الي طلحة والزبير











الي طلحة والزبير



أَمّا بَعْدُ، فَقَدْ عَلِمْتُما وَإِن کَتَمْتُما أَنِّي لَمْ أُرِدِ النّاسَ حَتّي أَرادُونِي، وَلَمْ أُبايِعْهُمْ حَتّي بايَعُونِي، وَإِنَّکُما مِمَّنْ أَرادَنِي وَبايَعَنِي، وَإِنَّ الْعامَّةَ لَمْ تُبايِعْنِي لِسُلْطانٍ غاصِبٍ، وَّلا

[صفحه 179]

لِعَرَضٍ[1] حاضِرٍ، فَإِن کُنْتُما بايَعْتُمانِي طآئِعَيْنِ فَارْجِعا وَتُوبا إِلَي اللّهِ مِن قَرِيبٍ وَإِن کُنْتُما باَيَعْتُمانِي کارِهَيْنِ فَقَدْ جَعَلْتُمالِي عَلَيْکُماَ السَّبِيلَ[2] بِإِظْهارِ کُمَا الطّاعَةَ وَإِسْرارِ کُمَا الْمَعْصِيَة، وَلَعَمْرِي ما کُنْتُما بِأَحَقِّ الْمُهاجِرِينَ بِالتَّقِيَّةِ وَالْکِتْمانِ، وَإِنَّ دَفْعَکُما هذَا الْأَمْرَ قَبْلَ أَن تَدْخُلا فِيهِ کانَ أَوْسَعَ عَلَيْکُما مِنْ خُروجِکُما مِنْهُ بَعْدَ إِقْرارِ کُمابِهِ.

وَقَدْ زَعَمْتُمآ أَنِّي قَتَلْتُ عُثْمانَ، فَبَيْنِي وَبَيْنَکُما مَن تَخَلَّفَ عَنِّي وَعَنکُما مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ يُلْزَمُ کُلُّ امْرِي‏ءٍ بِقَدْرِ مَااحْتَمَلَ، فَارْجِعا أَيُّهَا الشَّيْخانِ عَن رَّأْيِکُما، فَإِنَّ الْانَ أَعْظَمُ أَمْرِ کُما الْعارُمِن قَبْلِ أَن يَّجْتَمِعَ الْعارُ وَالنّارُ...[3].

... لَقَدْ نَقَمْتُما[4] يَسِيرًا، وَّأَرْجَأْتُما[5] کَثِيراً، أَلا تُخْبِرانِي أَيٌّ شَيْ‏ءٍ کانَ لَکُما فِيِه حَقٌّ دَفَعْتُکُما عَنْهُ؟[6].

أَمْ أَيٌّ قِسْمٍ اسْتَأْثَرْتُ عَلَيْکُما بِهِ؟ أَمْ أَيٌّ حَقٍّ رَّفَعَهُ إلَيَّ أَحَدٌ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ ضَعُفْتُ عَنْهُ أَمْ جَهِلْتُهُ أمْ أخْطَأْتُ بابَهُ؟ وَاللّهِ ما کانَتْ لِي فِي الْخِلافَة رَغْبَةٌ، وَلا فَي الْوِلايَة إِرْبَةٌ،[7] وَلکِنَّکُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْها، وَحَمَلْتُمُونِي عَلَيْها.

فَلَمّا أَفْضَتْ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلي کِتابِ اللَّهِ وَما وَضَعَ لَنا وَأَمَرَنا بِالْحُکمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ،

[صفحه 180]

وَمَااسْتَسَنَّ النَّبِيٌّ- صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَالَهَ- فَاقْتَدَيْتُهُ، فَلَمْ أحْتَجْ فِي ذلِکَ إلي رَأيِکُما،وَلا رَأيِ غَيْرِکُما، وَلا وَقَعَ حُکْمٌ جَهِلْتُهُ فَأَسْتَشِيرَ کُما وَإخْوانِي الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ کانَ ذلِکَ لَمْ أَرْغَبْ عَنکُما وَلاعَنْ غَيْرِکُما.

وَأمّا ما ذَکَرْتُما مِنْ أمْرِ الْأُسْوَةِ[8] فإنَّ ذلِکَ أمْرٌ لَّمْ أحْکُمْ أنَا فِيِه بِرَأيَي، وَلا وَلَّيْتُهُ هَويً مِنِّي، بَلْ وَجَدْتُ أنَا وَأنْتُما ما جاءَ بِه رَسوُلُ‏اللّهِ صَلَّي‏اللّه عَلَيْهِ وَالِهِ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَلَمْ أَحْتَجْ إلَيْکُما فِيما قَدْ فَرَغَ اللّهُ مِنْ قَسْمِهِ، وَأمْضي فِيهِ حُکْمَهُ فَلَيْسَ لَکُما- وَاللّهِ- عِنْدِي وَلا لِغَيْرِکُما فِي هذا عُتْبي.[9].

أخَذَ اللّهُ بِقُلُوبِنا وَقُلُوبِکُمْ إلَي الْحَقِّ، وَألْهَمَنا وَإيّاکُمُ الصَّبْرَ.

ثُمَّ قالَ عليه‏السلام: رَحِمَ اللّهُ اَمْرَأً رَأي حَقَّاً فَأعانَ عَلَيْهِ، أَوْ رَأي جِوْراً فَرَدَّهُ وَکانَ عَوْنَاً بِالْحَقِّ عَلي صاحِبِهِ.[10].

وَقَدْ قالَ لَهُ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ: نُبايِعُکَ عَلي أَنّا شُرَکاؤُکَ فِي هذَا الْأَمْرِ فَقالَ:

لا وَلکِنَّکُما شَرِيکانِ فِي الْقُوَّةِ وَالْاِسْتِعانَةِ، وَعَوْنانِ عَلَي الْعَجْزِ وَالْأَوَدِ.[11] [12].

کُلُّ واحِدٍ مِنْهُما يَرْجُوا الْأَمْرَلَهُ، وَيَعْطِفُهُ عَلَيْهِ دُونَ صاحِبِهِ: لايَمُتّانِ[13] إِلَي اللّهِ بِحَبْلٍ، وَلايَمُدّانِ إِلَيْهِ بِسَبَبٍ،[14] کُلُّ واحِدٍ مِنْهُما حامِلُ ضَبٍّ[15] لِصاحِبِهِ، وَعَمّا قَلِيلٍ

[صفحه 181]

يَکّشِفُ قِناعَهُ بِهِ وَأللّهِ لَئِنْ أَصابُوا الَّذِي يُرِيدُونَ لَيَنتَزِ عَنَّ هذا نَفْسَ هذا، وَلَيَأْتِيَنَّ هذا علي هذا.

قَدْ قامَتِ الْفِئةُ الْباغِيَةُ فَأَيْنَ الْمُحْتَسِبُونَ؟[16] قَدْ سُنَّتْ لَهُمُ السُّنَنُ، وَقُدِّمَ لَهُمُ الْخَبَرُ، وَلِکُلِّ ضَلَّةٍ عِلَّةٌ، وَلِکُلِّ ناکِثٍ شُبْهَةٌ.

وَاللّهِ اَکوُنُ کَمُسْتَمِعِ اللَّدْمِ،[17] يَسْمَعُ النّاعِيَ، وَيَحْضُرُ الْباکِيَ (ثُمَّ لايَعْتَبِرُ).[18].

... وَاللّهِ ما أَنْکَرُوا عَلَيَّ مُنکَراً، وَلاجَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نِصْفاً[19] وَإِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً تَرَکُوهُ، وَدَماًهُمْ سَفَکُوهُ، فَإِن کُنتُ شَرِيکَهُمْ فِيهِ فَإنَّ لَهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنْهُ، وَإنْ کانُوْا وُلُّوهُ دُوِني فَمَا الطَّلِبَةُ[20] إِلّا قِبَلَهُمْ، وَإِنَّ أَوَّلَ عَدْلِهِمْ لَلْحُکْمُ عَلي أَنفُسِهِمْ وَإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي: مالَبَّسْتُ وَلالُبِّسَ عَلَيَّ، وَإِنَّها لَلْفِئةُ الْباغِيَةُ فِيهَا الْحَماءُ وَالْحُمَةُ[21] وَالشُّبْهَةُ الْمُغْدِفَةُ[22] وَإِنَّ الْأَمْرَ لَواضِحٌ وَقَدْ زاحَ[23] الْباطِلُ عَنْ نِصابِهِ، وَانقَطَعَ لِسانُهُ عَنْ شَغَبِهِ[24] وَايْمُ اللّهِ لَأُفْرِطَنَّ[25] لَهُمْ حَوْضاً أَنَا ماتِحُهُ،[26] لايَصْدُرُونَ عَنْهُ بِرِيٍّ، وَلاْيَعُبُّونَ[27] بَعْدَهُ فِي حِسّيٍ...[28].

[صفحه 182]

... اللّهُمَّ إنَّهُما قَطَعانِي وَظَلِمانِي، وَنَکَثا بَيْعَتِي، وَأَلَبَا[29] النّاسَ عَلَيَّ، فَاحْلُلْ ما عَقَدا، وَلا تُحْکِمْ لَهُما ما أَبْرَما، وَأَرِهِمَآ المَساءَةَ فِيما أَمَّلا وَعَمِلا.

وَلَقَدِ اسْتَثَبْتُهُما[30] قَبْلَ الْقِتالِ، وَاسْتَأْنَيْتُ بِهِما أَمامَ الْوِقاع،[31] فَغَمِطَا النِّعْمَةَ،[32] وَرَدَّا الْعافِيَةَ.[33].

«لابن عباس لما أرسله عليه‏السلام الي الزبير يستفيأه الي طاعته قبل حرب الجمل»:

لا تَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ فَإنَّکَ إن تَلْقَهُ تَجِدْهُ کَالثَّوْرِ عاقِصاً قَرْنَهُ،[34] يَرْکَبُ الْصَّعْبَ[35] وَيَقُولُ: هُوَ الْذَّلُولُ! وَلکِنِ الْقَ الزُّبَيْر فَإنَّهُ أَلْيَنُ عَرِيکَةً،[36] فَقُل لَهُ: يَقُولُ لَکَ ابْنُ خالِکَ: عَرَفْتَنِي بِالْحِجازِ وَأَنْکَرْتَنِي بِالْعِراقِ، فَما عَدا[37] مِمّا بَدا؟.[38].

... وَاللَّهِ لا أکُونُ کَالضَّبُعِ تَنامُ عَلي طُولِ اللَّدْمِ،[39] حَتّي يَصِلَ إلَيْها طالِبُها،

[صفحه 183]

وَيَخْتِلَها[40] راصِدُها[41] وَلکِنّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إلَي الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْهُ، وَبِالسّامِعِ الْمُطِيعِ العاصِيَ الْمُرِيبَ[42] أَبَداً حتّي يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي، فَوَاللَّهِ ما زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّي‏اللَّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ حَتّي يَوْمِ النّاسِ هذا.[43].

... يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بايَعَ بِيَدِهِ وَلَمْ يُبايِعْ بِقَلْبِهِ، فَقَدْ أقَرَّ بِالْبَيْعَةِ، وَادَّعَي الْوَلِيجَةَ،[44] فَلْيَأْتِ عَلَيْها بِأَمْرٍ يُعْرَفُ، وَإلاّ فَلْيَدْخُلْ فيما خَرَجَ مِنْهُ.[45].

أَلا وَإنَّ الشَّيْطانَ قَدْ ذَمَّرَ حِزْبَهُ،[46] وَاسْتَجْلَبَ جَلَبَهُ،[47] لِيَعُودَ الْجَوْرُ إلي أَوْطانِهِ، وَيَرْجِعَ الْباطِلُ إلي نِصابِهِ،[48] وَاللَّهِ ما أَنْکَروُا عَلَيَّ مُنْکَراً، وَلا جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نَصِفاً.[49].


صفحه 179، 180، 181، 182، 183.








  1. العرض- بالتحريک- هو المتاع وما سوي النقدين من المال.
  2. جعلتما لي عليکما السبيل: أي الحجة.
  3. الرسالة: «54»، المقامات في مناقب اميرالمؤمنين عليه‏السلام لأبي جعفر الاسکافي- الامامة والسياسة: 70:1 لابن قتيبة التاريخ: ص 173 لابن اعثم الکوفي- الروضة من الکافي: ص 19.
  4. نقمتما: أي غضبتما.
  5. أرجأتما: أي أخرتما مما يرضيکما کثيراً لم تنظر اليه.
  6. کلم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة وقد عتبا عليه من ترک مشورتهما، والاستعانة في الامور بهما.
  7. الإربة- بکسر الهمزة- الغرض والطلبة.
  8. الأسوة: ها هنا التسوية بين المسلمين في قسمة الأموال، وکان ذلک قد اغضب القوم.
  9. العتبي: الرجوع عن الإساءة.
  10. الخطبة: «205»- شرح نهج‏البلاغة لابن أبي‏الحديد: 173:2.
  11. الأود: بلوغ الأمر من الانسان مجهوده شدّته وصعوبة احماله.
  12. قصار الحکم: «202«.
  13. لا يمتان: لا يمدان.
  14. السبب: الحبل.
  15. الضبّ: بالفتح وبکسر: الحقد، والعرب تضرب المثل بالضبّ في العقوق.
  16. المحتسبون: الذين يجاهدون حسبه للَّه.
  17. اللدم: الضرب علي الصدر والوجه عند النياحة.
  18. الخطبة: «148»- الارشاد: ص 142، للشيخ المفيد.
  19. النّصف- بکسر النون-: الانصاف.
  20. الطّلبة- بفتح الطاء وکسر اللام-: ما يطلب به من الثأر.
  21. المراد بالحماء هنا مطلق القريب والنسيب، وهو کناية عن الزبير، فانه من قرابة النبي صلي الله عليه و آله ابن عمّة، والحُمَة بضم ففتح-: اصلها الحيّة أو أبرة اللاسعة من الهوام.
  22. أغدفت المرأة قناعها: أرسلته علي وجهها، وأغدف الليل: أرخي سدوله، يعني: أن شبهة الطلب بدم عثمان شبهة ساترة للحق.
  23. زاح يزيح زيحاً وزيحاناً: بَعُد وذهب، کانزاح، والنصاب: الأصل، أي: قد انقلع الباطل عن مغرسه.
  24. الشغب- بالفتح-:تهييج الشرّ.
  25. أفرط الحوض: ملأه حتي فاض، والمراد حوض المنية.
  26. ماتحه: أي نازع مائه لأسقيهم.
  27. عبّ: شرب بلا تنفّس.
  28. الحسي- بفتح الحاء وتکسر-: سهل من الأرض يستنقع فيه الماء.
  29. التألب: الافساد.
  30. استثبتهما: من ثاب (بالثاء) إذا رجع، اي استرجعتهما وطلبت اليهما الرجوع للبيعة.
  31. أمام الوقاع:- ککتاب- قبيل المواقعة بالحرب.
  32. غمط النعمة: جحدها.
  33. الخطبة: «137» والاستيعاب: 211:2 لابن عبدالبر.
  34. عاقصاً قرنه: من «عقص الشعر» إذا ضفره وفتله ولواه، کناية عن تغطرسه وکبره.
  35. يرکب الصعب: يستهين به ويزعم أنه ذلول سهل، والصعب:الدابة الجموح.
  36. العريکة: الطبيعة، والخلق، واصل العَرَک دلک الجسد بالدّباغ وغيره.
  37. عداه الامر: صرفه، وبدا: ظهر، والمراد: ما الذي صرفک عما کان بدا وظهر منک؟.
  38. الخطبة: «31«- من لا يحضره الفقيه: 362:3.
  39. اللّدم: صوت الحجر أو العصا أو غيرهما، تضرب به الأرض ضرباً غير شديد.
  40. يختلها: يخدعها.
  41. راصدها: صائدها الذي يترقبها.
  42. المريب: الذي يکون في حال الشک والريب.
  43. الخطبة: «6»- الأمالي: 52:1 للشيخ الطوسي.
  44. الوليجة: الدخيلة وما يضمر في القلب ويکتم.
  45. الخطبة: «8»- الجمل: ص 175 للشيخ المفيد- الجمل: للواقدي.
  46. ذمّر حزبه: حثهم وحضهم وهو بالتشديد أدل علي التکثير، ويروي مخففا ايضاً من باب ضرب ونصر.
  47. الجلب- بالتحريک-: ما يجلب من بلد الي بلد، وهو فعل بمعني مفعول مثل سلب بمعني مسلوب والمراد هنا بقوله «استجلب جلبه» جمع جماعته، کقوله «ذمّر جزبه».
  48. الجلب- بالتحريک-: ما يجلب من بلد الي بلد، وهو فعل بمعني مفعول مثل سلب بمعني مسلوب والمراد هنا بقوله «استجلب جلبه» جمع جماعته، کقوله «ذمّر جزبه».
  49. النصف- بالکسر- المنصف، أي: لم يحکموا رجلاً عادلاً بيني وبينهم.