائک ما دعوت، ولو لم ترزُقني الايمانَ بک ما آمنت، ولو لم تعرفني حلاوة نعمتک ما عرفتُ، ولو لم تُبيّن شديدَ عقابک ما استجرتُ.

إلهي إن أقعدَني التخلّف عن السبق مع الأبرار فقد أقاتدني الثقةُ بک علي مَدارِج الأخيار.

إلهي نفساً أعززتَها بتأييد إيمانک، کيف تُذلُّها بين أطباق نيرانک.

إلهي لساناً کسوتَه من وحدانيّتک أنقي أثوابها، کيف تَهوي إليه من النار شعلاتُ التهابِها.

إلهي کلّ مکروب فإليک يلتجي وکلّ محزون فإيّاک يرتجي.

إلهي سمع العابدون بجزيل ثوابک فخشعوا، وسمع المذنبون بسعة

[صفحه 515]

رحمتک فَقَنِعوا، وسمع المولّونَ عن القصدِ بجودک فرجعوا، وسمع المجرمون بسعة غفرانک فَطَمِعوا، حتّي ازدحمت عَصائِبُ العُصاة من عبادک ببابک، ووعجّ منهم إليک عجيج الضجيج بالدعاء في بلادک، ولکن أملٌ ساق صاحبَهُ إليک محتاجاً، ولکلّ قلبٌ ترکه يا ربّ وجيف الخوف منک مُهتاجاً، فأنت المسؤولُ الذي لا تسودُ لديه وجوهُ المطالِب ولا يردّ نائِلهُ قاطعاتُ المَعاطِب.

إلهي إذا أخطأتُ طريق النظر لنفسي بما فيه کرامَتُها، فقد أصبت طريق الفزع إليک بما فيه سلامتُها.

إلهي إن کانت نفسي استَسعدَتني مُتمرّدةً علي ما يرديها فقد استَسعَدتُها الآن بدعائک علي ما يُنجيها.

إلهي إن قسطت في الحکم علي نفسي بما فيه حَسرتُها فقد أقسطت في تَعريفي إيّاها من رحمتک أسباب رأفتها.

إلهي إن قَطَعني قلّة الزاد في المسير إليک فقد وصلتُهُ بذخائر ما أعددتُهُ من فضل تعويلي عليک.

إلهي إذا ذکرتُ رحمتک ضحکَت لها عيونُ وسائلي، وإذا ذکرتُ سخطک بکت له عيونُ مسائلي.

إلهي أدعوک دعاءَ من لم يَرجُ غيرک في دعائه، وأرجوک رجاء من لم يقصد غيرک في رجائه.

إلهي کيف أسکت بالإفحام لسانُ ضراعَتي وقد أقلقني ما أبهَمَ عليّ من مَصير عاقبتي.

إلهي قد علمتَ حاجةَ جِسمي إلي ما تکفّلتَ له من الرزق في حياتي،

[صفحه 516]

وعرفتَ قِلّةَ استغنائي عنه في الجنّة بعد وفاتي، فيا مَن سَمَحَ لي به مُتفضّلاً في العاجل، لا تمنعنيه يوم فاقتي إليه في الآجل.

إلهي إن عذّبتني فعبدٌ خلقتَهُ لما أردتَ فعذّبته، وإن رحمتني فعبدٌ ألفيته مسيئاً فأنجيتهُ.

إلهي لا إحتراسَ من الذنب إلّا بعصمتک، ولا وُصولَ إلي عمل الخيرات إلّا بمشيئتک، کيف لي بإفادةِ ما سلبتني فيه مشيئتک، وکيف لي بالاحتراس من الذنب ما لم تُدرِکني فيه عِصمتُک.

إلهي أنت دَللتني علي سؤال الجنّة قبل معرفتها، فأقبلت النفس بعد العِرفان علي مسألتها، أفتدلّ علي خيرک السؤال ثمّ تمنعُهُ وأنت الکريم المحمود في کلّ ما تصنعُهُ، يا ذا الجلال والإکرام.

إلهي إن کنتُ غيرَ مستأهل لما أرجو من رحمتک، فأنتَ أهلٌ أن تجود علي المذنبين بفضل سَعَتک.

إلهي نفسي قائمة بين يديک وقد أظلّها حسنُ توکّلها عليک، فاصنع بي ما أنت أهله وتغمّدني برحمتک.

إلهي إن کان دنا أجلي ولم يقرّبني منک عملي فقد جعلتُ الاعتراف بالذنب وسائل عِللي، فإن عفوتَ نحن أولي منک بذلک، وإن عذّبت فمن أعدَلُ منک في الحُکمِ هُنالک.

إلهي إنّک لم تزل بارّاً بي أيامَ حياتي فلا تقطع برّکَ بي بعد وفاتي.

إلهي کيف آيسُ من حسن نظرک بعدَ مماتي وأنتَ لم تُولِّني إلّا الجميل في حياتي.

إلهي إنّ ذنوبي قد أخافتني ومحبّتي لک قد أجارَتني فتولَّ في أمري ما

[صفحه 517]

أنت أهله، وعُد بفضلک علي من غمرهُ جهلهُ، يا من لا تُخفي عليه خافية صلّ علي محمّد وعلي آل محمّد واغفر لي ما خُفِيَ عن الناس من أمري.

إلهي ليس اعتذاري إليک اعتذارَ من يُستغني عن قبول عُذره فاقبل عذري يا خير من اعتذر إليه المسيئون.

إلهي إنّک لو أردت إهانتي لم تهدني، ولو أردت فضيحتي لم تُعافني، فمتّعني بما له هَدَيتني، وأدِم لي ما به سترتَني. إلهي لولا ما اقترفتُ من الذنوب ما خِفتُ عقابک، ولولا ما عرفتُ من کرمک ما رجوتُ ثوابک، وأنت أکرم الأکرمين بتحقيق آمال الآملين، وأرحم منِ استرحمَ في تجاوزه عن المذنبين.

إلهي نفسي تُمنيني بأنّک تغفِر لي فأکرِم بها اُمنيتي، فقد بشرت بعفوک وصِدقِ کرمک مُبشّراتُ تمنّيها، وهَب لي بجودک مُقصّراتِ تجنّيها.

إلهي ألقتني الحسناتُ بين جودک وکرمک، وألقتني السيّئاتُ بين عفوک ومغفرتک، وقد رجَوتُ أن لا يَضيعَ بين ذَين وذَين مُسي‏ءٌ ومحسنٌ.

إلهي إذا شهدَ ليَ الايمانُ بتوحيدک، وانطلقَ لساني بتمجيدک، ودلّني القرآنُ علي فضائل جودک، فکيف لا يبتَهِج رجائي بحسنِ موعدک.

إلهي تتابُعُ إحسانک يدُلّني علي حُسن نظرک، فکيف يشقي امرؤ أوليته منک حسنَ النظر.

إلهي إن نظرت إليّ بالهلکة عيونُ سخطِکَ، فما نامت عن استنقاذي منها عيونُ رحمتک.

[صفحه 518]

إلهي إن عرّضني ذنبي لعقابک فقد أدناني رجائي من ثوابک.

إلهي إن غفرتَ فبفضلک وإن عذّبت فبعدلک، فيا مَن لا يُرجي إلّا فضلُهُ ولا يُخاف إلّا عدلُهُ صلّ علي محمّد وآل محمّد وامنُن عليّ بفضلک ولا تستقص عليّ عدلَکَ.

إلهي خلقتَ لي جسماً وجعلت لي فيه آلات أطيعک بها وأعصيک بها وأرضيک، وجعلتَ لي من نفسي داعياً إلي الشهوات، وأسکنتني داراً مُلئَت من الآفات، وقلتَ لي إزدَجِر، فبک أعتصمُ وبک أحترزُ، وأستوقِفُک لما يُرضيک، وأسألک فإنّ سؤالي لا يُحفيک.

إلهي لو عرفتُ اعتذاراً وتفضُّلاً، هو أبلغ من الاعتراف به لأتيتهُ، فهَب لي ذنبي بالاعتراف ولا تردّني في طلبي بالخيبة عند الإنصراف. إلهي کأني بنفسي قد اضطجعت في حُفرتها، وانصرف عنها المشيّعون من عشيرتها، وناداها من شفير القبر ذووا مودّتِها ورحمها، المُعادي لها في الحياة عند صَرعتها، ولم يَخف علي الناظرين إليها ذُلُّ فاقتها، ولا علي من قد رآها توسّدت الثري عجزُ حيلتها، فقلتَ ملائکتي قريب نأي عنه الأقربون وبعيدٌ جَفاه الأهلون وخذله المؤمّلون ونزل بي قريباً، وأصبح في اللحدِ غريباً، وقد کان لي في دار الدنيا راعياً، ولنظري إليه في هذا اليوم راجياً، فتحسن عند ذلک ضيافتي، وتکونُ أشفقَ عليّ من أهلي وقرابتي.

إلهي سترت عليّ في الدنيا ذنوباً ولم تُظهِرها، فلا تفضحني يوم ألقاک علي رؤوس العالمين، واسترها عليّ هناک يا أرحم الراحمين.

إلهي لو طبّقتُ ذنوبي بين السماء والأرض، وخَرَقتِ النجومَ وبلغت

[صفحه 519]

أسفل الثري ما ردّني اليأسُ عن توقّع غفرانک، ولا صَرَفني القنوطُ عن انتظار رضوانک.

إلهي سَعَت نفسي إليک لنفس تستوهبها، وفتحت أفواه أملها تستوجبها فهب لها ما سألَت وجُد لها ما طلبت فإنّک أکرمُ الأکرمين بتحقيق أمل الآملين.

إلهي قد أصبتُ من الذنوب ما عرفتَ، وأسرفتُ علي نفسي بما قد علِمتَ، فاجعلني عبداً لک إمّا طائعاً أکرمتني، وإمّا عاصياً فرحمتني. إلهي دعوتک بالدعاء الذي علّمتني فلا تحرمني من حبائِک الذي عرّفتني، فمن النعمة أن هديتني لحسن دعائک، ومن تمامِها أن توجبَ لي محمود جزائک.

إلهي انتظرتُ عفوک کما ينتظر المسيؤون، ولستُ أيئسُ من رحمتک التي يتوقّعها المحسنون.

إلهي جودُک بسطَ أملي، وشکرک قبل عملي، فصلّ علي محمّد وعلي آل محمّد وبشّرني بلقائک، وأعظم رجائي لجزائک.

إلهي أنت الکريم الذي لا يخيبُ لديک أمل الآملينَ، ولا يبطُلُ عندک سبق السابقين.

إلهي إن کنت لم أستحقّ معروفک ولم أستوجبه فکن أنت أهل التفضّل به عليّ، فالکريم لم يضع معروفه عند کلّ من يَستوجبه.

إلهي مَسکَنتي لا يجبُرُها إلّا عَطاؤک وأمنيتي لا يُغنيها إلّا نعماؤک.

إلهي أستَوفِقُک لما يدنيني منک، وأعوذ بک مما يصرفُني عنک.

إلهي أحبُّ الاُمور إلي نفسي وأعوَدُها عليّ منفعةً ما أرشدتها

[صفحه 520]

بهدايتک إليه ودللتها برحمتک عليه فاستعملها بذلک عنّي، إذ أنت أرحمُ بها منّي.

إلهي أرجوکَ رجاءَ مَن يخافُک، وأخاف خوفَ من يرجو ثوابک، فَقِني بالخوف شرّ ما أحذر، وأعطِني بالرجاء خيرَ ما اُحاذِر.

إلهي انتظرتُ عفوک کما ينتظرُ المذنبون، ولستُ آيِساً من رحمتک التي يتوقّعها المحسنون.

إلهي مددتُ إليک يداً بالذنوب مأسورة، وعيناً بالرجاء مَذرورةً، وحقيق لمن دَعاک بالنَدَم تذلُّلاً أن تُجيبَ له بالکرم تفضُّلاً.

إلهي إن عَرّضَتني ذنوبي لعقابک فقد أدناني رجائي من ثوابک.

إلهي لم اُسَلِّط علي حسن ظنّي بک قُنُوط الآيسين، فلا تُبطل صدقَ رجائي بک بين الآمِلين.

إلهي إن انقرضت بغير ما أحببتُ من السعي أيامي، فبالإيمان أمضتها الماضياتُ من أعوامي.

إلهي إن أخطأتُ طريقَ النظر لنفسي بما فيه کرامتُها، فقد أصبتُ طريقَ الفزع إليک بما فيه سلامتُها.

إلهي ما أضيق الطريقَ علي مَن لم تکن أنت دليله، وما أوحش المسلک علي مَن لم تکن أنت أنيسُه.

إلهي إنهَمَلَت عبراتي حين ذکرتُ خطيآتي، وما لها لا تَنهَمِلُ ولا أدري ما يکونُ إليه مَصِيري، أو ماذا يهجِمُ علي عند بلاغي مَسيري، وأري نفسي تُخاتِلني وأيامي تخادعني، وقد خَفقت فوق رأسي أجنحة الموت، ورَمَتني من قريبٍ أعيُنُ الفَوت، فما عُذري وقد أوجسَ في مسامعي رافِعُ الصوت، لقد رجوتُ ممن ألبَسَني بين

[صفحه 521]

الأحياء ثوب عافيته، أن يُعريني منه بين الأموات بجود رَأفتِهِ، ولقد رجوتُ حين تَولّاني باقي حياتي بإحسانه أن يُسعِفَني عند وفاتي بغُفرانه، يا أنيس کلّ غريبٍ آنِس في القَبر وحشتي، ويا ثاني کلّ وحيدٍ ارحم في القبر وحدتي، يا عالم السِرّ وأخفي، ويا کاشف الضُرّ والبلوي، کيف نظرک لي من بين ساکني الثري، وکيف صُنعک بي في دار الوحشة والبلوي.

قد کنتَ بي لطيفاً أيامَ حياة الدنيا، يا أفضل المُنعمين في آلائه وأنعَمَ المُفضلينَ في نَعمائه، کثرت عندي أياديک فعجزتُ عن إحيائها، وضِقتُ ذرعاً في شکري لک بجزائها، فلک الحمد علي ما أوليت ولک الشکرُ علي ما أبليت، يا خير من دعاه داع، وأفضل من رجاه راجٍ، بذمّة الإسلام أقبلت إليک، وبحرمة القرآن أعتمد عليک، وبمحمّدٍ صلي الله عليه وسلم أتقرّب إليک، فصلّ علي محمّدٍ وعلي آل محمّد، واعرف لي ذمّتي التي بها رجوتُ قضاء حاجتي، واستعملني بطاعتک واختم لي بخيرٍ، واعتقني من النار وأسکنّي الجنّة، ولا تفضحني بسريرتي حيّاً ولا ميّتاً، وهب ليَ الذنوب التي بيني وبينک.

وأرضِ عبادک عنّي في مظالمهم قِبَلي، واجعلني ممّن رضيت عنه فحرّمته علي النار والعذاب، وأصلح في کلّ اُموري التي دعوتک فيها في الآخرة والدنيا، يا حنّانُ يا منّان يا ذا الجلال والإکرام، يا حيُّ يا قيوم، يا مَن له الخلق والأمر، تبارکت يا أحسن الخالقين، يا رحيم يا کريم يا قدير صلّ علي محمّد وعلي آله الطيّبين، وعليه وعليهم السلام ورحمة اللَّه وبرکاته إنّه حميد مجيد.[2].

[صفحه 522]


صفحه 310، 511، 512، 513، 514، 515، 516، 517، 518، 519، 520، 521، 522.








  1. البحار 93:94؛ الدعوات، باب دعاء العليل:179 ح497.
  2. دستور معالم الحِکَم ومأثور مکارم الشِيَم للإمام القاضي:158.