امر اصحابه بقتال القاسطين...[1]
إلاَّ ذَلُّوا، فَتَواکَلْتُمْ[3] وَتَخاذَلْتُمْ حَتّي شُنَّتْ[4] عَلَيْکُمُ الْغاراتُ، وَمُلِکَتْ عَلَيْکُمُ الْأَوْطانُ. وَهذا أَخُو غامِدٍ قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبارَ،[5] وَقَدْ قَتَلَ حَسّانَ بْنَ حَسّانَ الْبَکْرِيَّ، وَأَزالَ خَيْلَکُمْ عَن مَسالِحِها[6] وَلَقَدْ بَلَغَنِي أنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ کانَ يَدْخُلُ عَلَي الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَي الْمُعاهَدَةِ[7] فَيَنْتَزِعُ حِجْلَها[8] وَقُلْبَها[9] وَقَلائِدَها وَرِعاثَها،[10] ما [صفحه 176] تَمْتَنِعُ مِنْهُ إلاّ بِالْاِسْتِرْجاعِ[11] وَالْإستِرْحامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وافِرِينَ،[12] ما نالَ رَجُلاً مِنْهُمْ کَلْمٌ[13] وَلا أُرِيقَ لَهُ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ اَمْرَاءً مُسْلِماً ماتَ مِنْ بَعْدِ هذا أَسَفاً ما کانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ کانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً. فَيا عَجَباً عَجَباً!! وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ اجْتِماعُ هؤلاءِ الْقَوْمِ عَلي باطِلِهِمْ وَتَفَرُّقُکُمْ عَنْ حَقِّکُمْ، فَقُبْحاً لَکُمْ وَتَرَحاً[14] حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً[15] يُرْمي، يُغارُ عَلَيْکُمْ وَلا تُغِيرُونَ، وَتُغْزَوْنَ وَلا تَغْزُونَ، وَيُعْصَي اللَّهُ وَتَرْضَوْنَ. فَإذا أَمَرْتُکُمْ بِالسَّيْرِ إلَيْهِمْ فِي أَيّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ ه ذِهِ حَمارَّةُ الْقَيْظِ[16] أَمْهِلْنا يُسَبِّخْ[17] عَنَّا الْحَرُّ، وَإذا أَمَرْتُکُمْ بِالسَّيْرِ إلَيْهِمْ فِي الشّتاءِ قُلْتُمْ هذِهِ صَبارَّةُ الْقُرَّ[18] أَمْهِلْنا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ. کُلُّ هذا فِراراً مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ (فَإذا کُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ) فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ.[19]. [صفحه 177] لا تُقاتِلُوهُمْ[20] حَتّي يَبْدَؤُوکُمْ، فَإِنَّکُمْ- بِحَِمْدِاللّهِ- عَلي حُجَّةٍ، وَتَرْکُکُمْ إِيّاهُمْ حَتّييَبْدَؤُوکُمْ حُجَّةٌ أُخْري لَکُمْ عَلَيْهِمْ، فَإِذا کانَتِ الْهَزِيمَةُ بِإِذْنِ اللّهِ فَلا تَقْتُلُواْ مُدْبِراً، وَلا تُصِيبُوا مُعْوِراً،[21] وَلاتُجْهِزُوا[22] عَلي جَرِيحٍ، وَلا تَهِيجُوا النِّساءَ بِأَذيً، وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْراضَکُمْ، وَسَبَبْنَ أُمَراءَکُمْ، فَإِنَّهُنَّ ضَعِيفاتُ الْقُوي وَالْأَنْفُسِ وَالْعُقُولِ، إِنْ کُنّا لَنُؤْمَرُ بِالْکَفِّ عَنْهُنَّ وَإنَّهُنَّ لَمُشْرِکاتٌ، وَإِنْ کانَ الْرَّجُلُ لَيَتَناوَلُ الْمَرْأَةَ فِي الْجاهِلِيَّةِ بِالْفِهْرِ[23] أَوِ الْهِراوَةِ[24] فَيُعَيَّرُ بِها وَعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ.[25]. وَکانَ[26] بَدْءُ أَمْرِنا أَنَّا الْتَقَيْنا وَالْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشّامِ، وَالظّاهِرُ أَنَّ رَبَّنا[27] واحِدٌ، وَنَبِيَّنا واحِدٌ، وَدَعْوَتَنا فِي الاِْسْلامِ واحِدَةٌ، وَلا نَسْتَزِيدُهُمْ[28] فِي الْإِيمانِ بِاللّهِ وَالتَّصْدِيقِ لِرَسُولِهِ وَلا يَسْتَزِيدُونَنا وَالْأَمْرُ واحِدٌ إِلاّ مَااخْتَلَفْنا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثْمانَ، وَنَحْنُ مِنْهُ بَراءٌ! فَقُلْنا: تَعالَوْا نُداوِي مالا يُدْرَکُ الْيَوْمَ بِإِطْفاءِ النّائِرَةِ وَتَسْکِينِ[29] الْعامَّةِ، حَتّي يَشْتَدَّ الْأَمْرُ وَيَسْتَجْمِعَ، فَنَقْوي عَلي وَضْعِ الْحَقِّ فِي مَواضِعِهِ، فَقالُوا: بَلْ نُداوِيِه [صفحه 178] بِالْمُکابَرَةِ![30] فَأَبَوْا حَتّي جَنَحَتِ[31] الْحَرْبُ وَرَکَدَتْ،[32] وَوَقَدَتْ[33] نِيرانُها وَحَمِشَتْ.[34]. فَلَمّا ضَرَّسَتْنا[35] وَإِيّاهُمْ، وَوَضَعَتْ مَخالِبَها فِينا وَفِيهِمْ، أَجابُوا عِنْدَ ذلِکَ إِلَي الَّذِي دَعَوْناهُمْ إِلَيْهِ، فِأَجَبْناهُمْ إِلي مادَعَوْا، وَسارَعْناهُمْ[36] إِلي ما طَلَبُوا، حَتَّي اسْتَبانَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ، وَانْقَطَعَتْ مِنْهُمُ الْمَعْذِرَةُ، فَمَنْ تَمَّ عَليذ لِکَ مِنْهُمْ فَهُوَ الَّذِي أَنقَذَهُ اللّهُ مِنَ الْهَلَکَةِ، وَمَنْ لَجَّ وَتَمادي فَهُوَ الرّاکِسُ[37] الَّذِي رانَ[38] اللّهُ عَلي قَلْبِهِ، وَصارَتْ دائِرَةُ السَّوْءِ عَلي رَأْسِهِ.[39].
ألا وَإنّيِ قَدْ دَعَوْتُکُمْ إلي قِتالِ هؤلاءِ الْقَوْمِ لَيْلاً وَنَهاراً وَسِرّاً وَإعْلاناً، وَقُلْتُ لَکُمْ: أُغْزُوهُمْ قَبْلَ أَّنْ يَغْزُوکُمْ، فَوَاللَّهِ ما غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دارِهِمْ[2].
صفحه 176، 177، 178.