الدعاء المعروف بالدعاء اليماني















الدعاء المعروف بالدعاء اليماني



1/1547- ابن‏طاووس أخبرنا أبوعبداللَّه الحسين بن إبراهيم بن عليّ القمي المعروف بابن الخيّاط، قال أخبرنا أبومحمد هارون بن موسي التلعکبري، قال حدّثنا أبوالقاسم عبدالواحد بن عبداللَّه بن يونس الموصلي بحلب، قال حدّثنا عليّ بن محمّد بن أحمد العلوي المعروف بالمستنجد، قال حدّثنا أبوالحسن الکاتب، قال حدّثنا عبدالرحمان بن عليّ بن زياد، قال: قال عبداللَّه بن عباس وعبداللَّه بن جعفر: بينما نحن عند مولانا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام ذات يوم إذ دخل الحسن بن علي عليه‏السلام فقال: يا أميرالمؤمنين بالباب رجل يستأذن عليک ينفح منه ريح المسک، قال له: ائذن له، فدخل رجل جسيم وسيم له منظر رائع وطرف فاضل، فصيح اللسان عليه ثياب الملوک، فقال: السلام عليک يا أميرالمؤمنين ورحمة اللَّه وبرکاته إني رجل من أقصي بلاد اليمن ومن أشراف العرب، ممن انتسب إليک، وقد خلّفت ورائي ملکاً عظيماً ونعمة سابغة، وإني لفي غضارة من العيش وخفض من الحال وضياع ناشئة، وقد عجمت الاُمور ودرّبتني الدهور، ولي عدوّ مشجّ وقد أرهقني وغلبني بکثرة نفيره وقوّة نصيره وتکاثف جمعه، وقد أعيتني فيه الحيل.

وإني کنت راقداً ذات ليلة حتّي أتاني الآتي، فهتف بي: أن قم يا رجل إلي خير خلق اللَّه بعد نبيّه أميرالمؤمنين- علي بن أبي‏طالب صلوات عليه وعلي آله-، فاسأله أن يعلّمک الدعاء الذي علّمه حبيب اللَّه وخيرته وصفوته من خلقه محمّد

[صفحه 451]

ابن‏عبداللَّه بن عبدالمطلب بن هاشم- صلوات اللَّه عليه- وعلي آله، ففيه اسم اللَّه (الأعظم) عزّ وجلّ فادع به علي عدوّک المناصب لک، فانتبهت يا أميرالمؤمنين ولم أعرّج علي شي‏ء حتّي شخصت نحوک في أربعمائة عبدٍ نحوک، إني اُشهد اللَّه واُشهد رسوله واُشهدک أنهم أحرار، قد أعتقتهم لوجه اللَّه جلّت عظمته؛ وقد جئتک يا أمير المؤمنين من فجٍّ عميق وبلد شاسع، قد ضؤل جرمي ونحل جسمي فامنن عليّ يا أمير المؤمنين بفضلک، وبحقّ الاُبوّة والرحم الماسة، علّمني الدعاء الذي رأيت في منامي وهتف بي أن أرحل فيه إليک.

فقال مولانا أميرالمؤمنين- صلوات اللَّه عليه-: نعم أفعل ذلک إن شاء اللَّه، ودعا بدواة وقرطاس وکتب له هذا الدعاء وهو:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم اللّهمّ أنت (اللَّه) الملک الحق الذي لا إله إلّا أنت، وأنا عبدک (وأنت ربّي) ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، ولا يغفر الذنوب إلّا أنت فاغفر لي يا غفور يا شکور.

اللّهمّ إني أحمدک وأنت للحمد أهل علي ما خصصتني به من مواهب الرغائب، وما وصل إليّ من فضلک السابغ، وما أوليتني به من إحسانک إليّ، وبَوّأتني به من مظنّة العدل، وأنَلتني من منّک الواصل إليّ ومن الدفاع عنّي والتوفيق لي والاجابة لدعائي، حتّي اُناجيک داعياً وأدعوک مُضاماً، وأسألک فأجدک في المواطن کلها لي جابراً وفي الاُمور ناظراً، ولذنوبي غافراً ولعوراتي ساتراً.

لم أعدم خيرک طرفة عين منذ أنزلتني دار الإختيار لتنظر ما اُقدّم لدار القرار، فأنا عتيقک من جميع الآفات والمصائب في اللوازب والغموم التي ساورتني فيها الهموم بمعاريض أصناف البلاء ومصروف جهد القضاء، لا أذکر منک إلّا الجميل ولا أري منک غير التفضيل، خيرک لي شامل وفضلک عليّ متواتر ونعمتک عندي

[صفحه 452]

متّصلة، وسوابق لم تحقق خداري بل صدّقت رجائي، وصاحبت أسفاري وأکرمت أحضاري، وشفيت أمراضي وأوصابي، وعافيت منقلبي ومثواي، ولم تشمت بي أعدائي، ورميتَ من رماني وکفيتني مؤنة من عاداني، فحمدي لک واصل وثنائي عليک دائم من الدهر إلي الدهر بألوان التسبيح، خالصاً لذکرک ومرضياً لک بيانع التوحيد وإمحاض التمجيد، بطول التعديد ومزيّة أهل المزيد، لم تغن في قدرتک ولم تشارک في إلهيّتک، ولم تُعلّم لک مائية فتکون للأشياء المختلفة مجانساً، ولم تعاين إذ حبست الأشياء علي الغرائز، ولا خرقت الأوهام حجب الغيوب فتعتقد فيک محدوداً في عظمتک.

فلا يَبلُغُک بعد الهمم، ولا ينالک غوض الفکر، ولا ينتهي إليک نظر ناظر في مجد جبروتک، ارتفعت عن صفة المخلوقين صفات قدرک، وعلا عن ذلک کبرياء عظمتک، لا ينقص ما أردت أن يزداد، ولا يزداد ما أردت أن ينقص، لا أحد حضرک حين برأت النفوس، کلّت الأفهام (الأوهام) عن تفسير صفتک وانحسرت العقول عن کنه عظمتک، وکيف توصف وأنت الجبّار القدوس الذي لم تزل أزليّاً دائماً في الغيوب وحدک ليس فيها غيرک ولم يکن لها سواک، حار في ملکوتک عميقات مذاهب التفکير، فتواضعت الملوک لهيبتک، وعنت الوجوه بذلّ الإستکانة لک، وانقاد کلّ شي‏ء لعظمتک واستسلم کلّ شي‏ء لقدرتک، وخضعت لک الرقاب، وکلّ دون ذلک تحبير اللّغات، وضلّ هنالک التدبير في تصاريف الصفات، فمن تفکّر في ذلک رجع طرفه إليه حسيراً، وعقله مبهوراً وتفکّره متحيّراً.

اللّهمّ فلک الحمد متواتراً متوالياً متّسقاً مستوثقاً، يدوم ولا يبيد غير مفقود في الملکوت ولا مطموس في المعالم ولا منتقص في العرفان، ولک الحمد ما لا تحصي مکارمه في الليل إذا أدبر والصبح إذا أسفر، وفي البراري والبحار، والغدوّ والآصال، والعشيّ والابکار، وفي الظهاير والأسحار.

[صفحه 453]

اللّهمّ بتوفيقک قد أحضرتني الرغبة، وجعلتني منک في ولاية العصمة، فلم أبرح في سُبوغ نعمائک وتتابع آلائک محفوظاً لک في المنعة والدفاع، محوطاً بک في مثواي ومنقلبي، ولم تکلّفني فوق طاقتي، إذ لم ترض مني إلّا طاعتي، وليس شکري وإن أبلغت في المقال وبالغت في الفعال، ببالغ أداء حقّک ولا مکافياً لفضلک، لأنّک أنت اللَّه الذي لا إله إلّا أنت، لم تغب ولا تغيبُ عنک غائبة، ولا تخفي عليک خافية ولم تضلّ لک في ظلم الخفيّات ضالة، إنما أمرک إذا أردت شيئاً أن تقول له کن فيکون.

اللّهمّ لک الحمد مثل ما حمدت به نفسک وحمدک به الحامدون، ومجدّک به الممجّدون، وکبّرک به المکبّرون، وعظّمک به المعظّمون، حتّي يکون لک مني وحدي في کلّ طرفة عين وأقلّ من ذلک مثل حمد الحامدين، وتوحيد أصناف المخلصين، وتقديس أجناس العارفين، وثناء جميع المهلّلين، ومثل ما أنت به عارف (من رزقک اعتباراً وفضلاً، وسألتني منه يسيراً صغيراً، وأعفيتني) من جميع خلقک من الحيوان.

وأرغب إليک في رغبة ما أنطقتني به من حمدک، فما أيسر ما کلفتني به من حقک، وأعظم ما وعدتني علي شکرک، ابتدءتني بالنعم فضلاً وطولاً، وأمرتني بالشکر حقاً وعدلاً، ووعدتني عليه أضعافاً ومزيداً، وأعطيتني من رزقک اعتباراً وفضلاً، وسألتني منه يسيراً صغيراً، وأعفيتني من جهد البلاء، ولم تسلمني للسوء من بلائک، مع ما أوليتني من العافية وسوّغت من کرائم النّحل وضاعفت لي الفضل مع ما أودعتني من الحجة الشريفة، ويسّرت لي من الدرجة العالية الرفيعة، واصطفيتني بأعظم النبيين دعوة، وأفضلهم شفاعة محمّد صلي الله عليه و آله.

اللّهمّ فاغفر لي ما لا يسعه إلّا مغفرتک، ولا يمحقه إلّا عفوک، ولا يکفّره إلّا فضلک، وهب لي في يومي يقيناً تهوِّنُ عليّ به مصيبات الدنيا وأحزانها بشوقٍ إليک

[صفحه 454]

ورغبة فيما عندک، واکتب لي عندک المغفرة، وبلّغني الکرامة، وارزقني شکر ما أنعمت به عليّ، فإنّک أنت اللَّه الواحد الرفيع البدي‏ء البديع السميع العليم الذي ليس لأمرک مدفع، ولا عن قضاءک مُمتنع.

أشهد أنّک ربّي وربّ کلّ شي‏ء، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة العليّ الکبير.

اللّهمّ إني أسألک الثبات في الأمر والعزيمة علي الرشد، والشکر علي نعمتک، أعوذ بک من جور کل جائر، وبغي کلّ باغ، وحسد کل حاسد، بک أصول علي الأعداء، وبک أرجو ولاية الأحبّاء، مع ما لا أستطيع إحصاءه ولا تعديده من عوائد فضلک وطرف رزقک، وألوان ما أوليت من إرفادک، فإنّک أنت اللَّه الذي لا إله إلّا أنت الفاشي في الخلق رفدک الباسط بالجود يدک، ولا تضادّ في حکمک، ولا تنازع في أمرک، تملک من الأنام ما تشاء ولا يملکون إلّا ما تريد، قل اللّهمّ مالک الملک تؤتي الملک من تشاء وتنزع الملک ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء، بيدک الخير إنّک علي کلّ شي‏ءٍ قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحيّ من الميّت وتخرج الميّت من الحيّ، وترزق من تشاء بغير حساب.

أنت المنعم المفضل الخالق البارئ القادر القاهر، المقدّس في نور القدس، تردّيت بالمجد والعزّ، وتعظّمت بالکبرياء، وتغشّيت بالنور والبهاء، وتجلّلت بالمهابة والسناء، لک المَنّ القديم، والسلطان الشامخ، والجود الواسع، والقدرة المقتدرة، جعلتني من أفضل بني آدم، وجعلتني سميعاً بصيراً صحيحاً سوياً معافاً، لم تشغلني بنقصانٍ في بدني، ولم تمنعک کرامتک إيّاي وحسن صنيعک عندي وفضل أنعامک عليّ أن وسّعت عليّ في الدنيا، وفضّلتني علي کثيرٍ من أهلها.

فجعلت لي سمعاً يسمع آياتک وفؤاداً يعرف عظمتک، وأنا بفضلک حامد،

[صفحه 455]

وبجهد يقيني لک شاکر، وبحقّک شاهد، فإنّک حيّ قبل کلّ حيّ، وحيّ بعد کلّ حيّ، وحيّ لم ترث الحياة من حيّ، ولم تقطع خيرک عنّي طرفة عين في کلّ وقتٍ، ولم تنزل بي عقوبات النقم، ولم تغيّر عليّ دقائق العصم، فلولم أذکر من إحسانک إلّا عفوک وإجابة دعائي حين رفعت رأسي بتحميدک وتمجيدک، وفي قسمة الأرزاق حين قدّرت، فلک الحمد عدد ما حفظه علمک، وعدد ما أحاطت به قدرتک، وعدد ما وسعته رحمتک.

اللّهمّ فتمّم إحسانک فيما بقي کما أحسنت فيما مضي، فإنّي أتوسّل إليک بتوحيدک وتمجيدک، وتحميدک وتهليلک، وتکبيرک وتعظيمک، وبنورک ورأفتک ورحمتک، وعلوّک وجمالک وجلالک وبهاءک وسلطانک وقدرتک، وبحمّد وآله الطاهرين، ألّا تحرمني رفدک وفوائدک، فإنّه لا يعتريک لکثرة ما يتدفّق به عوائق البخل، ولا ينقص جودک تقصير في شکر نعمتک ولا تفني خزائن مواهبک النعم، ولا تخاف ضَيمَ إملاق فتکدي، ولا يلحقک خوف عدم فينقص فيض فضلک.

اللّهمّ ارزقني قلباً خاشعاً ويقيناً صادقاً، ولساناً ذاکراً، ولا تؤمنّي مکرک، ولا تکشف عنّي سترک، ولا تنسني ذکرک، ولا تباعدني من جوارک، ولا تقطعني من رحمتک، ولا تؤيِسني من رُوحِکَ، وکن لي أنيساً من کلّ وحشة، واعصمني من کلّ هلکة، ونجّني من کلّ بلاء، فإنّک لا تخلف الميعاد، اللّهمّ ارفعني ولا تضعني، وزدني ولا تنقصني وارحمني، ولا تعذّبني، وانصرني ولا تخذلني، وأثرني ولا تؤثر عليّ وصلّ علي محمّد وآل محمّد الطيّبين الطاهرين وسلّم تسليماً کثيراً.

(فقال الرجل: يا أميرالمؤمنين حقّقت الظن، وصدّقت الرجاء، وأدّيت حقّ الاُبوّة، فجزاک اللَّه جزاء المحسنين.

ثمّ قال: يا أميرالمؤمنين إني اُريد أن أتصدّق بعشر آلاف دينار فمن المستحقّون

[صفحه 456]

لذلک يا أميرالمؤمنين؟ فقال أميرالمؤمنين عليه‏السلام: فرّق ذلک في أهل الورع من حملة القرآن، فما تزکوا الصنيعة إلّا عند أمثالهم فيتقوّون بها علي عبادة ربّهم وتلاوة کتابه، فانتهي الرجل إلي ما أشار به أميرالمؤمنين عليه‏السلام).

قال ابن‏عباس رضي الله عنه ثمّ قال له عليه‏السلام: اُنظر ان حفظ لک، ولا تدعن قراءته يوماً واحداً، فإنّي أرجو أن توافي بلدک وقد أهلک اللَّه عدوّک، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: لو أنّ رجلاً قرأ هذا الدعاء بنيّة صادقة وقلب خاشع، ثمّ أمر الجبال أن تسير معه لسارت، وعلي البحر لمشي عليه.

وخرج الرجل إلي بلاده، فورد کتابه علي مولانا أميرالمؤمنين عليه‏السلام بعد أربعين يوماً: أنّ اللَّه قد أهلک عدوّه حتي أنّه لم يبق في ناحيته رجل، فقال أميرالمؤمنين صلوات عليه وآله: قد علمت ذلک، ولقد علّمنيه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وما استعسر عليّ أمر إلّا أستيسر به.[1].


صفحه 451، 452، 453، 454، 455، 456.








  1. مهج الدعوات:106؛ البحار 240:95؛ دار السلام 147:1.