خطبة المتقين (همّام)











خطبة المتقين (همّام)



رُوِيَ أَنَّ طاحِباً لِأَميرِ الْمُؤمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلامُ- يُقالُ لَهُ: هَمّامٌ- کانَ رَجُلاً عابِداً، فَقالَ لَهُ: ياأَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ صِفْ لِيَ الْمُتَّقِينَ حَتّي کَأَنِّي أَنظُرُ إِلَيْهِمْ، فَتَثاقَلَ عَلَيهِ‏السَّلامُ عَنْ جَوابِهِ، ثُمَّ قالَ: ياهَمّامُ اتَّقِ اللّهَ وَأَحْسِنْ «فَإِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ» فَلَمْ يَقْنَعْ هَمّامٌ بُذلِکَ الْقَوْلِ حَتّي عَزَمَ عَلَيْهِ، فَحَمِدَاللّهَ وَأَثْني عَلَيْهِ، وَصَلّي عَلَي النّبِيِّ- صَلَّي اللّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ- ثُمَّ قالَ:

... فَالْمُتَّقُونَ فِيها هُمْ أَهْلُ الْفَضائِلِ: مَنطِقُهُمُ الصَّوابُ،[1] وَمَلْبَسُهُمُ الْاِقْتصادُ،[2] وَمَشْيُهُمُ التَّواضُعُ.[3].

[صفحه 86]

غَضُّوا أَبْصارَهُمْ[4] عَمّا حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ، وَوَقَفُوا أَسْماعَهُمْ عَلَي الْعِلْمِ النّافِعِ لَهُمْ... عَظُمَ الْخالِقُ[5]. فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مادُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ.

فَهُمْ وَالْجَنَّةُ کَمَنْ قَدْ رَاها فَهُمْ فِيها مُنَعِّمُونَ.

وَهُمْ وَالنّارُ کَمَنْ قَدْرَاها فَهُمْ فِيها مُعَذَّبُونَ.

قُلُوبُهُم مَخْزُونَةٌ، وَشُرُورُهُم مَأْمُونَةٌ، وَأَجْسادُهُمْ نَحِيفَةٌ،[6] وَحاجاتُهُمْ خَفِيفَةٌ، وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ.

صَبَرُواْ أَيّاماً قَصِيَرةً أَعْقَبَتْهُمْ راحَةً طَوِيلَةً.

امّا الليل:

فَصافُّونَ أَقْدامَهُمْ تالِينَ لِأَجْزاءِ الْقُرْانِ، يُرَتِّلُونَها تَرْتِيلاً،[7] يَحَزُنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ[8] بِهِ دَواءَ دائِهِمْ...

وأمّا النهار:

فَحُلَماءُ عُلَماءُ أَبْرارُ أَتْقِياءُ...

[صفحه 87]


صفحه 86، 87.








  1. الصواب في القول وهو فضيلة العدل المتعلقة باللسان، وحاصله ان لا يسکت عما ينبغي ان يقال فيکون مفرّطاً، ولا يقول ما ينبغي أن يسکت عنه فيکون مفرطاً، بل يضع کلاًمن الکلام في موضعه اللايق به، وهو أخص من الصدق، لجواز ان يصدق الانسان فيما لا ينبغي من القول.
  2. الاقتصاد: يلبسون الثياب بين بين لا هي بالثمينة جدّاً ولا الرخيصة جدّاً.
  3. مشي التواضع، والتواضع ملکة تحت العفة تعود الي العدل بين رذيلتي المهانة والکبر، ومشي التواضع مستلزم للسکون والوقار.
  4. ابصارهم: خفضوها وغمضوها، وهو ثمرة العفة.
  5. وذلک بحسب الجواذب الالهية الي الاستغراق في معرفته ومحبته، وبحسب تفاوت ذلک الاستغراق يکون تفاوت تصور العظمة، وبحسب تصور عظمته تعالي يکون تصورهم لا صغرية مادونه ونسبته اليه في اعين بصائرهم.
  6. ومبدء ذلک کثرة الصيام والسهر وجشوبة المطعم وخشونة الملبس وهجر الملاذ الدنيوية.
  7. الترتيل:التبيين والإيضاح.
  8. يستثيرون: هيّجه، وقاري‏ء القرآن يستثير به الفکر الماحي للجهل.