في تخويف اهل النهروان











في تخويف اهل النهروان[1]



.

فَأَنَا نَذِيرٌ لَکُمْ أَنْ تُصْبِحُواْ صَرْعي[2] بِأَثْناءِ هذَا النَّهْرِ، وَبِأَهْضامِ هذَا الْغائِطِ،[3] سُلْطانٍ مُبينٍ مَعَکُمْ: قَدْ طَوَّحَتْ[4] بِکُمُ الدّارُ، وَاحْتَبَلَکُمُ[5] الْمِقْدارُ، وَقَدْ کُنْتُ نَهَيْتُکُمْ عَنْ هذِهِ الْحُکُومَةِ، فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إباءَ الْمُخالِفِينَ الْمُنابِذِينَ، حَتّي صَرَفْتُ رَأْيِي إلي هَواکُمْ وَأَنْتُمْ مَعاشِرُ أَخِفّاءُ[6] الْهامِ، سُفَهاءُ الْأَحْلامِ،[7] وَلَمْ آتِ لا أَبا لَکُمْ بُجْراً،[8] وَلا أَرَدْتُ بِکُمْ ضُرَّا.[9].

[صفحه 188]

في الْخَوارِجِ لَمّا سَمِعَ قَوْلَهُمْ «لا حُکْمَ إلاّ لِلّهِ»:

قالَ عَلَيْهِ‏السَّلامُ: کَلِمَةُ حَقٍّ يُرادُ بِهَا باطِلٌ، نَعَمْ إنَّهُ لا حُکْمَ إلاّ لِلّهِ، وَلکِنْ هؤُلاءِ يَقُولُونَ: لا إمْرَةَ، وَإنَّهُ لابُدَّ لِلنّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فاجِرٍ، يَعْمَلُ فِي إمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ، وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْکافِرُ، وَيُبَلِّغُ اللّهُ فِيهَا الْأَجَلَ، وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَي‏ءُ، وَيُقاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ، وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ، وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ حَتّي يَسْتَرِيحَ بَرٌّ وَيُسْتَراحَ مِنْ فاجِرٍ.[10].

وَقَال لِعَبْدِاللّه بْنِ الْعَبّاسِ، لَمّا بَعَثَهُ لِلْاِحْتِجاج عَلَي الْخَوارِج:

لاتُخاصِمْهُمْ بِالْقُرْانِ فَإِنَّ الْقُرْانَ حَمّالٌ[11] ذُو وُجُوهٍ تَقُولُ وَيَقُولوُنَ، وَلکِنْ خاصِمْهُمْ بِالسُّنَّةِ فِإِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَنْها مَحِيصاً.[12] [13].


صفحه 188.








  1. النهروان: اسم لأسفل نهربين لخافيق، وطرفاه علي مقربة من الکوفة في طرف صحراء حروراء، وکان الذين خطؤوه في التحکيم قد نقضوا بيعته، وجهروا بعداوته، وصاروا له حرباً، واجتمع معظمهم عند ذلک الموضع، وهؤلاء يلقبون بالحرورية، لما تقدم أنّ الأرض التي اجتمعوا عليها کانت تسمي حروراء، وکان رئيس هذه الفئة الضالة: حُر قُرص بن زهير السّعدي، ويُلقب بذي الثُدَيَة (تصغير ثدية)، خرج اليهم اميرالمؤمنين يعظهم في الرجوع عن مقالتهم والعودة إلي بيعتهم، فأجابوا النصيحة برمي السهام وقتال اصحابه عليه‏السلام، فأمر بقتالهم، وتقدم القتال بهذا الانذار الذي تراه، وقيل: إنّه عليه‏السلام خاطب به الخوارج الذين قتلهم بالنهروان.
  2. صرعي: جمع صريع، أي طريح.
  3. الأهضام: جمع هضم، وهو المطمئن من الوادي. الغائط: ما سفل من الأرض، والمراد هنا المنخفضات.
  4. طوحت بکم الدار: قذفتکم في متاهة ومضلَّة.
  5. احتبلکم المقدار: احتبلکم: أوقعکم في حبالته، والمقدار: القدر الالهي.
  6. أخفاء الهام: ضعاف العقل، الهام الرأس، وخفها کناية عن الطيش وقلة العقل.
  7. سفهاء الأحلام: السفهاء: الحمقي، والاحلام: العقول.
  8. البُجر- بالضم-: الشر والامر العظيم والداهية.
  9. الخطبة: «36»- مروج الذهب: 402:2.
  10. الخطبة: «40»- کتاب الأم للامام محمد بن ادريس الشافعي- التاريخ: 41:6 للطبري.
  11. «القرآن حمّال»: أي يحمل معاني کثيرة.
  12. «محيصاً»: أي مهرباً.
  13. الرسالة: «77»- النهاية: 444:1 لابن الأثير.