والفقر حصيلة الظلم والجهل والتواني
وَلَوْ وَهَبَ ما تَنَفَّسَتْ[3] عَنْهُ مَعادِنُ الْجِبالِ، وَضَحِکَتْ[4] عَنْهُ أَصْدافُ البِحارِ: مِنْ فِلِزِّ اللُّجَيْنِ[5] وَالْعِقْيانِ، وَنُثارَةِ[6] الدُّرِّ وَحَصِيدِ الْمَرْجانِ،[7] ما أَثَّرَ ذلِکَ فِي جُودِهِ، [صفحه 118] وَلا أَنْفَدَسَعَةَ ما عِندَهُ، وَلَکانَ عِندَهُ مِنْ ذَخائِرِ الْأَنْعامِ مالا تُنْفِدُهُ[8] مَطالِبُ الْأَنامِ، لِأَنَّهُ الْجَوادُ الَّذِي لا يَغِيضُهُ[9] سُؤالُ السّائِلِينَ، وَلا يُبْخِلُهُ[10] إلْحاحُ الْمُلِحِّينَ. ...قَدَّرَ ما خَلَقَ فَأَحْکَم تَقْدِيرَهُ، وَدَبَّرَهُ فَالْطَفَ تَدْبِيرَهُ، وَوَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ، وَلَمْ يَقْصُرْدوُنَ الْإنْتِهاءِ إلي غايَتِهِ، وَلمْ يَسْتَصْعِبْ[11] إذْ أُمِرَ بِالْمُضِيِّ عَلي إرادَتِهِ، وَکَيْفَ وَإنَّما صَدَرَتِ الأُمُورُ عَنْ مَشِيَّتِهِ الْمُنشِيءُ أَصْنافَ الْأَشْياءِ بِلا رَوِيَّةِ فِکْرٍ الَ إلَيْها، وَلا قَرِيحَةِ غَرِيزَةٍ[12] أَضْمَرَ عَلَيْها، وَلا تَجْرِبَةٍ أَفادَها[13] مِنْ حَوادِثِ الدُّهُورِ، وَلا شَرِيکٍ أَعانَهُ عَلَي ابْتِداعِ عَجائِبِ الْأُمُورِ، فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ، وَأَذْ عَنَ لِطاعَتِهِ، وَأَجابَ إلي دَعْوَتِهِ، لَمْ يَعْتَرِضْ دُونَهُ رَيْثُ[14] الْمُبْطِيءِ، وَلا أَناةُ[15] الْمُتَلَکِّيءِ. فَأَقامَ مِنَ الْأَشْياءِ أَوَدَها،[16] وَنَهَجَ[17] حُدوُدَها، وَلاءَمَ بِقُدْرَتِهِ بَيْنَ مُتَضادَّها، [صفحه 119] وَوَصَلَ أَسْبابَ قرائِنِها،[18] وَفَرَّقَها أَجْناساً مُخْتَلِفاتٍ في الْحُدوُدِ وَالْأَقْدارِ وَالْغرائِزِ[19] وَالْهَيْئاتِ، بَدايا[20] خَلائِقَ أَحْکَمَ صُنْعَها وَفَطَرَها عَلي ماأَرا دَ وَابْتَدَعَها.[21]. ...فَلَمّا أَلْقَتِ السَّحابُ بَرْک[22] بَوانِيها، وَبَعاعَ[23] مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْءِ[24] الْمَحْمُولِ عَلَيْها، أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوامِدِ[25] الْأَرْضِ النَّباتَ، وَمِنْ زُعْرِ[26] الْجِبالِ الْأَعْشابَ فَهِي تَبْهَجُ[27] بِزِينَةِ رِياضِها، وَتَزْدَهِي[28] بِما أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَبْطِ[29] أَزاهِرِها،[30] وَحِلْيَةِ ما سُمِّطَتْ[31] بِهِ مِنْ ناضِرِ أَنْوارِها،[32] وَجَعَلَ ذلِکَ بَلاغاً[33]. لِلْأَنامِ، وَرِزْقاً لِلأَنْعامِ، وَخَرَقَ الْفِجاجَ في افاقِها، وَأَقامَ الْمَنارَ لِلسّالِکينَ عَلي جَوادِّ طُرُقِها...[34]. [صفحه 120]
الْحَمْدُللَّهِ الَّذِي لا يَفِرُهُ[1] الْمَنْعُ وَالْجُمُودُ وَلا يُکْدِيهِ[2] الْإعْطاءُ وَالْجُودُ، إذْ کُلُّ مُعْطٍ مُّنتَقَصٌ سِواهُ، وَکُلُّ مانِعِ مَذْمُومٌ ماخَلاهُ، وَهُوَ الْمَنّانُ بِفَوائِدِ النِّعَمِ، وَعَوائِدِ الْمَزِيدِ وَالْقِسَمِ، عِيالُهُ الْخَلائِقُ، ضَمِنَ أَرْزاقَهُمْ، وَقَدَّرَ أَقْواتَهُمْ، وَنَهَجَ سَبِيلَ الرّاغِبِينَ إلَيْهِ، وَالطّالِبِينَ ما لَدَيْهِ، وَلَيْسَ بِما سُئِلَ بِأَجْوَدَ مِنْهُ بِما لَمْ يُسْألْ.
صفحه 118، 119، 120.