دعاء أميرالمؤمنين للشاب المشلول بدعاء أبيه عليه















دعاء أميرالمؤمنين للشاب المشلول بدعاء أبيه عليه



1/1552- ابن‏طاووس، روي عن جماعة يسندون الحديث إلي الحسين بن علي عليه‏السلام قال: کنت مع عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام في الطواف في ليلة ديجورية قليلة النور، وقد خلا الطواف ونام الزوّار، وهدأت العيون، إذ سمع مستغيثاً مستجيراً مترحّماً، بصوت حزين محزون من قلب موجع وهو يقول:


يا من يجيب دعا المضطرّ في الظلم
يا کاشف الضرّ والبلوي مع السقم‏


قد نام وفدک حول البيت وانتبهوا
يدعو وعينک يا قيوم لم تَنَم‏


هَب لي بجودک فضل العفو عن جرمي
يا من أشار إليه الخلق في الحرم‏


إن کان عفوک لا يلقاه ذو سرف
فمن يجود علي العاصين بالنعم‏


قال الحسين بن علي عليه‏السلام: فقال لي: يا أباعبداللَّه أسمعت المنادي لذنبه، المستغيث ربّه؟ فقلت: نعم قد سمعته، فقال: اعتبره عسي تراه، فما زلت أخبط في طخياء الظلام، وأتخلّل بين النيام، فلمّا صرت بين الرکن والمقام، بدا لي شخص منتصب فتأمّلته فإذا هو قائم، فقلت: السلام عليک أيُّها العبد المقرّ المستقيل المستغفر المستجير، أجب باللَّه ابن‏عمّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فأسرع في سجوده وقعوده، وسلّم فلم يتکلّم حتّي أشار بيده بأن تقدّمني، فتقدّمته فأتيت به أميرالمؤمنين عليه‏السلام فقلت: دونک ها هو، فنظر إليه فإذا هو شابّ حسن الوجه نقيّ الثياب، فقال له عليه‏السلام: ممّن الرجل؟ فقال له: من بعض العرب، فقال له: ما حالک وممّ بکاؤک واستغاثتک؟ فقال: حال من أخذ بالعقوق فهو في ضيق، ارتهنه المصاب وغمره الإکتئاب، فإن تاب فدعاؤه لا يُستجاب، فقال له علي عليه‏السلام: ولِمَ ذاک؟ فقال: لأني کنت ملتهياً في العرب باللعب والطرب، أديمُ العصيان في رجب وشعبان وما اُراقب الرحمان، وکان لي والد شفيق رفيق يحذّرني مصارع الحدثان ويخوّفني العقاب بالنيران، ويقول: کم ضجّ منک النهار والظلام والليالي والأيام والشهور والأعوام، والملائکة الکرام، وکان إذا ألحّ عليّ بالوعظ زجرته وانتهرته ووثبت عليه وضربته، فعمدت يوماً إلي شي‏ء من الورق وکانت في الخباء، فذهبت لآخذها وأصرفها، فيما کنت عليه، فمانعني عن أخذها فأوجعته ضرباً ولويت يده وأخذتها ومضيت، فأومأ بيده إلي رکبته يروم النهوض من مکانه ذلک فلم يطق يحرّکها من شدّة الوجع والألم فأنشأ

[صفحه 470]

يقول:


جرت رحم بيني وبين منازل
سواء کما يستنزل القطر طالبه‏


وربّيت حتّي صار جلداً شمردلاً
اذا قام ساوي غارب الفَحلِ غاربه‏


وقد کنت اُوتيه من الزاد في الصبا
إذا جاع منه صفوةٌ واُطايبه‏


فلما استوي في عنفوان شبابه
وأصبح کالرمح الرديني خاطبه‏


تهضّمني ما لي کذا ولوي يدي
لوي يده اللَّه الذي هو غالبه‏


ثمّ حلف باللَّه ليقدّمن إلي بيت اللَّه الحرام فيستعدي اللَّه عليّ، قال فصام أسابيع وصلّي رکعات ودعا وخرج متوجهاً علي عيرانه يقطع بالسير عرض الفلاة، ويطوي الأودية ويعلو الجبال حتّي قدم مکة يوم الحج الأکبر، فنزل عن راحلته وأقبل إلي بيت اللَّه الحرام، فسعي وطاف به وتعلّق بأستاره، وابتهل بدعائه وأنشأ يقول:


يا مَن إليه أتي الحجاج بالجُهد
فوق المهاوي من أقصي غاية البُعدِ


إنّي أتيتک يا من لا يُخيب من
يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمد


هذا منازل لا يرتاع من عققي
فخذ بحقّي يا جبّار من ولدي‏


حتّي تُشِلَّ بعون منک جانبه
يا من تقدّس لم يولد ولم يلد


قال: فوالذي سمک السماء وأنبع الماء ما استتمّ دعاؤه حتّي نزل بي ما تري، ثمّ کشف عن يمينه فإذا بجانبه قد شُلّ، فأنا منذ ثلاث سنين أطلب إليه أن يدعو لي في الموضع الذي دعا به عليّ فلم يجبني، حتّي إذا کان العام أنعم عليّ، فخرجت به علي ناقة عشراء أجدّ السير حثيثاً رجاء العافية، حتّي إذا کنّا علي الأراک وحطمة وادي السباک، نفر طائر في الليل فنفرت منها الناقة التي کان عليها، فألقته إلي قرار الوادي

[صفحه 471]

وأرفضّ بين الحجرين فقبرته هناک، وأعظم من ذلک أنّي لا أعرف إلّا المأخوذ بدعوة أبيه.

فقال له أميرالمؤمنين عليه‏السلام: أتاک الغوث، ألا اُعلّمک دعاء علّمنيه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وفيه اسم اللَّه الأکبر الأعظم العزيز الأکرم، الذي يجيب به من دعاه، ويعطي به من سأله، ويفرّج به الهمّ ويکشف به الکرب، ويذهب به الغمّ، ويبرأ به السقم، ويجبر به الکسير، ويغني به الفقير، ويقضي به الدين، ويردّ به العين، ويغفر به الذنوب ويستر به العيوب، ويؤمّن به کل خائف من شيطان مريد وجبّار عنيد، ولو دعا به طائع للَّه علي جبل لزال من مکانه، أو علي ميّت لأحياه اللَّه بعد موته، ولو دعا به علي الماء لمشي عليه بعد أن لا يدخله العجب، فاتّق اللَّه أيّها الرجل فقد أدرکتني الرحمة لک، وليعلم اللَّه منک صدق النيّة أنّک لا تدعو به في معصية ولا تفيده إلّا لثقة في دينک، فإن أخلصت النيّة استجاب اللَّه لک ورأيت نبيّک محمّد صلي الله عليه و آله في منامک يبشرّک بالجنّة والإجابة.

قال الحسين بن علي عليه‏السلام: فکان سروري بفائدة الدعاء أشدّ من سرور الرجل بعافيته وما نزل به؛ لأنّني لم أکن سمعته منه، ولا عرفت هذا الدعاء قبل ذلک، ثمّ قال عليه‏السلام: آتني بدواة وبياض واکتب ما أمليه عليک، ففعلت، وهو:

اللّهمّ إنّي أسألک باسمک بسم اللَّه الرحمن الرحيم، يا ذا الجلال والإکرام، يا حيّ يا قيّوم، يا حيّ لا إله إلّا أنت، يا من لا يعلم ما هو ولا أين هو ولا حيث هو ولا کيف هو إلّا هو.

يا ذا الملک والملکوت، يا ذا العزّة والجبروت، يا ملک يا قدّوس يا سلام، يا مؤمن يا مهيمن، يا عزيز يا جبّار، يا متکبّر يا خالق، يا بارئ يا مصوّر، يا مفيد يا ودود، يا بعيد يا قريب، يا مجيب يا رقيب،

[صفحه 472]

يا حسيب يا بديع، يا رفيع يا منيع، يا سميع يا عليم، يا حکيم يا کريم، يا معمود يا معبود، يا حليم يا قديم.

يا عليّ يا عظيم، يا حنّان يا منّان، يا ديّان يا مستعان، يا جليل يا جميل، يا وکيل يا کفيل، يا مقيل يا منيل، يا نبيل يا دليل، يا هادي يا بادي، يا أوّل يا آخر، يا ظاهر يا باطن، يا حاکم يا قاضي، يا عادل يا فاضل، يا واصل يا طاهر يا مطهّر، يا قادر يا مقتدر، يا کبير يا متکبّر. يا أحد يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد ولم يکن له کفواً أحد، ولم يکن له صاحبة، ولا کان معه وزير، ولا اتّخذ معه مشير، ولا احتاج إلي ظهير، ولا کان معه إله، لا إله إلّا أنت فتعاليت عمّا يقول الجاحدون علوّاً کبيراً.

يا عالم يا شامخ يا باذخ يا فتّاح يا مفرّج، يا ناصر يا منتصر، يا مهلک يا منتقم، يا باعث يا وارث، يا أوّل يا آخر، يا طالب يا غالب، يامن لا يفوته هارب، يا توّاب يا أواب يا وهّاب، يا مسبّب الأسباب يا مفتّح الأبواب، يا من حيث ما دُعِي أجاب، يا طهور يا شکور، يا عفوّ يا غفور، يا نور النور يا مدبّر الاُمور، يا لطيف يا خبير، يا متجبّر يا منير، يا بصير يا ظهير يا کبير، يا وتر يا فرد، يا صمد يا سند، يا کافي يا محسن، يا مجمّل يا معافي، يا منعم يا متفضّل، يا متکرّم يا متفرّد.

يا من علا فقهر، يا من ملک فقدر، يا من بطن فخبر، يا من عُبد فشکر، يا من عصي فغفر وستر، يا من لا يحويه الفکر ولا يدرکه بصر، ولا يُخفي عليه أثر، يا رازق البشر ويا مقدّر کلّ قدر، يا عالي

[صفحه 473]

المکان يا شديد الأرکان، ويا مبدّل الزمان، يا قابل القربان، يا ذا المنّ والاحسان، يا ذا العزّ والسلطان، يا رحيم يا رحمان، يا عظيم الشأن، يا من هو کلّ يوم في شأن، يا من لا يشغله شأن عن شأن.

يا سامع الأصوات، يا مجيب الدعوات، يا منجح الطلبات، يا قاضي الحاجات، يا منزل البرکات، يا راحم العبرات، يا مقيل العثرات، يا کاشف الکربات، يا وليّ الحسنات، يا رفيع الدرجات، يا معطي المسألات، يا محيي الأموات، يا مطّلع علي النيّات، يا رادّ ما قد فات، يا من لا تشتبه عليه الأصوات، يا من لا تضجره المسألات ولا تغشاه الظلمات، يا نور الأرض والسماوات، يا سابغ النعم، يا دافع النقم، يا بارئ النسم، يا جامع الاُمم، يا شافي السقم، يا خالق النور والظلم، يا ذا الجود والکرم، يا من لا يطأ عرشه قدم.

يا أجود الأجودين، يا أکرم الأکرمين، يا أسمع السامعين، يا أبصر الناظرين، يا جار المستجيرين، يا أمان الخائفين، يا ظهر اللّاجئين، يا وليّ المؤمنين، يا غياث المستغيثين، يا غاية الطالبين.

يا صاحب کلّ قريب، يا مونس کلّ وحيد، يا ملجأ کلّ طريد، يا مأوي کلّ شريد، يا حافظ کلّ ضالّة، يا راحم الشيخ الکبير، يا رازق الطفل الصغير، يا جابر العظم الکسير، يا فاکّ کلّ أسير، يا مغنيَ البائس الفقير، يا عصمة الخائف المستجير، يا من له التدبير والتقدير، يا مَن العسير عليه سهلٌ يسير، يا مَن لا يحتاج الي تفسير، يا من هو علي کلّ شي‏ء قدير، يا من هو بکلّ شي‏ء خبير، يا من هو بکلّ شي‏ء بصير.

[صفحه 474]

يا مرسل الرياح، يا فالق الإصباح، يا باعث الأرواح، يا ذا الجود والسماح، يا من بيده کلّ مفتاح، يا سامع کلّ صوت، يا سابق کلّ فوت، يا محيي کلّ نفس بعد الموت.

يا عدّتي في شدّتي، يا حافظي في غربتي، يا مؤنسي في وحدتي، يا وليّي في نعمتي، يا کنفي حين تعيين المذاهب وتسلمني الأقارب ويخذلني کلّ صاحب، يا عماد من لا عماد له، يا سند من لا سند له، يا ذخر من لا ذخر له، يا کهف من لا کهف له، يا رکن من لا رکن له، يا غياث من لا غياث له، يا جار من لا جار له.

يا جاري اللصيق، يا رکني الوثيق، يا إلهي بالتحقيق، يا ربّ البيت العتيق، يا شفيق يا رفيق، فُکّني من حلق المضيق، واصرف عنّي کلّ همّ وغمّ وضيق، واکفني شرّ ما لا اُطيق، وأعنّي علي ما اُطيق.

يا رادّ يوسف علي يعقوب، يا کاشف ضرّ أيّوب، يا غافر ذنب داود، يا رافع عيسي بن مريم من أيدي اليهود، يا مجيب نداء يونس في الظلمات، يا مصطفي موسي بالکلمات، يا من غفر لآدم خطيئته، ورفع إدريس برحمته، يامن نجّا نوحاً من الغرق، يا من أهلک عاداً الاُولي وثمودَ فما أبقي وقوم نوحٍ من قبل إنّهم کانوا هم أظلم وأطغي والمؤتفکةَ أهوي، يا من دمّر علي قوم لوط ودمدم علي قوم شعيب، يا من اتّخذ إبراهيم خليلاً، يا من اتّخذ موسي کليماً. واتّخذ محمّداً صلي الله عليه و آله حبيباً.

يا مؤتي لقمان الحکمة، والواهب لسليمان ملکاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، يا من نصر ذا القرنين علي الملوک الجبابرة، يا من أعطي الخضر الحياة وردّ ليوشع بن نون الشمس بعدَ غروبها، يا من ربط علي قلب

[صفحه 475]

اُمّ موسي وأحصن فرج مريم بنت عمران، يا من حصّن يحيي بن زکريّا من الذنب وسکّن عن موسي الغضب، يا من بشّر زکريا بيحيي، يا من فدي إسماعيل من الذبح، يا من قبل قربان هابيل وجعل اللعنة علي قابيل، يا هازم الأحزاب صلّ علي محمّدٍ وآل محمّد وعلي جميع المرسلين والملائکة المقرّبين وأهل طاعتک أجمعين.

وأسألک بکلّ مسألة سألک بها أحد ممن رضيت عنه فحتّمت له علي الإجابة، يا اللَّه يا اللَّه يا اللَّه يا رحمان يا رحيم يا رحمان يا رحيم يا رحمان يا رحيم، يا ذا الجلال والإکرام، يا ذا الجلال والإکرام يا ذا الجلال والإکرام به به به به به به به، أسألک بکلّ إسمٍ سمّيت به نفسک أو أنزلته في شي‏ء من کتبک، أو استأثرت به في علم الغيب عندک، وبمعاقد الغر من عرشک ومنتهي الرحمة من کتابک، وبما لو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدّه من بعد سبعة أبحر ما نفدت کلمات اللَّه إنّ اللَّه عزيز حکيم.

وأسألک بأسمائک الحسني التي بيّنتها في کتابک، فقلت: «وَللَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَي فَادْعُوهُ بِهَا»[1] وقلت: «أُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَکُمْ»[2] وقلت: «وَإِذَا سَأَلَکَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ»[3] وقلت: «يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ»[4] وأنا أسألک يا إلهي وأطمع في إجابتي يا مولاي کما وعدتني، وقد دعوتک کما أمرتني فافعل بي کذا وکذا...

[صفحه 476]

وتسأل اللَّه تعالي ما أحببت وتسمّي حاجتک ولا تدعُ به إلّا وأنت طاهر.

ثمّ قال عليه‏السلام للفتي: إذا کانت الليلة فادعُ به عشر مرّة وأتني من غدٍ بالخبر، قال الحسين بن علي عليهماالسلام: وأخذ الفتي الکتاب ومضي، فلمّا کان من غد ما أصبحنا حيناً حتّي أتي الفتي إلينا سليماً معافاً والکتاب بيده وهو يقول: هذا واللَّه الاسم الأعظم اُستجيب لي وربّ الکعبة، قال له علي عليه‏السلام: حدّثني، قال: لمّا هدأت العيون بالرقاد واستملک جلباب الليل، رفعت يدي بالکتاب، ودعوت اللَّه بحقّه مراراً، فأجبت في الثانية حسبک فقد دعوت اللَّه باسمه الأعظم، ثمّ اضطجعت فرأيت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في منامي وقد مسح يده الشريفة عليّ وهو يقول: احتفظ باسم اللَّه العظيم فإنّک علي خير، فانتبهت معافاً، فجزاک اللَّه خيراً.[5].


صفحه 470، 471، 472، 473، 474، 475، 476.








  1. الأعراف:180.
  2. غافر:60.
  3. البقرة:186.
  4. الزمر:53.
  5. مهج الدعوات:151؛ البحار 394:95.