استعدّوا للموت، حتي تستعدّوا للحياة











استعدّوا للموت، حتي تستعدّوا للحياة



فَاحْذَرُوا عِبادَ اللّهِ الْمَوْتَ وَقُرْبَهُ، وَأَعِدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَخَطْبٍ جَلِيلٍ: بِخَيْرٍ لايَکُونُ مَعَهُ شَرٌّ أَبَدًا، أَوْ شَرٍّ لايَکُونُ مَعَهُ خَيْرٌ أَبَدًا.

[صفحه 63]

فَمَنْ أَقْرَبُ إِلَي الْجَنَّةِ مِنْ عامِلِها، وَمَنْ أَقْرَبُ إِلَي النّارِ مِنْ عامِلِها؟ وَأَنْتُمْ طُرَداءُ الْمَوْتِ، إِنْ أَقَمْتُمْ لَهُ أَخَذَکُمْ، وَإِنْ فَرَرْتُم مِنْهُ أَدْرَکَکُمْ، وَمهُوَ أَلْزَمُ لَکُم مِنْ ظِلِّکُمْ!! الْمَوْتُ مَعْقُودٌ بِنَواصِيکُمْ،[1] وَالدُّنْيا تُطْوي مِنْ خَلفِکُمْ.[2].

فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبادَاللّهِ، وَبادِرُوا اجالَکُمْ بِاَعْمالِکُمْ،[3] وَابْتاعُوا[4] ما يَبْقي لَکُمْ بِما يَزُولُ عَنکُمْ، وَتَرَحَّلُوا[5] فَقَدْ جُدَّ بِکُمْ،[6] وَاسْتَعِدُّوا لِلْمَوْتِ فَقَدْ أَظَلَّکُمْ،[7] وَکُونوا قَوماً صِيحَ بِهِمْ فَانْتَبَهُوا، وَعَلِمُوا أَنَّ الدُّنْيا لَيْسَتْ لَهُمْ بِدارٍ فَااسْتَبْدَلوُا،فَإنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ لَمْ يَخْلُقْکُمْ عَبَثاً، وَلَمْ يَتْرُکْکُمْ سُدًي.[8].

وَمابَيْنَ أَحَدِکُمْ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ أَوِ النّارِ إلاَّ الْمَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ‏

وَإنَّ غايَةً تَنقُصُهَا اللَّحْظَةُ وَتَهْدِمُهَا السّاعَةُ لَجَدِيرَةٌ بِقَصْرِ الْمُدَّةِ وَإنَّ غائباً يَحُدُوهُ[9] الجَدِيدانِ، اللَّيْلُ وَالنَّهارُ لَحَرِيٌّ[10] بِسُرْعَةِ الْأَوْبَةِ.[11] وِ إِنَّ ق‏ءدِماً يَقْدَمُ بِالْفَوزِ أَوِ الشَّقْوَةِ لَمُسْتَحِقٌّ لِأَفْضَلِ ْلْعُدَّةِ.[12].

[صفحه 64]

اعْلَمُوا عِبادَاللّهِ، إِنَّ عَلَيْکُمْ رَصَداً[13] مِنْ أَنْفُسِکُمْ، وَعُيُونً مِنْ جَوارِ حِکُمْ، وَحُفّاظَ صِدْقٍ يَحْفَظُونَ أَعْمالَکُمْ، وَعَدَدَ أَنْفاسِکُمْ، لاتَسْتُرُکُمْ مِنْهُمْ ظُلْمَةُ لَيْلٍ داجٍ، وَلايُکُنُّکُمْ مِنْهُمْ بابٌ ذُورِ تاجٍ،[14] وَإِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ.

يَذْهَبُ الْيَوْمُ بِما فِيهِ، وَيَجِي‏ءُ الْغَدُ لاحِقاً بِهِ، فَکَأَنَّ کُلَّ امْرِي‏ءٍ مِنْکُمْ قَدْ بَلَغَ مِنَ الْأَرْضِ مَنْزِلَ وَحْدَتِهِ،[15] وَمَخَطَّ حُفْرَتِهِ، فَيالَهُ مِنْ بَيْتِ وَحْدَةٍ، وَمَنْزِلِ وَحْشَةٍ، وَمَفْرَدِ غُرْبَةٍ! وَکَاَنَّ الصَّيْحَةَ[16] قَدْ أَتَتْکُمْ، وَالسّاعَةَ قَدْ غَشِيَتْکُم، وَبَرَزْتُمْ لِفَصْلِ الْقَضاءِ.[17].

فِي يَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ، وَتُظْلِمُ لَهُ الْأَقْطارُ، وَتُعَطَّلُ فِيهِ صُرُومُ[18] الْعِشارِ،[19] وَيُنفَخُ فِي الصّوُرِ، فَتزْهِقُ کُلُّ مُهْجَةٍ، وَتَبْکَمُ کُلُّ لَهْجَةٍ، وَتَذِلُّ الشُّمُّ[20] الشَّوامِخُ،[21].

[صفحه 65]

وَالصُّمُ[22] الرَّواسِخُ،[23] فَيَصِيرُ صَلْدُها[24] سَراباً[25] رَقْرَقاً،[26] وَمَعْهَدُها[27] قاعاً[28] سَمْلَقاً،[29] فَلا شَفِيعٌ يَشْفَعُ، وَلاحَمِيمٌ يَدْفَعُ، وَلا مَعْذِرَةٌ تَنْفَعُ.[30].


صفحه 63، 64، 65.








  1. النّاصي- جمع ناصية-: مُقَدَّمُ شعر الرّأس.
  2. الکتاب: «27»، المجالس: ص 137 للشيخ المفيد- الامالي: 24:1 للشيخ الطوسي- بشارة المصطفي: ص 62، للطبري.
  3. «بادروا آجالکم باعمالکم» اي: سابقوها وعاجلوها بها.
  4. ابتاعوا: اشتروا ما يبقي من النّعيم الأبدي، بما يفني من لذّة الحياة الدّنيا وشهواتها المنقضية.
  5. الترحل: الانتقال،والمراد هنا لازمه وهو: إعداد الزّاد الذي لابدّ منه للرّاحل.
  6. جُدَّبکم: أي حثثتم وأزعجتم إلي الرّحيل.
  7. أظلّکم: قرب منکم من کأنّ له ظلاً قد ألقاه عليکم.
  8. سديً: مهملين.
  9. يحدوه: يسوقه، والجديدان: الليل والنهار.
  10. حريّ: جدير.
  11. الأوبة:الرّجعة.
  12. الخطبة: «64»، تذکرة الخواص: ص 145.
  13. الرَّصَد: الرقيب، ويريد به هنا رقيب الذمة وواعظ السرّ.
  14. الرّتاج- ککتاب-: الباب العظيم اذا کان محکم الغَلْق.
  15. «منزل وحدته»: هو القبر.
  16. المراد «بالصيحة» هنا الصيحة الثانية.
  17. الخطبة: «157» الکافي: 60:1.
  18. الصّروم- جمع صِرمة بالکسر- وهي قطعة من الابل فوق العشرة الي تسعة عشر او فوق العشرين الي الثلاثين او الأربعين أو الخمسين.
  19. العِشار- جمع عُشراء بضم ففتح کنُفَساء- وهي الناقة، مضي لحملها عشرة أشهر، وتعطيل جماعات الإبل: اهمالها من الرعي. والمراد انّ يوم القيامة تهمل فيه نفائس الأموال لاشتغال کل شخص بنجاة نفسه.
  20. الشُّم:- جمع أشم- أي رفيع، والمراد الجبال العالية.
  21. الشّامخ: المتسامي في الارتفاع، وذلّها: تدکدکها.
  22. الصُّم:- جمع أصمّ- وهو الصُّلب المُصْمَت، أي الّذي لا تجويف فيه.
  23. الرّاسخ: الثابت.
  24. الصَّلد: الصُّلب الأملس.
  25. السّراب: ما يخيله ضوء الشّمس کالماء خصوصاً في الأراضي السَّنِجَة وليس بما.
  26. الرَّقْرَقْ:- کجعفر- المضطرب.
  27. معهدها: المحلّ الّذي کان يعهد وجودها فيه.
  28. القاع: ما اطمأنّ من الأرض.
  29. السَّمْلَق:- کجَعْفَر-، الصَفْصَفْ المستوي: أي تُنْسَفْ تلک الجبال ويصير مکانها قاعا صفصفاً: أي مستوياً.
  30. الخطبة: «195»، بحارالأنوار: 314:7.