نصيحة القاسطين و ارشادهم الي الحق











نصيحة القاسطين و ارشادهم الي الحق‏



(إِلي مُعاوِيَةَ): فَاتَّقِ اللّهَ فِيما لَدَيْکَ، وَانْظُرْ فِي حَقِّهِ عَلَيْکَ، وَارْجِعْ إِلي مَعْرِفَةِ مالا تُعْذَرُ بِجَهالَتِهِ، فَإِنَّ لِلطّاعَةِ أَعْلاماً و اضِحَةً، وَسُبُلاً نَيِّرَةً، وَمَحَجَّةً[1] نَهْجَةً،[2] وَغايَةً مُطَلِّبَةً،[3] يَرِدُهَا الْأَکْياسُ،[4] وَيُخالِفُهَا الْأَنکاسُ،[5] مَنْ نَکَبَ[6] عَنْها جارَ[7] عَنِ الْحَقِّ، وَخَبَطَ[8] فِي التِّيِه،[9] وَغَيَّرَ اللّهُ نِعْمَتَهُ، وَأَحَلَّ بِهِ نِقْمَتَهُ، فَنَفْسَکَ نَفْسکَ، فَقَدْ بَيَّنَ اللّهُ لَکَ سَبِيلَکَ، وَحَيْثُ تَناهَتْ بِکَ أُمُورُکَ، فَقَدْ أَجْرَيْتَ

[صفحه 168]

إِلي غايَةِ خُسْرٍ،[10] وَمَحَلَّةِ کُفْرٍ، وَإِنَّ نَفْسَکَ قَدْ أَوْلَجَتْکَ[11] شَرًّا، وَأَقْحَمَتْکَ[12] غَيًّا،[13] وَأَوْرَدَتْکَ الْمَهالِکَ، وَأَوْعَرَتْ[14] عَلَيْکَ الْمَسالِکَ.

...فَاحْذَرْ يَوْماً يَغْتَبِطُ[15] فِيهِ مَنْ أَحْمَدَ[16] عاقِبَةَ عَمَلِهِ، وَيَنْدَمُ مَنْ أَمْکَنَ[17] الشَّيْطانَ مِنْ قِيادِهِ فَلَمْ يُجاذِبْهُ.

وَقَدْ دَعَوْتَنا اِلي حُکْمِ الْقُرْانِ وَلَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَسْنا اِيّاکَ أَجَبْنا، وَلکِنّا أَجَبْنَا الْقُرْانَ فِي حُکْمِهِ...[18].

وَقَدِ ابْتَلانِي بِکَ وَابْتَلاکَ بِي، فَجَعَلَ أَحَدَنا حُجَّةً عَلَي الْاخَرِ، فَعَدَوْتَ[19] عَلَي طَلَبِ الدُّنْيا بِتَأْوِيلِ الْقُرْانِ، وَطَلَبْتَنِي بمالَمْ تَجْنِ يَدِي وَلا لِسانِي، وَعَصَبْتَهُ أَنْتَ وَأَهْلُ الشّامِ بِي،[20] وَأَلَبَّ عالِمُکُمْ جاهِلَکُمْ وَقائِمُکُمْ قاعِدَکُمْ.[21].

[صفحه 169]

فَاتَّقِ اللّهَ فِي نَفْسِکَ، وَنازِعِ الشَّيْطانَ قِيادَکَ،[22] وَاصْرِفْ إِلَي الْاخِرَةِ وَجْهَکَ، فَهِيَ طَرِيقُنا وَطَرِيقُکَ، وَاحْذَرْأَنْ يُصِيْبَکَ اللّهُ مِنْهُ بِعاجِلِ قارِعَةٍ[23] تَمَسُّ الْأَصْلَ،[24] وَتَقْطَعُ الدّابِرَ.[25].

... فَدَعْ عَنکَ قُرَيْشاً وَتَرْکا ضَهُمْ[26] فِي الضَّلالِ وَتَجْوالَهُمْ[27] فِي الشِّقاق[28] وَجِماحَهُمْ[29] فِي التِّيهِ،[30] فَإِنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعوُا عَلي حَرْبِي کَإجماعِهِمْ عَلي حَرْبِ رَسُولِ‏اللّهِ صَلَّي اللّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ قَبْليِ.[31].

... مالِي وَلِقُرَيْشٍ؟ وَاللّهِ لَقَدْ قاتَلْتُهُمْ کافِرِينَ، وَلَأُقاتِلَنَّهُمْ مَفْتُونِينَ، وَإنّي لَصاحِبُهُمْ بِالْأَمْسِ کَما أَنَا صاحِبُهُمُ الْيَوْمَ! واللَّه ما تنقم منا قريش الّا انّ اللَّه اختارنا عليهم فادخلناهم في حيزنا.[32].

فَقَدْ انَ لَکَ أَنْ تَنْتَفِعَ بِاللَّمْحِ الْباصِرِ[33] مِنْ عِيانِ الْأُموُرِ،[34] فَلَقَدْ سَلَکْتَ مَدارِجَ‏

[صفحه 170]

أَسْلافِکَ بِادِّعائِکَ الْأَباطِيلَ، وَاقْتِحامِکَ[35] غُروُرَ الْمَيْنِ[36] وِالْأَکاذِيبِ، وَبِانتِحالِکَ[37] ما قِدْ عَلا[38] عَنْکَ، وَبْتِزازِکَ[39] لِمَا اخْتُزِنَ[40] دوُنَکَ، فِراراً مِنَ الْحَقِّ، وَجُحُوداً لِما هُوَ أَلْزَمُ لَکَ مِنْ لَحْمِکَ وَدَمِکَ،[41] مِمّا قَدْوَعاهُ سَمْعُکَ، وَمُلِئَ بِهِ صَدْرُکَ، فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ، وَبَعْدَ الْبَيانِ إِلاَّ اللَّبْسُ،[42] فَاحْذَرِ الشُّبْهَةَ وَاشْتِمالَها عَلي لُبْسَتِها،[43] فَإِنَّ الْفِتْنَةَ طالَما أَغْدَفَتْ[44] جَلابِيبَها، وَأَغْشَتِ[45] الْأَبْصارَ ظُلْمَتُها... فَمِنَ الْانِ فَتَدارَکْ نَفْسَکَ وَانظُرْ لَها، فَإِنَّکَ إِنْ فَرَّطْتَ حَتّي يَنْهَدَ[46] إِلَيْکَ عِبادُ اللّهِ أُرْتِجَتْ[47] عَلَيْکَ الْأُموُرُ، وَمُنِعْتَ أَمْراً هُوَ مِنْکَ الْيَوْمَ مَقْبُولٌ.[48].

[صفحه 171]


صفحه 168، 169، 170، 171.








  1. المحجة: الطريق المستقيم.
  2. النهجة: الواضحة.
  3. مطّلبة- بالتشديد-: مساعفة لطالبها بما يطلبه (اي قضاء حاجته).
  4. الأکياس: العقلاء، جمع کيّس کسيّد.
  5. الأنکاس- جمع نکس بکسر النون-: الدني‏ء الخسيس.
  6. نکب: عدل.
  7. جار: مال.
  8. خبط: مشي علي غير هداية.
  9. التيه: الضلال.
  10. أجريب إلي غاية خسر: أجريت مطيتک مسرعاً الي غاية خسران.
  11. أولجتک: أدخلتک.
  12. أقحمتک: رمت بک.
  13. الغيّ: ضدّ الرّشاد.
  14. أوعرت: أخشنت وصعبت.
  15. يغتبط: يفرح ويسرّ.
  16. أحمد عاقبة عمله: وجدها حميدة.
  17. «امکن الشيطان من قياده» أي: مکنه من زمامه ولم ينازعه.
  18. الرسالة: «48»- کتاب صفين: ص 492- الفتوح: 322:3.
  19. عدوت: اي وثبت.
  20. ألَّب- بفتح الهمزة وتشديد اللّام-: أي حرّض، قالوا: يريد بالعالم ابا هريرة وبالقائم عمرو بن العاص.
  21. الرسالة: «55».
  22. القياد- بالکسر- الزّمام و «نازعه القياد» إذا لم يسترسل معه.
  23. القارعة: البلية والمصيبة.
  24. تمسّ الأصل- اي تصيبه- فتقلعه.
  25. الدابر: المتأخر من النسل- الرسالة: «55»- الطراز: 392:2 للسيد اليماني.
  26. الترکاض: مبالغة في الرکض، واستعاره لسرعة خواطرهم في الضلال.
  27. التّجوال: مبالغة في الجول والجولان.
  28. الشّقاق: الخلاف.
  29. جماحهم: استعصاؤهم علي سابق الحق.
  30. التّيه: الضلال والبغواية.
  31. الرسالة: «36»- الأغاني: 44:15 لأبي الفرج الاصبهاني.
  32. الخطبة: «33»- الإرشاد:ص 154 للشيخ المفيد- الخصائص: ص70.
  33. اللمح الباصر: الامر الواضح.
  34. عيان الأمور: مشاهدتها ومعاينتها.
  35. الاقتحام والاقحام: الدخول في الشي‏ء من غير رويّة.
  36. المين: الکذب.
  37. انتحالک: ادعاؤک لنفسک.
  38. ما قد علا عنک: ما هو أرفع من مقامک.
  39. «ابتزازک» أي سلبک.
  40. اختزن- اي مُنِع- دون الوصول اليک.
  41. المراد بالذي هو الزم له من لحمه ودمه، البيعة بالخلافة لامير المؤمنين عليه‏السلام.
  42. اللبس- بالفتح-: مصدر «لبس عليه يلبس» کضرب يضرب اي خلطه وفي التنزيل: (وللبسنا عليهم ما يلبسون) الانعام: 9.
  43. اللبسة- بالضم-: الإشکال.
  44. أغدقت المرأة قناعها: أرسلته علي وجهها فسترته، وأغدق الليل: أرخي سدوله- اي أغطيته- من الظلام، والجلابيب: جمع جلباب، وهو الثوب الأعلي يغطي ما تحته، اي طالما أسدلت الفتنة اغطية الباطل فاخفت الحقيقة.
  45. أغشت الابصار: أضعفتها ومنعتها النفوذ الي المرئيات الحقيقية.
  46. ينهد: ينهض لحربک.
  47. ارتجت: اُغلقت، وتقول اُرتَجَ الباب کرَتجه، اي أغلقه.
  48. الرسالة: 65.