عجائب خلقة النملة











عجائب خلقة النملة



أُنظُرُوا إلَي النَّمْلَةِ! فِي صِغَرِ جُثَّتِها، وَلَطافَةِ هَيْئتها، لا تُنالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ، وَلا بِمُسْتَدْرَکِ الْفِکرِ، کَيْفَ دَبَّتْ عَلي أَرْضِها، وَصُبَّتْ عَلي رِزْقَها، تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إلي حُجْرِها، وَتُعِدُّها فِي مُسْتَقَرِّها، تَجْمَعُ فِي حَرِّها لِبَرْدِها، وَفِي وُرُودِها لِصَدَرِها.[1].

مَکْفُولَةٌ بِرِزْقِها، مِرْزُوقَةٌ بِوَفْقِها،[2] لا يُغْفِلُهَا الْمَنّانُ، وَلا يَحْرِمُهَا الدَّيّانُ وَلَوْ فِي الصَّفَا[3] الْيابِسِ، وَالْحَجَرِالْجامِسِ.[4] [5].

[صفحه 14]

وَلَوْ فَکَّرْتَ فِي مَجارِي أَکْلِها: فِي عُلْوِها وَسُفْلِها، وَما فِي الْجَوْفِ مِنْ شَراسِيفِ[6] بَطْنِها، وَما فِي الرَّأسِ مِنْ عَيْنِها وَأُذُنِها، لَقَضَيْتَ مِنْ خَلْقِها عَجَباً، وَلَقِيتَ مِنْ وَصْفِها تَعَباً!!

فَتَعالَي‏الَّذِي أَقامَها عَلي قَوائِمِها، وَبَناها عَلي دَعائِمِها، لَمْ يَشْرَکْهُ فِي فِطْرَتِها فاطِرٌ، وَلَمْ يُعِنْهُ عَلي خَلْقِها قادِرٌ.

وَلَوْ ضَرَبْتَ فِي مَذاهِبِ فِکْرِکَ لِتَبْلُغَ غاياتِهَ، ما دَلَّتْکَ الدَّلالَةُ إلاّ عَلي:

أَنَّ فاطِرَ النَّمْلَة هُوَ فاطِرُالنَّحْلَةِ، لِدَلِيلِ تَفْصِيلِ کُلِّ شَيْ‏ءٍ، وَغامِضِ أخْتِلافِ کُلِّ حَيٍّ.

وَمَا الْجَلِيلُ وَاللَّطِيفُ، وَالثَّقِيلُ وَالْخَفِيفُ، وَالْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ فِي خَلْقِهِ إلا سَواءٌ.[7].


صفحه 14.








  1. الصَدَر: محرّکاً- الرجوع بعد الورود.
  2. بِوِفقِها: بکسر الواو، أي بما يوافقها من الرزق ويلائم طبعها.
  3. الصّفا: الحجر الأملس لا شقوق فيه.
  4. الجامس: الجامد.
  5. الخطبة 185.
  6. الشراسيف: مقاطّ الأضلاع: وهي أطرافها التّي تشرف علي البطن.
  7. الخطبة 185.