من الكتاب العتيق، عن علي















من الکتاب العتيق، عن علي‏



إلهي توعّرت الطرق وقلّ السالکون، فکن اُنسي في وحدتي وجليسي في خلوتي، فإليک أشکو فقري وفاقتي، وبک أنزلت ضرّي ومسکنتي، لأنّک غاية أمنيتي، ومنتهي طلبتي، فيا فرحةً لقلوب الواصلين ويا حياةً لنفوس العارفين، ويا نهاية شوق المحبّين.

أنت الذي بفنائک حطّت الرحال، وإليک قصدت الآمال، وعليک کان صدق الإتّکال، فيا مَن تفرّد بالکمال وتسربل بالجمال، وتعزّز بالجلال وجاد بالإفضال، لا تحرمنا منک النوال.

إلهي بک لاذت القلوب لأنّک غاية کلّ محبوب، وبک استجارت فرقاً من العيوب، وأنت الذي علمت فحلمت، ونظرت فرحمت، وخبرت وسترت، وغضيت فغفرت، فهل مؤمّلٌ غيرک فيرجي، أم هل ربّ سواک فيخشي، أم هل معبود سواک فيُدعي، أم هل قدم عندک

[صفحه 500]

الشدائد إلّا وإليک تسعي، فوعزّتک يا سرور الأرواح ويا منتهي غاية الأفراح، إنّي لا أملک غير ذلّي ومسکنتي لديک، وفقري وصدق توکّلي عليک، فأنا الهارب منک إليک، وأنا الطالب منک ما لا يخفي عليک، فإن عفوت فبفضلک، وإن عاقبت فبعدلک، وإن مننت فبجودک، وإن تجاوزت فبدوام خلودک.

إلهي بجلال کبريائک أقسمت، وبدوام خلود بقائک آليت، إلهي إني لا برحت مقيماً ببابک حتّي تؤمنني من سطوات عذابک، ولا أقنع بالصفح عن سطوات عذابک حيت أروح بجزيل ثوابک.

إلهي عجباً لقلوب سکنت إلي الدنيا وتروّحت بروح المُني وقد علمت أن ملکها زائل، ونعيمها راحل، وظلّها آفل، وسندها مائل، وحسن نضارة بهجتها حائل، وحقيقتها باطل، کيف لا يشتاق إلي روح ملکوت السماء وأنّي لهم ذلک وقد شغلهم حبُّ المهالک، وأضلّهم الهوي عن سبيل المسالک.

إلهي اجعلنا ممن هام بذکرک لبّه، وطار من شوقه إليک قلبه، فاحتوته عليه دواعي محبّتک، فحصل أسيراً في قبضتک.

إلهي کيف اُثني وبدء الثناء منک عليک، وأنت الذي لا يعبّر عن ذاته نطق، ولا يعيه سمع، ولا يحويه قلب، ولا يدرکه وهمٌ، ولا يصحبه عزم، ولا يخطر علي بالٍ، فأوزعني شکرک، ولا تؤمني مکرک، ولا تُنسني ذکرک، وجُد بما أنت أولي أن تجود به يا أرحم الراحمين.[1].


صفحه 500.








  1. البحار 111:94.