الدعاء الذي (نقله نوف البكالي)















الدعاء الذي (نقله نوف البکالي)



1/1540- من الکتاب العتيق (للغروي)، قال نوف البکّالي: رأيت أميرالمؤمنين عليه‏السلام مولّياً مبادراً، فقلت: أين تريد يا مولاي؟ فقال عليه‏السلام: دعني يانوف إنّ آمالي تقدّمني في المحبوب، فقلت: يا مولاي وما آمالک؟ قال: قد علمها المأمول واستغنيت عن تبيينها لغيره، وکفي بالعبد أدباً أن يشرک في نعمه وإربه غير ربّه، فقلت: يا أميرالمؤمنين إني خائف علي نفسي من الشره، والتطلّع إلي طمع من أطماع الدنيا، فقال لي: وأين أنت عن عصمة الخائفين وکهف العارفين؟ فقلت: دلّني عليه، قال: اللَّه العليّ العظيم تصل أملک بحسن تفضلّه، وتقبل عليه بهمّک، وأعرض عن النازلة في قلبک، فإنّ أجلک بها فأنا الضامن من موردها، وانقطع إلي اللَّه سبحانه فإنّه يقول: وعزّتي وجلالي لأقطعنّ أمل کل من يؤمّل غيري باليأس، ولأکسونّه ثوب المذلّة في الناس، ولأبعدنّه من قربي ولاُقطعنّه عن وصلي، ولاُخملنّ ذکره حين يرعي غيري، أيؤمّل ويله لشدائده غيري وکشف الشدائد

[صفحه 438]

بيدي، ويرجو سواي وأنا الحيّ الباقي، ويطرق أبواب عبادي وهي مغلقة ويترک بابي وهو مفتوح، فمن ذا الذي رجاني لکثير جرمه فخيّبت رجاءه؟

جعلت آمال عبادي متّصلة بي، وجعلت رجاءهم مذخوراً لهم عندي، وملأت سماواتي ممن لا يملّ تسبيحي، وأمرت ملائکتي أن لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي، ألم يعلم من فدحته نائبة من نوائبي أن لا يملک أحد کشفها إلّا بإذني، فلم يعرض العبد بأمله عنّي وقد أعطيته ما لم يسألني وسأل غيري، أفتراني ابتدئ خلقي من غير مسألة ثمّ اُسئل فلا اُجيب سائلي؟ أبخيل أنا فيبخّلني عبدي، أوليس الآمال لا تنتهي إلّا إليّ؟ فمن يقطعها دوني؟ وما عسي أن يؤمل المؤمّلون من سواي.

وعزّتي وجلالي لو جمعت آمال أهل الأرض والسماء ثمّ أعطيت کلّ واحد منهم، ما نقص من ملکي بعض عضو الذرّة، وکيف ينقص نائل أنا أفضته، يا بؤساً للقانطين من رحمتي، يا بؤساً لمن عصاني وتوثّب علي محارمي ولم يراقبني واجترأ عليّ، ثمّ قال عليه‏السلام لي: يا نوف اُدع بهذا الدعاء:

إلهي إن حمدتک فبمواهبک، وإن مجدتک فبمرادک، وإن قدّستک فبقوّتک، وإن هلّلتک فبقدرتک، وإن نظرت فإلي رحمتک، وإن عضضت فعلي نعمتک.

إلهي إنّه من لم يشغله الولوع بذکرک ولم يزده السفر بقربک کانت حياته عليه ميتة وميتته عليه حسرة.

إلهي تاهت أبصار الناظرين إليک بسرائر القلوب، وطالعت أصغي السامعين لک نجيّات الصدور، فلم يلق أبصارهم ردٌّ دون ما يريدون، هتکت بينک وبينهم حجب الغفلة، فسکنوا في نورک وتنفسّوا بروحک، فصارت قلوبهم مغارساً لهيبتک، وأبصارهم ماکفاً لقدترک، وقرّبت أرواحهم من قدسک، فجالسوا اسمک بوقار المجالسة وخضوع المخاطبة، فأقبلت إليهم إقبال الشفيق، وأنصتّ لهم إنصات الرفيق، وأجبتهم إجابات الأحبّاء، وناجيتهم مناجاة الأخلّاء، فبلغ بي المحلّ الذي

[صفحه 439]

إليه وصلوا وانقلني من ذکري إلي ذکرک ولا تترک بيني وبين ملکوت عزّک باباً إلّا فتحته ولا حجاباً من حجب الغفلة إلّا هتکته حتّي تقيم روحي بين ضياء عرشک، وتجعل لنا مقاماً نصب نورک إنّک علي کلّ شي‏ءٍ قدير.

إلهي ما أوحش طريقاً لا يکون رفيقي فيه أملي فيک، وأبعد سفراً لا يکون رجائي منه دليلي منک، خاب من اعتصم بحبل غيرک، وضعف رکن من استند إلي غير رکنک، فيا معلّم مؤمّليه الأمل فيذهب عنهم کآبة الوجل، لا تحرمني صالح العمل واکلأني کلاءة من فارقته الحيل، فکيف يلحق مؤمليک ذلّ الفقر وأنت الغنيّ عن مضارّ المذنبين.

إلهي وإنّ کلّ حلاوة منقطعة وحلاوة الايمان تزداد حلاوتها اتّصالاً بک.

إلهي وإنّ قلبي قد بسط أمله فيک فأذقته من حلاوة بسطک إيّاه البلوغ لما أمّل، إنّک علي کلّ شي‏ءٍ قدير.

إلهي أسألک مسألة المسکين الذي قد تحيّر في رجاه فلا يجد ملجأً ولا مسنداً يصل به إليک، ولا يستدلّ به عليک إلّا بک وبأرکانک ومقاماتک التي لا تعطيل لها منک، فأسألک باسمک الذي ظهرت له لخاصة أوليائک فوحّدوک وعرفوک فعبدوک بحقيقتک أن تعرّفني نفسک لأقرّ لک بربوبيّتک علي حقيقة الايمان بک، ولا تجعلني يا إلهي ممن يعبد الاسم دون المعني، والحظني بلحظة من لحظاتک تنوّر بها قلبي بمعرفتک خاصة ومعرفة أوليائک إنک علي کلّ شي‏ءٍ قدير.[1].


صفحه 438، 439.








  1. البحار 94:94.